عند التأمل في المذكرة الدولية بتوقيف الفريق عمر البشير رئيس الجمهورية السودانية والتي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية هذا الشهر؛ لابد وأن يتوقف العقل عند ثلاث محطات، محطة أبعاد هذا القرار القضائي الدولي، ثم المشاهد المتوقعة بناءً على هذا القرار، وأخيرًا النتائج التي قد تتمخض عنها العملية برمتها.
أولًا ـ أبعاد قرار توقيف البشير
نظرًا لسيطرة المفاهيم الغربية على التحليل السياسي في العالم كله؛ فإن هذه الأبعاد سوف تنقسم إلى البعد الدولي والبعد الإقليمي والبعد المحلي، سنجد أن البعد الدولي يشير إلى الأمم المتحدة وتحديدًا مجلس الأمن، الذي وقف خلف هذا القرار بهدف تحقيق أهداف معينة للغرب إزاء السودان، والبعد الإقليمي سيشير إلى العامل "الإسرائيلي" والإثيوبي في المنطقة، أما البعد المحلي فسيشير إلى المنافع المتحققة لمتمردي جنوب السودان "الحركة الشعبية" وغرب السودان "متمردي دارفور".
لكن لو أردنا أن نشير لإطار إسلامي في التحليل السياسي فسوف تنقسم الأبعاد إلى بعدين فقط:1- الهيمنة الاستغلالية للغرب على العالم بصفة عامة، والعالم الإسلامي بصفة خاصة، وتقودها حاليًا الولايات المتحدة.2- العالم الإسلامي ككتلة مستهدفة ومتأثرة بقرار توقيف البشير.
وإذا تأملنا في البعد الأول وهو الهيمنة الاستغلالية للغرب؛ سنجد أن هذه الهيمنة فرضها الغرب على معظم أنحاء العالم الإسلامي منذ عصر الاستعمار الغربي في القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين، ولكنها صارت هيمنة محكمة ومطلقة على كل أنحاء العالم الإسلامي منذ تم القضاء تمامًا على الدولة العثمانية، التي كانت آخر معاقل العالم الإسلامي سقوطًا في براثن الهيمنة الغربية بشكل كامل.
والغرب بوقوفه وراء مذكرة اعتقال البشير إنما يهدف إلى دعم مسارات إضعاف السودان عبر تفكيكه لعدة دويلات يهيمن الغرب على أغناها ويستغل ثرواتها جميعًا، ويمنع قيام دولة إسلامية بحجم وثروة السودان؛ فالسودان أكبر دولة أفريقية، ومن أكثر دول العالم الإسلامي ثراءً في مجالات الموارد الزراعية وموارد المياه والثروة المعدنية والثروة الحيوانية، ونظام حكم عمر البشير_ رغم ما عليه من تحفظات_ فإنه سار ويسير في التنمية بكل مجالاتها بخطى لا بأس بها، ففي عهده دخل التصنيع على نطاق واسع للسودان بما في ذلك تصنيع السلاح والدواء والمواد الغذائية وغيرها، كما تحسنت البنية التحتية والأداء الاقتصادي بشكل عام، فضلًا عن ازدياد قوة الجيش وأجهزة الأمن بشكل مكَّن هذا النظام من الصمود في وجه موجات طاغية من التآمر الدولي آتية من العديد من الأجهزة الأمنية الدولية العاتية؛ كأجهزة "إسرائيل" والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغيرها، فضلًا عن أذرعهم الداخلية من المتمردين في الجنوب والشرق والغرب.وتأتي هذه المذكرة لتؤدي عملها بمساندة القوى الغربية و"إسرائيل"، وبأذرع ربما محلية من خلال المتمردين المعروفين أو غير المعروفين.
