جددت مراجعات جماعة الجهاد في مصر الجدل بشأن مستقبل هذا التيار في مصر و هل ستؤدى هذه المراجعات لتراجعات على المستوى الحركى و التنظيمى أم أن لهذه المراجعات أثرها المحدود في الواقع العملى؟؟
و ربما تجرنا هذه الأسئلة لأسئلة أخرى شديدة الارتباط بها بحيث لايمكن الإجابة عنها إلا بالإجابة عن هذه الأسئلة المرتبطة بها, و أهم هذه الأسئلة المرتبطة بما ذكرناه من أسئلة سؤالان هامان هما: ما هي العوامل التي أدت لنشأة تيار الجهاد في مصر؟؟ و ما هي العوامل التي تؤدى لنجاحه في القيام بأنشطة بارزة أو مؤثرة في الواقع السياسي المحلى؟؟
أولا- عوامل النشأة
لم ينشأ تيار الجهاد أصلا إلا من منطلق تبنى فكرة تغيير نظام الحكم بالقوة على أنها الوسيلة الوحيدة التي لا بديل عنها لإحداث التغيير الإسلامي المنشود و الذي دفع إلي تبني هذه الفكرة كوسيلة تغيير وحيدة كون حكام العالم الإسلامي حازوا الحكم بالقوة عبر الانقلابات العسكرية ثم تزوير الانتخابات بالقوة المسلحة و ليس بالانتخاب الحر النزيه كما مارسوا التحكم في العملية السياسية و العملية الاجتماعية و الدينية و الاقتصادية بالقوة و ليس باختيار الشعب كل هذا حسب رأي مفكري تيار الجهاد الذين أسسوا لهذا الفكر.
صحيح أنه نشأ اتجاه قوي لدى مفكري الجهاد فيما بعد يؤصل لتحريم الانتخابات و تحريم المشاركة في أي حكومة علمانية ولكن هذه الاتجاهات جاءت لاحقة على نشأة التيار و فكرته الأساسية و خطه الإستراتيجي, و الأدلة على ذلك كثيرة منها الجدل الذي عصف بتنظيم الجهاد (تنظيم إسماعيل طنطاوي) بعد حرب أكتوبر 1973م و كان حول شرعية مقاتلة دولة إسرائيل تحت قيادة علمانية و حكم شهادة من قتل في هذه الحرب من أعضاء الجماعة من ضباط الجيش, فهنا نلاحظ أن تنظيم الجهاد نشأ عام 1964م و هذا النقاش نشأ بعدها بعشر سنوات, و كذلك نجد أن الدكتور صالح سرية (قائد تنظيم الجهاد الأخر) تكلم في كلمته المشهورة أمام المحكمة العسكرية بالقاهرة (1974م) عن جواز المشاركة في الحكومات الكافرة واستدل على ذلك بفعل نبي الله يوسف عليه السلام و كذلك فعل النجاشي المسلم الذي كان معاصرا للنبي صلى الله عليه و آله و سلم و أقره النبي و صلى عليه و صلى عليه وبعد موته صلى عليه صلاة الجنازة على الغائب, و صرح صالح سرية في خطبته هذه أنه بهذا الكلام يريد أن يوضح هذه المسألة للإخوة و يقصد بذلك طبعا أعضاء تنظيمه لأنهم هم الذين يعتبرونه مرجعيتهم الشرعية الأساسية.
و بهذا يتضح أن الفكرة الأساسية التي قام عليها تنظيم الجهاد هي فكرة تحقيق هدفهم التغييري بالقوة المسلحة لعدم جدوى أى أسلوب أخر حسب رأيهم, و بالتالي فإن كل الفروق الفكرية الأخرى هي من قبيل التكميلات الفكرية التي نشأت بفعل عوامل كثيرة و بشكل لاحق على الدافع الأصلي و الحقيقي لنشأة هذا التيار.
و أيضا كان من أهم دوافع نشأة هذا التيار فشل حركات التغيير الإسلامي السلمية في تحقيق هدفها الإستراتيجي و هو إقامة الدولة الإسلامية لأن سبب ذلك هو التضييق علي الحركة الإسلامية و قمعها و منعها و البطش بها من قبل الحكام باستخدام القوة العسكرية الحكومية, و حسب رأى مفكري تيار الجهاد فإنه مادامت هذه الحكومات استخدمت القوة لفرض وجودها و توجهاتها فإن الحركة الإسلامية يلزمها الرد على هذه القوة بمثلها, و من ثم مثل هذا دافعا أساسيا لنشأة هذا التيار و مبررا قويا لهذه النشأة و المتفحص لتاريخ هذا التيار يجد مصداق هذا بسهولة في أحداث هذا التاريخ و إن كان معظم هذا التاريخ حتى الآن مجرد روايات شفهية فإن أدبياتهم السياسية تشهد على ذلك بوضوح و لعل أبلغ مثال على ذلك كتاب الفريضة الغائبة لمحمد عبد السلام هذا الكتاب الذى يعد أول دستور فكري مكتوب لتيار الجهاد بكل تنظيماته.
