كتاب خريطة الحركات الإسلامية في مصر (3)

نواصل هنا نشر النص الكامل لكتاب " خريطة الحركات الإسلامية في مصر "
8- حزب الله
في عام 1980م أنشأ أحمد طارق المعيد بكلية التجارة بجامعة الأزهر بالاشتراك مع الشيخ (محجوب. م) و أخرين جماعة إسلامية صغيرة و أطلقوا عليها اسم "حزب الله" و كان الشيخ محجوب (و هو شاعر متميز و دارس جيد لعلوم اللغة العربية و الفقه الاسلامي) قد حاول قبل انشاء هذه الجماعة أن يوفق بين عدد من الجماعات الاسلامية الموجودة على الساحة المصرية لكنه فشل ، فلجأ مع أحمد طارق لإنشاء هذه الجماعة الجديدة التي كانت ذات ميول جهادية, حتى أن الشيخ محجوب كان ضيفا شبه دائم على الندوات الفكرية و الفقهية التي كان ينظمها تنظيم الجهاد في عدد من المساجد التابعة للتنظيم في هذه الفترة. و انحصر عمل هذا الحزب في موطن أحمد طارق و الشيخ محجوب و هو مدينة الاسكندرية و تحديدا في حي الحضرة بالاسكندرية و ذلك من خلال مسجد "المجاهدين" هناك, و قد كان نشاط الجماعة منحصر في الأعمال الدعوية و الندوات العلمية الفقهية و السياسية بالمسجد. و قد اعتقل الشيخ محجوب و غيره من مؤسسي الحزب اثر إغتيال السادات في أكتوبر 1981م, و أطلق سراحهم بعد عدة شهور قضوها في السجن. و استمر و انتعش نشاط الحزب في الاسكندرية من منتصف الثمانينات و حتى عام 1989م عندما لقى أحمد طارق مصرعه في حادث سير تعرضت له سيارته, و حدث نزاع حينئذ بين القيادات حول من سيخلف أحمد طارق كقائد عام للحزب. و كان الشيخ محجوب قد ابتعد عن أنشطة الحزب قبل مصرع أحمد طارق بسنوات. و تمخض الصراع على القيادة داخل الحزب إلى انقسام الحزب إلى جناحين: المجموعة الأولى- حملت اسم "حزب الله" و استمرت في العمل بنفس الطريقة, و إن كان غياب كاريزما أحمد طارق قد أضعفها, فضلا عن الضعف الذي أحدثه الانشقاق نفسه, و قد حدث بينها و بين تنظيم الجهاد تعاون دعوي بشكل غير مباشر منذ 1991م و حتى 1993م. المجموعة الثانية- انشقت عن الحزب نهائيا و انضمت لتنظيم الجهاد. و من أهم أدبيات الحزب كتابان:الأول عن "وجوب العمل الجماعي". و الثاني عن "العذر بالجهل" و يتضمن ترجيح كفر كل من ارتكب عملا كفريا و هو جاهل بكون هذا العمل من الكفر, و هم بذلك يختلفون في هذه المسألة مع الاخوان المسلمين و السلفية العلمية و السلفية التقليدية و الجماعة الاسلامية و أغلب تنظيم الجهاد, و يتفقون مع القطبيين و الشوقيين. و ظل "حزب الله" في أفضل أحواله لا يضم سوى بضع مئات من الأعضاء و ظل نشاطه محصورا في الاسكندرية و حدها, و لكنه بسبب علاقات تعاونية دعوية غير مباشرة نشأت بين الحزب و بين مجموعة تابعة لتنظيم الجهاد تم إعتقال عدد من قادته ضمن قضايا تنظيم الجهاد عام 1993م و ظلوا في السجن لعدة سنوات و بعدها خرجوا من السجن, و لكن أجهزة الأمن لم تسمح لهم بعد خروجهم بالقيام بأي نشاط و حتى الآن, كما أن أحدا من قادته لم يقم حتى الآن بكسر الحظر الأمني هذا.
