لعبت الرحلة إلى الولايات المتحدة دورا مهما في واقعنا المعاصر فهي كانت مصدرا للالهام الاسلامي بعد رحلة سيد قطب و صافيناز كاظم إليها و هي مجال لممارسة الحرية الشخصية في اوسع صورها في رحلة الملكة نازلي إليها و هي نموذج للحرية السياسية في رحلة مصطفى أمين بينما كانت لهيكل و السادات البرزاني وغيرهم قوة سياسية لابد من الاهتمام بها و الاستفادة منها و انتهاءا برحلات جمال ابن الرئيس مبارك و التي كانت آخرها هذا الشهر تمهيدا ربما لرحلة أبيه الرئيس مبارك في الشهر القادم, لكن مصير كل من ارتحل لأمريكا اختلف عن البداية التي بدأ بها فسيد قطب أعدم و نازلي فقدت ابنتها مقتولة و مصطفى أمين سجن بتهمة التجسس لأمريكا و السادات أغتيل و البرزاني مات بالسرطان.. فهل هذه لعنة امريكا على كل من ارتحل إليها؟ في هذا التقرير نستعرض الرحلة إلى أمريكا و آثارها المختلفة بالنسبة لعدد من المشاهير. سيد قطبأرسلت وزارة المعارف (التعليم حاليا) سيد قطب في بعثة لمدة عشرين شهرا إلى الولايات المتحدة في نهاية أربعينيات القرن الماضي, واختلف الكثيرون حول سبب هذه البعثة فرأى البعض أن البعثة كانت مجرد عطف من وزير المعارف حينذاك اسماعيل القباني على سيد قطب و تقديرا من الوزير لمواهب الرجل بينما رأى شقيقه محمد قطب أن الغرض من البعثة كان إبعاد سيد قطب عن مصر بإعتباره كان يمثل إزعاجا للسراي و الأغنياء المسيطرين على البلاد في ذلك الوقت وكانوا قد سحبوا رخصة مجلته "الفكر الجديد" أولاً، ثم أقفلوا في وجهه كل وسائل النشر.و يرى آخرون أن أمريكا كانت تعدُّ نفسها لوراثة انجلترا في مستعمرات ما وراء البحار، ولذلك كانت تسعى لتجنيد مجموعة من قادة الفكر و السياسة ليكونوا جنوداً لها يمهدون لاستعمارها, واختاروا سيد قطب ليكون أحد هؤلاء العملاء و رجح كثيرون وجود أهداف خفية في ابتعاث سيد قطب إلى أمريكا و قالوا ان سيد كان واعيا بها, ومما يدل على ذلك ما رواه الأستاذ أحمد عبد المجيد، صاحب كتاب (الإخوان وعبد الناصر) الذي ذكرأن سيد قطب حدثه شخصيا، أنه كتب لرجال ثورة يوليو 1952م، مذكرة مطولة، وقدمها لهم، عن موقف المخابرات الإنجليزية والأمريكية معه أثناء رحلته لأمريكا.و بعد عودة سيد قطب لمصر سجل مشاهداته و آراءه بشأن الولايات المتحدة في كتاب صغير سماه "أمريكا التي رأيت" وكان سيد قطب أمينا عندما سماه بهذا الاسم المحايد, و قد سجل فيه مشاهدات رحلته إلى أمريكا, و عبر هذا الكتاب عن نقلة مهمة في حياة سيد قطب, هذه النقلة سببتها رحلة امريكا, كان إتجاه سيد قطب للفكر الاسلامي قد بدأ قبل سفره لأمريكا عندما كتب كتاب "العدالة الاجتماعية في الاسلام" الذي كتبه قبل رحلته لأمريكا بشهور قليلة لكن رحلة أمريكا عمقت فيه الاتجاه و القناعة الاسلامية. لقد عايش سيد قطب الواقع الإجتماعي الأمريكي، وكانت ملاحظاته شاملة لأشياء كثيرة. ومن تلك الملاحظات والتحليلات انتهى سيد قطب إلى أحكام نقدية متنوعة, و الصق صفة البدائية بالذوق الفني والإنساني لدى عامة الأمريكيين، تلك الصفة التي لا يتردد كثير من الأمريكيين في إلصاقها بالشعوب الأخرى لاسيما الشعوب الإسلامية. لكنه ذكر أن لأمريكا قيمة حقيقية، يمكن أن تنتفع به الشعوب الأخرى قائلاً إن البشرية تملك أن تستفيد كثيراً من إبداع العبقرية الأمريكية في مجالات الصناعة والإنتاج والإدارة، ولكنها تخطئ كثيراً، وتعرِّض قيمها الإنسانية الموروثة للضياع إذا ما جعلت من المثل العليا الأمريكية مثلها العليا في الشعور والسلوك. هذا هو الإنطباع العام الذي خرج به سيد قطب من أمريكا، وقاده لمزيد من الإيمان بالقيم الإسلامية، وللبحث عن قيادة جديدة للبشرية، أرادها أن تخرج من العالم الاسلامي.