التشدد ضد النقاب

شهد النقاش حول النقاب تشددا ضده في العديد من المناسبات, فمن قائل إن النقاب يهدد الامن العام لأن المجرمين من الممكن أن يتخفوا وراءه ليرتكبوا الجرائم, و من قائل أنه ليس من الدين في شئ فلا يجوز لبسه, و من قائل أنه يعرقل عملية التحقق من الشخصية, إلى غير ذلك من الحجج التي نرى انها مجرد تشدد ضد قضية خلافية لكل شخص الحرية في تبني ما يشاء بشأنها.
النقاب في الشرع و حسب أراء العلماء هو من الاسلام لكنهم اختلفوا فمنهم من قال أنه مندوب أي من تفعله تأخذ ثواب و من لا تفعله فليس عليها وزر, او كما يقال باللغة الدارجة هو سنة فقط, و من العلماء من قال هو فرض, و منهم من قال هو مندوب لكنه يصير فرضا إذا خيفت الفتنة بسبب عدم ارتدائه, فهذه هي أراء العلماء السابقين عندما كان العلماء لا يتأثرون بشئ سوى حكم الشرع, و لا يهمنا هنا آراء بعض العلماء الذين يتأثرون في فتاواهم و آرائهم بمناصبهم الحكومية أو علاقاتهم بمراكز القوة أو يتأثرون بحبهم للظهور في صورة من لا تتعارض آراؤهم مع مفاهيم الحضارة الغربية الحديثة أو حتى القديمة بغض النظر عن توافق ذلك كله مع الحكم الشرعي الحقيقي أم لا.
التشدد ضد النقاب لا بد أن يكون سمة هذه الأيام مادام السيد الأوروبي غير راض عن هذا المظهر الاسلامي, و كيف لا و الهجوم على الحجاب الحقيقي نفسه لا يكل و لا يمل لا هنا و لا في أوروبا, تعرية الأنثى لجسمها سواء بكشفه و تحريره من الملابس الساترة أو بلبس الضيق أو الشفاف الذي يظهر الجسم اللابس و كأنه عاري تماما إذا جرى الكلام عنه فنحن هنا نتكلم عن الحرية و تحرير المرأة و تقدمها, أما إذا لبست الأنثى النقاب بمحض أرادتها فالحديث هنا يكون عن التشدد و الغلو في الدين و قهر المرأة و جهلها و تخلفها, الحديث عن التعري المذكور يقرنه المتحدثون بأن الايمان في القلب و ناقص ثانية واحدة و يقولوا أن المتعرية قديسة من القديسات أو أحد أولياء الله الصالحين لأن ايمان قلبها قوي جدا, أما الحديث عن النقاب (أو حتى الحجاب الحقيقي) فيقترن بالقول بأن صاحبته ترائي بلبسها و تجهل حقيقة الايمان و ناقص ثانية و يقولوا أنها كافرة و بنت ستين في سبعين لأنها لبست النقاب, و كأن أحد أركان الايمان أن يتخفى هذا الايمان في القلب فلا يظهر له أي أثر على الجوارح فإن ظهر له أي أثر كان ايمانا كاذبا!
و نفس الذين يتشددون ضد النقاب (و أحيانا الحجاب) يتكلمون عن التدين المنقوص, و هنا يطرح السؤال نفسه: أنتم في كلامكم عن التدين المنقوص تطرحون أن التدين لم ينعكس في سلوك أصحابه و هذا حق إذ لابد أن ينعكس التدين (أي الايمان) و يظهر في سلوك أصحابه, أفلا ترون أن النقاب (و مثله الحجاب الحقيقي) هو سلوك شخصي لابد أن يكون انعكاسا للتدين غير المنقوص؟
و في الواقع فإن أي محتوى لابد ان ينعكس على مظاهر الشئ الذي يحتويه إلا في حالات نادرة و لأسباب محددة, و القول بأن بعض المنتقبات غير ملتزمات دينيا فهذا أمر لابد أن نتركه لله تعالي لأن القانون المصري لا يحاسب أي احد على مدى التزامه الديني فلماذا المنتقبة بالذات سوف نفتش في ضميرها و نراقب مدى التزامها؟
تبقى الحجج السطحية التي تساق لتبرير التشدد ضد النقاب, و هي أضعف من أن تحتاج إلى رد عليها, فالقول بأنه يمكن للمجرمين التخفي في النقاب يرد عليه بأن أي عمليات تجميل ممكن للمجرمين أن يستعملوها في التخفي فامنعوها تماما لا سيما ان صاحبة النقاب يحق لأي جهة أمنية أن تتحقق من شخصيتها عبر الاطلاع على بطاقة اثبات شخصيتها في أي وقت و مطابقتها بوجهها و ممكن تقنين ذلك عبر شرطة نسائية, بينما من يعمل عملية تجميل يتغير شكله تماما, و كذلك امنعوا تداول أدوات المكياج لأنها ممكن أن تستعمل في التنكر من قبل المجرمين, و امنعوا ملابس رجال الدين الاسلامي و المسيحي على حد سواء لأنه ممكن للمجرمين أن يلبسوها لتسهل عليهم التحرك أثناء ارتكاب الجرائم.
أما القول بأن النقاب يعوق التحقق من الشخصية في كافة الاجراءات الرسمية من عقود و بيع و شراء و غير ذلك فكله كلام سطحي لأن الشرع نفسه الذي شرع النقاب شرع ازالته في حالة التعاقد أو غير ذلك من الاجراءات التي تحتاج التحقق من الشخصية ثم تعيده الأنثى المعنية لوجهها بعد اتمام الاجراء المطلوب.
و إذا ظهرت سطحية كل هذه الحجج حق لنا ان نتسائل عن سبب التشدد مع النقاب مع انه في أقل احواله هو حرية شخصية بينما يتم التساهل مع كل مظاهر الخراب و الفساد الذي يعج بهما المجتمع.
عبدالمنعم منيب

تعليقات