9- الجماعة الاسلامية
كانت الجماعة الإسلامية قد تكونت كحركة طلابية في منتصف السبعينات من القرن الماضي داخل جامعة أسيوط مثلها مثل سائرالحركات الطلابية التي تكونت في كل جامعات مصر في هذه الفترة على أيدي مجموعة من الطلاب في جامعة أسيوط كان أبرزهم أبو العلا ماضي و محي الدين عيسى و صلاح هاشم و كرم زهدي و ناجح ابراهيم و رفاعي طه و أسامة حافظ, و في 1978م عرض الإخوان على كافة الجماعات الإسلامية بكافة الجامعات الإنضمام لجماعة الإخوان المسلمين فاستجاب البعض و رفض البعض و كان ممن استجاب و انضم للإخوان المسلمين أبو العلا ماضي و محي الدين عيسى و ممن رفض كرم زهدي و ناجح ابراهيم و رفاعي طه و صلاح هاشم و أسامة حافظ و معهم أغلبية الجماعة الاسلامية بجامعة أسيوط. و منذ أن عرض محمد عبدالسلام فرج عليهم فكر و استراتيجية الجهاد عام 1980م تبنت الجماعة الإسلامية بقيادة كرم زهدي استرتيجية جماعة الجهاد لكنها لم تتبلور عندها وسائل عسكرية تفصيلية لأنها لم تمتلك كوادر عسكرية ذات بال كي تخطط لها, فأكبر كادر عسكري في الجماعة الإسلامية هو مصطفى حمزة الذي اشتهر في الدنيا كلها و صدر ضده حكمين بالإعدام الغيابي في مصر, و هو الذي تولى قيادة الجناح العسكري للجماعة الإسلامية كما تولى قيادة الجماعة عدة فترات و هو الذي خطط لعملية إغتيال الرئيس مبارك في أديس بابا و هو الذي أعطى الأمر بالتنفيذ, ومصطفى حمزة هذا حاصل على بكالوريوس زراعة و كان ضابط إحتياط سابق في الجيش المصري برتبة ملازم!!!!. و فضلا عن هذا كله فإن مصطفى حمزة كان عضوا في تنظيم الجهاد ولم ينضم للجماعة الاسلامية إلا في السجن عام 1983م, عندما اختلفت الجماعة الاسلامية و الجهاد و قرر كل منهما العمل بمعزل عن الآخر كما بينا في الصفحات السابقة عند كلامنا عن جماعة الجهاد. و اشتهرت الجماعة الإسلامية باستعمال القوة في تغيير ما اعتبرته من المنكرات المخالفة لتعاليم الإسلام في المجتمع, مثل منع اختلاط النساء بالرجال و شرب الخمر و حفلات الموسيقى و الأفراح و المسرحيات أو عروض الأفلام و نحو ذلك, كما مارست نوعا من السيطرة في المدن و الريف كلما سنحت لها الفرصة فهاجمت شقق الدعارة و تجار المخدرات كما أرغموا النصابين على إرجاع الأموال لأصحابها كلما سنحت الفرصة لهم, و أثار ذلك حنق الحكومة عليهم لأن الحكومة شعرت أن هذا إلغاء لها و لسيطرتها على المجتمع لصالح اتساع نفوذ الجماعة الإسلامية, ووجهت للجماعة الاسلامية ضربات أمنية اجهاضية متتابعة. وقد وجه السلفيون و الإخوان و الجهاديون اللوم للجماعة الإسلامية بسبب هذه الممارسات لأسباب مختلفة. و بسبب أساليب الجماعة الاسلامية هذه فقد قامت بالآلاف من الأحداث المسلحة أو شبه المسلحة الصغيرة و الكبيرة على حد سواء و كان أشهرها الصدامات مع قوات الشرطة في مناسبات مختلفة في الصعيد بدءا من عام 1986م و حتى 1997م, و شملت هذه الأعمال مهاجمة أفراد و قيادات شرطية و سائحين بأسلحة بيضاء أو أسلحة نارية, كما اصطدموا بقوات الشرطة في حي عين شمس بالقاهرة عام 1988م, و كذلك في حي امبابة بمحافظة الجيزة أعوام 1990م و 1992م, كما حاولوا تفجير سيارة ملغومة يقودها أحد أعضاء الجماعة في موكب وزير الداخلية آنذاك زكي بدر بالقاهرة و لكن المتفجرات لم تنفجر لوجود عدد من الأعطال الفنية بها (1990م), كما إغتالوا عدد من كبار ضباط مباحث أمن الدولة بالقاهرة و الصعيد و لكن الأغلبية كانت في الصعيد مركز ثقل الجماعة, كما شنوا في عام 1994م حملة ضد عدد من البنوك بالقاهرة و الجيزة عبر بث شحنات ناسفة ضعيفة أمام هذه البنوك لترهيب الناس من التعامل معها, و في عام 1995م حاولت مجموعة من أعضاء الجماعة الاسلامية إغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا عاصمة أثيوبيا أثناء توجهه لحضور إجتماع القمة الإفريقية لكن العملية فشلت بسبب أن الرئيس كان يستقل سيارته المصفحة بينما استخدم المهاجمون في العملية بنادق الكلاشنكوف فقط و لم يستخدموا أي أسلحة مضادة للدروع. لكن حملتهم الأعنف و الأعلى صوتا كانت ضد السائحين في مختلف محافظات مصر, و كان آخرها عملية معبد حتشبسوت بالأقصر عام 1997م و كما كانت هي الأخيرة فقد كانت هي الأعنف حيث قتل فيها 58 سائحا أجنبيا. و قد أطلقت الجماعة الإسلامية ما أسمته مبادرة وقف العنف عام 1997م, و ترتب عليها أن تراجعت الجماعة الإسلامية عن فكرها السابق و صارت تؤيد الحكومة بشكل أو بأخر كما أصدرت عشرات الكتب ترد فيها على أطروحاتها الفكرية السابقة التي كانت تؤيد العمل المسلح ضد الحكومة, و صارت الجماعة الإسلامية تعلن أنها أصبحت جماعة دعوية فقط لكن منتقديها إعتبروا أن طرحها الجديد يجر شباب الحركات الإسلامية بعيدا عن العمل السياسي مما يعطل و يضعف الحركات الإسلامية ذات التوجه السياسي و اعتبر هؤلاء المنتقدون أن هذا في حد ذاته هو عمل سياسي بامتياز يصب في مصلحة الحكومة. و رغم كل هذا الجدل فإن من يتابع موقع الجماعة الإسلامية على الإنترنت سيجد أنه مملوء بالمقالات السياسية ليست من باب التحليل و متابعة الأحداث فقط بل و أيضا من باب تبنى مواقف سياسية محددة من قضايا الساعة المحلية و الدولية, و اعتادت الجماعة أن تصدر بيانات تحدد فيها موقفها من أحد قضايا الساعة من حين لأخر و كثيرا ما تبرز صحف الحكومة مثل هذه البيانات نظرا لأنها تخدم غالبا المواقف الحكومية و لو بطريقة غير مباشرة.
