عقوبة الجلد اسلامية لكنها وسيلة لقمع المعارضين أيضا

ثارت العقوبة التي أصدرتها محكمة سعودية على طبيبين مصريين يعملان بالمملكة العربية السعودية بالجلد 1500 جلدة نقاشا واسعا حول حقيقة حكم الجلد في الشريعة الاسلامية, فما هي حقيقة و أبعاد
"الجلد" في أحكام الشريعة الاسلامية و في القضاء الاسلامي الشرعي و ما هي سلطات و صلاحيات كل من القاضي و رئيس الدولة في هذا المجال و ما تاريخ هذه العقوبة عند المسلمين و هل طبقها الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و من هم أشهر من طبقت عليهم هذه العقوبة في التاريخ الاسلامي

أسئلة عديدة تطرحها هذه القضية علينا و نحاول أن نجيب عليها بشكل مجمل في السطور التالية:
العقوبات في الشريعة الاسلامية على ثلاثة أنواع:

الأول- الحدود: و الحد هو عقوبة مقدرة شرعا تجب حقا لله تعالى على جناية محددة بشروط معينة بدقة, و مثال ذلك حد الزنى بشروطه المعروفة, وكذلك حد القذف, و حد شرب الخمر, و قد شملت الحدود عددا من الجرائم تمثل كل منها مجالا من مجالات الجريمة, فقطع يد السارق اشارة إلى وجوب حفظ الأموال و العقوبة لمن خالف ذلك, و حد القذف فيه اشارة لنوع العقاب في كل أنواع السب, و عاقب الشرع على الزني بحد الزنى في اشارة لعقوبة كل أنواع الجرائم ذات الصلة بهذا الأمر, كما أن في حد الحرابة اشارة حاسمة إلى كيفية معالجة الجرائم التي تهدد الأمن العام.
و نلاحظ بشأن عقوبة الجلد أنه لا يوجد في الحدود من عقوبات الجلد سوى ثلاث حالات:
1- حد الزاني البكر (أو الزانية البكر) مائة جلدة بنص القرآن {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ }النور2 .و أشهر حادثة جلد على الزنى في عهد النبي صلى الله عليه و آله و سلم ( و ربما هي الوحيدة في عهده) هي ما رواه البخاري و مسلم و أصحاب السنن و مالك من أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: يا رسول اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر، وهو أفقههما، أجل يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله وايذن لي في أن أتكلم فقال: تكلم، قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا (أي عاملا عنده) فزنا بامرأته، فأخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة وجارية ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأخبروني إنما الرجم على امرأته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله: أما غنمك وجاريتك فرد عليك؛ وجلد ابنه مائة وغربه عاماً، وأمر أنيساً الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر، فإن اعترفت رجمها، فاعترفت فرجمها.ولا يقام حد الزنى على الزاني حتى يشهد عليه أربعة شهداء بشروط معينة، أو يشهد على نفسه أربع شهادات، عند كثير من العلماء أو أكثرهم. ومنهم من يكتفي بشهادته على نفسه مرة واحدة، ولو أقر على نفسه ثم رجع سقط عنه الحد على الأرجح.
2- حد القذف: و هو ثمانون جلدة بنص القرآن {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} النور4.و يشترط في القاذف حتى يقام عليه الحد: أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يُحَدَّ وَلَمْ يُعَزَّرْ.كما أن هناك شروطا في المقذوف يطول ذكرها.
و من أشهر حالات جلد القاذف في عهد النبي صلى الله عليه و آله و سلم جلد المتورطين في حادث الافك عندما قذفوا السيدة عائشة رضي الله عنها و نزلت تبرئتها في سورة النور و قد شرع حد القذف في نفس السورة, و كان من أشهر من جلدوا لقذفهم عائشة رضي الله عنها مسطح قريب والد عائشة و حمنة بنت جحش أخت السيدة زينب زوجة النبي صلى الله عليه و آله و سلم و ابنة عمته.
