موجز تاريخ تيار الجهاد في مصر

روج الكثيرون لفكرة أن تيار الجهاد خرج من عباءة الإخوان المسلمون, وشاعت هذه الفكرة على أنها حقيقة ثابته يقينا لا يجوز أن يتطرق لها البحث العلمى الموضوعى بتحقيق أو نقد أو تمحيص لاسيما أن هذه الفكرة تستخدم دائما من أجل التعريض بفكر جماعة الإخوان المسلمين و أنه السبب فى كل ما يتأتى من قبل أى جماعة إسلامية على الساحة.و لقد آمنت بهذه الفكرة في بداية إلتحاقي بالحركة الإسلامية أواخر السبعينات من القرن العشرين الميلادى, وظللت متمسكا بها إلى أن قررت كتابة تاريخ الحركات الإسلامية المعاصرة في مصر فحينئذ قررت أن أخضع كل شئ للبحث العلمى بمعايره الصارمة.لقد كنت وما زلت أؤمن أن كتابة تاريخ الحركة الإسلامية يستلزم جمع وتوثيق الروايات والشهادات الشفهية من صدور صانعى الأحداث من قادة و أبناء الحركات الإسلامية, و إذا كان هذا حتمى بالنسبة لحركات كتب عنها الكثيرون سواء أعداء أو أصدقاء كحركة الإخوان المسلمين, فإن هذا يصير أكثر حتمية بشأن جماعات لا يزال تاريخها و كثير من أسرارها طى الصدور ولم يكتب منها شئ ذا بال في كتاب مسطور مثل الجهاد المصرى أو غيره كالقاعدة و من نحى نحوها.و إنطلاقا من هذا المبدأ كانت لقاءاتى العديدة مع العديد من قادة الحركات الإسلامية و أبناءها ذوي الإطلاع على الأحداث و خلفياتها, و من هذا ما يخص جماعة الجهاد الإسلامى المصرية والتى نخصص هذا المقال لموجز عن تاريخها الذى سطرناه من حصيلة كم هائل من المقابلات مع قادة ومصادر جهادية عديدة لكننا فى أغلب الأحيان لن نتمكن من ذكر هذه المصادر بشكل صريح وذلك بناء على طلبهم والذى عللوه بأسباب لا تخفى على حصافة القارئ. نشأة تيار الجهاد في مصر و أسبابها:نشأت أول مجموعة جهادية في مصر حوالى عام 1964م بالقاهرة, وكان أبرز مؤسسيها ثلاثة هم علوى مصطفى (من حى مصر الجديدة) و إسماعيل طنطاوى (من حى المنيل) ونبيل البرعى (من حى المعادى) وكانوا جميعا طلبة في الثانوية العامة وقتها, ولقد تخرج إسماعيل من كلية الهندسة بجامعة الأزهر فيما بعد, كما تخرج علوى من كلية الهندسة أيضا, بينما تأخر نبيل البرعى دراسيا ثم إلتحق بكلية الأداب بجامعة بيروت.أصبحت هذه المجموعة تنظيما يضم عددا من المجموعات في القاهرة والجيزة والإسكندرية, وربما قليل من المحافظات الأخرى, وكانوا جميعا من طلبة ثانوى أو الجامعة لكن التنظيم إستمر سنوات كبر فيها كل صغير.وكان من بين أعضاء هذا التنظيم أيمن الظواهرى في نهاية الستينات, كما كان من أعضاء هذا التنظيم يحى هاشم ورفاعى سرور, و أيضا كان من أعضائها محمد إسماعيل المقدم من الإسكندرية, كما إنضم لهذا التنظيم في نفس الفترة (نهاية الستينات) مجموعة الجيزة التي كان من أبرز قادتها مصطفى يسرى و حسن الهلاوى لكن هذه المجموعة سرعان ما إنفصلت في أوائل السبعينات عند أول بادرة خلافات بالتنظيم.ولقد ساهم في تشكيل أفكار وإستراتيجية التنظيم ثلاثة عوامل: الأول- أن كل قادة و أعضاء التنظيم تربوا في مساجد الجمعية الشرعية و جماعة أنصار السنة المحمدية وهما جماعتان ذاتا توجه سلفى واضح, كما تأثر جميع أعضاء التنظيم بالشيخ محمد خليل هراس تأثرا كبيرا جدا حتى أن بعض المصادر تنقل روايات لم تتأكد بعد أنه رحمه الله كان على علم بالتنظيم ويؤيده ويوجهه شرعيا.