هل انهارت القاعدة؟؟

قد يتعجب البعض كلما قبضت أجهزة الأمن في دولة ما على خلايا جهادية ذات علاقة ما بالقاعدة, و يسأل المتعجبون أنفسهم كيف اتصل هؤلاء بالقاعدة في ظل هذا الحصار الأمني المضروب على القاعدة من قبل أجهزة أمن و استخبارت وجيوش 180 دولة فضلا عن حلف شمال الأطلنطي بكل قواته و استخبارته؟؟
لكن عندما نلاحظ النشاط غير العادي للجهاديين على الإنترنت نعلم كيف أن ما كان يحكيه الكثيرون عن روابط تنظيمية قوية يتم توثيقها بين أعضاء و قادة القاعدة عبر الإنترنت ليست شيئا مستغربا, بل صار أمرا عاديا أن تجد مصريا أو ليبيا يتعرف على قاعدي من بنجلادش ليلتقيا في إيران و يدخلا العراق عبر الحدود الإيرانية أو جزائريا يسافر إلى سورية و يدخل من هناك للعراق بمساعدة لبناني أو تركي يقيم في سوريا, و التنسيق لذلك كله يتم عبر النت.
و من هنا نفهم جانبا من اهتمام أيمن الظواهري و القاعدة بالإعلام حتى صار ما يعرف بالجهاد الإعلامي جزءا هاما جدا من الجهاد لدى الجهاديين.
وقد لاحظنا سيلا متلاحقا من الرسائل الإعلامية أطلقها رموز القاعدة في الشهور الأربعة الأخيرة كان أبرزها:
خطاب أسامة بن لادن: "السبيل لإحباط المؤامرات" 29/12/2007. خطاب أبو عمر البغدادي (أمير منظمة دولة العراق الإسلامية): "الدين النصيحة" 14/2/2008. خطاب أسامة بن لادن: "السبيل لخلاص فلسطين" 20/3/2008. خطاب د. أيمن الظواهري: "هبوا لنصرة أهلنا في غزة" 24/3/2008. "البنيان المرصوص" لأبي عمر البغدادي "أمير منظمة دولة العراق الإسلامية" بتاريخ 15/4/2008. القسم الأول من إجابات د.أيمن الظواهري على أسئلة الجمهور عبر شبكة الإنترنت في النصف الأول من شهر ابريل 2008م. "خمس سنوات على غزو العراق وعقود على ظلم الطغاة" د. أيمن الظواهري بتاريخ 18/4/2008م. "مسالك النصر" لأبي حمزة المهاجر و هو من تصفه مصادر القاعدة بوزير الحرب بدولة العراق الإسلامية 19/4/2008م. القسم الثاني من إجابات أيمن الظواهري على أسئلة الجمهور عبر شبكة الإنترنت في الأسبوع الأخيرمن شهر ابريل 2008م. وقد أدى تتابع هذه الرسائل في هذه الفترة الزمنية القصيرة إلى تفجر شلالات من المقالات التي يزعم أصحابها أنهم خبراء في الحركة الإسلامية عامة و القاعدة بخاصة رغم أن ما كتبوه لا يمت للحقيقة ولا للخبرة بأى صلة.
فمن قائل أن القاعدة تعاني انحسارا جماهيريا يدفعها لتكثيف نشاطها الإعلامي للتغلب على الإنحسار.
و من قائل أن القاعدة انتهت أو على وشك الإنهيار و لم يبق منها إلا الخطاب الإعلامي الذي تحاول به أن تكرس و جودها ليصبح وجودا شكليا أو فكريا فقط.
و من قائل إن أيمن الظواهري رجل تافه و لم يكن رجل عمل في يوم من الأيام, و أنه مجرد ظاهرة صوتية....إلى أخر هذه التحليلات العجيبة و التي ليس عليها أى دليل سوى ادعاءات أصحابها.
و لنفهم الحقيقة التى تكمن وراء هذه الرسائل الإعلامية للقاعدة لابد أن نرجع قليلا للوراء و تحديدا إلى أوائل التسعينات من القرن الميلادي الماضي, عندما كان أيمن الظواهري من أبرز قادة جماعة الجهاد الإسلامي المصري في الخارج و تحديدا في بيشاور بباكستان أيام جهاد العرب مع الأفغان ضد الحكومة الأفغانية الشيوعية التي كانت مسنودة من السوفييت, و حينها قرر الدكتور أيمن الظواهري أن ينشر فكر جماعة الجهاد المصرية بين أبناء الحركات الإسلامية في العالم كله, و أسس لهذا الغرض مركزا تعليميا في بيشاور سماه "مركز النور", و عين أبا حذيفة مسئولا عن إدارة المركز و أبو حذيفة هو قيادي بجماعة الجهاد المصرية و عضو اللجنة الشرعية بها و اسمه الحقيقي هو مجدي كمال وهو محاسب من بني سويف بمصر و مشهور لدى الإسلاميين هناك, و كان هدف هذا المركز كما حدده د.أيمن الظواهري و د. سيد إمام هو نشر فكر تنظيم الجهاد المصري في كافة أنحاء العالم عبر إعطاء دورات مكثفة في الدراسات الشرعية لشباب و قادة المجموعات الإسلامية التي جاءت من معظم دول العالم للمشاركة في الجهاد الأفغاني.
