أغلبية المصريين مسلمين ومسيحيين يؤيدون تطبيق الشريعة الإسلامية

ماذا يريد الشعب؟
سؤال يطرح نفسه بشدة إن كنا نتحدث عن أسلوب حكم ديمقراطي, و لكن دائما نجد من يزعم انه يتكلم باسم الشعب مدعيا تحقيقه لإرادة الأغلبية.
و في هذا الإطار نتابع دائما في سائر أنحاء العالم الإسلامي نقاشا لا ينتهي و جدالا لا ينقطع بشأن تطبيق الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع في الدول الإسلامية.
و إن كان الإسلاميون و العلمانيون هما طرفا النقاش فإن كلا الطرفين يدعي أنه يبتغي تحقيق مصلحة الشعوب العربية و الإسلامية و حمايتها من الديكتاتورية و حكم الإستبداد.الإسلاميون ألصقوا كل الشرور بالعلمانين بصفتهم استلموا الحكم في العالم الإسلامي منذ أتم تحرره من الإحتلال العسكري الغربي, و بالتالي فهم مسئولون عما آل إليه أمر الأمة منذئذ و حتى الآن.
أما العلمانيون فظلوا يحذرون الأمة العربية و الإسلامية من شرور ما أسموه بالحكم الديني و الديكتاتورية و الإستبداد باسم الدين و الحكم الإلهي.
و أعلن الإخوان المسلمون أن الشريعة الإسلامية لا تتنافى مع الديمقراطية و أكدوا أنهم عندما يصلون للحكم بالإنتخاب فإنهم سيحكمون وفق قواعد الديمقراطية في اطار المرجعية الإسلامية.
لكن العلمانيين قالوا أن الإسلاميين غير صادقين في توجههم الديموقراطي, و أن طرحهم للديمقراطية كأسلوب حكم مجرد ذريعة للإستيلاء على الحكم و بعدها سيمارسون الديكتاتورية الدينية و ينقلبوا على الديمقراطية.
و اعتبر العلمانيون أن معارضتهم لتطبيق الشريعة الإسلامية هو دفاع عن الديمقراطية و حقوق الشعب, و قالوا أيضا أنه دفاع عن العقل و العلم و حقوق الإنسان و حقوق الأقباط.وطالب الإسلاميون بالإحتكام لرأي الشعب في تحديد من يحكم البلاد و ذلك عبر صناديق الإقتراع في انتحابات حرة.و رد العلمانيون بأنه من غير المنطقي أن نعطي فرصة لأعداء الديمقراطية للوصول للحكم عبر الديمقراطية لينقلبوا عليها بعد ذلك.
قلة نادرة من العلمانيين وافقوا على فكرة الإحتكام إلى صناديق الإنتخابات, مثل نجيب محفوظ الذي أيد انشاء حزب اسلامي و رأى أن السماح بحزب للإسلاميين لا يمثل خطرا لأنهم لن يصلوا عبره للحكم لأن كل الأحزاب الأخرى ستتوحد في جبهة واحدة دفاعا عن العلمانية (عدم تطبيق الشريعة) لمنع وصول الإسلاميين للحكم و منع تطبيق الشريعة, و سينجح العلمانيون في منع تطبيق الشريعة, بينما سيفشل الإسلاميون في الإنتخابات حسب رأيه.
و هذا الجدل المحتدم وصل لحد التراشق اللفظي الحاد بل وصل أحيانا لحد التكفير و القتل أو محاولة القتل (كما حدث مع فرج فودة الكاتب العلماني المشهور و مكرم محمد أحمد الكاتب الصحفي المعروف), و لكن رغم سخونة هذا الجدل فإن رأي الشعب ظل غائبا أو مغيبا عن ساحة الصراع الفكري حول هذه القضية خاصة من قبل العلمانيين الذين زعموا دائما حرصهم على المصلحة العامة و حقوق الإنسان و مع ذلك لم يسعوا يوما للإستماع إلى صوت الشعب الذي يزعمون الدفاع عنه.
إن رأي الشعب في تطبيق الشريعة قضية مغيبة عن النقاش الدائر حول تطبيق الشريعة, بل في بعض الأحيان زعم علمانيون أن الشعب لا يريد الشريعة.
 ولكن بعيدا عن إدعاءات العلمانيين فما هو رأي الشعب المصري في قضية تطبيق الشريعة الإسلامية؟؟
إن التعرف على رأي الشعب في قضية ما بحيادية كاملة هو لب أي فعل ديمقراطي سليم, و عادة يتم هذا في الدول الديمقراطية عبر أحد أمرين إما صناديق الإنتخابات أو استطلاعات الرأي التي تجري بطرق علمية و موضوعية دقيقة.