و في نفس الوقت نلاحظ أن من أهم دوافع نشأة تيار الجهاد شدة وطأة الإمبريالية و الهجمة الغربية على العالم الإسلامي إن بمساندة الديكتاتوريات الوطنية الحاكمة في العالم الإسلامي أو بالتدخل المباشر إما عسكريا و إما سياسيا و اقتصاديا و هذه التدخلات بكل أنواعها صحبها دائما وفقا لرأي الجهاد غزوا ثقافيا, و هذه الآراء كلها ملحوظة في أدبياتهم السياسية العامة و الخاصة مثل رسالة الإيمان من تأليف صالح سرية و كذلك الفريضة الغائبة من تأليف محمد عبد السلام فرج.
ثانيا- العوامل التي تؤدى بتيار الجهاد للقيام بعمل كبير
توفر قيادة لديها صفات معينة:
نلاحظ أن أي تنظيم جهادي مصري لم يقم بعمل بارز إلا إذا توفرت له قيادة ذات سمات معينة و أبرز هذه السمات في رأينا الاندفاع و التسرع بجانب وجود قيادة عسكرية محترفة, لان وجود التسرع و الاندفاع بدون قيادة عسكرية محترفة يؤدي لأعمال صداميه صغيرة كمهاجمة عنصر أمن و محاولة الاستيلاء على سلاحه و نحو ذلك.
و هذه الأحداث الصغيرة حدثت كثيرا كما في عملية قتل حراس قنصلية أجنبية و الاستيلاء على سلاحهم بالإسكندرية عام 1977م وقام بها عناصر منشقة من تنظيم الجهاد.
أما نموذج القيام بعملية كبيرة بسبب وجود قيادة عسكرية محترفة مع وجود قيادة مندفعة و متسرعة فهو متمثل في حالتين واضحتين:
الأولى- المحاولة الانقلابية الفاشلة التي عرفت إعلاميا باسم عملية الكلية الفنية العسكرية, و كانت القيادة العسكرية المحترفة متمثلة في الدكتور صالح سرية, أما القيادة المندفعة فتمثلت في كارم الأناضولي رغم أن كارم كان أيضا طالب بالسنة النهائية من الكلية الفنية العسكرية.
الثانية- عملية اغتيال رئيس مصر السابق أنور السادات و ما تلاها من عمليات, و قد تمثلت القيادة العسكرية المحترفة في عبود الزمر كما تمثلت القيادة المندفعة في محمد عبد السلام و قيادات الصعيد (الذين عرفوا فيما بعد بمجلس شورى الجماعة الإسلامية).
و قد رأى الدكتور رفعت سيد أحمد في بعض كتبه أنه كلما حوى تنظيم الجهاد عناصر من الجيش كلما قام بعمليات عنف كبيرة أو واسعة.
و نحن لا نوافقه على هذه المتلازمة بدليل أن تنظيم إسماعيل طنطاوي (أقدم تنظيم جهاد مصري) كان به ضباط و لم يقم بأي أعمال عنف, و كذلك تنظيم صالح سرية بعد صالح سرية (أى منذ 1975م) و حتى 1980م عندما جرى حله, كان يضم طوال هذه المدة عدد لا بأس به من العسكريين المحترفين و مع ذلك لم يقم بأي عمليات, و هو ما ينفي القاعدة التي حاول وضعها رفعت سيد أحمد لتحليل و تفسير القيام بالعمليات المسلحة لدى تنظيم الجهاد.قمع الحركات الإسلامية السلمية خاصة وسائر حركات المعارضة بصفة عامة:لان هذا القمع يمثل حجة قوية تستخدمها التيارات الجهادية في الترويج لفكرها السياسي و تصوراتها عن الواقع و أسلوب التغيير المناسب من وجهة نظرهم من أن الحكومة ديكتاتورية و قمعية و لا يصلح التعامل معها إلا باسلوبها, فيعتبرون هذا القمع دليلا على صحة موقفهم و مشروعهم التغيري, و هذا كله يسهل لهم عمليات تجنيد الشباب ا لجدد لتنظيم الجهاد.
ولذاك نلاحظ زيادة التجنيد لتنظيم الجهاد أوقات القمع كما حدث أخر أيام عبدالناصر و أخر أيام السادات.
فشل الحركات الإسلامية السلمية في تحقيق هدفها الإستراتيجي:
كما حدث عند نشأة تنظيم الجهاد فقد تم تأسيس تنظيم الجهاد وقتما وصلت جماعة الإخوان المسلمين لطريق مسدود مع جمال عبد الناصر.
