نكمل هنا بقية كتاب " خريطة الحركة الاسلامية في مصر "
5- السماويون
كان الشيخ طه السماوي (و شهرته عبدالله السماوى) قد اعتقل عام 1965 ضمن جماعة الاخوان المسلمين و كان مازال في سن المراهقة, و عندما خرج من السجن نجح في تأسيس جماعة جديدة أصبح هو أميرها ليسعى لإعادة تأسيس دولة الخلافة الاسلامية عبر تكوين جماعة كبيرة تعتزل المجتمع و تعيش في الصحراء, و في منتصف السبعينات صارت جماعته من أكبر الجماعات الاسلامية على الساحة المصرية حيث لم يكن يضاهيها في الانتشار حينئذ سوى جماعة شكري مصطفى, و كان شكري زميل السماوي في سجون عبدالناصر. و لا تقتصر أهمية السماوي على ذلك بل ترجع أهميته لأن انتشاره هذا أدى لتوسيع رقعة المنتمين للحركة الاسلامية في السبعينات الأمر الذي جعل كثيرا من رموز الجهاد و السلفية و الجماعة الاسلامية تلاميذ لبعض الوقت لدى السماوي حتى قيل بحق "أن جميع الإسلاميين قد مروا عليه في وقت ما من حياتهم", و من أشهر من تتلمذ عليه الملازم أول خالد شوقي الاسلامبولي قاتل الرئيس المصري السابق أنورالسادات. والشيخ طه السماوي معروف أنه شاعر له شعر كثير متميز. وكان السماوي قد نشط لبعض الوقت في أواخر الثمانينات و حتى أواخر التسعينات مع حزب العمل المصري و مازال ساعد السماوي الأيمن عبدالرحمن لطفي (ابن خالة خالد الاسلامبولي) يعمل كقيادي لحزب العمل بالمنيا في صعيد مصر. و كانت أجهزة الأمن قد نسبت الى جماعته تهمة حرق اندية الفيديو فى عام 1986م. وتم القاء القبض عليه للمرة الاخيرة عام 2007م عندما اتهمته أجهزة الأمن باحياء جماعة السماوى على اثر تصريحات اعلامية انتقد فيها مراجعات الجهاد التي أعلنها الدكتور سيد إمام. و لم يعد لجماعة السماوي وجود الآن, و قد توفى السماوي نفسه في يناير 2009م.
- جماعة المسلمين (التكفير و الهجرة)
كان الشاب شكري مصطفى متعاطفا مع جماعة الإخوان المسلمين في الستينات من القرن العشرين, و لذلك تم القبض عليه ضمن الإخوان المسلمين و شاركهم محنتهم في سجون عبدالناصر ابتداءا من عام 1965م و حتى خروجهم من السجن بعد موت عبد الناصر على يد السادات. و لم يكن شكري مصطفى متشربا بفكر الإخوان المسلمين بالشكل الكافي كما أن ما حدث له ولغيره من تعذيب شديد دفعه للتفكير بشكل نقدي في فكر الإخوان المسلمين و موقفهم الفقهي من السلطة و المجتمع, و ساعده في ذلك أن أحد زملائه من المعتقلين الأكبر سنا و الأقدم في الدعوة قد تبنى فكرا يرتكز على تكفير كل من يخالف النسق العقيدي و الفقهي الذي يتبناه و قد ساق هذا الشيخ نسقا فقهيا و عقيديا يتطابق في معظم جزئياته مع مذهب الخوارج و هم الفرقة الإسلامية التي ظهرت ابتداء من خلافة الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه), و كان ظهور هذا الفكر الجديد و الدعوة إليه في السجن هو سبب تأليف الأستاذ حسن الهضيبي المرشد الثاني للإخوان المسلمين لكتابه الشهير "دعاة لا قضاة" في محاولة لتحصين جماعة الإخوان المسلمين ضد هذا الفكر الخطير. و العجيب أن الشيخ الإخواني( الشيخ على اسماعيل) الذي تتلمذ عليه شكري مصطفى سرعان ما تراجع عن هذا الفكر و ظل شكري متمسكا به و داعيا له, إلى أن خرج من السجن و أسس جماعة أسماها "جماعة المسلمين" و اشتهرت إعلاميا باسم "جماعة التكفير و الهجرة", و قدر عددها في أزهى عصورها (منتصف السبعينات) بعدة ألاف, أما الآن فيصل عدد أعضائها الألف بالكاد. و ترتكز المنظومة الفكرية لجماعة المسلمين على عدة أسس:
اعتبار أن الألفاظ المعبرة عن سائر المعاصي كالظلم و الفسق و الذنب و الخطيئة و السيئة و الخطأ و نحوها تعني كلها معنى واحد هو الكفر المخرج عن الملة, و بالتالي فكل من ارتكب أي مخالفة شرعية مما يطلق عليها أحد هذه المسميات في آيات القرآن أو في الأحاديث فهو كافر كفرا مخرجا عن ملة الإسلام.