و لم يقتصر أثر رحلة سيد قطب إلى أمريكا على هذا بل تطور هذا الأثر ليظهر في كتاباته التي بدأت تخرج من مرحلتيها الأدبية والتقليدية لتكتسي بالمزيد من الثورية مرورا بكتابه "معركة الاسلام و الرأسمالية" و انتهاء بـ "معالم في الطريق" الذي يعتبر التطور الفكري الأخير عنده و الذي ربما أعدم بسببه, و في "معالم في الطريق" يقول سيد قطب: "إن قيادة الرجل الغربي للبشرية أوشكت على الزوال.. لا لأن الحضارة الغربية قد أفلست ماديا أو ضعفت من ناحية القوة الإقتصادية والعسكرية.. ولكن لأن النظام الغربي قد انتهى دوره لأنه لم يعد يملك رصيدا من القيم يسمح له بالقيادة.. لابد من قيادة تملك إبقاء وتنمية الحضارة المادية التي وصلت إليها البشرية، عن طريق العبقرية الأوروبية في الإبداع المادي، وتزود البشرية بقيم جديدة جدة كاملة بالقياس إلى ما عرفته البشرية، وبمنهج أصيل إيجابي في الوقت ذاته. والإسلام وحده يملك تلك القيم وهذا المنهج". ولا شك أن هذا الكلام كان حصادا من خبرة رحلته الأمريكية. الملكة نازليأما الملكة نازلي فقد كانت الزوجة الثانية للملك فؤاد.و فور موت الملك فؤاد سلكت نازلي سلوكا يتجاوز كل التقاليد الملكية والشعبيية.وفي أول رحلة مع ابنها إلي أوروبا القي عليها أحمد حسنين باشا شباكه ويذكر أحد رجال فاروق في مذكراته: إن قدميه ساقتاه إلي سطح السفينة فإذا به يفاجأ بحسنين ونازلي في حالة استرخاء لا يكون إلا بين العشاق. لم تدرك الملكة الأم مسئوليتها في حماية العرش وفتحت الباب أمام شهواتها لتنطلق بلا ضوابط ولا قيود.. كانت لا تتردد في القول بأنها عاشقة محرومة وأنها في حاجة إلي الحب.وعندما ضيق فاروق على شهواتها في مصر سافرت إلي الولايات المتحدة.. وهناك سألها مصطفي أمين: " متي تعودين إلي القاهرة؟ " فأجابت:" عندما يعود فاروق إلي عقله "..ويروي مصطفي امين أنه كان علي رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي السفر إلي نيويورك لعرض مشكلة مصر علي مجلس الأمن وسأله الملك فاروق: " هل أنت مستعد لهذه المهمة الصعبة؟ فأجاب: " كل شيء تمام وأنا مستعد لأي مفاجأة ولكن هناك شيئا واحدا غير مستعد له هو وجود والدتك الملكة في أمريكا لإنني أخشي أن تفعل فصلا باردا بينما أعرض قضية مصر هناك ", و عندما تساءل فاروق عما يمكن أن تفعل, قال النقراشي: " أخشي أن تذهب إلي كباريه وترقص أو تدلي بتصريح أو تقول عبارة لا تتفق مع جلال الموقف الذي نحن فيه ", فطلب منه الملك أن يعيد أمه إلي مصر, ولكن النقراشي عبر عن ةعدم قدرته على ذلك. و في سنواتها الأخيرة تركت الملكة نازلي الإسلام واعتنقت الكاثوليكية.. وقد أثرت علي ابنتيها اللتين عاشتا معها في أمريكا (فايزة وفتحية) فتحولتا هما أيضا عن الإسلام.. وفتحية بالذات ماتت مقتولة, قتلها رياض غالي, ثم أطلق الرصاص علي نفسه وانتحر, و رياض غالي هذا كانت سيطرته قد وصلت علي نازلي إلي حد أنها قالت: " إنها إذا أرادت أن تختار بين صداقتها لرياض غالي وأمومتها لفاروق فإنها ستختار صداقة رياض غالي."