و فعلا فقد تمكن مركز النور من تدريس هذه الدورات للمئات من الشباب و القادة, و لم تقتصر الدورات على العرب بل كان من بين المتلقين لهذه الدورات عناصر من مختلف دول العالم مثل تركيا و الصين و الإتحاد السوفيتي السابق و أوروبا و الهند و الأمريكتين و استراليا و طبعا باكستان و بنجلادش و أندونسيا والفلبين, و كان نشاط مركز النور قاصرا على نشر الفكر الجهادي و تعليمه و لم يكن يتضمن أي توجيه تنظيمي من أي نوع كما لم يكن هناك أي محاولة لتجنيد أفراد عبر هذه العملية لأى منظمة و لا لأي نشاط.
و حدث عدة مرات أن دفعت هذه الدورات عناصر من دول مختلفة أن يسعوا للإنضمام لتنظيم الجهاد المصري باعتباره هو النموذج التطبيقي الأمثل لهذا الفكر الذي يدرسونه باعتبار أن قادته هم الذين يدرسون لهم الفكر الجهادي و منهجه, و لكن أيمن الظواهري و سيد إمام كانا يرفضان دائما إنضمام غير المصريين للتنظيم كما كانا يرفضان تولي أي شئون تنظيمية لغير المصريين في أى مكان في العالم خارج مصر, بل إن أيمن الظواهري نفسه كان يضع سقفا على معدل التجنيد و حجم العضوية في تنظيم الجهاد المصري, و حدث ذات مرة أن عرضت مجموعة كبيرة من الجزائريين أن تنضم للجهاد المصري بعد أن أتمت دوراتها في مركز النور وكاد الأمر يتم لأن عددا من قادة الجهاد المصري بدأوا يميلون في هذه المرحلة لتكوين تنظيم عالمي يضارع الإخوان المسلمين ليزيد من إمكانيات الحركة الجهادية لكن أيمن الظواهري رفض بشدة فعادت المجموعة الجزائرية للجزائر و انضمت للجماعة الإسلامية الجزائرية ثم انشقت عنها و كونت الجماعة السلفية للدعوة و القتال, و إثر ذلك تكرر نفس المشهد إذ طلبت مجموعة كبيرة من الليبيين الإنضمام لتنظيم الجهاد المصري ليكونوا فرعا له في ليبيا لكن تكرر رفض أيمن الظواهري رغم موافقة العديد من قادة تنظيم الجهاد و طبعا رأي أيمن الظواهري هو الذي جرى تنفيذه و عادت المجموعة الليبية إلى ليبيا لتكون الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية, ثم تكرر المشهد مع مجموعة تونيسية كان منها ضباط سابقون بالجيش التونسي و كانوا قد هربوا من تونس بعد فشل محاولتهم لإسقاط طائرة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بصاروخ مضاد للطائرات, و تكرر مشهد رفض أيمن الظواهري رغم إلحاح معاونيه عليه بالموافقة و حينئذ انضمت المجموعة التونسية للجماعة الجزائرية و نفذوا عمليات مسلحة في الأراضي التونسية انطلاقا من الأراضي الجزائرية,
و هنا نجد سؤالين يطرحان نفسهما بإلحاح حول سبب اصرار أيمن الظواهري على الرفض رغم إلحاح من حوله على الموافقة, و كذلك لماذا كان يقيد الظواهري حجم العضوية داخل تنظيم الجهاد المصري أصلا؟؟؟
في الحقيقة فإن أيمن الظواهري كان يعتقد أن اتساع حجم العضوية الخاصة بأى تنظيم إسلامي في ظل أوضاع عدم وجود دولة إسلامية هو عامل ضعف في هذا التنظيم, لأن هذا التنظيم سيعجزعن توفيرالتدابيرالأمنية والإجتماعية والإقتصادية اللازمة لجميع الأعضاء, كما كان الظواهري يعتقد أنه كلما كبر حجم التنظيم كلما كان هدفا واضحا و سهلا لأعدائه وصعب على قيادته القيام بعمليات الإخفاء و التمويه اللازمة لهياكل التنظيم.
