منذ إغتيال الرئيس السادات في أكتوبر 1981م أعلنت الحكومة المصرية حالة الطوارئ في البلاد و دأبت على تمديدها منذئذ و حتى الآن ملوحة باستبدال قانون الإرهاب الأكثر قسوة بها, كما دأبت الأبواق الحكومية على تصوير حالة الطوارئ على إنها المنقذ الوحيد للبلاد من مخاطر الإرهاب المسلح و تجارة المخدرات المدمرة, و السؤال الذي يتبادر للذهن بمجرد سماع هذا الأبواق هو هل جنبنا قانون الطوارئ العمليات المسلحة فعلا؟؟وسوف نقرأ تاريخ العمليات المسلحة منذ إعلان الطوارئ عام 1981م حتى اليوم لنعرف إجابة هذا السؤال:في عام1981م و بعد إعلان الطوارئ بيومين اندلعت أعمال مسلحة في محافظة أسيوط تمكن عناصر الجماعة الإسلامية على إثرها من السيطرة على أسيوط لمدة 48 ساعة قبل أن تتمكن قوات الصاعقة التابعة للقوات المسلحة من استرجاعها و القبض على عناصر الجماعة.كما جرت اشتباكات مسلحة فردية متفرقة في كل من القاهرة و الجيزة في نفس الفترة بين عناصر تنظيم الجهاد و قوات الشرطة.وفي عام 1983م اشتبك شاب مسلح من الجهاديين المصرين مع عناصر أمنية عند أتوبيس سياحي بسفح الهرم في محاولة لخطف رهائن.وفي عام 1984م أطلق مسلحون من تنظيم ثورة مصر الرصاص على (زيفي كيدار) الدبلوماسي الإسرائيلي بالقاهرة فأردوه قتيلا.وفي عام 1985م أطلق مسلحون من تنظيم ثورة مصر الرصاص على (ألبرت أتراكش) والذى كان يعمل فى السفارة الإسرائيلية بالقاهرة فأردوه قتيلا و أصابوا زوجته و سكرتيرته.و أيضا في عام 1985 م أطلق المجند سليمان خاطر الرصاص على عدد من الإسرائيليين على حدود مصر مع فلسطين المحتلة فأردى خمسة منهم قتلى و أصاب أخرين. وفي عام 1986م أطلق مسلحون من تنظيم ثورة مصر الرصاص على سيارة إسرائيليه أمام معرض القاهرة الدولي بمدينة نصر فأصابوا من فيها. و أيضا في عام 1986م تمرد عشرات الآلاف من جنود الأمن المركزي المسلحين و هاجموا بالرصاص العديد من المواقع الإقتصادية و أضرموا فيها النار و شاركهم عدد من الجمهور الساخط على الحكومة. و في عام 1987م أطلق مسلحون من تنظيم ثورة مصر الرصاص على 3 عاملين بالسفارة الأمريكية بالقاهرة فأصابوهم بجراح.و أيضا في عام 1987م أطلق مسلحون من جماعة الناجون من النار الرصاص على كل من نبوي اسماعيل و حسن أبو باشا و مكرم محمد أحمد في فترات مختلفة من صيف هذا العام في محاولة لإغتيالهم.و في عام 1988م هرب من قادة الجهاد كل من عصام القمري و خميس مسلم و محمد محمود من سجن ليمان طرة في عملية مسلحة عنيفة أدت لمقتل جندي من حراس السجن و أعقبتها بعد عدة أسابيع اشتباكات عدة مع الشرطة و قتل فيها كل من عصام القمري و خميس مسلم في اشتباكين مختلفين مع الشرطة بكل من شبرا و المعادي بالقاهرة. و أيضا في عام 1988م اندلعت الأحداث الشهيرة بحي عين شمس بالقاهرة و حدثت فيها اشتباكات عنيفة وواسعة جدا بين الشرطة و عناصر الجماعة الإسلامية, و قتل على اثرها ضابط شرطة و أصيب العديدون من رجال الشرطة.و في عام 1989م شنت مجموعة من تنظيم الجهاد خمس هجمات متفرقة على عدد من الأهداف الأمنية الهامة بقنابل محلية الصنع, كما هاجم مسلحون من الجهاد جنود شرطة بالقاهرة فأصابوهم بجراح. وفي عام 1990م هاجم مسلحون من الجماعة الإسلامية ضباط من الشرطة من القوات الخاصة و أمن الدولة في قنا فأصابوهم جميعا بجراح خطيرة. و أيضا في عام 1990م حاول مسلحون من الجماعة الإسلامية تفجير موكب وزير الداخلية زكي بدر عند كوبري الفردوس بالقاهرة لكن الإنفجار رغم حدوثه فإنه لم يحقق هدفه لخطأ في تصنيع المتفجرات.