10- حزب التحرير
أسس حزب التحرير تقي الدين إبراهيم النبهاني، الذي ولد بقرية "إجزم" من قرى حيفا بفلسطين سنة 1909م, و قد تنقل بين الأردن وسوريا ولبنان إلى أن كانت وفاته في بيروت أواخر عام 1977. تلقى النبهاني دراسته الابتدائية في مدرسة القرية, ثم غادر إلى مصر للدراسة في الجامع الأزهر فأتم دراسته به, وحصل على الشهادة العالمية, ثم انتسب إلى دار العلوم في القاهرة وبعد أن حصل على شهادة دار العلوم عاد إلى فلسطين. عمل النبهاني مدرسا في حيفا بالخليل, ثم التحق بسلك القضاء الشرعي, وتدرج في الوظائف حتى عام 1948 حين غادر فلسطين إبان النكبة إلى بيروت حيث استقرت أسرته.وعلى إثر إلحاق الضفة الغربية بالمملكة الأردنية عام 1950 عين النبهاني عضوا في محكمة الاستئناف الشرعية في بيت المقدس, ثم استقال من عمله في سلك القضاء الشرعي وعمل مدرسا في الكلية الإسلامية بعمان.واستقال النبهاني من منصبه وتفرغ لقيادة حزب تحرير الذي أسسه عام 1953. و يعرف حزب التحرير نفسه في نشرة بتاريخ 26/6/1970 تحت عنوان "جواب سؤال": "إن حزب التحرير وهو حزب إسلامي من حيث مبدئه، ليس حزبا إسلاميا كالتكتّلات الإسلامية، فهو لا يعلّم الناس الإسلام ولا يدعو المسلمين للإسلام، ولا يعظ الناس بالإسلام، فالإسلام مبدؤه وليس عمله، والإسلام أساسه وليس صفته، فهو يتولّى السلطة حين يتاح له أن يتولاَّها ليرعى شؤون الناس فعلا، ويحاسب السلطة في جميع الأحيان سواء أكان في الحكم أو خارج الحكم، فعمله كلّه محصورٌ بالسياسة، إمّا عمليّاً بمباشرتها وإمّا نظريًّا بمحاسبة الحكّام على أساس الإسلام". وجاء في التعريف بالحزب في كتاب "مفاهيم حزب التحرير": "يجب أن تكون الكتلة التي تحمل الدعوة الإسلامية كتلة سياسية، ولا يجوز أن تكون كتلة روحية، ولا كتلة أخلاقية، ولا كتلة علمية، ولا كتلة تعليمية، ولا شيئا من ذلك ولا ما يشبهه، بل يجب أن تكون كتلة سياسية، ومن هنا كان حزب التحرير - وهو حزب إسلامي - حزبا سياسيا، يشتغل بالسياسة، ويعمل بها لأنه يثقّف الأمة ثقافة إسلامية تبرز فيها الناحية السياسية" وفي موقعه على الانترنت حدد حزب التحرير أهدافه, في عدة نقاط هي: أ ـ استئناف الحياة الإسلامية، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم. وهذه الغاية تعني ـ بالنسبة لحزب التحرير ـ إعادة المسلمين إلى العيش عيشاً إسلامياً في دار إسلام، وفي مجتمع إسلامي. ب ـ والحزب يهدف إلى إنهاض الأمة النهضة الصحيحة، بالفكر المستنير، ويسعى إلى أن يعيدها إلى سابق عزّها ومجدها، بحيث تنتزع زمام المبادرة من الدول والأمم والشعوب، وتعود الدولة الأولى في العالم، كما كانت في السابق، تسوسه وفق أحكام الإسلام. ج ـ كما يهدف إلى هداية البشرية، وإلى قيادة الأمة للصراع مع الكفر وأنظمته وأفكاره، حتى يعم الإسلام الأرض. و يلاحظ أن الحزب يربط كل شئ بقيام الدولة الاسلامية التي هي دولة الخلافة و لا يرى أن هناك مجال للعمل الاسلامي الشامل إلا من خلالها فعلى سبيل المثال يقول الحزب في نشرة "جواب سؤال" التي صدرت بتاريخ 13/3/1976م: "ولهذا فإن الجمعيات الخيرية كلها، سواء أكانت لبناء المساجد، أو لتعليم الناس، أو لإطعام الفقراء، أو ما شابه ذلك، فهو حرام، ولا يجوز، لأن الشارع قد حصر رعاية الشؤون في الدولة,..., ويجب أن يفرق بين فعل الخيرات التي أمر الإسلام بها، وبين رعاية الشؤون في فعل الخيرات، ففعل الخيرات جائز ويثاب عليه، أما رعاية الشؤون فلا يحل لمسلم أن يقوم بها، وتعاقب الدولة كل من يقوم بها، لأنه اعتدى على صلاحياتها، فضلا عن أنه فعل فعلا حراما". ومنهج التغيير في رؤية حزب التحرير يتلخص في أن المسلمين اليوم, يعيشون في دار كفر، لأنهم يُحكمون بغير ما أنزل الله, ومن ثم فإن دارهم تشبه مكة حين بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك يجب أن النمط المكي في حمل الدعوة هو أسلوب العمل لأن من تتبع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة حتى أقام الدولة في المدينة تبين انه مرّ في