و يسمى حد القذف أيضا حد الافتراء, ولذلك فقد ألحق العلماء به ألوانا من الجنايات منها سب الصحابة, قال مَالِكٌ : مَنْ سَبَّ أَبَا بَكْرٍ جُلِدَ ، وَمَنْ سَبَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قُتِلَ ، فَقِيلَ لَهُ : لِمَ ؟ فَقَالَ : مَنْ رَمَاهَا فَقَدْ خَالَفَ الْقُرْآنَ.و قال أحد العلماء: مَنْ سَبَّ غَيْرَ عَائِشَةَ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ : أَحَدُهَا أَنْ يُقْتَلَ ؛ لِأَنَّهُ سَبَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِسَبِّ زوجته ، وَالْآخَرُ أَنَّهَا كَسَائِرِ الصَّحَابَةِ يُجْلَدُ جَلْدَ الْمُفْتَرِي.
 3- وأما حد شرب الخمر: فإنه ثابت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإجماع المسلمين ، فقد روى أهل السنن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، من وجوه أنه قال : « من شرب الخمر فاجلدوه ، ثم إن شرب فاجلدوه ، ثم إن شرب فاجلدوه ، ثم إن شرب الرابعة فاقتلوه » .
وثبت عنه أنه جلد الشارب غير مرة ، هو وخلفاؤه والمسلمون بعده .
 والقتل عند أكثر العلماء منسوخ (أي ملغي).
 وقيل : هو غير منسوخ بل هو تعزير يفعله الإمام عند الحاجة .
 وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : « أنه ضرب في الخمر بالجريد والنعال أربعين .
 وضرب أبو بكر -رضي الله عنه- أربعين ، وضرب عمر في خلافته ثمانين » ، وكان علي -رضي الله عنه- يضرب مرة أربعين ، ومرة ثمانين . فمن العلماء من يقول : يجب ضرب الثمانين ، ومنهم من يقول : الواجب أربعون ، والزيادة يفعلها الإمام عند الحاجة ، إذا أدمن الناس الخمر . أو كان الشارب ممن لا يرتدع بدونها ، ونحو ذلك .
 فأما مع قلة الشاربين فتكفي الأربعون و ذلك أن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّ شَارِبَ الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ إلَى أَنْ تزايد شرب النَّاسِ للخمر في عصره فَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ رضوان الله عليهم فِي الأمر، وَقَالَ : أَرَى النَّاسَ قَدْ تَهَافَتُوا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ فَمَاذَا تَرَوْنَ ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه أَرَى أَنْ تَحُدَّهُ ثَمَانِينَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ سَكِرَ ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى ، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى ، فَحَدَّهُ ثَمَانِينَ حَدَّ الْفِرْيَةِ فَجَلَدَ فيه عُمَر رضي الله عنه بَقِيَّةَ أَيَّامِهِ وَالْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ ثَمَانِينَ, و قيل أَنَّ عُمَرَ رضى الله عنه كَانَ إذَا أُتِيَ بِالرَّجُلِ الْمُنْهَمِكِ فِي الشُّرْبِ جَلَدَهُ ثَمَانِينَ ، وَإِذَا أُتِيَ بِالرَّجُلِ الضَّعِيفِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ الفلته جَلَدَهُ أَرْبَعِينَ. وقَالَ عَلِيّ رضي الله عنه: مَا أَحَدٌ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَيَمُوتُ فَأَجِدُ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْئًا إلَّا شَارِبَ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ شَيْءٌ رَأَيْنَاهُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنْ حُدَّ شَارِبُ الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ فَمَاتَ مِنْهَا كَانَتْ نَفْسُهُ هَدَرًا ، وَإِنْ حُدَّ ثَمَانِينَ فَمَاتَ ضُمِنَتْ نَفْسُهُ (أي دفع الحاكم ديته).