أما البعد الثاني وهو المتعلق بالعالم الإسلامي، فهو لا يشمل فقط إضعاف السودان في المدى القريب والبعيد، ولكن يشمل حرمان العالم الإسلامي من ثروات السودان التي قد تصبح في يوم من الأيام عونًا لأيٍّ من دول العالم الإسلامي ـ وفي قلبه مصر ـ على النهضة والقوة الاقتصادية، ليس هذا فقط بل ونقل هذه الثروات لأعداء العالم الإسلامي؛ "كإسرائيل" أو الغرب من خلال عملائهم في السودان ـ الحركة المتمردة في دارفور وفي جنوب السودان ـ هذا كله فضلًا عن تطويق دولة قوية كمصر ليس من جنوبها فقط، بل أيضًا من عنقها حيث أن نهر النيل شريان الحياة في مصر، وبتفكيك السودان وسيطرة "إسرائيل" والغرب على حكوماته تصبح كل دول حوض النيل تقريبًا واقعة تحت هيمنة الولايات المتحدة و"إسرائيل" بطريقة أو بأخرى.وإذا كانت السودان تمثل جسرًا عربيًّا إسلاميًّا بين مسلمي وعرب شمال أفريقيا، وبين أفريقيا السوداء، فإن من شأن الهيمنة الغربية عليها أن تقيم سدًا منيعًا أمام تواصل عرب شمال أفريقيا مع مسلمي أفريقيا السوداء.
ثانيًا ـ المشاهد المتوقعة
كثر اللغط حول المشاهد المتوقعة بشأن السودان والبشير معًا بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقاله، وفي الواقع فإن المشاهد كلها مطروحة على مسرح الأحداث الدولية بشأن السودان.
فتدويل حكم السودان ككل عبر تقدم قوات المتمردين من الجنوب ومن دارفور إلى العاصمة، واحتلالها عبر دعم أمريكي غربي عسكري وسياسي أمر وارد في الفترة القادمة، قد لا تقدر بالأيام أو الأسابيع لكنها لن تزيد عن سنتين أو ثلاث سنوات على الأكثر.
وفي حالة استمرار قدرة الأجهزة الأمنية والجيش على حفظ استقرار الحكم في الخرطوم، فخنق نظام الخرطوم سياسيًّا واقتصاديًّا عبر الولايات المتحدة وحلفائها أمر وارد بقوة، يصحبه تقطيع أوصال السودان عبر استقلال دارفور بعدما تحصل على حكم ذاتي، واستقلال الجنوب في الاستفتاء المزمع بعد سنتين، كما أن قبائل شرق السودان قد لا تمانع من أن تحظى بالدعم الأمريكي والغربي والإسرائيلي الذي تحظى به دارفور وجنوب السودان مقابل التمرد وإحياء جبهة الشرق ومن ثَمَّ الاستقلال، وحينئذٍ لن يكون هناك مانع لدى الولايات المتحدة وحلفائها من ترك البشير يهنأ مع أجهزته الأمنية القوية بحكم ولاية الخرطوم المخنوقة باسم سودان لا وجود له، إلى أن يركع أو تطلق عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها رصاصة الرحمة كما أطلقتها على عراق صدام حسين.
ثالثًا ـ نتائج العملية كلها
طبعًا النتائج كلها واضحة، وأبرزها ضياع السودان من جعبة العالم الإسلامي في هذه الفترة، وذهاب مواردها الضخمة لخدمة أعداء الأمة الإسلامية، وخنق أكبر دولة عربية وهي مصر تمهيدًا لتقطيع أوصالها هي الأخرى.
ولكن هناك نتائج جزئية خاصة بالتحليل السياسي أظهرتها هذه الأزمة؛ منها أن الصين وروسيا تواطأتا مع الولايات المتحدة وحلفائها في مجلس الأمن إذ كان وما زال في إمكانهما عرقلة صدور القرار أو تجميده بعد صدوره ولم يفعلا.
وكذلك أظهرت العملية برمتها تصميم الغرب على استمرار إضعاف العالم الإسلامي دون كلل ولا ملل؛ للحفاظ على استمرار هيمنتهم عليه واستغلاله لصالحهم، في الوقت الذي ما زال يتغنى فيه المستغربون عندنا بصداقتهم للغرب، ونقصد هنا الحكومات الغربية لأن للشعوب الغربية شأنًا آخر لا مجال لتفصيله هنا.وعلى كل حال، فإننا لا نصاب باليأس بسبب تقطيع أوصال العالم الإسلامي المتواصل من قِبل الجيوش الغربية وحلفائهم في الداخل والخارج، لأننا ننظر للمستقبل في ضوء تاريخنا التليد إذ مر بالعالم الإسلامي أوقات حالكة الظلمة مثل هذه لكنه نهض بعدها من كبوته، وثاب إلى رشده، واسترد انتصاراته {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].