اعتبار أن الهجرة من دار الكفر (أي دولة لا تحكم بالشريعة) هي واجب شرعي حتمي, و لذلك سعت جماعتهم لإيجاد مكان للهجرة فيه و اعتزال المجتمع.
اعتبار مبدأ التوقف في الحكم على أي مسلم ليس معهم في الجماعة فلا يحكمون له بكفر أو إسلام حتى يتبين كفره من إيمانه, و هذا التبين يكون عبر عرض فكر الجماعة عليه فإن وافق انضم إليهم و صار مسلما حسب رأيهم و إن رفض حكموا بكفره.
الحكم بكفر من يتحاكم للقانون الوضعي أيا كان دافعه و أيا كان نوع القانون الوضعي الذي يحكم به أو يتحاكم إليه, و لا يعتبرون في ذلك أى إستثناء كحالات الإكراه أو الإضطرار أو الجهل أو الخطأ و نحو ذلك بل يتمسكون بالتكفير في ذلك كله, و لا يفصلون في ذلك بين القانون الوضعي المخالف للشريعة أو الموافق لها, فهم لم يطرحوا ذلك الفرق أصلا.
و بناء على هذه الأفكار رفضت جماعة شكري مصطفى علماء السلف و أقوالهم و كتبهم بل كانوا ينتقون من الأحاديث ما يؤيد مذهبهم و يرفضون ما لا يؤيده بلا ضابط أو قاعدة محددة و هم يكفرون علماء السلف جميعا من أول صحابة النبي و حتى الآن, كما أنهم يفسرون القرآن برأيهم ووفق أفكارهم و يرفضون أي تفسير يخالف رأيهم كما أنهم لا يرتكزون على كتب تفسير و لا حديث و لاغيره, بل الذي كان يقرأ الكتب و يشرحها لهم شكري و سجلوا و دونوا ما قاله و كل اعتمادهم عليه حتى الآن, و المجموعة التي كانت تقرأ في الكتب كان مصير أغلبها إما الاعدام و إما ترك الجماعة و فكرها. و من هذه الأسس انطلق شكري مصطفى ليكون رؤيته عن الواقع السياسي و طريقة تغييره, فكان شكري يرى أنه لابد من إقامة دولة إسلامية وفق منهجه الفكري, و خلص من تحليله السياسي للواقع الدولي و الإقليمي إلى أن القوى الكبرى ستسعى بمعاونة اسرائيل إلى تفتيت العالم العربي إلى دويلات صغيرة لتسهيل عملية إضعاف الأمة الإسلامية, و من ثم اعتقد شكري مصطفى أن هذه الحالة سوف تمثل ظرفا مواتيا له لإقامة دويلة إسلامية على جزء من مصر و اعتقد أن القوى الكبرى قد تدعمه في ذلك أو تغض الطرف عنه في ذلك بإعتبار أن عمله هذا سيساهم في تحقيق مخططها الإستعماري في التفتيت على أن يسعى بعد ذلك إلى توحيد هذه الدويلات بالتغلب عليها واحدة بعد الأخرى بعدما تقوى شوكته ليتمكن من إعادة توحيد العالم الإسلامي كله في دولة واحدة. و تورطت جماعة شكري مصطفى في خطف و إغتيال وزير الأوقاف حينذاك الدكتور محمد حسين الذهبي بعد