الثانى- أن فكرة الإنقلابات العسكرية كانت رائجة في ذلك الوقت في العالم العربي, وجرى تنفيذها بنجاح كبير في دول عربية و إسلامية كثيرة في ذلك الوقت, كما راجت في ذلك الوقت أيضا فكرة حرب العصابات من أجل التحرر الوطنى.الثالث- إعتقاد مؤسسى التنظيم أن تنظيم الضباط الأحرار كان تابعا للإخوان المسلمين ثم خانهم لإن الإخوان لم يحسنوا تربية و تثقيف الضباط على فكر الجماعة, كما أن الجماعة –حسب رأيهم- أخطأت لأنها لم تسخدم القوة وتحديدا الإنقلاب العسكرى في مواجهة عبدالناصر.و كانت الأثار المباشرة لهذه العوامل هو تبنى التنظيم للمنهج السلفى في مجالى الإعتقاد والدراسات الشرعية, وتبنيه لمنهج التغيير السياسى والإجتماعى والإقتصادى بالقوة المسلحة وإختار مبدئيا أسلوب الإنقلاب العسكرى لتحقيق هذا التغيير, وتبنى الإعتماد في إختراق الجيش على أشخاص تم تربيتهم مسبقا في التنظيم ثم دفعهم للإلتحاق بالكليات العسكرية.كان التنظيم يعتمد مناهج لتعليم الدراسات الشرعية يقوم على أساس المنهج السلفى, كما ألزم الأعضاء بحضور دروس الشيخ محمد خليل هراس بمسجد قولة بعابدين و هو المقر العام لجماعة أنصار السنة المحمدية, كما تضمنت المناهج الدراسية بجماعة الجهاد الأولى هذه كتاب "فى ظلال القرآن" لسيد قطب, وكذا كتاب "معالم في الطريق" له أيضا رحمه الله.أما في مجال التدريبات العسكرية فإن هذه الجماعة لم تكن تتبنى سوى التدريبات البدنية الشاقة بجانب التدرب على الألعاب القتالية كالمصارعة و الكاراتيه, لأنهم كنوا يتبنون فكرة التغيير عبر التغلغل في الجيش و إستخدامه للقيام بإنقلاب عسكرى, وذلك عبر توجيه الأعضاء من طلبة الثانوى لدخول الكليات العسكرية وكذا توجيه الأعضاء من طلبة الجامعات للتحويل للكليات العسكر.ولهذا أيضا لم يكونوا يهتمون بشراء أو تخزين السلاح أو التدرب عليه خارج الجيش اللهم إلا ما كان من تصرفات فردية لم يكن التنظيم يمانع فيها. و كانت هذه الجماعة تعتمد في مجال التجنيد على التجنييد من الملتزمين بتعاليم الإسلام أيا كان إنتمائهم الفكرى بإعتبار أن خلافهم الرئيس مع غيرهم هو مسألة طريقة التغيير فإقناع أى ملتزم بهذه الفكرة يحوله لشخص صالح للإنضمام لجماعة الجهاد, لكن كان بالطبع لهم بعض الملاحظات و الخلافات القليلة والجوهرية مع كل من الجمعية الشرعية وجماعة أنصار السنة في بعض تفصيلات مسائل في العقيدة حتى أن علوى مصطفى كان قد كتب كراسا في هذه المسائل.وقد ظل هذا هو منهج جماعات الجهاد المصرية في الدعوة والتجنيد حتى الآن.و كانت مساجد الجمعية الشرعية و أنصار السنة وحلقات الدرس فيهما هى ملتقى أعضاء الجهاد, كما كانت الميدان الأبرز للدعوة والتجنيد لجماعة الجهاد في ذلك الحين.و لقد سألت العديد من المصادر ومنها بعض القادة و المؤسسين ومنهم نبيل البرعى تحديدا وكذا الدكتور مصطفى يسرى, هل كان لكم علاقة بالإخوان المسلمين؟؟؟فأجابوا جميعا إجابة واحدة هى: لم أكن في يوم من الأيام عضوا في الإخوان المسلمين كما لم يكن أحد من أسرتى عضوا في الإخوان كما لم أتعلم على أحد من الإخوان.وسألتهم ما الذى دفعكم لفكرة التغيير؟؟؟قالوا: رأينا الواقع مخالف لما ينبغى أن يكون عليه الواقع الإسلامى كما درسناه فقررنا أن نغير. و سألتهم لماذا إخترتم القوة كوسيلة وحيدة للتغيير؟؟؟قالوا: لأنها الوسيلة الوحيدة الناجحة كما أن النظام الحاكم يحكم بالقوة والقمع ويسد أى منفذ للتغيير السلمى, و يستخدم كل إمكانات الدولة لمنع أى تغيير إجتماعى إسلامى سلمى ومتدرج.