و نظرا لأن الإنتخابات النزيهة ممنوعة في بلادنا, فإن استطلاعات الرأي تظل الطريق الوحيد المتاح لمعرفة رأي الشعب في قضية ما كلما سنحت الفرصة لإجراء استطلاع راي محايد و موضوعي و دقيق.و بدءا من عام 1982م و حتى عام 1984م أجرى المركز القومي للبحوث الإجتماعية و الجنائية بمصر استطلاعا للرأي حول موقف الشعب المصري من تطبيق الشريعة الإسلامية و تحديدا الموقف من "الحدود" واعتمد الإستطلاع على عينة تم انتقائها بدقة كي تكون ممثلة لكافة فئات و طبقات الشعب المصري.و قد بلغ حجم العينة التي أجريت عليها عملية استطلاع الرأي 2427 شخصا, منهم %93,3من المسلمين و6,3 % من الأقباط , على اعتبار أن هذه هي نسبة الأقباط في اجمالي تعداد السكان الذي أجري عام 1976م, و قد تنوعت العينة لتشمل كافة الفئات من حيث الطبقة و العمر و التعليم و المهنة و الحالة الإجتماعية و محال الإقامة التي شملت القاهرة و الإسكندرية و بور سعيد و عواصم حضر بحري و عواصم حضر قبلي إلى جانب مواطن النشأة التي شملت ما سبق بالإضافة إلى ريف بحري و ريف قبلي.
 و رغم وجود جوانب عديدة للشريعة الإسلامية غير عقوبات الحدود, إلا أن هيئة البحث اختارت لسبب ما أن يدور بحثها حول الرأي في عقوبات الحدود الشرعية التي تتمثل في:
1- الزنا
 2- القذف
3- شرب الخمر
4- السرقة
5- قطع الطريق
6- الردة (أي خروج المسلم من الدين الإسلامي)
 و قد طبع المركز القومي للبحوث نتيجة الإستطلاع في كتاب مكون من نحو 400 صفحة و لكننا هنا لن نطيل على القارئ بذكر المؤشرات و الأرقام الكثيرة التي احتوتها هذه الدراسة القيمة, بل سنقتصر على ذكر أهم المؤشرات و الإتجاهات التي حوتها الدراسة و ما يدعمها من أرقام.
 الموقف من تطبيق الشريعة الإسلامية:
 وافقت أغلبية العينة الكلية على تطبيق الحدود و ذلك بنسبة 96,2% و عارض تطبيقها 3,2%, و في عينة المسلمين على حدة ترتفع نسبة الموافقين إلى 98% في مقابل 1.3% معارضون و 0,3% محايدون, أما عينة المسيحيين على حدة فإن نسبة الموافقة فيها تنخفض إلى 63% و ترتفع نسبة المعارضين إلى 31% و كذلك المحايدين حيث بلغت نسبتهم 6%.
هل نطبق الشريعة فوريا أم تدريجيا؟
31% من العينة الإجمالية تقف مع التطبيق الفوري, بينما رأى 69% أن التطبيق يجب أن يكون تدريجيا.أما عينة المسلمين منفردة فنسبة المؤيديين للتدرج 69%, و نفس الشئ في عينة المسيحيين منفردة حيث أيد 68% منهم التدرج, لكن عينة المسلمين رأى 75% منهم أن هذا التدرج لا ينبغي أن يتجاوز 5 سنوات كحد أقصى للمرحلة الإنتقالية بينما أيد فكرة الخمس سنوات 69% فقط من العينة المسيحية.
الطبقة الإجتماعية و تطبيق الشريعة:
أيدت أغلبية الطبقة العاملة تطبيق الحدود بنسبة 90% أما أغلبية الكتابيين و الطلاب فايدت بنسبة 83% أما الإداريين و المهنيين فنزلت النسبة إلى 77%.
لكن تطبيق الشريعة لماذا ؟
رأى البحث أن دوافع الموافقة لدى كل من المسيحيين و المسلمين مختلفة فعلى سبيل المثال رأى 43% من المسلمين وجوب تطبيقها لأنها شريعة الله بينما رأى 23% من المسيحيين أنها شريعة الله.
هل يتم تطبيق الشريعة الإسلامية وحدها أم مع غيرها من القوانين؟
رأى 65% من المسلمين تطبيق الشريعة الإسلامية وحدها بينما رأى الباقون (35%) تطبيقها مع بعض القوانين الحالية بينما رأى 27% من المسيحين تطبيقها وحدها و إختار 73% من عينة المسيحيين تطبيقها مع بعض القوانين الحالية.
أما مبررات تطبيق الشريعة مع بعض القوانين الحالية فإن المسيحيين كانوا أميل لتقديم مبررات ذات طبيعة علمانية فكان ترتيب المبررات لديهم كالآتي:
1- لأن بعض أفراد من الديانات الأخرى سيرفضون هذا التطبيق
 2- لأن بعض القوانين الحالية تتفق مع الشريعة الإسلامية
 3- لأنه من الصعب التخلي عن بعض القوانين المطبقة حاليا
4- حتى التمهيد لتقبل الناس للتطبيق الكامل للشريعة
5- حتى تتم معالجة أوجه القصور.
