أضواء جديدة على عملية القاعدة ضد الاستخبارات الأمريكية في أفغانستان

كان طبيبا شابا ينتمي إلى عائلة كبيرة، وتزوج من امرأة أجنبية ولديه طفلان.. إنها تفاصيل يراها ضابط الاستخبارات الأردنية نقاط ضعف يمكن استغلالها وليست معلومات شخصية.
في مطلع العام الماضي، ألقت دائرة المخابرات العامة الأردنية القبض على همام خليل أبو ملال البلوي، بعد أن اتخذت الرسائل، التي نشرها تحت اسم مستعار على مواقع إلكترونية، منحى أكثر تطرفا. وخلال ثلاثة أيام من الاستجواب، هدد ضباط دوائر المخابرات العامة البلوي بسجنه وتدمير مهنته الطبية، ونوهوا بأنهم من المحتمل أن يتسببوا في مشاكل لعائلته، وذلك حسب ما قاله مسؤول أميركي سابق ومسؤول أردني كلاهما لديه معلومات عن عملية اعتقال البلوي.
وقيل للبلوي إنه إذا سافر إلى باكستان وتسلل إلى صفوف التنظيمات المتطرفة هناك، فإن ماضيه سوف يصبح نظيفا ولن تُمس عائلته بسوء، وفق ما قاله المسؤول الأميركي السابق، الذي عزز من تقريره المفصل حول ما قامت به دائرة المخابرات العامة الأردنية مع البلوي ما ذكره المسؤول الأردني ومسؤولان أردنيان سابقان في الاستخبارات.
ووافق البلوي على ذلك، ومع تطور العلاقة اعتقد ضباط دائرة المخابرات العامة أنه يريد فعلا العمل ضد تنظيم القاعدة. وكانت هذه بداية سلسلة من الحسابات الخاطئة انتهت بخروج البلوي من سيارة داخل منشأة تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في أفغانستان، بالقرب من الحدود مع باكستان. وسمح ضباط الاستخبارات للبلوي، الذي كان يرتدي سترة معبأة بالمتفجرات والمواد المعدنية، بالدخول إلى المنشأة من دون خضوعه للتفتيش. وبعد ذلك أشعل البلوي الفتيل، ليقتل سبعة ما بين ضباط تابعين لوكالة الاستخبارات المركزية ومتعهدين، بالإضافة إلى ضابط استخبارات أردني وسائق.
ومن ذلك الحين، توصل مسؤولون أميركيون وأردنيون إلى أن البلوي كان متطرفا مخلصا للتطرف، وأنه كانت لمعتقداته جذور دينية وثقافية راسخة، وأنه لم يسع يوما إلى التعاون معهم. ويقولون إنه بالنظر إلى الأمور السابقة كان يجب الحذر وعدم الشعور بالإثارة بسبب قدرته على الوصول إلى معلومات استخباراتية صحيحة، لأن اختراقه للمستويات العليا من تنظيم القاعدة كان سريعا للغاية على نحو لا يصدق.
وانشغل مسؤولون بارزون في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ودائرة المخابرات العامة الأردنية باحتمالية توجيه ضربة قوية لتنظيم «القاعدة»، واستخفوا بالمخاوف التي أثارها ضباط في كلتا الهيئتين من أن البلوي قد يكون محتالا، وذلك حسب ما قاله المسؤول الأميركي السابق والمسؤول الحكومي الأردني، الذي لديه خلفية استخباراتية.
وتولى الأميركيون مسؤولية إدارة البلوي بدلا من الأردنيين في وقت ما خلال النصف الثاني من عام 2009، وكانوا يحددون كيف ومتى يقابل العميل المسؤولين عنه، حسب ما قاله ضباط استخبارات أميركيون حاليون وسابقون. ويقول مسؤولون استخباراتيون حاليون وسابقون إن ضباطا ميدانيين تابعين للوكالة واجهوا ضغوطا غير اعتيادية من مسؤولين بارزين في وكالة الاستخبارات المركزية والإدارة الأميركية في واشنطن عزز منها وعد البلوي بتسليم الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.
ولكن، يعترض مسؤول استخباراتي أميركي، شريطة عدم ذكر اسمه، على التأكيد أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تخلت عن جذرها. وقال «لا يترك أحد، في واشنطن ولا في الميدان، الشعور بالإثارة أو الترقب يسيطر على الموقف». وأضاف المسؤول أن نهج دائرة المخابرات العامة الأردنية كان أكثر من مجرد ابتزاز بسيط. وأضاف «يفهم الأردنيون بصورة تامة أن الإقناع أفضل من الإجبار».