و في نفس الوقت فقد ركز الجهاد في خطابه السياسي دائما على أن مبرر وجوده و استراتجيته التغييرية هو قمع الحركات الإسلامية السلمية من تحقيق أهدافها رغم تأييد الجماهير لها. زيادة بؤر اضطهاد المسلمين من قبل قوى غربية أو قوى مدعومة من الغرب:و عند شرح هذا العامل نحن في غنى عن أي إطالة, فجميع متابعي تطورات الحركة الإسلامية لا يخفى عليهم أثر الاضطهاد و الظلم الواقع على المسلمين في إلهاب مشاعر المسلمين في مشارق الأرض و مغاربها, فقضايا مثل فلسطين و أفغانستان و العراق و البوسنة و الشيشان و كشمير كل هذه القضايا كان لها أثر كبير على اتساع قاعدة التجنيد لتيار الجهاد في كل العالم العربي و خاصة مصر, ولا شك أن الظلم و القمع القاسي جدا الذي وقع على المسلمين في هذه البقاع دفع و مازال يدفع شباب المسلمين للإيمان أن لا بديل لمقابلة هذا الظلم و القسوة بغير القوة التي هي جوهر استراتيجية تيار الجهاد. وجود أو الإعلان عن نماذج ناجحة من التيار الجهادى في بعض البلاد:يمثل إلهاما للجهاديين في كل مكان بما في ذلك في مصر, وهذا الإلهام له تأثير كبير في تنشيط حركة التجنيد لهذا التيار و إلهاب حماسه و دفع قادته خاصة المتحمسين منهم لمزيد من النشاط و الحركة و ربما القيام بعمليات مسلحة, و كلنا يتذكر أثر عمليات القاعدة خاصة في العراق في إلهام عدد من المنظمات الجهادية في مصر للقيام بعمليات مسلحة كبيرة نسبيا مثل تفجيرات منظمة التوحيد و الجهاد في طابا وشرم الشيخ ودهب بسيناء أعوام 2004م و 2005م و 2006م و كذا تفجيرات الأزهر و عبد المنعم رياض و حادث السيدة عائشة عام 2006م.أثر العامل الأمني:يؤدي ضعف أجهزة الأمن المكافحة للحركة الجهادية في انعاش هذه الحركة وهو ما حدث في المرحلة من 1979م و حتى عام 1981م في مصر.
كما حدث في بعض الأحيان أن تبنت الحركة الجهادية تكتيكات مناسبة للقضاء على أثر أجهزة الأمن القوية والنشيطة و أدى هذا إلى نجاح هذه التنظيمات الجهادية و حدث هذا من قبل أول منظمة جهادية مصرية بقيادة اسماعيل طنطاوي و أيمن الظواهري من بعده في مصر في الفترة من 1964م و حتى 1979م, كما سلك تنظيم الجهاد في الفترة من 1985م و حتى 1992م سلوكا مشابها جنبه الضربات الأمنية القوية.
مساندة قوى خارجية:
إن توفر إمكانيات علمية أو مالية أو تسليحية أو غيرها كمساندة لتيار الجهاد من قوى مهمة مثل دول أو منظمات كبرى يمثل عاملا هاما في تطور و نشاط تيار الجهاد, و ذلك يبدو جليا في حالات جماعة الجهاد الإسلامي المصرية في الفترة من 1986م وحتى 1998م عندما كانت تتلقى دعما متعدد الأشكال من كل من منظمة حكمتيار في أفغانستان و الإستخبارات الإيرانية و أسامة بن لادن و منظمة القاعدة و المخابرات السودانية, و نفس الشئ حصل مع الجماعة الإسلامية المصرية من نفس الجهات عدا منظمة حكمتيار فلم تكن تساندها و لكن كانت منظمة عبد الرسول سياف تساندها, و يلاحظ المراقب بسهولة الأثر الكبير لهذه المساندات إذا قارن بين أداء جماعة الجهاد الإسلامي المصرية في الفترة من 1964م و حتى 1986م عندما لم تكن هذه المساندات موجودة و بين الفترة التالية أي من 1986م و حتى 1998م عندما كانت هذه المساندات موجودة. و جود حالة شعبية من السخط على النظام الحاكم:عادة ما تسهل حالة السخط على الحاكم من عمل تيار الجهاد إن في التجنيد أو التمويل أو التسليح أو التخفي أو التعبئة الشعبية, و غير ذلك, و هذا بديهي لا يحتاج لبرهان, و مع ذلك فإن أبرز مثال على ذلك هو تنظيم الجهاد في مصر أواخر عصر أنور السادات.
ثالثا- ما هو أثر النقد الذي تم توجيهه لفكر الجهاد طوال تاريخه و ما هو أثره على مسيرة العمل الحركى لتيار الجهاد؟؟
سبق أن تعرض تيار الجهاد لنقد مباشر و غير مباشر طوال تاريخه, و لقد كان هذا النقد على مستويات مختلفة فمنه ما توجه بشكل جزئي ليرد على جزئية معينة من جزئيات فكر الجهاد كما أن من هذا النقد ما تم توجيهه لأصل فكر الجهاد باستراتيجيته الكلية و فكرته العامة و ذلك كله من أطراف عدة, ومع ذلك ظلت حركة تيار الجهاد على النحو الذي شهدناه طوال تاريخ هذا التيار الممتد من أكثر من أربعين عاما و حتى الآن.
كما يلاحظ أن الطرح الفكري الخاص بكل تيار من التيارات الإسلامية المختلفة فكريا مع تيار الجهاد يمثل في جانب منه نقدا فكريا بشكل أو أخر لتيار الجهاد.