مراحل بارزة المعالم، كان يقوم فيها بأعمال معينة بارزة.. فأخذ الحزب من ذلك طريقته. وبناء على ذلك حددّ الحزب طريقة سيرة بثلاث مراحل: المرحلة الأولى: مرحلة التثقيف لإيجاد أشخاص مؤمنين بفكرة الحزب وطريقته لتكوين الكتلة الحزبية. المرحلة الثانية: مرحلة التفاعل مع الأمة، لتحميلها الإسلام، حتى تتخذه قضية لها، كي تعمل على إيجاده في واقع الحياة. وتمثل هاتان المرحلتان العهد المكي من تاريخ الدعوة الإسلامية. الثالثة: مرحلة استلام الحكم، وتطبيق الإسلام تطبيقاً عاماً شاملاً، وحمله رسالة إلى العالم. و تتم المرحلة الأخيرة و هي إستلام الحكم عبر ما يسميه الحزب بطلب النصرة حيث يطلب الحزب النصرة من أحد القوى التي تمسك بزمام الحكم أو التي تملك قوة تمكنها من حيازة الحكم, و باستجابة هذه القوة و تسليمها الحكم للحزب يكون الحزب قد وصل لغايته من إقامة دولة الخلافة. و حزب التحرير "لا يقبل التعاون مع (الحكام) لإيجاد إصلاح اقتصادي أو تعليمي أو اجتماعي أو خلقي لأنه يرى في ذلك إعانة للظالمين وتثبيت لهم وإطالة لعمر أنظمتهم الفاسدة والكافرة (حسب رأي الحزب) بل يعمل الحزب على قلعهم وقلع أنظمة الكفر التي يطبقونها على المسلمين,لأن الحزب يرى أنه من الواجب "تطبيق جميع ما أنزل الله, وأخذ جميع ما جاء به الرسول, ولا يجوز تطبيق بعضها وترك البعض الآخر, كما لا يجوز تطبيقها بالتدرج لأننا ملزمون بجميعها, ويجب أن يكون تطبيقها كاملا ودفعة واحدة". ويعتبر حزب التحرير أن من أهم الصعوبات التي تواجهه في التفاعل مع الأمة وتحقيق أهدافه "وجود الواقعيين في الأمة, وهي تلك الفئة التي تدعو إلى الواقع والرضا بالواقع والتسليم به كأمر حتمي لأنها تتخذ الواقع مصدر تفكيرها وتأخذ منه حلول مشاكلها". و مع ذلك لا يرى الحزب حمل السلاح ضد الحكام الذين لا يحكمون بالشريعة لأنه يرى أن وجوب إشهار السلاح على الحاكم ومقاتلته إذا أظهر الكفر البواح إنما يكون إذا كانت الدار دار إسلام, وكانت أحكام الإسلام هي المطبقة ثم ظهر من الحاكم الحكم بالكفر البواح. أما إذا كانت الدار دار كفر وكانت أحكام الإسلام غير موضوعة موضع التطبيق (كما هو الحال الآن حسب رأي الحزب) فان إزالة الحاكم الذي يحكم المسلمين بها تكون عن طريق طلب النصرة إتباعا للرسول صلى الله عليه وسلم في سيرته لإقامة دولة الإسلام وتطبيق أحكامه. ومن الواضح حسب آراء بعض منتقدي الحزب أن الحزب حدد مهمته فقط في نشر الأفكار دون تطبيقها، فتطبيق الأفكار موكول إلى الدولة التي يزمع الحزب إقامتها...من هنا لا يرى الحزب القيام بأي عمل من أعمال الدعوة إلى الصلاة والصيام و الاستقامة الخلقية لأن ذلك من مهام الدولة الإسلامية التي لم تقم. فالحزب يقفز من مرحلة التكوين إلى الخلافة بينما يفتقد مرحلة التربية والعبادة وهو الهدف الذي تفرغ له النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشر سنة في بناءه للمجتمع الجديد. و لقد أطلنا في شرح أفكار الحزب لأن أفكاره غير مشهورة في مصر بسبب قلة أعضائه و ضعف نشاطهم بعكس دول أخرى كالأردن و فلسطين و أوروبا التي للحزب فيها نشاط ملحوظ إلى حد كبير. و كانت وسائل الاعلام في مصر نسبت حركة الفنية العسكرية خطأ لحزب التحرير. و لم يظهر أي وجود للحزب في مصر إلا عندما أعلنت أجهزة الأمن في مارس 1984 عن تقديم 32 شخصا من المنتمين إلى الحزب إلى التحقيق بتهمة محاولة قلب نظام الحكم, و لكن سرعان ما حفظت هذه التحقيقات و أفرج عن جميع المتهمين, و كان مسؤول الحزب وقتها هو المهندس علاء الزناتي. وفي 8/5/2002 ألقت الأجهزة الأمنية المصرية القبض على 54 عضوا من الحزب - بينهم أربعة بريطانيين – و تم تقديمهم للمحاكمة العسكرية بسبب ما زعم عن نشاطهم في إطار الحزب, و صدرت ضدهم أحكام متباينة بالسجن, و كان مسئول الحزب في مصر في ذلك الوقت هو الأستاذ أحمد جدامي. و من خلال لقاءاتنا بمسؤول الحزب في مصر و عدد من أعضائه يمكننا القول بأن نشاط الحزب في مصر محدود و عدد أعضائه يقدرون بالعشرات على أقصى تقدير.