أن كان قد انتقد في إحدى المناسبات فكر جماعة شكري مصطفى, بسبب إحساسه بخطورة هذا الفكر و عظم مخالفته للعقيدة الاسلامية, و قد أثيرت العديد من الشكوك حول ما إذا كان شكري مصطفى قد تورط في هذا القرار بسبب إختراق أمني محدد دفعه لذلك لضرب عصفورين بحجر واحد: الأول- هو التخلص من الوزير الذهبي رحمه الله بسبب دخوله في ذلك الوقت في صراع مع مراكز قوة معينة في الحكم. و الثاني- هو توريط شكري و جماعته في عمل إرهابي كبير يمكن أن يتخذ ذريعة للخلاص من شكري و جماعته بالكلية بعدما استفحل خطرها بسبب انتشارها و اتساع حجم عضويتها. و مازالت حتى الآن هذه الفرضية محل بحث و جدل بين قادة الجماعة القدامى و أعضائها المؤسسين, و كذلك بين الكتاب و الباحثين المهتمين بتاريخ هذه الجماعة. و بعد فشل شكري و اعدامه و ضعف جماعته اتخذت الجماعة منهجا مختلفا في التغيير يرتكز على فكرة انتظار ظهور المهدي المنتظر و الإنضمام إليه, و من ثم فهم يمارسون الدعوة إلى أفكارهم دون تسلح أو سعي لأي عمل سياسي أو عسكري من أي نوع و يقتصر عملهم داخل الجماعة على العمل التربوي و الإجتماعي بالإضافة للعمل التعليمي لأنهم باتوا يحرمون دخول المدارس و الجامعات بعد اعدام شكري و رفاقه.
اعتبار أن الألفاظ المعبرة عن سائر المعاصي كالظلم و الفسق و الذنب و الخطيئة و السيئة و الخطأ و نحوها تعني كلها معنى واحد هو الكفر المخرج عن الملة, و بالتالي فكل من ارتكب أي مخالفة شرعية مما يطلق عليها أحد هذه المسميات في آيات القرآن أو في الأحاديث فهو كافر كفرا مخرجا عن ملة الإسلام.
اعتبار أن الهجرة من دار الكفر (أي دولة لا تحكم بالشريعة) هي واجب شرعي حتمي, و لذلك سعت جماعتهم لإيجاد مكان للهجرة فيه و اعتزال المجتمع.
اعتبار مبدأ التوقف في الحكم على أي مسلم ليس معهم في الجماعة فلا يحكمون له بكفر أو إسلام حتى يتبين كفره من إيمانه, و هذا التبين يكون عبر عرض فكر الجماعة عليه فإن وافق انضم إليهم و صار مسلما حسب رأيهم و إن رفض حكموا بكفره.
الحكم بكفر من يتحاكم للقانون الوضعي أيا كان دافعه و أيا كان نوع القانون الوضعي الذي يحكم به أو يتحاكم إليه, و لا يعتبرون في ذلك أى إستثناء كحالات الإكراه أو الإضطرار أو الجهل أو الخطأ و نحو ذلك بل يتمسكون بالتكفير في ذلك كله, و لا يفصلون في ذلك بين القانون الوضعي المخالف للشريعة أو الموافق لها, فهم لم يطرحوا ذلك الفرق أصلا.