و مع ذلك لم تؤد هذه الأطروحات الفكرية لأي انحسار في تيار الجهاد على النحو الذي شاهدناه عبر تاريخه القصير
إذ من الملاحظ أن هناك منظومة من إستراتيجيات التغيير تتبناها التيارات الإسلامية المختلفة كالسلفية و الإخوان و القطبيين و التبليغ و الجهاد و الصوفية, و إنما قلنا منظومة لأنها مجتمعة تكاد تغطي كل وسائل و أدوات التغيير التي قد تطرأ على ذهن أى ناشط إسلامي يبحث عن مخرج من الأزمة الإسلامية الراهنة, و لذلك كان من المحتم أن يتوزع الناشطون الإسلاميون على الاتجاهات الفكرية التي تمثلها هذه المنظومة, و كان طبيعيا أن تستوعب هذه المنظومة كل أو أغلب الناشطين الإسلاميين لسبب بسيط ألا و هو تعدد محتوى هذه المنظومة بما لايدع جانبا من جوانب الفكر المتعلق بوسائل و أدوات التغير إلا و قد حواها فمن يرد التغيير السلمي عبر وسائل سياسية يجد الإخوان المسلمين و من يرد التغيير السلمي القائم على العمل الاجتماعي البعيد عن العمل السياسي سيجد السلفيين و من يرد نمطا صوفيا متطورا نسبيا مع كونه بعيد عن السياسة سيجد التبليغ و من يرد نمطا صوفيا تقليديا بعيدا عن السياسة سيجد طرقا صوفية متعددة كما أن من يقتنع بالقوة كأسلوب تغيير سيتجه لتيار الجهاد بمختلف منظماته, كما أن من يحبذ تربية عقائدية أكثر صرامة سيجد مجاله مع القطبيين.
و هكذا نجد أن خريطة العمل الإسلامي تتكون من منظومة متكاملة من حيث قدرتها على استيعاب كافة الناشطين الإسلاميين لسبب بسيط جدا و هو أن هذه المنظومة أنما صنعها فكر أمثال هؤلاء الناشطين.
كما يلاحظ أن الارتباط بالتيارات الإسلامية له بعد نفسي و اجتماعي فالمرتبطون بتيار ما لهم طبيعة نفسية و وجدانية خاصة مناسبة لهذا التيار مثل شخص صدامي أو عنيف و لو على مستوى الفكر فقط فهو لا يناسبه و لا يستوعبه سوى تيار الجهاد, بينما لو كان شخص ما يميل لتكريس حياته للعلم و للأنشطة العلمية فهذا سيجد مبتغاه في التيار السلفي أو القطبي و على هذا فقس سائر التيارات.
رابعا- الخاتمة
أجبنا في هذا المقال عن عدة أسئلة بينت الإجابة عليها ماهية العوامل المؤثرة في نشأة تيار الجهاد, و كذلك ماهية العوامل المؤثرة سلبا أو إيجابا في قدرة تيار الجهاد على القيام بعمليات كبيرة, ثم انطلقنا من هذين الموضوعين لنتبين أثر أي نقد فكري سبق و تم توجيهه إلى فكر تيار الجهاد فوجدنا أن هذا ليس له تأثير على تطور التيار أو حركته, لأن الطبيعة الفكرية و النفسية لبعض الناشطين الإسلاميين تحتم و جود مثل هذا التيار بجانب غيره من بقية التيارات الفكرية الإسلامية.
و لكن هنا قد يرد في ذهن القارئ سؤال مفاده: أن الجماعة الإسلامية بمصر (و هي أحد فصائل تيار الجهاد) قد راجعت أفكارها و كان لذلك تأثيره عليها بالشكل الذي أبعدها عن تيار الجهاد فكريا و عمليا أفلا يكون هذا دليلا على أن النقد و المراجعة الفكرية من شأنها أن تقضي على الوجود الحركي و العملي لهذا التيار؟؟
و قد رد البعض على هذا السؤال بأن تراجع الجماعة الإسلامية عن أفكارها تضمن قرارا تنظيميا من قيادة الجماعة بوقف العمليات و لكنني أرى أن هذه الإجابة غير كافية, فهي تكاد تفسر الماء بالماء, إذ أنه من الطبيعي أن يتضمن أي تراجع فكري قرارات تنظيمية يتم صنعها وفقا لمقتضايات الفكر الجديد.
لكن الذي يصح قوله في هذا الصدد هو أن الجماعة الإسلامية المذكورة كانت و مازالت ملكا لما يسمون بأعضاء مجلس الشورى, و هم يتمتعون بطاعة لدى أتباعهم أقرب ما تكون لمعنى القداسة و من ثم فهؤلاء القادة امتلكوا القدرة و الصلاحيات التي تمكنهم من تغيير فكر أعضاء الجماعة بجرة قلم كما يقال في اللغة المصرية الدارجة, أما غيرهم من قادة باقي المنظمات الجهادية فلا يمكنهم إلغاء فكر الجهاد بقرار من أي منهم مهما كانت مكانة صاحب القرار أو المراجعة, لكل الأسباب و التي سبق و قلناها.
و لكن هل تضعف مراجعات الجهاد هذا التيار على المستوى الحركي أو العملي؟؟
في الواقع أن المقال صريح في أن عوامل قوة أو ضعف تيار الجهاد لا علاقة لها بمسألة المراجعات أو النقد الفكري, و لكنها وثيقة الصلة بعوامل أخرى ذكرناها تحت عنوان "عوامل النشأة" و أيضا تحت عنوان "العوامل التي تؤدي بتيار الجهاد للقيام بعمل كبير".
