تركيا..الصراع بين العلمانيين و حزب العدالة إلى أين؟؟

عندما حل عصر الجمعة الفائت واقتربت عقارب الساعة من الخامسة تقدم المدعي العام التمييزي عبدالرحمن يلشن قايا بخطى و ئيدة مفاجئا الجميع و هو يقدم مذكرة يطلب بموجبها حظر حزب العدالة والتنمية و منع أكثر من 70 قياديا من قادة الحزب من ممارسة النشاط السياسي بتهمة استهداف النظام العلماني التركي و محاولة قلبه.و يعلم الجميع لماذا اختار قايا هذا التوقيت فقد اختاره كي تكون البورصة و المؤسسات المالية التجارية التركية مقبلة على العطلة الأسبوعية وهدفه من ذلك هو منع حصول أي هزات أو تدهور في البورصة و إعطاء الجميع فرصة يومين لهضم النبأ و الاستفاقة من الصدمة و بالتالي امتصاص الغضبة الشعبية و السياسية العارمة المتوقعة نتيجة هز الاقتصاد بهذا السلوك و قد ظهرت بوادر هذه الغضبة الشعبية فعلا ويبدو أنها لن تمر بسهولة هذه المرة.فقد سارعت الاوساط الاقتصادية الى اعلان موقفها من هذا الامر بعدما تعودت الوقوف على الحياد في المعركة بين حزب العدالة والتنمية المنبثق من التيار الاسلامي والعلمانيين النافذين داخل الجيش والقضاء.
واعتبر اتحاد روابط ارباب العمل في بيان صدر الاحد ان "طلب حظر الاحزاب السياسية وهي عناصر لا غنى عنها في الحياة الديموقراطية غير مقبول بالنسبة الى الديموقراطية التركية".
بدوره حذر رئيس جمعية المستثمرين الدوليين طاهر اويزال الثلاثاء من ان "مرحلة طويلة من عدم الاستقرار السياسي ستؤثر في كل خطط الاستثمار".و سرعان ما تراجعت بورصة اسطنبول الاثنين بنسبة 57 في المئة.
وعلق سيف الدين غورسيل الخبير الاقتصادي في جامعة غالتاساراي في اسطنبول "اذا قررت المحكمة الدستورية حظر حزب العدالة والتنمية ومنع قادته من ممارسة النشاط السياسي فسيتسبب الامر باهتزاز كبير".
واضاف ان "الاتحاد الاوروبي لن يقبل الامر وسيتم تعليق مفاوضات (الانضمام) في موازاة خروج رؤوس الاموال ما يعني اندلاع ازمة كبيرة".و هكذا وأثارت دعوى المدعي العام احتمال اطالة أمد الاضطراب السياسي في تركيا المرشحة لعضوية الاتحاد الاوروبي وذات الاقتصاد السريع النمو.و هذا عن الجانب الاقتصادي لتداعيات هذه الأزمة فماذا عن التداعيات السياسية؟؟قادة حزب العدالة اعتبروا أن أي إلغاء للحزب يعتبر اعتداءا على إرادة الشعب الذي اختار الحزب بأغلبية مريحة جدا للبرلمان التركي منذ ستة شهور, و رد رجب طيب اردوغان بغضب على الدعوى وتعهد بمقاومة ما وصفه بالهجوم على الديمقراطية, وقال لأنصار حزبه "اعتقد اننا سنواصل نضالنا الديمقراطي بأسلوب ناضج وذكي وسنواصل ذلك في اطار من الشرعية."كما رددت صحف تركيا يوم الخميس الى ان اردوغان قد يحاول تغيير القانون حتى يجعل من الممكن فقط حظر الاحزاب التي تدان بالتحريض على العنف او العنصرية.وهناك اقتراح آخر بأن حظر اي حزب ينبغي ان يتم بموافقة البرلمان حيث يتمتع حزب العدالة والتنمية بأغلبية كبيرة فيه.اما العلمانيين فقد ردوا على لسان دينيز بايكال زعيم حزب الشعب الجمهوري العلماني لمحطة تلفزيون (سي ان ان تورك) الخاصة "هناك قضية قانونية قائمة. وتغيير القانون الآن لن يتفق مع الدولة القائمة على حكم القانون."