وسألتهم لماذا الإنقلاب العسكرى تحديدا وليس غيره؟؟؟قالوا: أغلب حكام العالم الإسلامى حصلوا على الحكم بهذه الطريقة و هى طريقة فعالة ونحن أولى بإستخدامها لأننا نعبر عن دين وثقافة الأمة أما هم فلا يعبرون إلا عن فكر ومصالح الغرب الصليبى أو الشرق الشيوعى (طبعا كان الإتحاد السوفيتى والكتلة الشرقية قائمين في الفترة التى نتكلم عنها).وفي نهاية الستينات كان من أعضاء التنظيم أيضا عصام القمرى.إنشقاق في التنظيم ونشأة تنظبم يحى هاشم:بعد هزيمة يونيو 1967م ثم صدور الأحكام ضد قادة سلاح الطيران المصرى الذين اعتبروا مسئولين عن الهزيمة عام 1968م وجاءت الأحكام مخففة خرجت مظاهرات حاشدة من الطلبة والعمال في القاهرة والإسكندرية ضد نظام الرئيس جمال عبدالناصر محتجة على الأحكام والهزيمة معا واستمرت هذه المظاهرات لفترة.و انتهز يحى هاشم الفرصة وحاول أن ينفذ امرا كثيرا ما طاقت إليه نفسه, والإلتحام بالجماهير وقيادتها للإطاحة بعبدالناصر لأنه كان قد شعر في وقت سابق أن طريق الإنقلاب العسكرى بالطريقة التى تبناها تنظيم الجهاد بقيادة إسماعيل طنطاوى هو طريق طويل سيستغرق عشرات السنوات إن لم يكن مستحيلا أصلا.خطب يحى هاشم في الجماهير المحتشدة وحملوه على الأعناق وطافوا بها قليلا بالشوارع قبل أن يلقى القبض على يحى هاشم الذى سرعان ما أطلقوا سراحه عندما تبين لهم أنه وكيل نيابة بالنيابة العامة.و حينئذ بدأت المشاكل والخلافات ليس بين يحى والسلطات و لكن بين يحى ومعه مجموعة كان أبرزها رفاعى سرور وكلهم من جهة ويقابلهم في الجهة الأخرى إسماعيل طنطاوى و علوى مصطفى وبقية التنظيم.كان رأى إسماعيل ومن معه أن يحى مخطئ وهدد بعمله هذا التنظيم بالإنكشاف.وكان رأى يحى ومن معه أن خطة التنظيم مستحيلة التحقيق وأن الوقت مناسب لكشف حقيقة عبدالناصر ونظامه للناس بعد الهزيمة وتأليبهم عليه والقيام بمشروع تغييرى ذى طابع جماهيرى إما ثورة شعبية و إما حرب عصابات.وفي المناقشات ظهرت خلافات عديدة أخرى أبرزها أن إسماعيل طنطاوى وفريقه يرون حتمية الإلتزام بالهدى الظاهر من لحية للرجال ونقاب للنساء, بينما يرى يحى وفريقه عدم حتمية ذلك في ظروف عدم قيام الحكم الإسلامى في البلاد كى تتيسر حركة التنظيم السرية.و لم تفلح كل محاولات الوفاق و إنشق يحى وفريقه و أسسوا جماعة أخرى, وفي عام 1975م اشتبكت مع الأمن في الجبل وتم تصفية يحى هاشم و مجموعة من القادة وسجن أخرون وبذلك إنتهت جماعة يحى هاشم.إنشقاق أخر في التنظيم: إثر حرب أكتوبر1973م تفجر خلاف أخر بين أعضاء التنظيم بشأن حكم ضباط الجيش من أعضاء التنظيم الذين شاركوا في الحرب خاصة من مات منهم فيها, وكان من ضمن الذين ماتوا شقيق علوى مصطفى, وتزعم علوى القول بأنهم شهداء بينما أصر أخرون على أنهم غير شهداء لأنهم قاتلوا تحت راية الطاغوت ولتحقيق أهدافه.و حاول إسماعيل التوفيق بين الطرفين دون جدوى, وانشق علوى عن التنظيم كما فارق أخرون التنظيم دون أن يعملوا تنظيما أخر, وإستمر التنظيم بقيادة إسماعيل وظل معه كثيرون أشهرهم نبيل البرعى وعصام القمرى وأيمن الظواهرى و كان معهم في ذلك الوقت أو بعده بقليل سيد إمام الشريف.إستقلال مجموعة الجيزة:وإثر تعدد الخلافات هذا إقترح حسن الهلاوى من قادة مجموعة الجيزة على مصطفى يسرى القائد الأرفع منه أن تستقل المجموعة عن إسماعيل طنطاوى إلى أن تنتهى الخلافات عنده, وبذا إستقلت المجموعة إلى حين, وهى التى كانت مشكلة كمجموعة مستقلة من قبل أن تنضم لتنظيم إسماعيل طنطاوى.