و ربما تجرنا هذه الأسئلة لأسئلة أخرى شديدة الارتباط بها بحيث لايمكن الإجابة عنها إلا بالإجابة عن هذه الأسئلة المرتبطة بها, و أهم هذه الأسئلة المرتبطة بما ذكرناه من أسئلة سؤالان هامان هما: ما هي العوامل التي أدت لنشأة تيار الجهاد في مصر؟؟ و ما هي العوامل التي تؤدى لنجاحه في القيام بأنشطة بارزة أو مؤثرة في الواقع السياسي المحلى؟؟
أولا- عوامل النشأة
لم ينشأ تيار الجهاد أصلا إلا من منطلق تبنى فكرة تغيير نظام الحكم بالقوة على أنها الوسيلة الوحيدة التي لا بديل عنها لإحداث التغيير الإسلامي المنشود و الذي دفع إلي تبني هذه الفكرة كوسيلة تغيير وحيدة كون حكام العالم الإسلامي حازوا الحكم بالقوة عبر الانقلابات العسكرية ثم تزوير الانتخابات بالقوة المسلحة و ليس بالانتخاب الحر النزيه كما مارسوا التحكم في العملية السياسية و العملية الاجتماعية و الدينية و الاقتصادية بالقوة و ليس باختيار الشعب كل هذا حسب رأي مفكري تيار الجهاد الذين أسسوا لهذا الفكر.
صحيح أنه نشأ اتجاه قوي لدى مفكري الجهاد فيما بعد يؤصل لتحريم الانتخابات و تحريم المشاركة في أي حكومة علمانية ولكن هذه الاتجاهات جاءت لاحقة على نشأة التيار و فكرته الأساسية و خطه الإستراتيجي, و الأدلة على ذلك كثيرة منها الجدل الذي عصف بتنظيم الجهاد (تنظيم إسماعيل طنطاوي) بعد حرب أكتوبر 1973م و كان حول شرعية مقاتلة دولة إسرائيل تحت قيادة علمانية و حكم شهادة من قتل في هذه الحرب من أعضاء الجماعة من ضباط الجيش, فهنا نلاحظ أن تنظيم الجهاد نشأ عام 1964م و هذا النقاش نشأ بعدها بعشر سنوات, و كذلك نجد أن الدكتور صالح سرية (قائد تنظيم الجهاد الأخر) تكلم في كلمته المشهورة أمام المحكمة العسكرية بالقاهرة (1974م) عن جواز المشاركة في الحكومات الكافرة واستدل على ذلك بفعل نبي الله يوسف عليه السلام و كذلك فعل النجاشي المسلم الذي كان معاصرا للنبي صلى الله عليه و آله و سلم و أقره النبي و صلى عليه و صلى عليه وبعد موته صلى عليه صلاة الجنازة على الغائب, و صرح صالح سرية في خطبته هذه أنه بهذا الكلام يريد أن يوضح هذه المسألة للإخوة و يقصد بذلك طبعا أعضاء تنظيمه لأنهم هم الذين يعتبرونه مرجعيتهم الشرعية الأساسية.
و بهذا يتضح أن الفكرة الأساسية التي قام عليها تنظيم الجهاد هي فكرة تحقيق هدفهم التغييري بالقوة المسلحة لعدم جدوى أى أسلوب أخر حسب رأيهم, و بالتالي فإن كل الفروق الفكرية الأخرى هي من قبيل التكميلات الفكرية التي نشأت بفعل عوامل كثيرة و بشكل لاحق على الدافع الأصلي و الحقيقي لنشأة هذا التيار.
و أيضا كان من أهم دوافع نشأة هذا التيار فشل حركات التغيير الإسلامي السلمية في تحقيق هدفها الإستراتيجي و هو إقامة الدولة الإسلامية لأن سبب ذلك هو التضييق علي الحركة الإسلامية و قمعها و منعها و البطش بها من قبل الحكام باستخدام القوة العسكرية الحكومية, و حسب رأى مفكري تيار الجهاد فإنه مادامت هذه الحكومات استخدمت القوة لفرض وجودها و توجهاتها فإن الحركة الإسلامية يلزمها الرد على هذه القوة بمثلها, و من ثم مثل هذا دافعا أساسيا لنشأة هذا التيار و مبررا قويا لهذه النشأة و المتفحص لتاريخ هذا التيار يجد مصداق هذا بسهولة في أحداث هذا التاريخ و إن كان معظم هذا التاريخ حتى الآن مجرد روايات شفهية فإن أدبياتهم السياسية تشهد على ذلك بوضوح و لعل أبلغ مثال على ذلك كتاب الفريضة الغائبة لمحمد عبد السلام هذا الكتاب الذى يعد أول دستور فكري مكتوب لتيار الجهاد بكل تنظيماته.
و في نفس الوقت نلاحظ أن من أهم دوافع نشأة تيار الجهاد شدة وطأة الإمبريالية و الهجمة الغربية على العالم الإسلامي إن بمساندة الديكتاتوريات الوطنية الحاكمة في العالم الإسلامي أو بالتدخل المباشر إما عسكريا و إما سياسيا و اقتصاديا و هذه التدخلات بكل أنواعها صحبها دائما وفقا لرأي الجهاد غزوا ثقافيا, و هذه الآراء كلها ملحوظة في أدبياتهم السياسية العامة و الخاصة مثل رسالة الإيمان من تأليف صالح سرية و كذلك الفريضة الغائبة من تأليف محمد عبد السلام فرج.