و في نفس العام (1990م) حدثت الأحداث التالية: اطلقت خلايا من تنظيم الجهاد النار على عدد من جنود الشرطة في كل من المعادي و المهندسين و حاولت خطف سلاحهم. تم بالقاهرة اغتيال علاء محي الدين المتحدث الرسمي للجماعة الإسلامية, و زعمت وزارة الداخلية أن زملائه قتلوه. أطلق المجند أيمن حسن الرصاص على سبعة من الإسرائليين على حدود سيناء مع فلسطين فقتلهم. اغتال مسلحون من الجماعة الإسلامية الرجل الثاني في السلطة المصرية رئيس مجلس الشعب الدكتور رفعت المحجوب و عدد من ضباط الشرطة المرافقين له.و في الفترة من1991م و حتى 1997م شنت الجماعة الإسلامية حرب عصابات ضد أهداف سياحية و إقتصادية و مسئولين أمنيين و سياسيين و جنود في الشرطة و استمرت حتى نهاية عام 1997م عندما حدثت عملية قتل لعدد كبير من السياح الأجانب في حادث الأقصر الشهير أمام معبد حتشبسوت, وبعدها صدر قرار من قادة التنظيم بالخارج بوقف العمليات.و في عام 1993م حدثت عمليات مسلحو كثيرة جدا كان منها الأحداث التالية: فجرت خلية من تنظيم الجهاد موكب وزير الداخلية حسن الألفي بهدف إغتياله لكنه أصيب فقط هو و عدد من حراسه. فجرت خلية أخرى من تنظيم الجهاد موكب رئيس الوزراء عاطف صدقي لكنه لم يصب بأذى. هاجمت مجموعة مسلحة من الجماعة الإسلامية موكب وزير الإعلام و القيادي البارز في الحزب الحاكم صفوت الشريف بالأسلحة النارية لكنه لم يصب. اغتالت مجموعات مسلحة من الجماعة الإسلامية العديد من كبار المسئولين الأمنيين بما في ذلك عدد من الضباط برتبة لواء و عدد من ضباط أمن الدولة الكبار فضلا عن اغتيالات عديدة لعناصر أمنية أقل رتبة.و في عام 1994م حدثت عمليات مسلحة عديدة أيضا من أشهرها: اغتيال خلية من تنظيم الجهاد الشاهد الوحيد في قضية محاولة اغتيال عاطف صدقي رغم الحراسة المشددة التي كانت مضروبة عليه. اغتيال مجموعة من الجماعة الإسلامية للوكيل الأول لمباحث أمن الدولة المسئول عن ملف الحركات الإسلامية بالجهاز اللواء رؤف خيرت, و كان أيضا بمثابة الرئيس التنفيذي للجهاز.أما في عام 1995م فقد حدثت عمليات مسلحة كثيرة جدا بلغت 182 عملية (بمعدل من 12 إلى 18 عملية كل شهر) راح ضحيتها 366 قتيلا و 149 مصابا كان أغلبهم من الجماعة الإسلامية فضلا عن ثلاث عمليات خارجية مشهورة هي: نسف مجموعة من عناصر تنظيم الجهاد للسفارة المصرية في باكستان وقتل فيها العشرات من الدبلوماسيين المصريين. هجوم مجموعة مسلحة تابعة للجماعة الإسلامية على موكب الرئيس مبارك في أديس أبابا في محاولة فاشلة لإغتياله. اغتال مجهولون الملحق التجاري المصري في سويسرا علاء نظمي و قيل أنه كان مسئولا أمنيا مكلفا بمتابعة ملف أيمن الظواهري.كما نجحت الأجهزة الأمنية البلغارية في إحباط محاولة لنسف السفارة المصرية في بلغاريا عام 1996م, و في نفس العام لقي أكثر من عشرة سائحين مصرعهم في فندق بمنطقة الهرم غرب القاهرة نتيجة هجوم مسلح شنته الجماعة الإسلامية. أما عام 1997م فقد كان عاما ساخنا أيضا لكن أشهر العمليات المسلحة التي جرت فيه كانت عمليتان: هجوم عدد من المسلحين الجهاديين بقيادة صابر فرحات على أتوبيس سياحي أمام المتحف المصري في ميدان التحرير. هجوم مجموعة مسلحة من الجماعة الإسلامية على أتوبيس للسائحين أمام معبد حتشبسوت بالأقصر. و في عام 2004م أطلقت جماعة "التوحيد و الجهاد" عدة تفجيرات بمنطقة طابا و ما حولها ضد سائحين أغلبهم من اسرائيل.