و بناء على هذه الأفكار رفضت جماعة شكري مصطفى علماء السلف و أقوالهم و كتبهم بل كانوا ينتقون من الأحاديث ما يؤيد مذهبهم و يرفضون ما لا يؤيده بلا ضابط أو قاعدة محددة و هم يكفرون علماء السلف جميعا من أول صحابة النبي و حتى الآن, كما أنهم يفسرون القرآن برأيهم ووفق أفكارهم و يرفضون أي تفسير يخالف رأيهم كما أنهم لا يرتكزون على كتب تفسير و لا حديث و لاغيره, بل الذي كان يقرأ الكتب و يشرحها لهم شكري و سجلوا و دونوا ما قاله و كل اعتمادهم عليه حتى الآن, و المجموعة التي كانت تقرأ في الكتب كان مصير أغلبها إما الاعدام و إما ترك الجماعة و فكرها. و من هذه الأسس انطلق شكري مصطفى ليكون رؤيته عن الواقع السياسي و طريقة تغييره, فكان شكري يرى أنه لابد من إقامة دولة إسلامية وفق منهجه الفكري, و خلص من تحليله السياسي للواقع الدولي و الإقليمي إلى أن القوى الكبرى ستسعى بمعاونة اسرائيل إلى تفتيت العالم العربي إلى دويلات صغيرة لتسهيل عملية إضعاف الأمة الإسلامية, و من ثم اعتقد شكري مصطفى أن هذه الحالة سوف تمثل ظرفا مواتيا له لإقامة دويلة إسلامية على جزء من مصر و اعتقد أن القوى الكبرى قد تدعمه في ذلك أو تغض الطرف عنه في ذلك بإعتبار أن عمله هذا سيساهم في تحقيق مخططها الإستعماري في التفتيت على أن يسعى بعد ذلك إلى توحيد هذه الدويلات بالتغلب عليها واحدة بعد الأخرى بعدما تقوى شوكته ليتمكن من إعادة توحيد العالم الإسلامي كله في دولة واحدة. و تورطت جماعة شكري مصطفى في خطف و إغتيال وزير الأوقاف حينذاك الدكتور محمد حسين الذهبي بعد أن كان قد انتقد في إحدى المناسبات فكر جماعة شكري مصطفى, بسبب إحساسه بخطورة هذا الفكر و عظم مخالفته للعقيدة الاسلامية, و قد أثيرت العديد من الشكوك حول ما إذا كان شكري مصطفى قد تورط في هذا القرار بسبب إختراق أمني محدد دفعه لذلك لضرب عصفورين بحجر واحد: الأول- هو التخلص من الوزير الذهبي رحمه الله بسبب دخوله في ذلك الوقت في صراع مع مراكز قوة معينة في الحكم. و الثاني- هو توريط شكري و جماعته في عمل إرهابي كبير يمكن أن يتخذ ذريعة للخلاص من شكري و جماعته بالكلية بعدما استفحل خطرها بسبب انتشارها و اتساع حجم عضويتها. و مازالت حتى الآن هذه الفرضية محل بحث و جدل بين قادة الجماعة القدامى و أعضائها المؤسسين, و كذلك بين الكتاب و الباحثين المهتمين بتاريخ هذه الجماعة. و بعد فشل شكري و اعدامه و ضعف جماعته اتخذت الجماعة منهجا مختلفا في التغيير يرتكز على فكرة انتظار ظهور المهدي المنتظر و الإنضمام إليه, و من ثم فهم يمارسون الدعوة إلى أفكارهم دون تسلح أو سعي لأي عمل سياسي أو عسكري من أي نوع و يقتصر عملهم داخل الجماعة على العمل التربوي و الإجتماعي بالإضافة للعمل التعليمي لأنهم باتوا يحرمون دخول المدارس و الجامعات بعد اعدام شكري و رفاقه.