ثانيا- العوامل التي تؤدى بتيار الجهاد للقيام بعمل كبير
توفر قيادة لديها صفات معينة:
نلاحظ أن أي تنظيم جهادي مصري لم يقم بعمل بارز إلا إذا توفرت له قيادة ذات سمات معينة و أبرز هذه السمات في رأينا الاندفاع و التسرع بجانب وجود قيادة عسكرية محترفة, لان وجود التسرع و الاندفاع بدون قيادة عسكرية محترفة يؤدي لأعمال صداميه صغيرة كمهاجمة عنصر أمن و محاولة الاستيلاء على سلاحه و نحو ذلك.
و هذه الأحداث الصغيرة حدثت كثيرا كما في عملية قتل حراس قنصلية أجنبية و الاستيلاء على سلاحهم بالإسكندرية عام 1977م وقام بها عناصر منشقة من تنظيم الجهاد.
أما نموذج القيام بعملية كبيرة بسبب وجود قيادة عسكرية محترفة مع وجود قيادة مندفعة و متسرعة فهو متمثل في حالتين واضحتين:
الأولى- المحاولة الانقلابية الفاشلة التي عرفت إعلاميا باسم عملية الكلية الفنية العسكرية, و كانت القيادة العسكرية المحترفة متمثلة في الدكتور صالح سرية, أما القيادة المندفعة فتمثلت في كارم الأناضولي رغم أن كارم كان أيضا طالب بالسنة النهائية من الكلية الفنية العسكرية.
الثانية- عملية اغتيال رئيس مصر السابق أنور السادات و ما تلاها من عمليات, و قد تمثلت القيادة العسكرية المحترفة في عبود الزمر كما تمثلت القيادة المندفعة في محمد عبد السلام و قيادات الصعيد (الذين عرفوا فيما بعد بمجلس شورى الجماعة الإسلامية).
و قد رأى الدكتور رفعت سيد أحمد في بعض كتبه أنه كلما حوى تنظيم الجهاد عناصر من الجيش كلما قام بعمليات عنف كبيرة أو واسعة.
و نحن لا نوافقه على هذه المتلازمة بدليل أن تنظيم إسماعيل طنطاوي (أقدم تنظيم جهاد مصري) كان به ضباط و لم يقم بأي أعمال عنف, و كذلك تنظيم صالح سرية بعد صالح سرية (أى منذ 1975م) و حتى 1980م عندما جرى حله, كان يضم طوال هذه المدة عدد لا بأس به من العسكريين المحترفين و مع ذلك لم يقم بأي عمليات, و هو ما ينفي القاعدة التي حاول وضعها رفعت سيد أحمد لتحليل و تفسير القيام بالعمليات المسلحة لدى تنظيم الجهاد.قمع الحركات الإسلامية السلمية خاصة وسائر حركات المعارضة بصفة عامة:لان هذا القمع يمثل حجة قوية تستخدمها التيارات الجهادية في الترويج لفكرها السياسي و تصوراتها عن الواقع و أسلوب التغيير المناسب من وجهة نظرهم من أن الحكومة ديكتاتورية و قمعية و لا يصلح التعامل معها إلا باسلوبها, فيعتبرون هذا القمع دليلا على صحة موقفهم و مشروعهم التغيري, و هذا كله يسهل لهم عمليات تجنيد الشباب ا لجدد لتنظيم الجهاد.
ولذاك نلاحظ زيادة التجنيد لتنظيم الجهاد أوقات القمع كما حدث أخر أيام عبدالناصر و أخر أيام السادات.
فشل الحركات الإسلامية السلمية في تحقيق هدفها الإستراتيجي:
كما حدث عند نشأة تنظيم الجهاد فقد تم تأسيس تنظيم الجهاد وقتما وصلت جماعة الإخوان المسلمين لطريق مسدود مع جمال عبد الناصر.
