الحركة الإسلامية ولعبة الأمم في العالم الإسلامي

تشير المؤشرات الأخيرة حول السياسات الأمريكية الجديدة في العالم الإسلامي وفي قلبه الشرق الأوسط إلى وجود مقبولين في جنة الصياغة الأمريكية الجديدة للعالم الإسلامي، ومنبوذين منها.
أو بلغة أدق، لنقل أن هناك فائزين ربحوا على خلفية الدور الذي قاموا به في مواجهة السياسة الأمريكية في عهد هجمة بوش الابن على العالم الإسلامي، وهناك من تريد الولايات المتحدة ـ بقيادة أوباما ـ أن تستبعدهم من جني ثمار نجاحهم في هذه المواجهة.
المدهش في هذا الأمر أن الذين تريد الولايات المتحدة الإقرار بقبولهم هم من خاضوا الصراع مع إدارة بوش بحذر شديد وحسابات دقيقة؛ وهم إيران وسوريا وحزب الله اللبناني، بينما الذين خاضوا الصراع بقوة كبيرة وشجاعة متناهية، وهم حركة طالبان في أفغانستان وباكستان وحلفاؤهما، وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، والمجاهدون في الصومال، والمجاهدون في العراق والشيشان وغيرهما، فلا تنوي الولايات المتحدة أن تعترف بفوزهم حتى الآن ومن ثم عدم قبولهم في الخارطة الجديدة، بل بالعكس فإنها تنوي التحالف مع الفائزين، الذين اعترفت بفوزهم من أجل القضاء على الفائزين الذين لم تعترف لهم بالفوز.
كان الجهد العسكري الحقيقي والتضحيات الأكبر من نصيب الحركات الإسلامية التي لا تريد الولايات المتحدة أن تعترف لها بالنصر، بينما كان الجهد الأساسي لإيران وسوريا وحزب الله هو سياسي وإعلامي بالأساس بجانب دعم مالي و"لوجستي" محدد قدموهما لبعض المنظمات الفلسطينية والعراقية، بينما لم يقدموا لغيرها شيئًا يُذكر.
وهذا معناه أن الولايات المتحدة ما زالت متمسكة بتوجهاتها العدائية تجاه الحركة الإسلامية السنِّية في العالم الإسلامي، رغم كل الصراع الدموي الذي خاضته وكل الخسائر التي تكبدتها في المنطقة الإسلامية، وهي لا تفعل ذلك من منطلق الثأر لضحاياها مثلًا؛ لأن الأمر لو كان مقتصرًا على هذا الدافع لاعترفت بالحركات الإسلامية السنِّية السلمية المنتشرة في العالم الإسلامي، واعترفت بحقوقها، ولكانت اعترفت بحركات المقاومة الإسلامية في فلسطين والشيشان؛ حيث أنها لم تقتل أو تهاجم قوات أمريكية، لكن الولايات المتحدة لم تفعل أيًّا من ذلك، بل اقتصرت على الانفتاح على إيران وسوريا وحزب الله؛ بهدف التحالف معهم من أجل الاستمرار في التصدي للحركات الإسلامية السنِّية في العالم الإسلامي، بما في ذلك الحركات الفلسطينية التي هي متحالفة مع إيران وحزب الله بالأساس.
هل هذا يعكس التزامًا أمريكيًّا بمواجهة أي مشروع إسلامي حضاري وسياسي شامل في إطار الالتزام الغربي بعدم قيام دولة إسلامية حقيقة؟
ذلك الالتزام الذي نشأ بعدما نجح الغرب في القضاء على الخلافة العثمانية شكلًا بعد الحرب العالمية الأولى، بعدما كانوا قد أجهزوا عليها مضمونًا قبل ذلك بعشرات السنوات.
ومنذئذٍ استقر النظام الدولي والنظم الإقليمية المتفرعة منه على أساس من القوانين والقواعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الغربية، ولم يعد هناك أي دور لأي مرجعية إسلامية في النظام الدولي والنظم الإقليمية السائدة، كما لم تعد هناك أي جهة متنفذة في النظام الدولي أو النظم الإقليمية تدافع عن المصالح الحقيقة للمسلمين وتنافح عنهم بقوة، وتملك أوراق ضغط حقيقية تضغط بها في هذا الاتجاه.
وتحافظ الولايات المتحدة ـ حاملة لواء الحضارة الغربية ـ وحلفاؤها على هذا الوضع، وتواجه كل من يحاول تغيير هذا الوضع أو تحريكه من سكونه.
كان خط الدفاع الأمريكي الأول في عهد بوش الابن هو القوات الأمريكية، وكانت القوات الحليفة لها ـ من الناتو وقوات كثير من دول العالم وأجهزتها الأمنية ـ هي خط الدفاع الثاني، يتشابك معه حلفاء الولايات المتحدة ووكلاؤها من حكام العالم الإسلامي وأجهزتهم الأمنية.
