الإنقلاب الخامس عشر في موريتانيا من الرابح و من الخاسر؟!؟

الانقلاب الأخير في موريتانيا يأتي بعد ثلاث سنوات من الانقلاب الذي أطاح بالرئيس السابق "معاوية ولد الطايع"، والعجيب أن الإنقلاب الأخير هذا تم في أغسطس الحالي بينما الانقلاب السابق جرى في شهر أغسطس عام 2005م, أى بين الإنقلابين ثلاث سنوات بالتمام والكمال.و هذا الإنقلاب هو الانقلاب الخامس عشر منذ 1978م و حتى الآن، صحيح أن بعضها نجح و بعضها فشل لكن هذا العدد من الإنقلابات جعل من هذا البلد المسلم بلد الإتقلابات العسكرية بامتياز.و موريتانيا التي استقلت عن فرنسا في نوفمبر عام 1960م انطلقت فيها الانقلابات دومًا من داخل الجيش الموريتاني في إشارة واضحة على الخلافات السياسية التي تعترى الجيش الموريتاني دائما و الدور الواضح للجيش في السياسة الداخلية و الخارجية للبلد على حد سواء.و فهم ما يجرى في موريتانيا اليوم يفرض علينا الرجوع إلى الوراء قليلا عندما قاد الجيش انقلابًا للإطاحة بمعاوية ولد الطايع في أغسطس 2005م، لقد كان هذا الانقلاب كما أثبتت الأحداث فيما بعد انقلابًا استباقيًا كان الهدف منه استباق أي انقلاب آخر تقوده قوى خارج النظام الموريتاني الحاكم، لقد كان هدف هذا الانقلاب هو الإطاحة برأس معاوية ولد الطايع فقط دون المساس بكيان النظام الحاكم ورموزه.و عندما قاد الجيش الموريتاني فترة انتقالية جاء بعدها موعد الانتخابات الرئاسية الموريتانية التي هلل لها كثيرون، لم تكن هذه الانتخابات إلا محاولة جديدة لتغيير رأس النظام في موريتانيا مع الإبقاء على النظام نفسه.لقد شهدت موريتانيا انتخابات رئاسية حينئذ ولكن قادة الجيش لعبوا دورهم الذي ضمن المجيء بالرئيس "ولد عبد الله"، والذي اعترف الأسبوع الماضي أنه تلقي دعمًا من قادة الجيش الموريتاني في الانتخابات الرئاسية.وهكذا كان الرئيس الموريتاني واجهة سياسية لقادة الجيش الذين لم يفقدوا نفوذهم بل زاد نفوذهم مع ترقيتهم إلى جنرالات عقب تولي "ولد عبد الله" الرئاسة وهو قرار انتقده العديدون من المراقبين للشأن الموريتاني.سرت العلاقة بين الطرفين بشكل هادئ فكل يعرف دوره ويحرص على عدم تجاوزه، حتى أقدم الرئيس الموريتاني على ضم المعارضة إلى الحكومة، وهو أمر اعتبره الجيش تجاوزًا للخطوط الحمراء خاصة وأن من انضموا إلى الحكومة كان بينهم إسلاميون وآخرون من المحنكين وذوي التجارب السياسية، وهو ما يقلل فرص النفوذ التي حظي بها قادة الجيش.ومع تعيين الحكومة الجديدة، كان على نواب البرلمان الموالين لقادة الجيش البحث عن ورقة ضغط تكفل لهم تنازلا من الرئيس، دون أن تكون تلك هي الورقة الأخيرة.هنا اختار البرلمانيون أن تكون الورقة فتح تحقيق في مؤسسات يتولاها المقربون جدا من الرئيس, وكان الهدف من ذلك إحراج الرئيس حتى يحين الوقت المناسب للانقلاب عليه، و كانت أولى الخطوات إعلان نواب البرلمان الانسحاب من الحزب الحاكم، ليجئ بعد ذلك الانقلاب العسكري الذي اعتبره قادته تضامنًا مع نواب البرلمان.