7- السلفيون
أولا : السلفية العلمية:
في منتصف السبعينات أنشأ مجموعة من قادة الحركة الطلابية الإسلامية في عدد من جامعات مصر تيارالسلفية العلمية لكن كان ثقلها الرئيسي في جامعة الإسكندرية حيث قادها من هناك و إلى جميع أنحاء مصر محمد إسماعيل المقدم و سعيد عبد العظيم و أبو إدريس و أحمد فريد و غيرهم و كان من أبرز قادتها في القاهرة حينئذ عبدالفتاح الزيني, و قد رفضوا الإنضمام للإخوان المسلمين عام 1978م و سموا أنفسهم المدرسة السلفية و رفضوا لفظ الأمير لإعتبارهم أنه يقتصرعلى إمارة الدولة و لكن أطلقوا على قائدهم أبي إدريس لقب "اسم قيم المدرسة السلفية" أسوة بالمدارس العلمية التي كانت قائمة في عصور الإزدهار في التاريخ الإسلامي, و احتدم التنافس بين "المدرسة السلفية" و الإخوان على ضم الشباب و السيطرة على المساجد, و عندما أصدرت المدرسة السلفية نهاية عام 1979م سلسلة كتب دورية باسم "السلفيون يتحدثون" تندر عليهم بعض الإخوان بقولهم السلفيون يتحدثون و الإخوان يجاهدون و كان الجهاد الأفغاني قد اندلع لتوه ضد السوفيت و كان الشائع حينئذ أن المجاهدين الأفغان هم من الإخوان المسلمين. و ظلت السلفية العلمية تطلق على نفسها اسم "المدرسة السلفية" لعدة سنوات لكنها سعيا لتطوير حركتها و اعطاءها مزيد من الحركية زاد اهتمامهم بالعمل الجماهيري و أطلقوا على منظمتهم اسم "الدعوة السلفية" و بذلك اصبح اسم "المدرسة السلفية" مجرد تاريخ. و"الدعوة السلفية" منتشرة في كل أنحاء مصر و لها أتباع كثيرون يقدرون بمئات الألوف و يطلق عليهم اختصارا اسم "السلفيين" لكنهم ليسوا تنظيما هرميا متماسك مثل الإخوان المسلمين بل يغلب عليهم التفرق لمجموعات يتبع كل منها شيخ من المشايخ لكن مشايخها متعاونون بدرجة كبيرة جدا, ومن مشايخها المشهورين غير الذين ذكرناهم محمد حسان و أبو ذر القلموني صاحب كتاب "ففروا إلى الله" و محمد حسين يعقوب و محمد حسين العفاني و ياسر برهامي و أبواسحاق الحويني و مصطفى العدوي و غيرهم كثير جدا لكننا ذكرنا أشهرهم. كما أن "الدعوة السلفية" مثلها مثل بقية تيارات الحركة الإسلامية الحديثة ترى وجوب رجوع المسلمين إلى الإلتزام بتعاليم الإسلام وفقا لمنهج السلف الصالح لكنهم أكثر حرفية و التزاما بذلك و اقل اجتهادا و تجديدا فيه, و يفرق بينهم و بين الإخوان المسلمين رفضهم للتصوف و آراء الأشاعرة و المعتزلة و الشيعة التي ترك الإمام حسن البنا الباب مواربا لها بهدف لم شمل المسلمين, كما يفرقهم عنهم أيضا رفض "الدعوة السلفية" للعمل الحزبي و الدخول في إنتخابات مجلسي الشعب و الشورى, كما يفرقهم عن الجهاد و القاعدة رفضهم للعمل المسلح و التنظيمات السرية. و أبرز استراتيجية معلنة لـ"الدعوة السلفية" و أدقها هي التي طرحها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني (رحمه الله) في عدد من محاضراته و كتبه و تتلخص في أن ما لحق بالمسلمين من تدهور حضاري سببه الأحاديث الضعيفة و الموضوعة و الإسرائيليات و الأراء الفقهية التي تخالف الحديث الصحيح و بالتالي فالتغيير الإسلامي (حسب رأي الألباني) لابد من أن يمر بالمراحل التالية: أولا- التصفية: و هي أن يقوم علماء المسلمين بتنقية الكتب الشرعية كلها من الأحاديث الضعيفة و الموضوعة و الإسرائيليات و الأراء الفقهية التي تخالف الحديث الصحيح .