و من شروط اقامة حد الخمر أن يكون الجاني حُرًّا مُسْلِمًا مُكَلَّفًا ، وَشَرِبَهُ مُخْتَارًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا عُذْرٍ فإِنْ كان غير مسلم وَوُجِدَ سَكْرَانَ تُرِكَ فلا يقام عليه حد و لا عقوبة, و ان شرب الخمر في الأماكن العامة عوقب للاعلان و ليس لشربه الخمر.
و من أشهر حالات الجلد على شرب الخمر في عهد عمر رضي الله ما جرى على قدامة بن مظعون و هو أحد الصحابة و كان عمر استعمل قدامة بن مظعون على البحرين وهو خال حفصة وعبد الله ابني عمر, فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر من البحرين فقال يا أمير المؤمنين إن قدامة شرب فسكر وإني رأيت حداً من حدود الله حقاً علي أن أرفعه إليك. قال من يشهد معك؟ قال أبو هريرة .فدعا أبا هريرة فقال بم تشهد؟ قال لم أره شرب ولكني رأيته سكران يقيء. فقال لقد تنطعت في الشهادة.ثم كتب إلى قدامة أن يقدم عليه من البحرين فقدم. فقال الجارود أقم على هذا كتاب الله. فقال: عمر أخصم أنت أم شهيد؟ فقال: شهيد. فقال: قد أديت شهادتك.فصمت الجارود ثم غدا على عمر فقال: أقم على هذا حد الله. فقال عمر: ما أراك إلا خصماً وما شهد معك إلا رجل واحد. فقال الجارود: أنشدك الله. فقال عمر: لتمسكن لسانك أو لأسوءنك .فقال يا عمر ما ذلك بالحق أن يشرب ابن عمك الخمر وتسوءني! فقال أبو هريرة يا أمير المؤمنين إن كنت تشك في شهادتنا فأرسل إلى ابنة الوليد فاسألها (وهي امرأة قدامة). فأرسل عمر إلى هند بنت الوليد ينشدها فأقامت الشهادة على زوجها. فقال عمر لقدامة إني حادك. فقال لو شربت كما تقول ما كان لكم أن تحدوني. فقال عمر لم؟ قال قدامة: قال الله عز وجل: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }المائدة93 فقال عمر أخطأت في فهم الآية, أنت إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرم الله.ثم أقبل عمر على الناس فقال ما ترون في جلد قدامة؟ فقالوا لا نرى أن تجلده ما دام مريضاً. فسكت على ذلك أياماً ثم أصبح وقد عزم على جلده فقال ما ترون في جلد قدامة؟ فقالوا لا نرى أن تجلده ما دام وجعاً. فقال عمر لأن يلقى الله تحت السياط أحب إلي من أن ألقاه وهو في عنقي ائتوني بسوط تام فأمر به فجلد.
و هناك قصة شهيرة للجلد أيام الفتوحات الاسلامية في العراق أيام موقعة القادسية حيث كان أبو محجن الثقفي لا يزال يجلد في الخمر فلما أكثر عليهم سجنوه وأوثقوه فلما كان يوم القادسية وكان بسعد بن أبي وقاص قائد المسلمين جراحة فاستعمل على الخيل خالد بن عرفطة وصعد سعد فوق البيت لينظر ما يصنع الناس, فلما علم أبو محجن بأمر المعركة جعل يبكي و يردد بيتا من الشعر يقول:
كفى حزناً أن تلتقي الخيل بالقنا ... وأترك مشدوداً علي وثاقيا
ثم قال لامرأة سعد وهي بنت خصفة: ويلك! خليني فلك الله علي إن سلمت أن أجيء حتى أضع رجلي في القيد وإن قتلت استرحتم مني فخلته ووثب على فرس لسعد يقال لها البلقاء ثم أخذ الرمح وانطلق حتى أتى الناس فجعل لا يحمل في ناحية إلا هزمهم الله فجعل الناس يقولون: هذا ملك وسعد ينظر. فجعل يقول: القفز قفز البلقاء و الوثب وثب أبي محجن وأبو محجن في القيد, ثم قال: لولا أني تركت أبا محجن في القيد لظننتها بعض شمائله.فلما هزم العدو رجع أبو محجن حتى وضع رجله في القيد فأخبرت بنت خصفة سعداً بالذي كان من أمره فقال: لا والله لا أحد اليوم رجلاً أبلى الله المسلمين على يديه ما أبلاهم. قال: فخلى سبيله. فقال أبو محجن: لقد كنت أشربها إذ كان يقام علي الحد أطهر منها فأما إذا بهرجتني فوالله لا أشربها أبداً.