11- تيار التوقف و التبين
وأهم مجموعاته "الناجون من النار"
ربما ترجع أول نشأة لفكرة التوقف في الحكم على المسلمين بكفر أو اسلام الى نشأة جماعة القطبيين عام 1965م, حيث ظل القطبيون يتبنون هذه الفكرة منذ نشأتهم و حتى 1981م عندما قرروا التخلي عنها كما أشرنا لذلك سابقا, و الفكرة كانت تقوم لدى القطبيين على التوقف عن الحكم للمسلمين المعاصرين بكفر أو اسلام الى أن يتبينوا حقيقة معتقداتهم. و كان القطبيون لا يشترطون في المسلم أن ينضم لجماعتهم ليحكموا له بالاسلام انما كانوا فقط يشترطون أن يدين بنفس معتقداتهم التي هي في أغلبها معتقدات الاسلام الصحيحة عدا بعض الجزئيات التي تخالف أصول الاسلام أو اختلف فيها العلماء كعدم العذر بالجهل في العقائد و التشدد في مسألة التحاكم للقوانين الوضعية التي تخالف الاسلام أو لا تخالفه دون مراعاة العوارض و الأعذار التي قد تكره المسلم على شئ من ذلك, لكن في منتصف السبعينات ظهرت مجموعات كثيرة مختلفة تتبنى فكرة التوقف لكن أدخلوا عليها تعديلات جوهرية أهمها أن الحد الأدنى للاسلام لم يعد هو عقيدة الاسلام حسب فهمهم كما عند القطبيين لكنه صار هو ذلك بالاضافة للانضمام لجماعتهم و السمع و الطاعة لأميرها في كل صغيرة و كبيرة كما تبنت بعض هذه الجماعات فكرة الانقلاب المسلح لاقامة دولة الاسلام و سعوا للتسلح و التدرب على السلاح, و لكن حتى منتصف الثمانينيات لم يقوموا بأي عمل مسلح ضد الحكومة أو المجتمع. و لكن في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين تخلى الطبيب الشاب مجدي الصفتي عن انتمائه لفكر تنظيم الجهاد و تبنى فكر التوقف و التبين, و سرعان ما كون جماعة خاصة به مزج فيها بين فكر الجهاد في العمل المسلح و بين عقيدة جماعات التوقف و التبين المنتشرة, وقرر أن الطريق الأقصر لنشر فكر التوقف و التبين بين الحركات الاسلامية هو اثبات أن معتنقي هذا الفكر هم أهل جهاد و عمل و ليس أهل كلام فقط كما كان يرميهم خصومهم خاصة من تنظيم الجهاد المصري الذي كان يصم جماعات التوقف بأنها لا هم لها سوى تكفير الناس دون القيام بأي عمل اسلامي فعلي, و هذا الاثبات الذي عزم مجدي الصفتي على القيام به دفعه لتأسيس منظمة جديدة أطلق عليها اسم "الناجون من النار" وضم اليها مجموعة من الأشخاص من معتنقي فكر التوقف و التبين الذين وافقوا على فكرته في وجوب القيام بتحرك مسلح لاثبات أن فكرهم ليس كلام فقط و انما هو كلام و عمل و جهاد أيضا, و كان من بين بعض من انضموا له في منظمته الجديدة متعاطفون سابقون مع تنظيم الجهاد, و ساعد ذلك كله علي مضي مجدي الصفتي في طريقه الذي رسمه لنفسه و الذي تأثر فيه بانتمائه السابق لتنظيم الجهاد و بحمله بين جنبيه ثأرا سابقا خاص بمرارات التعذيب الذي تعرض له العديد من قادة و أعضاء تنظيم الجهاد عندما كان يقود وزارة الداخلية كل من اللواء النبوي اسماعيل كوزير و اللواء حسن أبوباشا كمدير لجهاز مباحث أمن الدولة ثم كوزير للداخلية, و لذلك قام تنظيم "الناجون من النار" بثلاث عمليات مسلحة حاولوا في أولاهما اغتيال حسن أبو باشا لكنه نجا بأعجوبة فلم يمت و أصيب بجراح خطيرة, وكانت المحاولة الثانية محاولة اغتيال نبوي اسماعيل أما محاولتهم الأخيرة فقد كانت من نصيب الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد المقرب من الحكومة, و قد نجا مكرم و النبوي اسماعيل دون جراح من هاتين المحاولتين, و كانت كل هذه المحاولات في صيف 1987م. و بسجن قادة المنظمة و أغلب قادتها تفككت و انتهى أمرها و لم يعد لها وجود رغم استمرار هروب مجدي الصفتي لست سنوات متصلة قبل أن يلقى القبض عليه عام 1993م و يسجن مع رفاقه الذين تحول أغلبهم عن فكر التوقف إلى فكر "السلفية الحركية". و لكن على كل حال فتيار التوقف و التبين مازال موجودا في واقع الحركات الاسلامية المعاصرة في مصر لكنه لا يتبنى العمل المسلح كما كان حاله قبل ظهور "جماعة الناجون من النار", بل إن هذا الفكر ظل موجودا وقت ظهور "جماعة الناجون من النار" لأنه لم ينضم لها من حاملي هذا الفكر سوى العشرات فقط, بينما ظل الباقون على حالتهم من تبني الفكر العقيدي المتشدد دون أن يقرنوه بحمل السلاح. و المتبنون لفكر التوقف و التبين في مصر يتراوح عددهم ما بين ألف و ألفين شخص على أقصى تقدير.