ثانيا- التربية: حيث يتم دعوة و تربية أغلبية المسلمين على هذه الكتب الصافية من أي أخطاء.
ثالثا- المفاصلة: حيث يعلن المؤمنون انفصالهم عن الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله و يعلنون أن هؤلاء الحكام على باطل و ينذرون الحكام و اعوانهم بالرجوع عن باطلهم و إلا سيواجهون جهادا إسلاميا من أهل الحق و يطالب كل المسلمين بتحديد موقفهم بشكل واضح إما مع أهل الحق و إما مع أهل الحكم و هنا حكمهم هو حكم أهل الباطل. رابعا- الجهاد: و هو في حالة ما إذا رفض الحكام الإلتزام بالإسلام بعد الإنذار السابق فحينئذ يجاهدهم أهل الحق لأن الصفوف في هذه الحالة ستكون قد تمايزت فصار بعض الشعب مع الحق و بعضه مع الباطل و هنا سيكون الفريقان المتصارعان واضحين لا بس فيهما, فلا يقع ضحايا لا علاقة لهم بالصراع بل يكون أى إنسان إما مع هذا الفريق أو ذاك. و قد قيل للشيخ الألباني و هل تنتظر أن يتركنا الحكام عندما ننذرهم و نتحرك في المجتمع لإستقطاب تأييد الناس؟؟ يا شيخ إنهم لن يتركوننا بل سيبادروننا بالقتال!!! فرد عليهم الألباني: يا إخواني بس شدوا حيلكم في تحقيق الكتب و نشر الدعوة الإسلامية بين أغلبية الشعب و عندما نصل للمفاصلة لن نختلف بشأن تحديد وقت الجهاد إن شاء الله. و الشيخ الألباني هو سوري من أصل ألباني و هو من أكبر علماء الحديث النبوي الشريف في عالمنا المعاصر, و قد تتلمذ عليه و على يد بعض تلاميذه عدد من كبار مشايخ الدعوة السلفية في مصر, و قد توفي في مطلع القرن الواحد و العشرين.
و رغم أن "الدعوة السلفية" تتبنى استراتيجية الألباني هذه بشكل صريح تارة و بشكل ضمني تارة أخرى لكنها لم تضع تكتيكات محددة و متكاملة لتنفيذها, كما لم يتبع السلفيون أي خطط أو أساليب موضوعية محددة لتنفيذ هذه الإستراتيجية عمليا. ومن المتوقع أن يسعى النظام الحاكم في مصر في لحظة ما لافساح ساحة العمل السياسي أمام "السلفية العلمية" لاحداث توازن مع العمل السياسي الضخم الذي يقوم به الاخوان المسلمين, لأن السلفيين هم التيار الأضخم في الساحة الاسلامية المصرية إلا أنهم ليس لديهم مركزية في التنظيم كما لا يملكون عمق الخبرة التنظيمية و السياسية التي يتمتع بها تنظيم الاخوان المسلمين, فضلا عن أن توزع السلفيين إلى مجموعات متعددة تتبع كل منها شيخ من مشايخ السلفية هو عقبة أخرى من عقبات قيام السلفيين بأي دور سياسي, و قد كانت أحداث حرب غزة (2009) مناسبة لظهور أثر تعدد المشايخ على الموقف السياسي للسلفيين فقد رد الداعية الشهير الشيخ محمد حسان على الشيخ محمد حسين يعقوب بشأن موقفه من حرب غزة ردا اتسم بالحدة الشديدة إذ مدح الشيخ محمد