أولًا ـ أبعاد قرار توقيف البشير
نظرًا لسيطرة المفاهيم الغربية على التحليل السياسي في العالم كله؛ فإن هذه الأبعاد سوف تنقسم إلى البعد الدولي والبعد الإقليمي والبعد المحلي، سنجد أن البعد الدولي يشير إلى الأمم المتحدة وتحديدًا مجلس الأمن، الذي وقف خلف هذا القرار بهدف تحقيق أهداف معينة للغرب إزاء السودان، والبعد الإقليمي سيشير إلى العامل "الإسرائيلي" والإثيوبي في المنطقة، أما البعد المحلي فسيشير إلى المنافع المتحققة لمتمردي جنوب السودان "الحركة الشعبية" وغرب السودان "متمردي دارفور".
لكن لو أردنا أن نشير لإطار إسلامي في التحليل السياسي فسوف تنقسم الأبعاد إلى بعدين فقط:1- الهيمنة الاستغلالية للغرب على العالم بصفة عامة، والعالم الإسلامي بصفة خاصة، وتقودها حاليًا الولايات المتحدة.2- العالم الإسلامي ككتلة مستهدفة ومتأثرة بقرار توقيف البشير.
وإذا تأملنا في البعد الأول وهو الهيمنة الاستغلالية للغرب؛ سنجد أن هذه الهيمنة فرضها الغرب على معظم أنحاء العالم الإسلامي منذ عصر الاستعمار الغربي في القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين، ولكنها صارت هيمنة محكمة ومطلقة على كل أنحاء العالم الإسلامي منذ تم القضاء تمامًا على الدولة العثمانية، التي كانت آخر معاقل العالم الإسلامي سقوطًا في براثن الهيمنة الغربية بشكل كامل.
والغرب بوقوفه وراء مذكرة اعتقال البشير إنما يهدف إلى دعم مسارات إضعاف السودان عبر تفكيكه لعدة دويلات يهيمن الغرب على أغناها ويستغل ثرواتها جميعًا، ويمنع قيام دولة إسلامية بحجم وثروة السودان؛ فالسودان أكبر دولة أفريقية، ومن أكثر دول العالم الإسلامي ثراءً في مجالات الموارد الزراعية وموارد المياه والثروة المعدنية والثروة الحيوانية، ونظام حكم عمر البشير_ رغم ما عليه من تحفظات_ فإنه سار ويسير في التنمية بكل مجالاتها بخطى لا بأس بها، ففي عهده دخل التصنيع على نطاق واسع للسودان بما في ذلك تصنيع السلاح والدواء والمواد الغذائية وغيرها، كما تحسنت البنية التحتية والأداء الاقتصادي بشكل عام، فضلًا عن ازدياد قوة الجيش وأجهزة الأمن بشكل مكَّن هذا النظام من الصمود في وجه موجات طاغية من التآمر الدولي آتية من العديد من الأجهزة الأمنية الدولية العاتية؛ كأجهزة "إسرائيل" والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغيرها، فضلًا عن أذرعهم الداخلية من المتمردين في الجنوب والشرق والغرب.وتأتي هذه المذكرة لتؤدي عملها بمساندة القوى الغربية و"إسرائيل"، وبأذرع ربما محلية من خلال المتمردين المعروفين أو غير المعروفين.
أما البعد الثاني وهو المتعلق بالعالم الإسلامي، فهو لا يشمل فقط إضعاف السودان في المدى القريب والبعيد، ولكن يشمل حرمان العالم الإسلامي من ثروات السودان التي قد تصبح في يوم من الأيام عونًا لأيٍّ من دول العالم الإسلامي ـ وفي قلبه مصر ـ على النهضة والقوة الاقتصادية، ليس هذا فقط بل ونقل هذه الثروات لأعداء العالم الإسلامي؛ "كإسرائيل" أو الغرب من خلال عملائهم في السودان ـ الحركة المتمردة في دارفور وفي جنوب السودان ـ هذا كله فضلًا عن تطويق دولة قوية كمصر ليس من جنوبها فقط، بل أيضًا من عنقها حيث أن نهر النيل شريان الحياة في مصر، وبتفكيك السودان وسيطرة "إسرائيل" والغرب على حكوماته تصبح كل دول حوض النيل تقريبًا واقعة تحت هيمنة الولايات المتحدة و"إسرائيل" بطريقة أو بأخرى.وإذا كانت السودان تمثل جسرًا عربيًّا إسلاميًّا بين مسلمي وعرب شمال أفريقيا، وبين أفريقيا السوداء، فإن من شأن الهيمنة الغربية عليها أن تقيم سدًا منيعًا أمام تواصل عرب شمال أفريقيا مع مسلمي أفريقيا السوداء.