و في نفس الوقت فقد ركز الجهاد في خطابه السياسي دائما على أن مبرر وجوده و استراتجيته التغييرية هو قمع الحركات الإسلامية السلمية من تحقيق أهدافها رغم تأييد الجماهير لها. زيادة بؤر اضطهاد المسلمين من قبل قوى غربية أو قوى مدعومة من الغرب:و عند شرح هذا العامل نحن في غنى عن أي إطالة, فجميع متابعي تطورات الحركة الإسلامية لا يخفى عليهم أثر الاضطهاد و الظلم الواقع على المسلمين في إلهاب مشاعر المسلمين في مشارق الأرض و مغاربها, فقضايا مثل فلسطين و أفغانستان و العراق و البوسنة و الشيشان و كشمير كل هذه القضايا كان لها أثر كبير على اتساع قاعدة التجنيد لتيار الجهاد في كل العالم العربي و خاصة مصر, ولا شك أن الظلم و القمع القاسي جدا الذي وقع على المسلمين في هذه البقاع دفع و مازال يدفع شباب المسلمين للإيمان أن لا بديل لمقابلة هذا الظلم و القسوة بغير القوة التي هي جوهر استراتيجية تيار الجهاد. وجود أو الإعلان عن نماذج ناجحة من التيار الجهادى في بعض البلاد:يمثل إلهاما للجهاديين في كل مكان بما في ذلك في مصر, وهذا الإلهام له تأثير كبير في تنشيط حركة التجنيد لهذا التيار و إلهاب حماسه و دفع قادته خاصة المتحمسين منهم لمزيد من النشاط و الحركة و ربما القيام بعمليات مسلحة, و كلنا يتذكر أثر عمليات القاعدة خاصة في العراق في إلهام عدد من المنظمات الجهادية في مصر للقيام بعمليات مسلحة كبيرة نسبيا مثل تفجيرات منظمة التوحيد و الجهاد في طابا وشرم الشيخ ودهب بسيناء أعوام 2004م و 2005م و 2006م و كذا تفجيرات الأزهر و عبد المنعم رياض و حادث السيدة عائشة عام 2006م.أثر العامل الأمني:يؤدي ضعف أجهزة الأمن المكافحة للحركة الجهادية في انعاش هذه الحركة وهو ما حدث في المرحلة من 1979م و حتى عام 1981م في مصر.
كما حدث في بعض الأحيان أن تبنت الحركة الجهادية تكتيكات مناسبة للقضاء على أثر أجهزة الأمن القوية والنشيطة و أدى هذا إلى نجاح هذه التنظيمات الجهادية و حدث هذا من قبل أول منظمة جهادية مصرية بقيادة اسماعيل طنطاوي و أيمن الظواهري من بعده في مصر في الفترة من 1964م و حتى 1979م, كما سلك تنظيم الجهاد في الفترة من 1985م و حتى 1992م سلوكا مشابها جنبه الضربات الأمنية القوية.
مساندة قوى خارجية:
إن توفر إمكانيات علمية أو مالية أو تسليحية أو غيرها كمساندة لتيار الجهاد من قوى مهمة مثل دول أو منظمات كبرى يمثل عاملا هاما في تطور و نشاط تيار الجهاد, و ذلك يبدو جليا في حالات جماعة الجهاد الإسلامي المصرية في الفترة من 1986م وحتى 1998م عندما كانت تتلقى دعما متعدد الأشكال من كل من منظمة حكمتيار في أفغانستان و الإستخبارات الإيرانية و أسامة بن لادن و منظمة القاعدة و المخابرات السودانية, و نفس الشئ حصل مع الجماعة الإسلامية المصرية من نفس الجهات عدا منظمة حكمتيار فلم تكن تساندها و لكن كانت منظمة عبد الرسول سياف تساندها, و يلاحظ المراقب بسهولة الأثر الكبير لهذه المساندات إذا قارن بين أداء جماعة الجهاد الإسلامي المصرية في الفترة من 1964م و حتى 1986م عندما لم تكن هذه المساندات موجودة و بين الفترة التالية أي من 1986م و حتى 1998م عندما كانت هذه المساندات موجودة. و جود حالة شعبية من السخط على النظام الحاكم:عادة ما تسهل حالة السخط على الحاكم من عمل تيار الجهاد إن في التجنيد أو التمويل أو التسليح أو التخفي أو التعبئة الشعبية, و غير ذلك, و هذا بديهي لا يحتاج لبرهان, و مع ذلك فإن أبرز مثال على ذلك هو تنظيم الجهاد في مصر أواخر عصر أنور السادات.
ثالثا- ما هو أثر النقد الذي تم توجيهه لفكر الجهاد طوال تاريخه و ما هو أثره على مسيرة العمل الحركى لتيار الجهاد؟؟
سبق أن تعرض تيار الجهاد لنقد مباشر و غير مباشر طوال تاريخه, و لقد كان هذا النقد على مستويات مختلفة فمنه ما توجه بشكل جزئي ليرد على جزئية معينة من جزئيات فكر الجهاد كما أن من هذا النقد ما تم توجيهه لأصل فكر الجهاد باستراتيجيته الكلية و فكرته العامة و ذلك كله من أطراف عدة, ومع ذلك ظلت حركة تيار الجهاد على النحو الذي شهدناه طوال تاريخ هذا التيار الممتد من أكثر من أربعين عاما و حتى الآن.
كما يلاحظ أن الطرح الفكري الخاص بكل تيار من التيارات الإسلامية المختلفة فكريا مع تيار الجهاد يمثل في جانب منه نقدا فكريا بشكل أو أخر لتيار الجهاد.