و في عام 2005م أطلقت "التوحيد و الجهاد" تفجيرات مماثلة في منتجع شرم الشيخ بجنوب سيناء.و في عام 2006م أطلقت خلية متعاطفة مع الجهاد المصري و أخرى مع القاعدة تفجيرات ضد سائحين في حي الأزهر و في ميدان عبدالمنعم رياض خلف المتحف المصري كما أطلقوا النار على أتوبيس سياحي بحي السيدة عائشة. و في نفس العام (2006م) أطلقت جماعة "التوحيد والجهاد" تفجيرات ضد أهداف سياحية في منتجع دهب بسيناء. و ما ذكرناه من هذه العمليات مجرد مثال وليس حصرا لجميع ماتم من عمليات مسلحة في ظل قانون الطوارئ الميمون, و بذا يتبين لنا أن آلاف العمليات المسلحة ذات الخلفية السياسية قد تمت بل تصاعدت في ظل قانون الطوارئ.ثم انهم تكلموا عن استخدام قانون الطوارئ لمكافحة المخدرات, لكن دراسات المركز القومي للبحوث الإجتماعية و الجنائية نفت دعواهم الكاذبة بشأن السنوات العشر من 1991م و حتى 2000م, فحسب دراسات المركز فإن ما صرفته مصر خلال10 سنوات من عام91 حتي عام2000 علي المخدرات بلغ نحو187 مليار و783 مليون جنيه وهو رقم يمثل صدمة لأي باحث وأي اقتصادي حيث يقول خبير اقتصادي كبير انه يستهلك ما يصل الي نحو21% من الناتج المحلي و يبلغ ما يعادل نحو 153% من الادخار المحلي الاجمالي خلال10 سنوات, و نحو 131% من الاستثمار المحلي و نحو 370% من قيمة الصادرات السلعية ونحو300% من تحويلات المصريين العاملين بالخارج, كل ذلك في المخدرات, اضافة الي التأثير السلبي علي سعر الجنيه بالنسبة للعملات الاجنبية هذا كله بخلاف التكاليف الاجتماعية التي لو وفرنا جزءا منها لاسفرت عن موارد تتاح لبقيه المجتمع لاستخدامها في اغراض استهلاكية أخري أو اغراض استثمارية وتشمل هذه التكاليف الخاصة بمكافحة الجريمة والرعاية الصحية والفاقد في الانتاج, هذا أيضا بخلاف الآثار السلبية والاجتماعية من جرائم وحوادث الطرق.و بناء علي سلسلة البيانات عن الانفاق علي شراء المخدرات في سوق الاتجار غير المشروعة امكن تقدير الانفاق علي المخدرات خلال ثماني سنوات , حيث يتضح ان الانفاق علي شراء المخدرات في سوق الاتجار غير المشروعة وصل إلي23.7 مليار جنيه عام2001, و24.6 مليار جنيه عام2002, و25.5 مليار جنيه عام 26.4,2003 مليار جنيه عام2004 و 27.3مليار جنيه عام2005 و الي28.2 مليار جنيه عام2006 و29 مليار جنيه عام2007, كما يصل إلي30 مليار جنيه عام2008م.فالمخدرات انتشرت و زادت تجارتها في ظل قانون الطوارئ.فما فائدة قانون الطوارئ إذن؟؟فقانون الطوارئ لم يمنع العمليات المسلحة ذات الخلفية السياسية أو الإرهابية, كما لم يمنع زيادة معدلات تجارة و تعاطي المخدرات.فضلا عن تزايد معدلات جرائم البلطجة و السرقة بالإكراه (السرقة تحت تهديد السلاح ) و النصب و الجريمة المنظمة و الفساد و الرشوة و كل ذلك في ظل قانون الطوارئ.فلماذا إذن يتمسكون بمد قانون الطوارئ مرة أخرى؟؟يزعمون أن الإرهاب قد توقف بسبب التمسك بقانون الطوارئ, و نحن نسأل إن كان الإرهاب قد توقف فعلا فلماذا يمدون الطوارئ؟؟ أما إذا كانت مخاطر الإرهاب مازالت مستمرة فهذا يعني أن قانون الطوارئ قد فشل في القضاء على مخاطر الإرهاب فمن الغباء الإدعاء أن قانون الطوارئ مهم لمواجهته رغم فشله في ذلك طوال 27 عاما.