ثانيًا ـ المشاهد المتوقعة
كثر اللغط حول المشاهد المتوقعة بشأن السودان والبشير معًا بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقاله، وفي الواقع فإن المشاهد كلها مطروحة على مسرح الأحداث الدولية بشأن السودان.
فتدويل حكم السودان ككل عبر تقدم قوات المتمردين من الجنوب ومن دارفور إلى العاصمة، واحتلالها عبر دعم أمريكي غربي عسكري وسياسي أمر وارد في الفترة القادمة، قد لا تقدر بالأيام أو الأسابيع لكنها لن تزيد عن سنتين أو ثلاث سنوات على الأكثر.
وفي حالة استمرار قدرة الأجهزة الأمنية والجيش على حفظ استقرار الحكم في الخرطوم، فخنق نظام الخرطوم سياسيًّا واقتصاديًّا عبر الولايات المتحدة وحلفائها أمر وارد بقوة، يصحبه تقطيع أوصال السودان عبر استقلال دارفور بعدما تحصل على حكم ذاتي، واستقلال الجنوب في الاستفتاء المزمع بعد سنتين، كما أن قبائل شرق السودان قد لا تمانع من أن تحظى بالدعم الأمريكي والغربي والإسرائيلي الذي تحظى به دارفور وجنوب السودان مقابل التمرد وإحياء جبهة الشرق ومن ثَمَّ الاستقلال، وحينئذٍ لن يكون هناك مانع لدى الولايات المتحدة وحلفائها من ترك البشير يهنأ مع أجهزته الأمنية القوية بحكم ولاية الخرطوم المخنوقة باسم سودان لا وجود له، إلى أن يركع أو تطلق عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها رصاصة الرحمة كما أطلقتها على عراق صدام حسين.
ثالثًا ـ نتائج العملية كلها
طبعًا النتائج كلها واضحة، وأبرزها ضياع السودان من جعبة العالم الإسلامي في هذه الفترة، وذهاب مواردها الضخمة لخدمة أعداء الأمة الإسلامية، وخنق أكبر دولة عربية وهي مصر تمهيدًا لتقطيع أوصالها هي الأخرى.
ولكن هناك نتائج جزئية خاصة بالتحليل السياسي أظهرتها هذه الأزمة؛ منها أن الصين وروسيا تواطأتا مع الولايات المتحدة وحلفائها في مجلس الأمن إذ كان وما زال في إمكانهما عرقلة صدور القرار أو تجميده بعد صدوره ولم يفعلا.
وكذلك أظهرت العملية برمتها تصميم الغرب على استمرار إضعاف العالم الإسلامي دون كلل ولا ملل؛ للحفاظ على استمرار هيمنتهم عليه واستغلاله لصالحهم، في الوقت الذي ما زال يتغنى فيه المستغربون عندنا بصداقتهم للغرب، ونقصد هنا الحكومات الغربية لأن للشعوب الغربية شأنًا آخر لا مجال لتفصيله هنا.وعلى كل حال، فإننا لا نصاب باليأس بسبب تقطيع أوصال العالم الإسلامي المتواصل من قِبل الجيوش الغربية وحلفائهم في الداخل والخارج، لأننا ننظر للمستقبل في ضوء تاريخنا التليد إذ مر بالعالم الإسلامي أوقات حالكة الظلمة مثل هذه لكنه نهض بعدها من كبوته، وثاب إلى رشده، واسترد انتصاراته {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].
عبد المنعم منيب
في المدونة القديمة 2009-04-03 22:57
تعليقات
إرسال تعليق