و مع ذلك لم تؤد هذه الأطروحات الفكرية لأي انحسار في تيار الجهاد على النحو الذي شاهدناه عبر تاريخه القصير
إذ من الملاحظ أن هناك منظومة من إستراتيجيات التغيير تتبناها التيارات الإسلامية المختلفة كالسلفية و الإخوان و القطبيين و التبليغ و الجهاد و الصوفية, و إنما قلنا منظومة لأنها مجتمعة تكاد تغطي كل وسائل و أدوات التغيير التي قد تطرأ على ذهن أى ناشط إسلامي يبحث عن مخرج من الأزمة الإسلامية الراهنة, و لذلك كان من المحتم أن يتوزع الناشطون الإسلاميون على الاتجاهات الفكرية التي تمثلها هذه المنظومة, و كان طبيعيا أن تستوعب هذه المنظومة كل أو أغلب الناشطين الإسلاميين لسبب بسيط ألا و هو تعدد محتوى هذه المنظومة بما لايدع جانبا من جوانب الفكر المتعلق بوسائل و أدوات التغير إلا و قد حواها فمن يرد التغيير السلمي عبر وسائل سياسية يجد الإخوان المسلمين و من يرد التغيير السلمي القائم على العمل الاجتماعي البعيد عن العمل السياسي سيجد السلفيين و من يرد نمطا صوفيا متطورا نسبيا مع كونه بعيد عن السياسة سيجد التبليغ و من يرد نمطا صوفيا تقليديا بعيدا عن السياسة سيجد طرقا صوفية متعددة كما أن من يقتنع بالقوة كأسلوب تغيير سيتجه لتيار الجهاد بمختلف منظماته, كما أن من يحبذ تربية عقائدية أكثر صرامة سيجد مجاله مع القطبيين.
و هكذا نجد أن خريطة العمل الإسلامي تتكون من منظومة متكاملة من حيث قدرتها على استيعاب كافة الناشطين الإسلاميين لسبب بسيط جدا و هو أن هذه المنظومة أنما صنعها فكر أمثال هؤلاء الناشطين.
كما يلاحظ أن الارتباط بالتيارات الإسلامية له بعد نفسي و اجتماعي فالمرتبطون بتيار ما لهم طبيعة نفسية و وجدانية خاصة مناسبة لهذا التيار مثل شخص صدامي أو عنيف و لو على مستوى الفكر فقط فهو لا يناسبه و لا يستوعبه سوى تيار الجهاد, بينما لو كان شخص ما يميل لتكريس حياته للعلم و للأنشطة العلمية فهذا سيجد مبتغاه في التيار السلفي أو القطبي و على هذا فقس سائر التيارات.
رابعا- الخاتمة
أجبنا في هذا المقال عن عدة أسئلة بينت الإجابة عليها ماهية العوامل المؤثرة في نشأة تيار الجهاد, و كذلك ماهية العوامل المؤثرة سلبا أو إيجابا في قدرة تيار الجهاد على القيام بعمليات كبيرة, ثم انطلقنا من هذين الموضوعين لنتبين أثر أي نقد فكري سبق و تم توجيهه إلى فكر تيار الجهاد فوجدنا أن هذا ليس له تأثير على تطور التيار أو حركته, لأن الطبيعة الفكرية و النفسية لبعض الناشطين الإسلاميين تحتم و جود مثل هذا التيار بجانب غيره من بقية التيارات الفكرية الإسلامية.
و لكن هنا قد يرد في ذهن القارئ سؤال مفاده: أن الجماعة الإسلامية بمصر (و هي أحد فصائل تيار الجهاد) قد راجعت أفكارها و كان لذلك تأثيره عليها بالشكل الذي أبعدها عن تيار الجهاد فكريا و عمليا أفلا يكون هذا دليلا على أن النقد و المراجعة الفكرية من شأنها أن تقضي على الوجود الحركي و العملي لهذا التيار؟؟
و قد رد البعض على هذا السؤال بأن تراجع الجماعة الإسلامية عن أفكارها تضمن قرارا تنظيميا من قيادة الجماعة بوقف العمليات و لكنني أرى أن هذه الإجابة غير كافية, فهي تكاد تفسر الماء بالماء, إذ أنه من الطبيعي أن يتضمن أي تراجع فكري قرارات تنظيمية يتم صنعها وفقا لمقتضايات الفكر الجديد.
لكن الذي يصح قوله في هذا الصدد هو أن الجماعة الإسلامية المذكورة كانت و مازالت ملكا لما يسمون بأعضاء مجلس الشورى, و هم يتمتعون بطاعة لدى أتباعهم أقرب ما تكون لمعنى القداسة و من ثم فهؤلاء القادة امتلكوا القدرة و الصلاحيات التي تمكنهم من تغيير فكر أعضاء الجماعة بجرة قلم كما يقال في اللغة المصرية الدارجة, أما غيرهم من قادة باقي المنظمات الجهادية فلا يمكنهم إلغاء فكر الجهاد بقرار من أي منهم مهما كانت مكانة صاحب القرار أو المراجعة, لكل الأسباب و التي سبق و قلناها.
و لكن هل تضعف مراجعات الجهاد هذا التيار على المستوى الحركي أو العملي؟؟
في الواقع أن المقال صريح في أن عوامل قوة أو ضعف تيار الجهاد لا علاقة لها بمسألة المراجعات أو النقد الفكري, و لكنها وثيقة الصلة بعوامل أخرى ذكرناها تحت عنوان "عوامل النشأة" و أيضا تحت عنوان "العوامل التي تؤدي بتيار الجهاد للقيام بعمل كبير".
عبدالمنعم منيب
الموضوع في المدونة القديمة 2008-06-11
مواضيع متعلقة:
مواضيع متعلقة:
تعليقات
إرسال تعليق