و من هنا كان رفض الظواهري لتوسيع عضوية التنظيم أو تحويله لتنظيم دولي يضم أعضاءا من دول اخرى, لكنه في المقابل كان يؤمن بأن الإنتشار الفكري لفكر تنظيم الجهاد يحقق فوائد التوسع التنظيمي و منع أضرار هذا التوسع و التي ذكرناها في السطور السابقة, و لذلك أنشأ الظواهري مركز النور لنشر فكر الجهاد في كل أنحاء العالم كما ذكرنا, و رأينا كيف أن هذا أدى لنشوء تنظيمات جهادية عديدة في عدد من الدول الإسلامية, و ما ذكرناه مجرد أمثلة و ليس حصرا لكل هذه التنظيمات.
وانطلاقا من كل ما سبق يمكننا فهم ما يفعله أيمن الظواهري بمساعدة مجموعات عديدة من عناصر ما تسميه القاعدة بالجهاد الإلكتروني, فعصر مركز النور في مدينة بيشاور (الأشبه بالريف منها بالمدن) قد ولى و جاء زمن شبكة الإنترنت فالإنترنت صار بديلا مناسبا لمركز النور كي ينشر الفكر الجهادي, كما أن الظواهري عبر النت يقوم برسم و نشر الإستراتيجيات الجهادية التي تحولها المنظمات و المجموعات المتعاطفة مع القاعدة إلى أساليب عمل مناسبة لهذه الإستراتيجيات.
و هكذا نفهم أن اهتمام القاعدة بالإعلام و انشغالها به انشغالا كبيرا الآن هو تكتيك عمل ثابت كرسه أيمن الظواهري منذ أكثر من عشرين عاما عندما سعى لنشر الفكر الجهادي.
لكن هنا تساؤلات عديدة تطرح نفسها مرة أخرى مثل:
لماذا كان أغلب قادة القاعدة منذ تأسيسها من الجهاد المصري مثل أبي عبيدة البنشيري و أبي حفص المصري و سيف العدل و الرائد عبد العزيز الجمل و المقدم محمد مكاوي و العقيد على أبو السعود و غيرهم كثير؟؟
و كيف سمح الظواهري بمثل هذا التوسع عبر التداخل مع القاعدة أيام كان في الجهاد المصري ثم توج هذا التداخل بالإندماج كلية بين الجهاد المصري و القاعدة؟؟
و الإجابة على هذا السؤال بسيطة و هي أن الظواهري شعر بأهمية هذا التداخل ثم الإندماج بسبب الضغط الأمريكي على تنظيمه, كما أنه أمكنه عبر هذا التداخل ثم الإندماج أن ينفذ نفس المبدأ التنظيمي الذي يضع في أولوياته الإعتماد على الإنتشار الفكري أكثر من الإعتماد على التوسع التنظيمي.
لكن هل هذا ينفي وجود اتصالات تنظيمية و حركية بين هذه المنظمات التي أنتجها فكر القاعدة و كذلك بين هذه المنظمات و بين القيادة الرئيسة للقاعدة و الممثلة في أسامة بن لادن و أيمن الظواهري؟؟
بالطبع لا لأن الفصل بين هذه التنظيمات و منع إدماجها كلها في تنظيم مركزي هدفه مصلحة الفكر الجهادي الذي تحمله هذه المنظمات و تسعى لتحقيق أهدافه و تأمين ذلك كله ضد هجمات أعداء القاعدة, وليس هذا الفصل و اللامركزية هدفا في حد ذاته, فكلما كان الإتصال و التعاون يساعد على نجاح هذه الأهداف فإنهم يتصلون لكن بشرط عدم الإخلال بالقواعد الأمنية و منها لامركزية التنظيم والإدارة أو بالأحرى أكبر قدر ممكن من استقلالية التنظيمات القطرية, و لذلك لاحظنا أن الظواهري في إجاباته على أسئلة الجماهير الأسبوع الفائت لا يتكلم تفصيلا في شئون التنظيمات القطرية التابعة للقاعدة بل يحيل عليها الإجابة.
و إذا تقرر أن اهتمام القاعدة بالإعلام هو تكتيك قديم و ثابت عند منظر القاعدة الأول أيمن الظواهري فهل هذا يعني أن تكتيك السعي لكسب التأييد الجماهيري قديم لدى الظواهري؟؟
إجابة هذا السؤال تعرضنا لها في مقال سابق لنا وأوضحنا أن الإهتمام بكسب التأييد الجماهيري جديد على فكر الجهاد المصري و الظواهري و بن لادن لكن لابد أن نوضح هنا أن نشر الفكر الجهادي الذي سعى له الظواهري من عشرين عاما كان يستهدف نخبة محددة و هي أعضاء و قادة مجموعات الحركة الإسلامية فقط, بينما الجديد الآن ما ذكرناه في المقال السابق الإشارة إليه من اهتمامهم بعامة جماهير الشعوب العربية و الإسلامية.
عبدالمنعم منيب
الموضوع في المدونة القديمة 2008-06-11



مواضيع متعلقة:


تعليقات