أما في عهد أوباما، فالصياغة بدأت تختلف من حيث السعي لإعادة صياغة سياسات الهيمنة الغربية على العالم الإسلامي، فالقوات الأمريكية وقوات حلفائها قد نزفت كثيرًا، وفوق ذلك فقد فشلت في تحقيق الهيمنة والسيطرة الأمريكية والغربية على مقدرات العالم الإسلامي؛ وأرهقها هذا النزيف المستمر، حتى أن أقرب حلفاء الولايات المتحدة ـ كندا والمملكة المتحدة كمثال ـ قد قرروا أنه لا يمكن الاستمرار في السكوت على نزيف قواتهم في العراق وأفغانستان وغيرها، وبدأت انسحابات الحلفاء من أماكن مختلفة، ربما أبرزها انسحاب أثيوبيا من الصومال تحت ضربات المجاهدين.
لذلك ستسعى الولايات المتحدة لوضع صياغتها الجديدة لسياسات هيمنتها على العالم الإسلامي عبر إعادة ترتيب خطوط دفاعها، حيث سيأتي حكام العالم الإسلامي_ أصدقاء الولايات المتحدة أو وكلاؤها وأجهزتهم الأمنية_ الذين سهرت الولايات المتحدة على تدريبهم وإعدادهم كخط دفاع أول، ونظرًا للفشل النسبي الذي حاق بهؤلاء الوكلاء في السنوات الأخيرة؛ فإن إدارة أوباما قررت الإعلان عن رغبتها في اعتماد وكلاء جدد لها في العالم الإسلامي ترى فيهم القدرة على النجاح فيما فشل فيه الوكلاء القدامى.
وقد حددت الولايات المتحدة القوى المرغوب فيها كوكلاء جدد لها بالعالم الإسلامي في مجموعتين: الأولى ـ المحور الإيراني السوري وحليفهم الأصغر حزب الله، وينضوي تحت هذا المحور كل الحركات الإسلامية الشيعية في مختلف دول العالم؛ لأنها تخضع لسيطرة وسياسات إيران وحزب الله.
الثانية ـ كل من يظهر "اعتداله" من الحركات الإسلامية السنِّية في الأماكن الساخنة؛ مثل: أفغانستان والعراق والصومال وفلسطين، ولذلك فإن هناك شروطًا يجب توافرها لاعتماد هذه المجموعة كوكلاء لأمريكا والغرب في العالم الإسلامي:
1- أن يكون مجال نفوذ هذه القوى داخل المناطق الساخنة في المنطقة الإسلامية؛ لأن الولايات المتحدة وحلفاءها ليس لديهم أي استعداد لتقديم تنازل الاعتراف بوجود سياسي لحركة إسلامية إلا في المناطق التي انهزم فيها مشروع الهيمنة الأمريكي الغربي، ولم يعد له أي خيار ذي بال إلا اعتماد وكيل جديد يأتي من داخل الحركة الإسلامية التي هزمت المشروع الأمريكي بكل خطوط دفاعاته، سواء كانت الأجهزة الأمريكية أو وكلاؤها المحليون.
2- أن تكون هذه الحركة "معتدلة"، و"مفهوم الاعتدال" يعني الوفاء بالشروط السياسية والعقائدية لمشروع الهيمنة الأمريكية، والشروط العقائدية معروفة ومشهورة؛ فهي تتلخص في تبني الإسلام بمفهومه الذي بات يُعرف بالإسلام الأمريكي، ذلك المفهوم الذي يفرغ الإسلام من محتواه الحقيقي لصالح مبادئ ومعايير الحضارة الغربية الحديثة في أبعادها الاجتماعية والثقافية، أما الشروط السياسية فهي تختلف من منطقة لأخرى حسب ظروفها، (اعتراف حماس بشروط الرباعية كمثال على هذه الشروط، واختلافها من منطقة إلى منطقة، إذ لا يُشترط على إسلاميي العراق المشاركين في الحكم أو على حكمت يار في أفغانستان أن يوافقوا على هذه الشروط).
3- أن تكون الحركة الإسلامية "المعتدلة" المزمعة قادرة، أو يُظن فيها القدرة على النجاح في إضعاف أو القضاء على الحركات الإسلامية، التي تعتبرها الولايات المتحدة والغرب مناوئة لها في المجال الجغرافي المحدد.
وهكذا بدأت لعبة الأمم الجديدة في العالم الإسلامي مع بدايات تحرك إدارة باراك أوباما _ومعه الغرب_ لإنقاذ الهيمنة الأمريكية، في العالم الإسلامي بعد تصاعد مواجهة حركات المقاومة الإسلامية لهذه الهيمنة، ولكن السؤال الذي تبقى الإجابة عليه معلقة: هل تنجح اللعبة أم تخفق؟
عبد المنعم منيب
في المدونة القديمة 2009-03-22 14:36

تعليقات