12- الشوقيون
شوقي الشيخ شخصية عرفتها وسائل الاعلام فيما عرف بأحداث قرية كحك بمركز أبشواي في محافظة الفيوم عام 1990م, ولم يكن شوقي مجرد مهندس مدني تتلمذ على الشيخ يوسف البدري في السبعينات أيام كان يدرس الهندسة في جامعة حلوان فقد كان لشوقي ميول أخرى اختلفت عن شيخه البدري, فشوقي الذي تحدر من أسرة كبيرة و معروفة في أبشواي قد تعرف على طارق الزمر في منطقة الهرم و انضم عن طريقه لتنظيم الجهاد, وظل شوقي على ولائه لتنظيم الجهاد حتى بعدما دخل السجن في سبتمبر 1981 و خرج منه بعد اغتيال السادات بشهور عديدة, تردد شوقي في منتصف الثمانينات على منطقة الهرم لعله يظفر بخيط يوصله مجددا لتنظيم الجهاد لكنه لم ينجح فانضم لتنظيم جهادي آخر عرف في عام 1986م بأنه محاولة لاعادة تأسيس تنظيم الجهاد, لكن التنظيم انكشف للأمن و دخل أقطابه السجن و أصبح شوقي الشيخ نزيلا في سجن استقبال طرة, و في السجن تعرف على بعض دعاة و أقطاب مجموعات التوقف و التبين و دار بينه و بينهم نقاش متكرر نتج عنه أن تخلى شوقي الشيخ عن عقيدة تنظيم الجهاد و تبنى عقيدة جديدة اشتقها هو بنفسه من عقائد مجموعات التوقف و التبين, و هي عبارة عن عقيدتهم كاملة لكنه أدخل عليها تعديلا مفاده أنه مادام أمر التوقف هذا بدعة فانه عليه الا يتوقف بل يبادر بالحكم بكفر من خالف عقيدته دون توقف و بعدها لو اعتنق عقيدته فانه يدخل الاسلام من جديد. صحيح أنه لم يصلنا عبر كتب العقيدة و لا كتب تاريخ و عقائد الفرق الاسلامية فكرة التوقف و التبين كأحد عناصر العقيدة الاسلامية لكنه ليس صحيحا أن عدم التوقف يعني التكفير حتى نتبين, فالعقيدة الاسلامية الصحيحة ليس فيها التوقف و ليس فيها تكفير المخالف لمجرد المخالفة بل لابد من توفر شروط الكفر و امتناع الموانع التي تمنع تنزيل حكم الكفر على شخص ما وفق لقواعد العقيدة و أصول الفقه التي يعرفها و يجيدها علماء الدين المتخصصون. لكن شوقي الشيخ (رحمه الله) لم يكن مستوعبا لهذه المفاهيم الصحيحة فكان تربة خصبة للشطط الفكري. و لم تكمن خطورة شوقي الشيخ (رحمه الله) في شططه الفكري فقط بل ان خطورته الأكبر تمثلت في قدرته على التأثير خاصة في مجال الحيز الجغرافي الذي كان يعيش و ينشط فيه و هو مركز أبشواي و القرى المحيطة به, لقد كان شوقي الشيخ زعيما حركياويتمتع بكاريزما حتى أنه نجح في تجنيد مايزيد على الألف شاب للفكر الجديد الذي كان شوقي الشيخ نفسه أنجح مروج له. و لقد مزج شوقي بين فكرة حمل السلاح ضد الحكومة التي تعلمها أيام عضويته لتنظيم الجهاد, و بين فكرة تكفير من ليس معه, و أدى ذلك لتسلحه هو و العديد من أتباعه و قيامهم بالعديد من الأعمال المسلحة التي سرعان ما أفضت لمواجهة واسعة بينهم و بين الشرطة اثر قتل شوقي الشيخ لخفير نظامي و استيلائه على سلاحه الحكومي. لقد قتل شوقي الشيخ في هذه المواجهات في قرية كحك بأبشواي في الفيوم عام 1990م, و كأن شوقي كان هو الصمام لعنف الشوقيين اذ اندلع بعد موته عنف الشوقيين بأشد ما يكون و زاد من عنفهم ان بعض قادة الجهاد مثل نزيه نصحي راشد قد رأوا أن تسليح الشوقيين بالقنابل اليدوية أمر مفيد لاستنزاف قوة الحكومة و بالتالي فقد أمدوا الشوقيين بكل القنابل التي استعملوها في صراعهم المسلح ضد الشرطة طوال الفترة الممتدة من عام 1990م و حتى 1994م عندما التأم شمل أغلب قادة الشوقيين و أعضائهم داخل السجون ليخرجوا منها عام 2006م اثر فوز الاخوان المسلمين بـ 20% من مقاعد مجلس الشعب المصري فيما فسره البعض بأنه محاولة حكومية للتقليل من المد الشعبي للاخوان باطلاق دعوات التكفير التي تدعو لاعتزال المجتمع و مقاطعة الانتخابات على جميع مستواياتها. و قد إرتكب الشوقيون العديد من الأعمال المسلحة ضد الشرطة و المتعاونين معها و لكن أكثر أعمالهم كانت السطو المسلح على محلات ذهب مملوكة لمسيحيين, و كانوا يبيعون الذهب المسروق غالبا لتجار مسيحيين أيضا ، ممن يتعاملون في الذهب المسروق بأقل من ثمنه ثم يشترون به سلاح كما ينفقون منه على معيشتهم حيث كانوا هاربين من الأجهزة الأمنية و يعيشون متخفيين. و كانت معظم اشتبكاتهم مع الشرطة تحدث عندما تحاصر الشرطة مجموعة منهم و تحاول القبض عليهم, و اتسمت هذه الإشتباكات بشراسة منقطعة النظير مستخدمين الأسلحة الألية و القنابل اليدوية. و بإستثناء عمليات مهاجمة محلات الذهب لم يمارس