نشأة جماعة صالح سرية: عندما أقام الدكتور صالح سرية في مصر كموظف بجامعة الدول العربية حاول إقناع قيادة الإخوان في مصر بتبنى فكرة الإنقلاب العسكرى لكن دون جدوى, و أثناء ذلك تعرف على العديد من الشباب من قادة و أعضاء تنظيمى إسماعيل طنطاوى و يحى هاشم تعرفعلى بعضهم بلقاءات إسلامية ببيت السيدة زينب الغزالى كما تعرف على أكثرهم في مساجد الجمعية الشرعية و أنصار السنة.وحاول صالح سرية التقارب معهم جميعا إلا أنه إصطدم بسلفية إسماعيل بينما يرى صالح إرجاء حسم الخلافات في مسائل عقيدية وفقهية لما بعد إقامة الدولة الإسلامية, كما إستحال التقارب بين صالح ويحى هاشم بسبب إصرار الأول على الإنقلاب العسكرى وإصرار الثانى على حرب العصابات.وهكذا فشل صالح في التوافق مع الجهاد بعد فشله في التوافق مع الإخوان المسلمين, فكان لزاما عليه أن ينشئ تنظيمه الخاص ممن تعرف عليهم سواء عند زينب الغزالى أو عند إسماعيل أو يحى ثم تحرك بهم وضم جددا ومن ضمنهم ضم مجموعة الجيزة وصار من أبرز القادة في تنظيمه أحمد صالح (بورسعيد) كارم الأناضولى و مصطفى يسرى وحسن الهلاوى(الجيزة) وطلال الأنصارى وخالد المنشاوى وعلى المغربى(الإسكندرية) ومحمد شاكر الشريف (قنا) وغيرهم.وبعد فشل المحاولة الإنقلابية التى دبرها التنظيم عبر الكلية الفنية العسكرية عام 1974م والحكم على صالح وكارم بالإعدام وغيرهم بأحكام مختلفة, انتخب المهندس أحمد صالح من بين الحائزين لحكم البراءة أميرا عاما للتنظيم, وتم إعادة تشكيل التنظيم.ولقد تعرض التنظيم لضربة أمنية عام 1977م, وتمت محاكمة عدد كبير من قادته وأعضائه فيما عرف إعلاميا بإسم قضية تنظيم الجهاد وتم الحكم على أحمد صالح بعشر سنوات سجن كما نال الباقون أحكاما مختلفة.وتم إنتخاب الدكتور مصطفى يسرى أميرا عاما للتنظيم, ونشط التنظيم إلى أن أصدر مصطفى يسرى قرارا بحل التنظيم إثر إختراقات أمنية للتنظيم وضربه أمنيا فيما عرف بقضية تنظيم الجهاد 1979م.وبعد حل التنظيم شكل كل قائد من قادة المستوى الوسيط بالتنظيم تنظيما مستقلا من المجموعات التى كانت تابعة له قبل الحل, كما حاول بعضهم إعادة ضم كل المجموعات في تنظيم واحد كبير, وذلك كله له قصة كبيرة أخرى لاسيما أن أحد القيادات الوسيطة هذه هو محمد عبد السلام فرج مؤلف كتاب "الفريضة الغائبة" وقائد التنظيم الذى إغتال رئيس مصر السابق أنورالسادات في أكتوبر 1981م.مسيرة تنظيم إسماعيل طنطاوى حتى أكتوبر 1981م: عندما تم القبض على صالح سرية وتنظيمه تحسب إسماعيل طنطاوى من ورود إسمه في التحقيقات فهرب إلى هولندا وبعدها تزوج هولندية وحصل على الجنسية الهولندية, وعندما داهم الأمن منزله لم يجده.وقام بعد ذلك كل من أيمن الظواهرى وسيد إمام وعصام القمرى بإعادة تنظيم الجماعة واستمروا في نشاطهم إلى أن إنكشفوا للأمن في أكتوبر 1981م بسبب محاولاتهم للإندماج في تنظيم محمد عبد السلام فرج, و ألقى القبض على أيمن الظواهرى وعصام القمرى ونبيل البرعى والدكتور أمين الدميرى ومعظم أعضاء التنظيم, وهرب كل من سيد إمام و محمد الظواهرى. و إلى هنا ينتهى فصل واحد من فصول تاريخ تنظيم الجهاد المصرى لتبدأ فصول أخرى عديدة.
عبدالمنعم منيب
كتبت هذا المقال لموقع إسلام أون لاين وتم نشره عليه.
هذا الموضوع فى المدونة القديمة , 2007-12-04 13:39

مواضيع متعلقة:
حول مستقبل القاعدة في العراق

تعليقات