حسان صواريخ حماس في برنامجه "جبريل يسأل والنبي يجيب" على قناة الرحمة وأنكر على من يقلل من جهدهم ويسخر من صواريخهم، وفي رد واضح على سخرية حسين يعقوب من حماس قال الشيخ حسان "شكراً لكم لقد بذلتم ما استطعتم كما أمركم ربكم ، و الدور على هؤلاء الذين يسفهون جهد إخواننا ويحقرون صواريخ إخواننا ويحقرون ضربات إخواننا الموجعة التي ملئت قلوب اليهود بالفزع وملئت قلوب اليهود بالرعب" ، و في هجوم لاذع على سخرية يعقوب من المقاومة دون ان يسميه قال "نحن نرجو الله و الدار الآخرة وهم يرجون حياة رخيصة بأي ثمن" ثم وجه حسان كلامه للحكام الذين يجلسون على كرسي الحكم فقال: "في النهاية الكل هيموت، انت فاكر إن الكرسي هيخوف ملك الموت، إنت فاكر إن الجنود هتخوف ملك الموت لا يا حبيبي... أين الظالمون وأين التابعون لهم في الغي .." و كان الشيخ محمد حسين يعقوب الداعية السلفي المشهور قد وجه قبلها نقدا لاذعا لحماس و سخر منها و من أعمال المقاومة سخرية مرة كما سخر ممن يطالبون الشعوب و الحكومات الإسلامية بعمل شئ لغزة و قال لا نستطيع أن نعمل لهم شيئا, كما سخر من الصواريخ التي تطلقها المقاومة و قال انها لا تفعل شيئا سوى أنها تعطي الذريعة لقتل الفلسطنيين, جاء ذلك في محاضرتين ليعقوب بثهما موقع طريق الاسلام عبر شبكة الانترنت قبل محاضرة حسان بيوم, و هذا الموقف يعطى صورة لما قد يكون عليه الأمر في حالة انغماس السلفيين في العمل السياسي في مصر, فهم قد يختلفون بشدة و يتنازعون في مواقفهم من القضايا السياسية المختلفة, و هذا أيضا جانب من جوانب ضعفهم إذا تمت المقارنة بينهم و بين الاخوان المسلمين الذين يملكون تنظيما مركزيا السمع و الطاعة فيه حديدية. و تيار الدعوة السلفية هذا منتشر في جميع أقطار العالم تحت أسماء و مسميات متعددة, و لكنها كلها متفقة في مجمل و جوهر المنهج الفكري, و إن تعددت إجتهاداتهم السياسية و التي يعتبرونها قسم من الإجتهاد الفقهي, فنجدهم في بعض الدول كالكويت و البحرين يشاركون بقوة في الحياة السياسية و المجلس النيابي, كما شارك بعض منهم في الحكم لفترة من الزمن في كل دول الخليج و اليمن و لكنهم سرعان ما يختلفون مع الحكام بسبب صلابة منهجهم. و على كل حال فهذا التيار السلفي الذي أسميناه هنا بالسلفية العلمية و كذلك توأمه الذي أسميناه هنا بالسلفية الحركية يمثلان في مختلف دول العالم أقوى و أكبر تيار إسلامي منافس لجماعة الاخوان المسلمين في العدد و الحيوية بل إن نشطاءه و أتباعه ضعف أتباع الاخوان المسلمين في كل مكان لكن هذا التيار يتخلف عن الاخوان المسلمين في القدرات و الخبرات التنظيمية و السياسية كما أشرنا سابقا.