تعلم البلوي (32 عاما) مهنة الطب داخل جامعة اسطنبول في تركيا، وعمل داخل عيادة في مخيم للاجئين الفلسطينيين في الأردن. وتزوج من صحافية تركية، ألفت كتابا أعربت فيه عن إعجابها بزعيم تنظيم القاعدة ويحمل عنوان «أسامة بن لادن: تشي غيفارا الشرق». وخلال الأعوام الأربع الماضية، وباستخدام كنية أبو دجانة الخرساني، كانت للبلوي كتابات على مواقع إلكترونية متطرفة واكتسب شهرة منها. وكان يتحدث كثيرا عن السعي إلى «الشهادة». وكتب البلوي «كلماتي تنهل من دمي»، وهو أحد تصريحاته التي تشير إلى طموح يتجاوز الكلام الطنان.
«إذا قرأت مقالاته سوف تفهم أنه جهادي منذ مولده،» هكذا قال حسن هنية، وهو مؤلف وراديكالي إسلامي سابق. وأضاف «تمس المقالات لب معتقداته. ربما يتحول هذا الشخص إلى إنسان معتدل بمرور الأعوام، لكنه لا يمكن أن يصبح عميلا. لا يمكن أبدا».
ويوافق على ذلك المسؤول الأردني، الذي لديه خلفية استخباراتية، والذي قام منذ الهجوم بدراسة كتابات البلوي. ويقول «إذا قرأت ما يقوله باللغة العربية، فإن هذه البنية وهذه الروح تقول إنه شخص يؤمن بما يقول. ويجب اختبار هذا الرجل 20 مرة قبل أن نصدقه مرة واحدة». ويقول أفراد عائلة البلوي إنه بعد إلقاء القبض عليه واستجوابه في يناير (كانون الثاني)، بدا البلوي مقطب الجبين ومشغولا. وتوقف عن استخدام الكومبيوتر، الذي كان مرتبطا به إلى حد كبير. وقال أبوه خلال مقابلة أجريت معه «خرج شخصا مختلفا تماما. كان عليهم أن يتركوا وحده، وما كان يجب عليهم أن يتلاعبوا بعقله». وأضاف أنه ابنه ما كان ليتجاوز الكلام لو لم يجبر على مغادرة الأردن.
وترك البلوي الأردن بعد إطلاق سراحه بوقت قصير، وقال لعائلته إنه يريد أن يجري دراسات طبية أكثر توسعا في باكستان. وبدأ يعطي معلومات مثيرة وموثوق فيها عن المتطرفين، وقامت دائرة المخابرات العامة الأردنية بتسليم إدارة العملية والمعلومات الاستخباراتية إلى وكالة الاستخبارات المركزية مع السماح لضابطها النقيب الشريف علي بن زيد بالبقاء كوسيلة اتصال مع البلوي، حسب ما قاله مسؤولون.
ويقول مسؤولون إنه مع استمرار ورود المعلومات كانت الوكالة قادرة على الاستفادة منها في إجراء عمليات داخل باكستان.. وازدادت الثقة في البلوي. ويقول المسؤول الاستخباراتي الأميركي «أولا، كانت للشاب إمكانيات، من بينها القدرة على الاتصال بشخصيات مهمة. ثانيا: كان هناك جهاز وسيط يعتقد أنه غيّر من أفكاره وكان يعمل معهم منذ وقت. وثالثا: قدم معلومات استخباراتية تم الثبت منها بصورة مستقلة. لا يمكن تجاهل هذه الأشياء، ولا تثق في الشاب دونها».
وفي سبتمبر (أيلول)، وبعد مرور ستة أشهر على وصول البلوي إلى باكستان، تحدث مسؤولون استخباراتيون دوليون وأميركيون عما قالوا إنه نجاح متنام في اختراق المستويات البارزة داخل تنظيم القاعدة، وهو ما ساعد على الاستهداف الأفضل لمواقع المتمردين داخل باكستان.
ويقول ريتشارد باريت، رئيس مجموعة مراقبة حركة طالبان وتنظيم القاعدة التابعة للأمم المتحدة والرئيس السابق لعمليات مكافحة الإرهاب البريطانية خارج البلاد «بدأت الموارد البشرية تكون لها نتائج». وفي ذلك الوقت، أرجع مسؤول بارز في إدارة أوباما لديه معلومات مبدئية عن العمليات الأميركية قتل أكثر من اثني عشر من القيادات البارزة في تنظيم القاعدة إلى قدرة وكالة الاستخبارات المركزية المتزايدة على «تحديد أماكن الأفراد والتعرف عليهم».
وعندما سئل الأسبوع الماضي عما إذا كانت إشارته إلى اختراق استخباراتي أكبر تضمنت الإشارة إلى تقارير من البلوي، قال المسؤول إنه لم يكن يشير إلى أي فرد، لكنه رفض توضيح هل كان على علم بالتقارير التي يوردها البلوي أم لا. وقال «ربما، وربما لا».
ويقول مسؤول استخباراتي أميركي بارز سابق «هذه عملية لـ(القاعدة) تمت دراستها بصورة جيدة. يرتبط الأمر بتقييم الوضع، ويجب أن يكون ذلك مهما بالدرجة التي تجعل الأردنيين، وفي هذه الحالة وكالة الاستخبارات المركزية، ينظرون إليه على أنه حقيقي.. وكان هذا هو المدخل. كم من الممكن تقديمه للخداع من دون التنازل عن الأشياء الأساسية؟».