ومما يؤكد ذلك أن النواب الذين انسحبوا من الحزب الحاكم تربطهم صلات قوية بقادة الجيش وبأوساط المخابرات، فضلاً عن أن بعضهم تجمعهم أواصر القربى والانتساب العائلي والقبلي مع الجنرالات الجدد.فضلاً عن أن دخول هؤلاء النواب إلى البرلمان في بادئ الأمر مر بعدة مراحل بدأت بدخولهم فرادي مستقلين ثم اتفاقهم على تشكيل تكتل قوي داخل البرلمان ثم أخيرًا الانضمام إلى الحزب الحاكم، كل هذا يؤكد أن دخولهم لم يكن عاديًا وأن خطواتهم في البرلمان كانت مرسومة بدقة، لذلك لم يكن غريبا أن يصفهم زميلهم النائب المخضرم "ولد بدر الدين" بأنهم ليسوا إلا مجموعة من "البيادق"، يحركها "الجنرالات الجدد".لذلك كله فإن الإنقلاب الأخير في موريتانيا ليس "تصحيحًا لمسار الديمقراطية" لكنه صراع داخل النظام الحاكم على السلطة انتهي لصالح اللاعب الأقوى دائمًا وهو جنرالات الجيش.و قد كشفت مصادر عديدة أن فرنسا و الولايات المتحدة كانت على علم مسبق بالانقلاب قبل وقوعه بساعتين على الأقل وهي فترة زمنية تكفي لتحذير الرئيس الموريتاني أو حمايته، إلا إنه يبدو أن الدولتين كانتا راضيتان عن هذا الانقلاب مثلما رضيتا عن الانقلاب الذي أطاح بمعاوية ولد الطايع.وهناك أسباب كثيرة تدفع فرنسا والولايات المتحدة إلى تشجيع الانقلاب الأخير، منها ما يلي:1- بروز ميول "ولد عبد الله" الدينية والتي بلغت أوجهها بإنشاء مسجد داخل مقر الرئاسة.2- حساسية "ولد عبد الله" إزاء استمرار العلاقات مع "إسرائيل" وجرأته على تهديد "إسرائيل" بعرض العلاقات الدبلوماسية معها على استفتاء عام.3- انفتاحه على الإسلاميين وقبول مشاركتهم في الحكومة الحالية، بالإضافة إلى إطلاق سراح عدد من السجناء السلفيين والالتقاء ببعضهم، والترخيص لحزب إسلامي.كل هذه الأسباب دفعت فرنسا والولايات المتحدة إلى دعم أي انقلاب يطيح بولد عبد الله، مادام هذا الانقلاب لم يأت من خارج النظام الحاكم نفسه.و إذا كان أول شئ فعله قائد الإنقلاب هو الإلتقاء بسفيري فرنسا و الولايات المتحدة, فإن هذا ليس هو الدليل الوحيد على الدور الأمريكي الفرنسي في نجاح الإنقلاب و لو حتى بالسكوت عليه, إنما نجاح الإنقلاب في حد ذاته دليل على تأييد البلدين للإنقلاب, لأن الولايات المتحدة نفسها سبق و أن ساعدت عسكريا ولد الطايع في التغلب على إنقلابات كانت شارفت على النجاح لولا التدخل العسكري الأمريكي الفوري مثلما حدث في الإنقلاب الأشرس و الأخطر على معاوية ولد الطايع بقيادة الرائد ذي الميول القومية صالح ولد حننا في 8 يونيو 2003م. وهكذا نجد أن الخاسر دومًا في ظل هذه الصراعات الإنقلابية هو الشعب الموريتاني الذي يتصارع جيشه على حكم البلاد تحت النفوذ الغربي دون أدنى مراعاة لحق الشعب الموريتاني في اختيار و محاسبة من يحكمه.
الموضوع في المدونة القديمة2008-08-11

تعليقات