ثانيا : السلفية الحركية:
في نفس الوقت الذي نشأت فيه السلفية العلمية (منتصف السبعينات من القرن العشرين الميلادي) نشأ في حي شبرا بالقاهرة رافد أخر من روافد السلفية بقيادة عدد من الدعاة الشباب حينذاك و كان أبرزهم في ذلك الوقت الدكتور سيد العربي و الدكتور محمد عبد المقصود و الشيخ نشأت ابراهيم ولم يختلف هذا الرافد السلفي عن السلفية العلمية الا في شئ واحد و هو الاعلان عن كفر الحاكم الذي لا يحكم بالشريعة الاسلامية باسمه أيا كان اسمه, و قد انتشر هذا التيار مع الوقت و صار له أنصار و أتباع يقدرون بعشرات الآلاف لا سيما بعدما برزت شعبية بعض الدعاة الاسلاميين من هذا التيار مثل الداعية ذائع الصيت فوزي السعيد, و قد أطلق بعض أتباع هذا التيار على أنفسهم اسم السلفية الحركية, و لكن المشايخ الكبار من هذا التيار لا يطلقون على أنفسهم أي اسم. و قد تعرض هذا التيار لحصار أمني شديد منذ عام 2001م بسبب قيام عدد من رموزه بالافتاء لعدد من الشباب بجواز جمع التبرعات و تهريبها إلى الفلسطينيين في الأراضي المحتلة, و جواز الانتقال لهذه الأراضي للمشاركة في المقاومة المسلحة هناك, و على إثر ذلك قام هؤلاء الشباب بجمع عدة ملايين من الجنيهات كتبرعات و هربوها لغزة كما حاولوا التدرب على السلاح بهدف الانتقال لغزة عبر سيناء للمشاركة في أعمال المقاومة المسلحة, و قد تم إعتقالهم جميعا كما إعتقل معهم إثنان من أبرز رموز هذا التيار و هما الشيخ نشأت ابراهيم و الشيخ فوزي السعيد, و تم تقديمهم جميعا إلى محاكمة عسكرية بالقاهرة, و صدرت ضدهم أحكام متفاوتة لكن المحكمة برأت ساحة كل من الشيخين نشأت ابراهيم و فوزي السعيد, و تم الافراج عنهما بعد عدة سنوات من الاعتقال. و لكن مازال رموز هذا التيار و دعاته ممنوعون من التعبير عن آرائهم في أي مكان سواء مساجد أو صحف أو فضائيات أو حتى في جلسات خاصة, و قد تجرأ الشيخ نشأت ابراهيم و ألقى موعظة دينية في مناسبة عزاء في فيلا أحد أقرباء المتوفى و ذلك تحت إلحاح أهل المتوفى فتم اعتقاله في نفس الليلة عام 2007م و ظل بالسجن عدة شهور قبل أن يفرج عنه بعد أخذ التعهدات عليه بعدم الكلام مرة أخرى في أي مكان. و يبدو أن التشدد الأمني مع هذا التيار يأتي من مجاهرة هذا التيار بمعارضة الحاكم الذي لا يحكم بالشريعة تصريحا في خطابهم الدعوي و تصريحهم بكفره, هذا رغم موقفهم الواضح برفض العمل المسلح أو إنشاء منظمات اسلامية سرية.
ثالثا : السلفية الجهادية:
في أوائل التسعينات رغب عدد من الجهاديين العرب البارزين أمثال أبومحمد المقدسي و أبوقتادة الفلسطيني في دفع تهمة طالما أثارها بعض الاسلاميين السلفيين تجاه التيار الجهادي و هي أنهم يهتمون بالجهاد فقط بينما لا يهتمون بالعلم فأطلق هؤلاء اسم السلفية الجهادية على التيار الجهادي و انتشر هذا الاسم في دول الخليج و الشام, لكن اسم السلفية الجهادية أصبح اسما ذائع الصيت بعد عدد من العمليات المسلحة في الخليج و الشام, و بدأ بعض المتعاطفين مع القاعدة في مصر و غيرها يستحسنون التسمي بهذا الاسم لا سيما و أنه أقل اثارة للشبهات الأمنية من اسم القاعدة, مع أن فكرهم الحقيقي هو فكر منظمة القاعدة. و بذا يتبين لنا أن اسم السلفية الجهادية لا علاقة له بالسلفية العلمية أو الحركية الموجودتين في مصر و في أغلب الدول العربية, و الذين يطلق عليهم اللفظ الدارج و المشهور "السلفيين".
حول مستقبل القاعدة في العراق
حول مستقبل القاعدة في العراق
تعليقات
إرسال تعليق