أما القول بأن العمليات المسلحة قد خفتت في مصر فهذا صحيح و لكن هذا لم يكن بسبب قانون الطوارئ, و إنما لأسباب أخرى عديدة:فبالنسبة للجماعة الإسلامية صاحبة الحظ الأوفر من الأعمال المسلحة فقد قرر قادة الجماعة الإسلامية في الخارج وقف العمليات المسلحة عام 1999م لأسباب و خيارات سياسية ليس من بينها قانون الطوارئ, و الظن بأن قانون الطوارئ أرغم قادة الجماعة بالسجن على وقف العمليات المسلحة غير صحيح لسبب بسيط جدا هو أن قادة السجن مثل كرم زهدي و ناجح ابراهيم و غيرهم لم يملكوا القدرة على وقف هذه العمليات بدليل أنهم ظلوا يناشدون عناصر الجماعة بوقف العمليات منذ 1996م و حتى 1999م لكنها لم تتوقف إلا عندما أصدر قادة الخارج قرارا بذلك, و لم يكن لقانون الطوارئ أي تأثير على قادة الخارج.أما بالنسبة لجماعة الجهاد بقيادة أيمن الظواهري فإنها اتخذت قرارا في نهايات عام 1996م بوقف العمليات المسلحة داخل مصر و بدأت تتجه لمحابة أمريكا, فساهمت في تأسيس "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود و الصلبيين" ثم اندمجت في تنظيم القاعدة وصار زعيم الجهاد لمصري أيمن الظواهري بمثابة مفكر القاعدة و الرجل الثاني فيها, و هذا كله في إطار حسابات خاصة بهم لا علاقة لها بقانون الطوارئ,إذ من غير المعقول أن الذي يقاتل أمريكا التي تملك سجون جوانتانمو و جهاز CIA و FPI سيخاف من قانون الطوارئ المصري.و رغم 27 سنة طوارئ في مصر فإن قدرتهم على تنفيذ عمليات مسلحة قد استمرت و الدليل على ذلك أن المصريين من قادة الجهاد المصري هم الذين يقودون القاعدة حتى الآن مثل أيمن الظواهري و سيف العدل و أبو حمزة المهاجر و غيرهم, و كان أبو حفص المصري القائد العسكري للقاعدة و العقيد على أبو سعود (من الجهاد المصري) هما الذين أشرفا على تدمير السفارتين الأمريكيتين في كينيا و تنزانيا عام1998م كما أعطى أبو حفص توجيهه بضرب المدمرة الأمريكية كول عام 2000م على سواحل اليمن, كما قامت القاعدة بقيادة الظواهري و أبو حفص المصري بضرب برجي التجارة في نيويورك في سبتمبر 2001م عبر مجموعة يقودها محمد عطا المصري أيضا, فلو كان الجهاديون المصريون يرغبون في العمل في مصر لوجهوا عملياتهم لها لكنهم لم يفعلوا بسبب تحولهم لمحاربة أميركا. فالحاصل أن عمليات الجهاد و الجماعة لإسلامية قد توقفت لحسابات خاصة بكل منهما ليس منها قانون الطوارئ. والعمليات المسلحة كلها عندما جرت تمت في ظل الطوارئ و التعذيب جرى في ظل الطوارئ و تأميم النقابات المهنية و سرقة الدقيق المدعم وانتشار المخدرات و دخول المبيدات المسرطنة و انتشارالإحتكارات الإقتصادية و بيع القطاع العام و أملاك الدولة بثمن بخس و اعتقال عشرات الألاف لأكثر من عشر سنوات كله في ظل قانون الطوارئ فما هي فائدة قانون الطوارئ؟؟ و الآن و أنا أختم هذا التقرير تذكرت نكتة و لا أدري لماذا تذكرتها الآن بالذات, تقول النكته أن الحرامية أوقفوا رجلا في الشارع و جردوه من أمواله و تليفونه المحمول و ساعته ثم جردوه من ملابسه كلها و حذائه حتى صار عريانا كما و لدته أمه و حينئذ اشتكى لهم كيف يمشي في الشارع هكذا عريانا؟؟ فاختلف الحرامية نعطيه الشورط يروح به أم لا, و في النهاية و بعد نقاش طويل و مرير جدا وافقوا على أن يمنحوه الشورط فقط ليرجع به لبيته فلبسه الرجل بفرح شديد ثم جرى نحو بيته هاتفا يحيا العدل.... يحيا العدل لأنهم أعطوه الشورط .
عبدالمنعم منيب
هذا الموضوع نشر في جريدة الدستور و هو في المدونة القديمة 2008-05-28
تعليقات
إرسال تعليق