الشوقيون عملا مسلحا مقصودا و منظما إلا مرتين: الأولى- كانت إغتيالهم للمقدم أحمد علاء رئيس قسم مكافحة النشاط الديني بمباحث أمن الدولة فرع الفيوم (1991م) عندما نصبوا له كمينا أمام مكتبه بالفيوم و أطلق عليه اثنان النار من سلاح آلي فأردوه مدرجا في دمائه داخل سيارته و لاذ المسلحان بالفرار على دراجة نارية, و كان المقدم احمد علاء قد اتهمه عديدون بأنه جرد زوجة أحد قادة الشوقيين من ملابسها و أجبرها على السير شبه عارية عبر شوارع قريتها لأكثر من ساعة بسبب رفضها الإدلاء بمعلومات عن مكان هروب زوجها الهارب. الحادث الثاني- عندما نصبت مجموعة مسلحة من الشوقيين كمينا في عام 1992 على أحد الطرق بالقاهرة لسيارة مأمور سجن إستقبال طرة المقدم محمد عوض الذي كان متهما من الاسلاميين بتعذيب معتقلي تنظيم الجهاد, و قد نجا محمد عوض من الكمين بأعجوبة بينما تهشم زجاج سيارته من سيل الرصاص الذي انهمر عليه و لاذت مجموعة الشوقيين المسلحة بالفرار بسيارتهم البيجو. و هناك رافد آخر من روافد تيار الشوقيين و هو رافد هام جدا أسسه رائد الشرطة السابق حلمي هاشم, و لم يلتق حلمي هاشم بشوقي الشيخ رغم أن حلمي كان عضوا في تنظيم الجهاد قبل اغتيال السادات مثله في ذلك مثل شوقي الشيخ لكن نظرا لأن حلمي كان ضابط شرطة برتبة رائد قبيل القبض عليه عام 1982م فانه تم تجنيده عبر ضابط جيش كان عضوا في تنظيم الجهاد اسمه (ع – ش) و بالتالي لم يكن شوقي و حلمي يعرفان بعضهما البعض. ظل حلمي هاشم قريبا من فكر الجهاد في معظم عقد الثمنينات عندما اعتقل في أواخر الثمانينات و التقى في السجن بمجموعة من سوهاج تعتنق نفس فكر شوقي الشيخ دون أن تكون على صلة مباشرة به و أقنعت هذه المجموعة حلمي بهذا الفكر, و عندما خرج حلمي من السجن أنشأ مكتبة لبيع الكتب الاسلامية و ألف أكثر من عشرة كتيبات صغيرة تشرح أفكاره الجديدة التي ظهر أنها لا تختلف في شئ مع أفكار شوقي الشيخ و انتشرت هذه الكتيبات في أوائل التسعينات بشكل كبير و قد وضع عليها اسما حركيا للمؤلف هو "شاكر نعمة الله". و قد كان لكتب حلمي هاشم ثلاثة آثار هامة هي: الأول- انتشار هذا الفكر نسبيا عبر استخدام حلمي لهذه الكتب للدعوة لهذا الفكر من خلال مكتبته الاسلامية التي أسسها لهذا الغرض و أطلق عليه كنية زوجته فصار اسم المكتبة "مكتبة أم البنين". الثاني- أصبح للشوقيين منهجا فكريا مكتوبا و منشورا بعدما كان فكرهم مجرد دروس شفهية ألقاها شوقي الشيخ و سجلها اتباعه على شرائط كاسيت و كتبوا بعضها بخط اليد, و ذلك النشر اعطاهم دفعة معنوية و عملية في مجال نشر فكرهم و الدعوة اليه في كل مكان. الثالث- كان لخبرة حلمي هاشم السابقة في تنظيم الجهاد تأثيرها في قدرة كتبه على اقناع مئات من أعضاء تنظيم الجهاد بفكر الشوقيين و تحولهم من تنظيم الجهاد إلى تنظيمات جديدة تتبنى فكر الشوقيين بصياغة حلمي هاشم و تتبنى المسلك المسلح كأحد الرواسب التي ورثوها من انتمائهم السابق لتنظيم الجهاد. و على كل حال فلم ينحصر دور حلمي هاشم في صياغة و نشر فكر شوقي الشيخ الذي مات دون أن يراه حلمي و لو مرة واحدة, و لكن كان لحلمي بصمة هامة في هذا التيار و هو تكوينه مجموعات عديدة تابعة له شخصيا نبذت لفترة طويلة مسلك حمل السلاح و أقنع حلمي الأجهزة الأمنية بأن منظمته لا تنوي حمل السلاح بعكس منظمة الشوقيين و بالتالي أفسحت الأجهزة الأمنية له مجال الدعوة و امتنعت عن اعتقال أتباعه بل كلما تم اعتقال احد اتباعه على سبيل الخطأ سرعان ما يتم الافراج عنه بمجرد ثبوت تبعيته لحلمي هاشم, و قد استغل حلمي عنف الشوقيين البالغ الحدة ليوصل للأجهزة الأمنية رسالة مفادها أنه من المهم وجود التيار الذي يمثله كي يحتوى الشباب و يمنعهم من الانضمام للشوقيين و كي يستقطب ما يمكنه من المجموعات التابعة لهم, و لكن سرعان ما انتهى شهر العسل بين حلمي و أجهزة الأمن في نهايات عام 1998م اثر اكتشافها أن عددا من أتباعه لديهم كمية من الأسلحة المتطورة, و حينئذ جرى اعتقال حلمي و العديد من اتباعه دون ارتكاب أي أعمال عنف من قبلهم, و مازال حلمي بالسجن حتى الآن. و في الواقع فإن تيار الشوقيين يوجد له ما يناظره فكريا أو على الأقل يشبهه في بعض الدول خاصة في دول المغرب العربي و افريقيا, بينما يندر وجود هذا التيار في دول الجزيرة العربية (دول مجلس التعاون الخليجي و اليمن) .