فهل كانت رحلة ملكة مصر السابقة لأمريكا مجرد وسيلة لمغامراتها الرعناء أم كانت هذه الرحلة سببا لهذه المغامرات؟ مصطفى امينرفض والد مصطفى أمين أن يدرس مصطفى الصحافة في مصر، فسافر مصطفى إلى الولايات المتحدة لدراسة العلوم السياسية في عام 1935، وظل هناك حتى عام 1938 حيث حصل على الماجستير و طوال سنوات رحلة مصطفى امين الأمريكية لم ينقطع عن الصحافة في مصر، فقد ظل يراسل جريدة "المصري" ومجلة "آخر ساعة". و يقول مصطفى امين عن أثر رحلته الأمريكية: كان أكثر ما انبهرت به في أمريكا هو الحرية.. فكرة الحرية.. وكيف يستطيع أي إنسان أن يقول رأيه في كل شيء وأي شيء حتى في رئيس الجمهورية، فإنه يستطيع أن يهاجم رئيس الجمهورية من دون أن يسجن. كنت بالضبط كالذي جاء في بلد يبحث عن نسمة.. نسمة صغيرة من الحرية فإذا بي أعيش في بلد يتنفس الحرية. و يستمر مصطفى أمين في ذكر أثر رحلته لأمريكا فيقول:لعل أكبر الدروس التي استفدت منها صحفيًا هو أنني تعلمت أن الصحافة المستقلة تنجح أكثر من أية صحافة.. وأن ولاءها الوحيد يجب أن يكون لوجهة النظر المستقلة فقط.و لكن حرية الصحافة ليست كل ما أخذه مصطفى أمين من رحلته لأمريكا فقد توثقت علاقات مصطفى امين بأمريكيين بعضهم دبلوماسيين و بعضهم غير ذلك مما تسبب في اتهامه من قبل أجهزة عبدالناصر بالتجسس لصالح أمريكا و الحكم عليه بالسجن المؤبد قضى منه 9 سنوات خلف القضبان من عام 1965 إلى عام 1974عندما أفرج عنه السادات بموجب عفو صحي.محمد حسنين هيكلالكاتب الكبير محمد حسنين زار الولايات المتحدة في شهر أكتوبر عام 1952 وعاد منها فى أواخر شهر يناير عام 1953 ورغم بعد هذه الأحداث إلا أن هيكل يشعر حتى الآن بالدهشة لتركه القاهرة ومسرح الأحداث فيها في ذلك الوقت، كما يذكر هيكل أن هذه الفترة من أجمل ما حدث له فى حياته وقد دار حول الكرة الأرضية بذهابه إلى أمريكا عن طريق أوروبا وعودته إلى القاهرة عن طريق آسيا. و يسرد هيكل أحداث زيارته الأولى لأمريكا قائلا: لقد كان شاغلى الأساسى هو الانتخابات الأمريكية، حيث أزيحت الحرب العالمية بكل آثارها، وظهر قائد جديد ليتولى صراع مرحلة الحرب الباردة، ذلك هو "أيزنهاور" وقد اتضح للعالم كله أنه يقبل على قيادة من نوع آخر.ويشير هيكل إلى المهمة الثانية من زيارته لأمريكا وهى الاتصال مع الولايات المتحدة ومساعدة "على صبري" في مهمته بعد أن رأى وليم فاستر وكيل وزارة الدفاع الأمريكية أنه يمكن هناك عقد صفقة سلاح بين مصر وأمريكا ويضيف هيكل أن الإطلالة المهمة التى نظر بها من خلال زيارته لأمريكا هى نظرة أمريكا للشرق الأوسط خاصة للإدارة الجديدة، حيث بدا واضحا أن أمريكا تقوم برسم سياسة جديدة للشرق الأوسط، ووضح أن الشرق الأوسط أصبح منطقة مفتوحة وأصبح جبهة الدفاع الأمريكية فى المرحلة المقبلة ضد المد الماركسي. و في هذه الزيارة قابل هيكل العالم الشهير أينشتاين الذي أخبره بأنه يهودي صهيوني و أرسل عبر هيكل رسالة شفهية إلى قادة ثورة يوليو بالتساؤل عما إذا كانت لديهم الرغبة في السلام مع إسرائيل؟