أعلنت وزارة الداخلية منذ أيام عن اعتقالها لتسعة أشخاص من جنسيات مصرية و فلسطينية و بلجيكية و فرنسية ينتمون لتنظيم القاعدة و تلقوا تدريبا عسكريا في غزة لشن هجمات مسلحة في مصر و أوروبا ضد مصالح أوروبية و أمريكية و ذكر بيان وزارة الداخلية أن أحد عناصر هذه المجموعة ذكر في التحقيقات أنه سمع من قيادته في الخارج أن مجموعة أخرى من نفس المنظمة هي التي نفذت تفجير حديقة الحسين يوم 22 فبراير 2009م, و إذا صدقت معلومات وزارة الداخلية هذه فإن هذا يعني أن مصر دخلت مرحلة جديدة من مراحل صراعها ضد الجماعات الاسلامية المسلحة هي مرحلة التنظيمات الدولية بعدما طوت مرحلتين سابقتين من مراحل الصراع مع هذه المنظمات الاسلامية المسلحة.
كانت المرحلة الاولى: عندما لم يكن يمارس العنف المسلح سوى تنظيمات اسلامية مصرية خالصة حدث هذا عندما قام التنظيم الخاص للاخوان المسلمين في الاربعينات من القرن العشرين بالعديد من العمليات المسلحة ضد عدد من رموز السلطة و المصالح الاجنبية بالبلاد, و ما لبث أن تحول الاخوان المسلمون عن العمل المسلح حتى ظهرت منظمة الجهاد الاسلامي و منظمة الجماعة الاسلامية و عدد من المجموعات الاسلامية الصغيرة الاخرى فخاضت العنف السياسي المسلح منذ السبعينات و حتى التسعينات من القرن العشرين.
كانت هذه الجماعات في هذه الفترة مقيمة في مصر و كل اعضائها من المصريين بل عندما عرضت مجموعات اسلامية عربية عديدة على تنظيم الجهاد المصري الانضمام له في التسعينات رفض هذا التنظيم هذا العرض باعتباره تنظيما قطريا, و لقد اعتبر جهاديون عديدون وقتها أن التنظيمات الجهادية هي تنظيمات وطنية و متشددة في قطريتها أكثر من التنظيمات الوطنية العلمانية, و من هنا كان هناك تعاطفا كبيرا مع فكرة الأممية التي طرحتها منظمة القاعدة بقيادة أسامة بن لادن.
و ما لبثت المنظمات الاسلامية المصرية أن تحولت بشكل أو بآخر عن العمل المسلح منذ نهاية القرن الماضي لتتعلق عقول الكثيرين بأمل أن تكون هذه المرحلة هي نهاية للأعمال المسلحة التي تقوم بها جماعات اسلامية في مصر و تكلم الكثيرون عما أسموه بعصر ما بعد الجماعات الاسلامية, لكن سرعان ما دخلت مصر في المرحلة التالية من مراحل العنف المسلح الذي تقوم به جماعات اسلامية حيث أعلنت أجهزة الأمن في يناير 2003م القبض على تنظيم جديد اسمه "جند الله" كان يخطط لنسف السفارتين الأمريكية و الاسرائيلية و عدد من المصالح الأمريكية بالقاهرة, و كان أغلب اعضاء هذا التنظيم من الشباب الناجح في حياته العملية و بسبب تأثرهم بدعاية القاعدة على الانترنت قرروا تكوين هذا التنظيم و في البداية سعوا للسفر للقتال في الشيشان أو فلسطين لكنهم فشلوا و استقر رأيهم في النهاية على استهداف المصالح الإسرائيلية و الأمريكية بمصر, و اتخذوا عدة خطوات ناجحة بهدف إنشاء مصنع لمادة الـ "تي إن تي" شديدة الإنفجار تحت ستار تأسيس مصنع صابون كي يوفروا لعملياتهم الكميات اللازمة من المتفجرات, لكنهم ألقي عليهم القبض قبل أن يتحركوا.