وقال "حزب العدالة والتنمية يحاول ان يعدل الدستور ليفي باحتياجاته. وهذا ليس شيئا مناسبا."
وحذر ايضا رئيس محكمة الاستئناف التي رفع كبير مدعيها القضية ضد حزب العدالة والتنمية الحكومة من اتخاذ اجراءات يمكن ان تقوض ما أسماه باستقلال القضاء.أما موقف الجيش فمازال غامضا بسبب صمته و عدم تعليقه على هذه الأحداث, لكن البعض يتخوف من تدخل الجيش في الوقت المناسب بعدما يتم تسخين الأجواء بالشكل المناسب له, و تكون هذه الحركة القضائية مقدمة لتدخله في الحياة السياسية مرة أخرى، إذ تخول لها المادة 35 من الدستور في حالة تعرض الأفكار الكمالية والعلمانية لخطر التغيير فإن للمؤسسة العسكرية الحامية لهذه الأفكار في هذه الحالة السيطرة على مقاليد الحكم وتغيير السلطة التنفيذية وتعطيل المجلس النيابي ومحاكمة كل المسببين لهذه المخالفات الدستورية. و هو حدث في الانقلابات العسكرية منذ 1960 حتى آخرها في 1986م. لكن بالإضافة للقوى الداخلية و مواقفها المختلفة فإن هناك قوى أخرى خارجية لها مواقفها أيضا, فالاتحاد الاوروبي، الذي بدأت تركيا مفاوضات معه للانضمام اليه، دعا نهاية الاسبوع القضاء التركي الى "عدم التدخل" في السياسة، و اعتبر الاتحاد الأوروبي أن تدخل القضاء في السياسة وصراعاتها ليس من التقاليد الأوروبية و أن أي خلاف أو صراع سياسي لابد أن يحل داخل أروقة البرلمان. في حين ناشدت المانيا المحكمة الدستورية عدم قبول الدعوى، معتبرة ان هذه القضية قد تنعكس سلبا على طموحات تركيا الاوروبية. و رغم عدم تعليق الأمريكان حتى الآن على الأزمة إلا أنه من الملاحظ أنهم متفاهمون مع حزب العدالة بشكل شبه كامل على معظم القضايا السياسية خاصة الإقليمية منها.فما هو مستقبل هذه الأزمة؟؟البعض يرى أن المستقبل في تركيا هو للإسلام السياسي الذي يمثله حزب العدالة بينما القوى العلمانية في إدبار من أمرها, فالاقتصاديون استفادوا من حكومة العدالة, و الشعب استفاد من العدالة بسبب النمو والنجاح الاقتصادي كما أن التدين مازال متجذرا في المجتمع التركي رغم كل الجهود و المظاهر العلمانية, و الجيش في حالة ربيع مع العدالة بسبب اطلاق العدالة يده في المسألة الكردية, والجناح السياسي للأكراد مرتاح إزاء العدالة بسبب ميل العدالة لإجراء حل سياسي للمشكلة الكردية, و التعديلات الدستورية و القانونية تدفعها أغلبية العدالة البرلمانية بثبات للتحول بعيدا عن العلمانية الأصولية رويدا رويدا.و يبقى السؤال الحيوي الآن ما هو مستقبل الوجود السياسي العلماني في تركيا؟؟.... لاسيما و أن قضاة المحكمة الدستورية العليا الذين عينهم الرئيس العلماني السابق أو شكت على الإنتهاء أخر هذا العام و سيعن قضاة المحكمة حينئذ الرئيس عبدالله جول أحد مؤسسي حزب العدالة.

عبدالمنعم منيب


الموضوع في المدونة القديمة 2008-03-23

تعليقات