و إن كانت هذه هي زيارة هيكل الأولى لأمريكا فإنها لم تكن الأخيرة, إذ تردد بعدها كثيرا عليها في العديد من المهمات السياسية أو الصحفية.صافيناز كاظم بدأت رحلة صافيناز كاظم الفكرية في الخمسينيات منذ أن تخرجت من كلية الآداب قسم الصحافة بجامعة القاهرة واشتغلت بهذه المهنة ولمع نجمها وذاع صيتها . وحينما وجدت في نفسها حباً للفن العالمي سافرت إلى أمريكا عام 1960م لتدرس الفن والأدب العالمي وعادت عام 1966م ومعها ماجستير في المسرح.. ولكنها بدلاً من أن تنحاز للثقافة الغربية عادت لتتجه للفكر الاسلامي.تقول صافيناز كاظم: حدث لي تطور فكري ونمو في التزامي بالإسلام .. أنني كنت دائماً مسلمة والإسلام ركن أساسي في البيت الذي نشأت فيه، لكن في بداياتي الأولى ولأن التغريب كان شديداً في الخمسينيات والستينيات فكان لابد أن نطلع على الأدب العالمي .. ولم يكن هذا خطأ فكان لابد أن نطلع على الأدب العالمـي فنشتاق إلى تراثنا.. وهذا التطور لم يأت فجأة... فرحلتي لأمريكا جعلتني أدرك أن تراثهم وجذورهم هي الفكر الإغريقي والحضارة الإغريقية ...وتضيف صافيناز: عندها قلت لنفسي إنني لم آت من هنا ... وتساءلت في نفسي: فمن أين أتيت..؟ وهذا دفعني إلى العودة لقراءة تراثي العربي الإسلامي. وأول ما عرفت كان سيد قطب حيث عرفته في أمريكا فقرأت كتابه:" العدالة الاجتماعية في الإسلام" باللغة الإنجليزية.و تؤكد صافيناز: كان لابد أن أقرأ أدبيات ديني.. وشعرت أنني حينما أعود إلى مصر سأبحث عن ذلك.. مصطفى البرزانيأما مصطفى البرزاني مؤسس الحزب الديمقراطي الكردستاني فقد دخل في صراع مسلح من اجل إقامة دولة مستقلة للأكراد في العراق في بدايات القرن العشرين, وخلال قيادته للحركة الكردية تقلب البارزاني في تحالفاته مع أطراف عديدة لدعم حركاته المسلحة. وبقيت علاقته بإسرائيل من اكثر العلاقات وأوثقها, و يفسر البعض تحالفات البرزاني بأنه عندما فشل في الإعتماد على الاتحاد السوفيتي السابق فقد فكر في البديل وبحث عن طريق يوصله إلى الولايات المتحدة الأميركية و اقتنع أن الطريق إلى الولايات المتحدة تمر بإسرائيل, و قام البرزاني بعدة زيارات لإسرائيل كان أولها في العام 1968, و بعدها أصبح باب الولايات المتحدة مفتوحا امامه على مصراعيه.و انتعشت علاقاته بالولايات المتحدة حتى وقع معها اتفاقية عام 1972 و التي تقوم امريكا بموجبها بمساندة حركته إلا أنه في عام 1975 عقد العراق اتفاقية مع إيران أنهت طهران بموجبها دعمها لحركة البرزاني, و قيل ان كيسنجر نفسه الذي وقع الإتفاقية مع مصطفى البرزاني في 1972 قد ساند عقد اتفاقية ايران مع العراق على حساب الأكراد مما اعتبره الأكراد خذلانا أمريكيا لهم و للبرزاني شخصيا، وانهارت قوات البرزاني وبدأ من جديد رحلة لجوء إلى أميركا قبل أن يموت في 1 مارس 1979 بامريكا بسبب مرض السرطان. البابا شنودة الثالثعرض البابا شنودة الثالث زيارة الكنائس القبطية بالولايات المتحدة الأمريكية فسمح له السادات بذلك, وطلب السادات من سفير مصر فى واشنطن أن يكون مرافقاً للبابا فى اللقاءات الهامة.