وفي الواقع، يبدو أن النجاحات التكتيكية التي قدمها البلوي كانت تضحيات من جانب تنظيم القاعدة للاقتراب من الهدف النهائي وهو وكالة الاستخبارات المركزية. ويقول ضابط استخبارات أردني سابق «كانوا سيتنازلون عن الكثير من أجل الوصول إلى وكالة الاستخبارات المركزية». وبعد الهجوم، نشرت طالبان باكستان شريط فيديو للبلوي مع زعيمه، ولكن يشك مسؤولون في أن «القاعدة» هي التي أدارت الهجوم.
وأثار ضباط أميركيون وأردنيون تساؤلات العام الماضي بشأن السرعة التي وصل بها البلوي إلى موقع استطاع من خلاله الحصول على مثل هذه المعلومات الاستخباراتية، وذلك بحسب ما ذكر الضابط الأميركي السابق المطلع على اعتقال البلوي.
وذكر ضباط سابقون في المخابرات الأردنية أن «القاعدة» تساورها شكوك عميقة بشأن المتطوعين الجدد، لا سيما إذا كانوا أردنيين، نظرا للمحاولات المتكررة من جانب دائرة المخابرات العامة الأردنية لاختراق التنظيم. ولا يوجد أردنيون في الدائرة المحيطة بأسامة بن لادن، وبعض الذين وصلوا إلى مكانة بارزة في التنظيم، من أمثال أبو مصعب الزرقاوي، قائد تنظيم القاعدة في العراق الذي جرى اغتياله، تلقوا التكليفات بعيدا عن القيادة.
ويقوم ضباط الاستخبارات والأمن في تنظيم القاعدة بفحص الأعضاء الجدد بحزم، ويخضعونهم إلى مجموعة من الاختبارات قبل أن يصلوا «حتى إلى الدائرة الثالثة حول القيادة»، حسبما ذكر مسؤول سابق في المخابرات الأردنية.
وأضاف المسؤول السابق أن «غريزتهم الأولية هي الشك». وتابع «يقومون بفحص تاريخه فحصا مكثفا. ويراقبونه في المأكل والنوم والصلاة، لاكتشاف بعض العلامات. فهم يقومون بتحليل كل شيء. وذلك هو السبب في تمكنهم من البقاء منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). وبعد كل ذلك، إذا صدقوه، فلن يقترب من الدائرة الداخلية».
إلا أن البلوي بدا وكأنه فعل ذلك، وقدم معلومات حول الظواهري. ووفقا لمسؤول بارز في المخابرات، قدم البلوي «دليلا دامغا»، يشمل «صورا فوتوغرافية» تثبت أنه كان حاضرا في وجود قادة تنظيم القاعدة. ويتساءل بعض المسؤولين الأردنيين والأميركيين الآن هل حدثت مثل هذا المقابلة أم لا؟.. بيد أنهم يقولون إذا حدث ذلك، فإنه جزءا متقنا من مسرحية قام به المسؤول الحقيقي مع البلوي.
وقال مسؤول أميركي «جرت إحاطة البيت الأبيض والقيادة المركزية بذلك»، مشيرا إلى القيادة المركزية الأميركية. وتابع «كان ذلك شيئا مهما، فقد تعهد البيت الأبيض في ظل بوش وأوباما بقتله (بن لادن). أي نصر سياسي سيكون ذلك؟». وقال المسؤول في الاستخبارات الأميركية إن هذه القضية عولجت على نحو منهجي «لم تنشأ هذه القضية بين عشية وضحاها. لم يقم أي منهم بذلك. لقد تطورت خطوة بخطوة. وفي نقطة معينة، خاصة إذا كنت بصدد إرسال شخص ما ضد أحد أصعب الأهداف في العالم، يجب عليك مقابلتهم وجها لوجه».
وذكر مسؤول في الحكومة الأردنية أنه بعد عدة أعوام من عمليات التطهير الداخلية، في المخابرات العامة الأردنية. وتاقت قيادة جديدة، جرى تنصيبها قبل أكثر من عام تقريبا، إلى المشاركة في مثل هذا الانقلاب غير العادي. وقال المسؤول «كان هناك شوق إلى جني الثمرة».
وقال مسؤول سابق في الاستخبارات الأردنية إنه يأسف لأي احتمالية لانعدام الثقة بين وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ودائرة المخابرات العامة الأردنية في أعقاب التفجير الذي وقع في أفغانستان، مؤكدا أن الشراكة بين الوكالتين «أنقذت حياة المئات، بمن فيهم أميركيون» على مدار سنوات مضت. وأضاف أن «هذه العلاقة تصب في صالح الولايات المتحدة».
(نقلا عن: خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط)

مواضيع متعلقة:


تعليقات