و نذكر القارئ ان هذه هي آراء المسيحيين و ليس المسلمين.
كما يرصد البحث أن أول المبررات لدى المسيحيين كان يمثل أخرها لدى المسلمين, بينما كان أول المبررات لدى المسلمين (و هو: حتى يتم التمهيد لتقبل الناس للتطبيق الكامل) هو رابع المبررات لدى المسيحيين.
لكن هل تطبيق الشريعة على كل جرائم الحدود أم على بعضها فقط؟؟
أيد 92,4% من المسلمين تطبيقها على كل الجرائم بينما انخفضت نسبة هذا التأييد لدى المسيحيين إلى 72%.
 إذا طبقنا الشريعة فهل يتم تطبيقها على الجميع مسلمين و مسيحيين أم على المسلمين فقط؟ 
رأى 69% من المسلمين تطبيقها على الجميع, بينما رأى 31% تطبيقها على المسلمين فقط.
و إذا كان هذا راى الشعب المصري عام 1984م فما هو رأيه الآن؟
تأتي الإجابة في استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب الأمريكية خلال لقاءات مباشرة مع عينة ضمت أكثر من 1800 من المصريين البالغين، وذلك خلال شهري مايو ويوليو 2007، كما شملت أكثر من 1000 تركي، خلال شهري مايو ويوليو 2007 أيضاً.
و أظهر الإستطلاع أن أكثر من 90% من الشعب المصري يؤيد تحكيم الشريعة الإسلامية، بينما يطالب ثُلثا المصريين تقريباً بجعلها المصدر الوحيد للتشريع.
وبحسب الاستطلاع الواسع الذي أُجري في مصر وتركيا ومناطق أخرى، فقد جاء الشعب المصري في المقدمة من حيث المطالبة بتحكيم الشريعة الإسلامية، حيث قال 91% من المصريين:
إن الشريعة ينبغي أن يكون لها دور في تشريع القوانين، وهو رأي وافقهم فيه 90% من الأتراك.
وبحسب الاستطلاع الذي نشرت نتائجه وكالة أنباء "أمريكا إن أرابيك" فإن حوالي ثلثي المصريين (64 %) يعتقدون أن الشريعة الإسلامية يجب أن تكون المصدر الوحيد للتشريع، وهو الرأي الذي عبّر عنه 7% فقط من الأتراك.
لكن حوالي ثلث الأتراك (32 % فقط) رأوا أن الشريعة ينبغي أن تكون "أحد" مصادر التشريع، وهو ما أشار إليه أكثر من ثلث المصريين (35%).كما أظهر الاستطلاع أن أغلبية المشاركين في الاستطلاع في هاتين الدولتين لديهم أفكار إيجابية عن الشريعة.
ومن بين المطالبين بأن تكون الشريعة أحد مصادر التشريع، رأى 97% من المصريين أن الشريعة توفر العدالة للمرأة، في مقابل 69% من الأتراك.
 كما قال 85 % من المصريين المطالبين بأن تكون الشريعة مصدرًا من مصادر التشريع: إنها تحمي الأقليات، وهو ما دعمه 51% من الأتراك.
واعتبر 96% من المصريين من هذه الشريحة أن الشريعة الإسلامية تعزز من وجود نظام قضائي عادل، في مقابل 63% من الأتراك.
وعبّر 97% من المصريين في هذه الفئة عن اعتقادهم بأن الشريعة تحمي حقوق الإنسان، وهو ما أشار إليه 62% من الأتراك.
كما قال 94% من المصريين المؤيدين للشريعة كأحد مصادر التشريع: إنها تعزز العدالة الاقتصادية، في حين انخفضت هذه النسبة إلى 55% بين الأتراك.
واعتبر 94% من المصريين في هذه المجموعة أن الشريعة من شأنها أن تقلل الجريمة في المجتمع، وهو نفس الرأي الذي عبر عنه 68% من الأتراك.
وأظهر الاستطلاع أن هؤلاء الذين يؤيدون تطبيق الشريعة كمصدر من مصادر التشريع لا يميلون إلى ربط الشريعة بأفكار سلبية.
فهل عرفنا رأى الشعب المصري, و هل يتم تبنى خيار الشعب أم يظل الإدعاء بتطبيق الديمقراطية في حين أنه يتم السير في اتجاه مضاد لإتجاه الأغلبية؟؟



عبدالمنعم منيب
الموضوع نشر في جريدة الدستور و هو في المدونة القديمة 2008-09-24 02:38

تعليقات