وغطت مجلة الكرازة (و هي مجلة الكنيسة القبطية في مصر) أخبار زيارة البابا إلى واشنطن, وكانت عناوين العدد رقم 17 الصادر بتاريخ 29 أبريل 1977 إستقبال حافل لقداسة البابا فى نيويورك – أول بابا للإسكندرية يزور الولايات المتحدة الأمريكية – الصحف الأمريكية تنشر أخبار الزيارة فى صفحاتها الأولى – قداسة البابا يلتقى بالرئيس كارتر فى البيت الأبيض بواشنطن – الرئيس كارتر يتحدث عن رحلة العائلة المقدسة إلى مصر . و قد حضر سفير مصر فى واشنطن الدكتورأشرف غربال لقاء بابا الأقباط مع الرئيس الأمريكى كارتر , كما حضر اللقاء الأنبا صمؤيل أسقف الخدمات العامة ومسؤل الكنيسة القبطية عن العلاقات العامة الدولية وقال كارتر لشنودة : " إن الرئيس السادات قال له أنه معجب بالبابا شنودة" .... وقال كارتر أيضا : " أنه سمع أن عدد الأقباط سبعة ملايين " وتطابقت وجهه نظر البابا مع ما قاله كارتر من أن عدد الأقباط فعلا 7 مليون وليس 2 مليون وثلث كما سجلت إحصائيات الحكومة.و منذ زيارة بابا الأقباط الأولى لأمريكا تعددت زيارته لها ما بين زيارات عمل بصفته رئيسا لكل الكنائس القبطية في العالم بما في ذلك أقباط الولايات المتحدة و ما بين زيارت للعلاج, و قد سببت علاقات البابا بأمريكا جدلا كثيرا بسبب النشاط الواسع و الضاغط لأقباط المهجر في الولايات المتحدة خاصة ضد النظام الحاكم في مصر و قد تسببت تحركاتهم ومظاهراتهم ضد الرئيس السادات عام 1981م أثناء زيارته لأمريكا في توتر العلاقة بين السادات و البابا شنودة انتهى بعزل السادات شنودة من منصب البابوية و تعيين لجنة تشرف على المنصب, و لم ينتهي هذا الوضع إلا بعد مصرع الرئيس السادات بفترة.و اتهم العديدون الباب شنودة باستعمال أقباط المهجر خاصة في امريكا كورقة ضغط ضد النظام في مصر بهدف تحقيق مكاسب, و ربما هذا ما دعى الكنيسة للإعلان مؤخرا عن رفضها للمظاهرات التي ينوي الأقباط تنظيمها في امريكا أثناء الزيارة المقبلة للرئيس مبارك الشهر القادم. أنور الساداتتولى الرئيس السادت الحكم و العلاقات بين مصر و امريكا مقطوعة فسعى عبر قنوات سرية عدة للاستفادة من الولايات المتحدة في حل الصراع العربي الاسرائيلي, و تكللت مساعي السادات هذه بزيارة الرئيس الأمريكي نيكسون لمصر في عام 1974 و بعدها و في نفس العام زار السادات الولايات المتحدة لأول مرة في حكمه, و منذئذ تعددت زيارات السادات لأمريكا حتى صار يزورها كل عام بناء على نصيحة سفيره المخضرم في أمريكا أشرف غربال, و لهذه النصيحة قصة ذكرها أشرف غربال الذي كان مكلفا من السادات باعداد دراسة عن كيفية الاستفادة من العلاقات الأمريكية المصرية و قد خلص غربال إلى أهمية أن يزور رئيس مصر الولايات المتحدة مرة كل عام يقابل فيها قيادات الكونجرس من الحزبين الديمقراطي و الجمهوري و الشخصيات البارزة في مراكز البحوث و رجال الاعلام و عدد من كبار رجال الأعمال و قادة جماعات الضغط هناك, كي يحافظ على علاقة قوية بين رئيس مصر و سائر القوى المؤثرة في سياسات الولايات المتحدة.