13- الدعاة المستقلون
ظهر في الفترة الأخيرة العديد من الدعاة المؤثرين ذوى الشعبية الواسعة, و ساعد على لمعان هؤلاء الدعاة وجود وسائل الاتصال الجديدة كالفضائيات و الانترنت و الـ CDs بالاضافة للوسيلة القديمة التي مازالت فعالة في مصر و هي شرائط الكاسيت, و اعتبر البعض أن ظهور هؤلاء الدعاة هو ظاهرة جديدة على واقع الحركة الاسلامية الحديثة, حتى ظن البعض أن ظهور هؤلاء الدعاة مؤذن بزوال الجماعات الاسلامية المختلفة و أن هؤلاء الدعاة الجدد سيسحبون البساط من تحت أقدام الحركة الاسلامية بمختلف فصائلها. لكن حقائق التاريخ القريب تشير إلى ضحالة هذا الرأي الذي يرى أن الدعاة المستقلين عن الجماعات الاسلامية هم ظاهرة جديدة على الحركة الاسلامية المعاصرة في مصر, ذلك لأنه في الماضي القريب كان الدعاة المستقلون موجودون بشكل بارز و معتاد في الساحة المصرية بل إن أشهر خطيب في العالم الاسلامي في العصر الحديث هو الشيخ عبدالحميد كشك و قد كان داعية مستقلا و لم يكن عضوا في أي جماعة اسلامية, فوجود دعاة مشهورين مستقلين عن كل الجماعات الاسلامية أمر معروف و هو من ثوابت تاريخ الحركة الاسلامية المصرية في العصر الحديث لكن الذين يحبون أن يوصفوا بخبراء الحركة الاسلامية دون أن يبذلوا مجهودا كافيا في دراسة و فهم تاريخ و أفكار الحركة الاسلامية يشيعون أراءا غريبة ليس لها أي مستند علمي ليس من أجل شئ سوى أن لا يعلنوا الحقيقة الساطعة و هي أنهم لا يعلمون شيئا ذا بال عن الحركة الاسلامية و إنما يبنون أراءهم على مجرد تخيلات بعيدة كل البعد عن الواقع أو الموضوعية العلمية. لقد شهدت الحركة الاسلامية في كل مراحلها ظاهرة الدعاة المستقلين عن الجماعات الاسلامية, و كان كثير منهم عمالقة لا يمكن أن يطاولهم أكثر الدعاة المستقلين الموجودين الآن, فمن الآن في مثل حجم الشيخ أحمد المحلاوي الذي ناصب السادات العداء في السبعينات حتى هاجمه السادات في خطبه الأخيرة و اعتقله؟ و قد خرج أكثر من مليون متظاهر في الاسكندرية محتجين ضد اعتقال الشيخ أحمد المحلاوي في سبتمبر 1981م. و من الآن من الدعاة المستقلين في حجم الشيخ العلامة محمد الغزالي؟و قد كان أيضا مستقلا عن الجماعات رغم قربه الفكري من الاخوان المسلمين. و من كالشيخ محمد الشعراوي؟ و من كالشيخ الدكتور عبدالرشيد صقر؟ و حتى على مستوى العالم العربي من الآن كالشيخ محمد ناصر الدين الألباني, الذي رغم أنه نظر تنظيرات عديدة تبناها السلفيون إلا أنه لم يكن ينتمي لأي جماعة, و مثله الكثيرون. و الشاهد من هذا الكلام كله أن ظاهرة ما يسمى بالدعاة الجدد ما هي إلا ما نسميه نحن بـ "الدعاة المستقلين" و هم دعاة يظهرون في كل زمان و مكان لا ينتمون للجماعات الاسلامية الموجودة تنظيميا و إن بدا أن بعضهم قريب من هذه الجماعة أو تلك على المستوى الفكري فقط و ليس التنظيمي, و لكن الذي أدى إلى زيادة لمعان نجم دعاة هذه الأيام المستقلين هو كما قلنا سابقا انتشار و زيادة دور القنوات الفضائية و افسحها الطريق أمام هؤلاء الدعاة للظهور و الانتشار, بالاضافة لشبكة الانترنت و الـ CDs , بجانب شرائط الكاسيت. فمن ثوابت واقع العمل الاسلامي وجود الجماعات الإسلامية بمختلف تياراتها بجانب العديد من الدعاة المستقلين ذوي الشعبية الكبيرة. و من ثوابت واقع هؤلاء الدعاة المستقلين هو قرب كل منهم فكريا فقط و ليس تنظيميا بدرجات متفاوتة من هذه الجماعة أو تلك من الجماعات القائمة على الساحة. و في الواقع فإن هؤلاء الدعاة المستقلون عددهم أكبر بكثير مما يظن الكثيرون فهم ليسوا فقط المشهورين في وسائل الاعلام بل يوجد العشرات من الأقل شهرة ممن يشتهرون عبر المساجد و شرائط الكاسيت و الانترنت كما يوجد المئات من المغمورين, و لكل منهم أتباعه و مريديه كل بقدره.
(إلى هنا انتهى الكتاب بحمد الله تعالى و توفيقه)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اقوم الآن بنقل هذه المدونة الى موقعي الجديد " الأمة اليوم " على الرابط التالي

http://moneep.alummah.today/

نقلت حتى الآن أغلب المحتوى الموجود هنا و مستمر في النقل حتى أنقل جميع المحتوى ان شاء الله تعالى .. و كل جديد سأكتبه سوف أنشره هناك و ليس هنا..


تعليقات