و هكذا لا يوجد جلد في مجال الحدود في غير هذه العقوبات الثلاث و هي زني البكر و القذف و شرب الخمر, أدناها ثمانون جلدة و أقصاها مائة جلدة.وإقامة الحدّ الواجب لحقّ اللّه لا عفو فيه ولا شفاعة ولا إسقاط ، إذا وصل الأمر للحاكم ، وثبت بالدليل.
و إثبات الحدود (و منها الجلد)عند أغلب العلماء لا يثبت إلا بالبيّنة أو الاعتراف، بشروط خاصّة.
وعلى سبيل المثال : لا يؤخذ فيه بأقوال المجنيّ عليه كشاهد ، ولا بالشّهادة السّماعيّة ، ولا باليمين .كما أنه لا خلاف بين الفقهاء أنّ من حدّه الحاكم فمات من ذلك فدمه هدر ، لأنّ الحاكم مأمور بإقامة الحدّ ، وفعل المأمور لا يتقيّد بشرط السّلامة.
و من الثابت أن الحدود يتم الغاءها بأدنى شبهة لحديث النبي صلى الله عليه و آله و سلم: "ادرأوا الحدود بالشبهات", و أيضا إذا تراجع الجاني الذي سيقام عليه الحد عن الاقرار بالجناية و كانت الجناية لم تثبت عليه الا باقراره فان الحد يسقط عنه, و لا يقام عليه.
الثاني- القصاص: و هو أن يفعل بالجاني مثل ما فعل, فلا تحديد لعقوبة بعينها و انما من فعل شيئا معتديا فعل فيه مثله قصاصا, و بالتالي فلا مجال للكلام هنا لا عن الجلد و لا عن غيرها في هذا الصدد, اللهم الا في حالة ما اذا اعتدى شخص على شخص بالجلد فحينئذ يجلد المعتدي بنفس الكم و النوع من الجلد, الا اذا عفا صاحب الحق.
 الثالث- التعزير: و هو عقوبة غير مقدرة شرعا, تجب حقا لله, و لآدمي, في كل معصية ليس فيها حد و لا كفارة غالبا.و يكاد يكون الفقهاء متفقون على أنه لا يجوز أن يتساوي أي تعزير مع حد من الحدود بمعنى أنه أدنى حد في الجلد هو ثمانون جلدة, للحر في القذف و الخمر, و طبعا العبد حكمه النصف فيصير أقل حد في الجلد 40 جلدة (بغض النظر عن عدم وجود رقيق), و بناء على ذلك فينبغي ألا يزيد التعزير عن 39 جلدة.
و ننقل عن التعزير من أهم كتاب في المذهب الحنبلي مذهب فقهاء و قضاة السعودية النص التالي (كتاب المغني لابن قدامة جـ 10 صـ 324) " واختلف عن أحمد في قدره فروي عنه أنه لا يزاد على عشر جلدات نص احمد على هذا في مواضع وبه قال إسحاق لما روى أبو بردة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط الا في حد من حدود الله تعالى ] متفق عليه والرواية الثانية(أي عن أحمد أيضا) : لا يبلغ به الحد وهو الذي ذكره الخرقي فيحتمل أنه أراد لا يبلغ به أدنى حد مشروع وهذا قول أبي حنيفة و الشافعي فعلى هذا لا يبلغ به أربعين سوطا لأنها حد العبد في الخمر والقذف وهذا قول أبي حنيفة وان قلنا : ان حد الخمر أربعون لم يبلغ به عشرين سوطا في حق العبد وأربعين في حد الحر وهذا مذهب الشافعي فلا يزاد العبد على تسعة عشر سوطا ولا الحر على تسعة وثلاثين سوطا وقال ابن أبي ليلى و أبو يوسف : أدنى الحدود ثمانون فلا يزاد في التعزير على تسعة وسبعين” ا.هـ.
وَكَانَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ حَدَّدَ فِيمَنْ لَمْ يحد فِي خمر قَطُّ إذَا وُجِدَتْ مِنْهُ رَائِحَةُ خمر أَنْ يُضْرَبَ خَمْسِينَ جَلْدَةً أَدَبًا ، كَانَ مِنْ الْأَحْرَارِ أَوْ مِنْ الْعَبِيدِ اجْتِهَادًا لِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ .كما كَانَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَأْمُرُ السُّلْطَانُ إذَا أُتِيَ بِالرَّجُلِ وَبِهِ الرَّائِحَةُ مِنْ الخمر، وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ سَكْرَانُ وَكَانَ قَدْ حُدَّ فِي الخمر من قبل ، أَنْ يُضْرَبَ أَدَبًا خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا .
و هكذا حددت الشريعة الاسلامية الحد الأقصى من التعزير و لم تحدد الحد الأدنى.
 و إذا كان الجلد له موضع محدد و اطار دقيق في اطار منظومة العقوبات الاسلامية, فانه جرى استخدامه أيضا كوسيلة من وسائل القمع و التعذيب لمعارضي الحكام عبر تاريخنا الاسلامي , و هذا و ان خرج عن منظومة العقاب الاسلامي فانه لا يخرج عن طائلة الأحكام الشرعية الاسلامية حيث حرمت هذه الآحكام مثل هذه الاساليب فيقول النبي صلى الله عليه و آله و سلم " إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا " . رواه مسلم, و قال صلى الله عليه و آله و سلم أيضا " صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهم كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا " . رواه مسلم.
و رغم تحريم التعذيب و التحذير الشديد منه هكذا على لسان النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقد جرت عمليات جلد و تعذيب شهيرة طالت كبار علماء المسلمين عبر القرون و منهم الامام مالك بن أنس إمام دار الهجرة و أحد أئمة المذاهب الأربعة فقد جلده والي المدينة المنورة بسبب فتوى هددت أمن الأمير فكانت آثار السياط في ظهره قد شرحته تشريحاً, وكان حين مدوه في الحبل بين يديه ليضربوه قد خلعوا كتفيه حتى كان ما يستطيع أن يرفع يده.
و لم يكن هذا خاصا بالامام مالك فقط فقد جلد الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان وسجن ومات في السجن كما ورد في إحدى الروايات لأنه رفض القضاء.
 واعتقل الامام الشافعي وكاد يقتل وفرضت عليه الإقامة الجبرية لأنه يوالي آل البيت.
 وجلد الإمام أحمد بن حنبل لأنه رفض القول بخلق القرآن.
كما قام إسحاق بْن سليمان وهو والي المدينة بجلد العلامة ابن الدراوردي خمسةً وثمانين سوطاً، وذلك لأنه رفض تولي القضاء.
 و هكذا كما أن الجلد وسيلة من وسائل العقاب الاسلامي بقواعد محددة فهو أيضا وسيلة من وسائل القمع و التنكيل بالمعارضين.

عبدالمنعم منيب
في المدونة القديمة 2008-11-19 
و كنت نشرت هذا الموضوع في العدد الأسبوعي من جريدة الدستور المصرية.

أقوم الآن بنقل هذه المدونة الى موقعي الجديد " الأمة اليوم " على الرابط التالي

http://moneep.alummah.today/

نقلت حتى الآن أغلب المحتوى الموجود هنا و مستمر في النقل حتى أنقل جميع المحتوى ان شاء الله تعالى .. و كل جديد سأكتبه سوف أنشره هناك و ليس هنا..

تعليقات