و بعيد غزو العراق في 2003م تم القبض على تنظيم يضم أكثر من مائة من الشباب أغلبهم من الأطباء و المهندسين المتميزين و طلبة الجامعات و أطلق عليه وقتها تنظيم الانترنت, و قد تأثروا أيضا بدعاية القاعدة و حاولوا الاتصال بها لكنهم فشلوا و كان هذا التنظيم يهدف للجهاد في فلسطين و العراق, و قد قبض على البعض منهم بواسطة السلطة الوطنية الفلسطينية بعد نجاحهم في التسلل إلى غزة فعلا و تم تسليمهم للسلطات المصرية, كما تم القبض على احدهم في بنجلاديش بواسطة الـ "سى آى إيه" عندما كان يحاول الاتصال بأحد عناصر القاعدة هناك لعله يسهل له السفر إلى العراق و يرتب له طريق لنقل أعضاء التنظيم إلى هناك.
و في أكتوبر من عام 2004 هزّ انفجار كبير فندق هيلتون في طابا أسفر عن قتلى وجرحى أغلبهم من السياح الاسرائيلين.
ثم في يوليو من عام 2005 تم تفجير مرافق سياحية في شرم الشيخ أسفرت أيضاً عن قتلى وجرحى.
تلاه في إبريل من عام 2006 استهدفت منطقة دهب بانفجار مماثل و في الحوادث الثلاثة تم اتهام "تنظيم التوحيد والجهاد" و هو تنظيم اسلامي سري كل اعضائه من أبناء سيناء, و كانوا قبل تأسيس هذا التنظيم لايؤيدون العمل المسلح لكنهم تحولوا مع بداية إنتفاضة الأقصى (سبتمبر 2000م) إلى فكر منظمة القاعدة الذي درسوه عبر الإنترنت, و أسسوا هذا التنظيم و سعوا للسفر للجهاد في الخارج (العراق والشيشان و كوسوفو و فلسطين) لكنهم فشلوا في الوصول لأي من هذه الجبهات فقرروا مهاجمة اهدافا داخل سيناء إعتبروها اسرائيلية و غربية فكانت هذه الحوادث الثلاثة.
وفي7 ابريل 2005م فجر شاب نفسه في خان الخليلي بهدف قتل سياح, و في 30 ابريل 2005م فجر شاب أخر نفسه بنفس الغرض في ميدان عبدالمنعم رياض, بينما و في نفس الوقت أطلقت فتاتان النار على أتوبيس سياحي في ميدان السيدة عائشة ثم انتحرتا, و تبين من التحقيقات بعد ذلك أن الحوادث الثلاثة تتعلق بمجموعة جهادية واحدة, يقودها إيهاب يسري الذي فجر نفسه في ميدان عبدالمنعم رياض, و ان هذه المجموعة بنت استراتيجيتها على مهاجمة الأوروبيين و الأمريكيين استجابة للأفكار التي تدعو لها القاعدة عبر شبكة الانترنت.كل هذه التنظيمات التي وقفت وراء كل هذه الاحداث كانت تنظيمات متعاطفة مع القاعدة تبنت فكر القاعدة عبر الانترنت و لكنها لم تنجح في تحقيق اتصال عضوي مع منظمة القاعدة خارج مصر و من ثم في ارتكبت ما ارتكبت من احداث بناء على تعاطفها الفكري مع القاعدة فقط و بامكاناتها الذاتية فقط.
و لكن جاء تفجير حديقة الحسين 22 فبراير 2009م ليضع نهاية لهذه المرحلة مرحلة التنظيمات الاسلامية المتعاطفة مع تنظيم خارجي مجرد تعاطف فكري دون اتصال تنظيمي عضوي لتدخل مصر مرحلة و جود فروع رسمية تابعة تنظيميا لمنظمة القاعدة و مرتبطة بها عضويا حيث سيوفر ذلك لهذه الفروع خبرات ومساندة لوجستية فعالة للقيام بعمليات تخدم استراتيجية القاعدة التي هي دولية بالاساس.