حسني مبارك و قد سار الرئيس مبارك على هذه الطريقة في زيارة الولايات المتحدة مرة كل عام بعد توليه الرئاسة و حتى إدارة جورج بوش الابن الذي ساءت في عهده علاقة الرئيس مبارك بالادارة الأمريكية بدرجة ما و حينئذ أناب مبارك احمد نظيف تارة و عدد من الوزراء و رجال الأعمال تارة اخرى فضلا عن دور نجله جمال في هذه الزيارات, و لكن للرئيس مبارك قصص مع زيارة امريكا أبرزها ما ذكره الدكتور ايمن نور في إحدى مقالاته عن أخر زيارة زارها مبارك لأمريكا في عهد الرئيس السادات, حيث ذكر أن نائب رئيس الجمهورية حسني مبارك عندما زار الولايات المتحدة قبيل حادث المنصة و قال السادات لأشرف غربال احضر مع مبارك كل مقابلاته في امريكا و أرسل غربال للسادات انه حضر مع مبارك جميع مقابلاته عدا مقابلته الوحيدة مع مدير الـ "CIA" و غضب السادات و عبر عن غضبه بشدة لنائبه حسني مبارك لدى عودته من امريكا, لكن لم يلبث السادات أن قتل و تولى مبارك الحكم.و يستعد الرئيس مبارك لزيارة امريكا الشهر القادم كسالف عهده قبل توتر علاقاته الشخصية مع جورج بوش الابن, و قد قيل الكثير عن هذه الاستعدادات من قبيل اطلاق صراح أيمن نور و تصريح بعض قادة الحزب الوطني بامكانية السماح للاخوان بحزب رسمي و الحديث عن الاصلاحات السياسية و الاقتصادية, لكن ربما أهم ما تم في مجال الاعداد لزيارة الرئيس مبارك للولايات المتحدة كان زيارة نجله جمال لأمريكا هذا الشهر. جمال مباركوقصة رحلة جمال مبارك لأمريكا فيها العديد من جوانب الاثارة و اول هذه الجوانب هو انه زار أمريكا كثيرا لكن اشهر هذه الزيارت و اكثرها إثارة للجدل زيارته السرية لها في مارس 2006 عندما اكتشفتها مراسلة الجزيرة بالصدفة أثناء وجودها في البيت الأبيض, و في هذه الزيارة قابل جمال مبارك كل من الرئيس بوش نفسه و كونوليزا رايس وزيرة الخارجية و آخرين.و هاجت الدنيا في مصر و ماجت بسبب هذه الزيارة التي ليس لها وصف دستوري باعتبار جمال مبارك لا يحتل أي منصب حكومي و ايضا بسبب سريتها, و اعتبرها الكثيرون دليلا واضحا على عملية توريث الحكم الذي يجري الاعداد لها على قدم و ساق حسب رأيهم, و قدمت المعارضة في مجلس الشعب استجوبات عدة للحكومة و مع ذلك لم تلق أي اجابة شافية.و جاءت زيارة جمال مبارك الأخيرة و التي جرت في مارس أيضا لكن عام 2009 لتثير مزيدا من الجدل حول احتمالات نقل الحكم في مصر من الرئيس مبارك إلى ابنه جمال, و أيضا حول الدور الحقيقي الذي يقوم به جمال مبارك داخل منظومة الحكم في مصر. و اعتبر الكثيرون أن هذه الزيارة تاتي تمهيدا لزيارة الرئيس حسني مبارك و لتسوية عدد من الملفات الساخنة العالقة بين البلدين أو على الأقل تهدئتها, و هنا يرد سؤال هام هو ما القدرة أو المكانة التي يتمتع بها جمال مبارك لدى امريكا كي يقوم بهذا الدور؟و إذا كان الرئيس السادات اعتاد على زيارة امريكا في ابريل من كل عام و تبعه في هذا التقليد الرئيس مبارك فلماذا زار جمال مبارك امريكا في مارس 2006 و في مارس 2009 هل يريد أن يرسي تقليدا جديدا بان يزور أمريكا في مارس من كل عام قبيل زيارة الرئيس؟ و إذا كان هذا معتادا في بعض الأنظمة بأن يقوم نائب الرئيس او رئيس وزرائه بزيارة ممهدة لزيارة الرئيس فهل يشغل جمال مبارك منصب النائب الفعلي للرئيس أو منصب رئيس الوزراء؟لكن أهم سؤال هو عن النتيجة المتوقعة لرحلة جمال مبارك لأمريكا على حياته السياسية و الفكرية بصفة عامة, و هذا سؤال لم تظهر اجابته بعد.
عبدالمنعم منيب
نشرت في الصفحة الأخيرة من العدد الأسبوعي لجريدة الدستور 25 مارس 2009,
و في المدونة القديمة2009-03-29 11:26
تعليقات
إرسال تعليق