الآن تسابق أجهزة الأمن في مصر الزمن بحملات تمشيط واسعة ضد الشباب الذين ربما يكونوا قد تعاطفوا مع أفكار القاعدة لعلها تعثر عل المزيد من المجموعات العنقودية التي عسها قد تكونت في الفترة الأخيرة لا سيما بعد التعبئة الكبيرة للشباب التي حدثت من جراء أحداث غزة و الموقف المخزي للنظام المصري ازاءها.
و لكن هناك سؤال يطرح نفسه عن سبب مرورالعمليات الاسلامية المسلحة بهذه المراحل الثلاثة.
في الحقيقة فإن المرحلة الأولى من هذه العمليات (مرحلة التنظيمات القطرية) كانت أمرا تلقائيا بسبب الظروف السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الدينية المختلفة التي مرت بها البلاد حينئذ.
أما المرحلة التالية و هي مرحلة المتعاطفين مع القاعدة فكريا دون اتصال عضوي و تنظيمي فقد كانت مرحلة أملتها نتائج غياب التنظيمات الاسلامية المسلحة المحلية, فلم يعد ثم نموذج للعمل المسلح سوى القاعدة بفكرها الدولي او الأممي, نعم يوجد نموذج حزب الله لكن الحاجز المذهبي ظل فعالا في عدم توجه الشباب لهذا النموذج, كما أن النموذج الفلسطيني المتمثل في حماس و الجهاد الفلسطيني و ان وجدا لكنهما لا يقبلان تجنيد غير الفلسطينيين, و هكذا توجه الشباب لفكر القاعدة في ظل غياب المنظمتين المسلحتين المصريتيين الرئيستين (الجهاد المصرية و الجماعة الاسلامية).
و لكن بسبب فراغ الساحة المصرية من أي من القادة أو الشخصيات ذات الخبرة في العمل المسلح و في ظل شدة القبضة الأمنية بقدر لا يسمح للهواة باللعب في الساحة المصرية كان تحول الساحة المصرية لساحة جاذبة للمحترفين الدوليين, فبعدما بح صوت الظواهري للمصريين بأن يتحركوا لضرب المصالح الغربية و الامريكية في مصر دون نتيجة كانت المحاولات التي كشفت عنها التحقيقات الاخيرة من الزج بأعضاء محترفين من القاعدة للتعاون مع مصريين للقيام بعمليات مسلحة في مصر.
و لعل نفس السبب هو الذي دفع بحزب الله لارسال احد كوادره لتنسيق عمليات عبر مصر لصالح الفلسطينيين في غزة.
و لكن هل اعتقال خلية القاعدة الأخيرة و من قبلها خلية حزب الله هو دليل على أن الخيار الأمني كافي للقضاء على مثل هذه المحاولات؟
في الواقع أنه من الصعب الاجابة بالايجاب لأن مواجهة منظمة صغيرة و محلية ليس كمواجهة منظمة كبيرة و دولية بل إن الولايات المتحدة نفسها عجزت عن القضاء على القاعدة كما ان اسرائيل عجزت عن القضاء على حزب الله, فهل تنجح الاجهزة المصرية فيما فشلت فيه الولايات المتحدة و اسرائيل؟
و حتى لو نجحت الأجهزة الامنية المصرية في ذلك ألا يؤذن ذلك بتحول الجماعات الاسلامية المسلحة لطور أخر من مراحل تطورها؟
بالضبط كما سبق و حدث اثر تخلي الاخوان المسلمين و من بعدهم الجماعة الاسلامية و الجهاد عن العمل المسلح.
ثم الى متى يكتفي النظام السياسي المصري الحاكم بمجرد الاستجابة الامنية لكل تحدي يقابله؟
ألا توجد استجابات أخرى سياسية أو دينية أو اقتصادية أو اجتماعية؟
ألا يعيد النظام حساباته كي يكون ممثلا لارادة أغلبية الشعب المصري في نوعية و كيفية العلاقات مع اسرائيل و الولايات المتحدة و أوروبا بدل الاستسلام الكامل أمام إرادات و مصالح هذه القوى مهما كانت مناقضة لمصالح و امال الشعب المصري في أغلبيته الساحقة؟
عبدالمنعم منيب
مواضيع متعلقة:
حول مستقبل القاعدة
في العراق
تعليقات
إرسال تعليق