إغتيال مغنية و لعبة الأمم في المشرق العربى

عندما حدث انفجار الثلاثاء الماضى بحى (سوسة) الراقى في دمشق فقتل عماد مغنية القائد العسكرى الأهم و الأقدم بحزب الله تركزت تحليلات المراقبين وتقارير الصحفيين على كون العملية تصفية حساب قديم لإسرائيل و من ورائها الولايات المتحدة مع بن لادن الشيعة(الحاج عماد مغنية) على حد تعبيرهم بسبب عملياته بالغة التأثير ضد أهداف أمريكية و اسرائيلية و غربية على مدى أكثر من ربع قرن, لكن القراءة المتعمقة لهذا الحادث المهم و البارز تقود لملاحظات عديدة أكثر أهمية لا يمكن تجاهلها.لكن قبل كل شئ لا مفر من تفهم أبعاد شخصية عماد مغنية الحقيقية فعماد مغنية لم يكن مجرد قائد عسكرى ماهر و ناجح في حزب الله و لا حتى مجرد قائد كبير أو حتى أكبر القواد العسكريين بالحزب بل هو من أهم مؤسسى الجناح العسكرى و الأمنى بالحزب و من ثم ليس من المصادفات أنه هو الذى تولى نقل أسلحة فتح لحزب الله بعيد خروج فتح من بيروت, فهذه الخطوة لا تحمل فقط معناها الظاهرى الواقعى و ما يعنيه من إعطاء الحزب دفعة كبيرة تسليحيا و هو في بداية نشأته بل إنها أيضا تشير لمعنى أخر عميق و مهم يتمثل في كون عماد مغنية هو الذى تولى نقل خبرات أهم و أكفأ جهاز عسكرى و أمنى في فتح إلى منظمة أمل بقيادة نبيه برى أولا ثم أخذ هذه الخبرات بما صاحبها من تعديلات في التطبيق العملى في أمل و نقل ذلك كله إلى حزب الله, و طوره في داخل الحزب, فهل يعقل أن رجلا بكل هذه الخبرات اقتصر دوره على قيادة عملية هنا أو التخطيط لعملية هناك لاسيما أنه انتقل لحزب الله قادما من منظمة أمل في نفس الوقت الذى انتقل حسن نصر الله نفسه من أمل لحزب الله, فالرجل يكاد يكون من نفس طبقة حسن نصر الله الأمين العام الحالى لحزب الله من ناحية تاريخ انضمامه لحزب الله, فهل يمكننا أن نخمن الدور الحقيقى للقائد عماد مغنية في ضوء هذه المعلومات المحدودة المتاحة؟؟هل يمكننا اعتبار الأمين العام الحالى لحزب الله حسن نصر الله هو القائد السياسي للحزب بينما عماد مغنية هو القائد العسكرى الأول للحزب أفادت بعض المصادر اللبنانية المطلعة؟؟و نظرا لأننا نميل لهذه الفرضية فهل يمكننا القول بأن قتل عماد مغنية لم يأت انتقاما لعملياته ضد الأمريكيين و الفرنسيين في الثمانينات في لبنان, ثم عملياته ضد الإسرائلين بعد ذلك في الأرجنتين و غيرها بل جاء لأسباب أكبر من ذلك؟؟ وإذا كان الأمر هكذا فما هى هذه الأسباب الأكبر؟؟هل جاء اغتيال عماد مغنية باعتباره مؤسس القوة العسكرية لحزب الله تلك القوة التى كبدت إسرائيل خسائر فادحة في حرب 2006م و مرغت كرامة الجيش الإسرائيلى في الوحل؟؟ و هل تحاول إسرائيل بذلك أن تنتقم لشرفها العسكرى الذى جعله عماد مغنية في الحضيض بقيادته لقوات الحزب في حرب 2006م ضد اسرائيل؟؟ربما كان ذلك كله حاضرا في هذه العملية لكننا نرى أن الأمر أكبر من ذلك و أعمق بكثير إلى حد ما.فمنطقة الشرق الأوسط يدور بها صراع مرير بين محورين:المحور الأول- يضم إيران و سوريا و حزب الله و حماس و عدد من القوى السياسية الأصغر بالمنطقة.أما المحور الثاني- فيضم إسرائيل و أمريكا و حلفائهما في المنطقة.ولقد حقق المحور الأول (محور إيران) العديد من النقاط ضد المحور الثانى في الفترة الأخيرة من أول الهزيمة التى أوقعها حزب الله بإسرائيل في الحرب الأخيرة ثم انتصارات حماس السياسية المتعددة ثم نجاح حزب الله في عرقلة سيطرة حلفاء أمريكا على الحكم في لبنان و كذلك القدرة على التعايش مع الضغوط الأمريكية و الإسرائيلية على كل من ايران و سوريا و حزب الله و حماس, فضلا عن الفشل الوشيك للمشروع الأمريكى في كل من العراق و أفغانستان و استنزاف القوة الأمريكية عبرهما.و إزاء ذلك كله كان لزاما على الولايات المتحدة و اسرائيل أن تحاولا تسجيل نقاط لصالحهما على حساب ايران و أهم حلفائهما في المنطقة فجاء اغتيال مغنية كنقطة لصالح اسرائيل في هذه المباراة التى لم تنته بعد, و لا يعلم أحد نتيجتها اليقينية النهائية بعد. من ناحية أخرى فإن إغتيال عماد مغنية يأتى في الوقت الذى يرى فيه العديد من المحللين أن الولايات المتحدة و اسرائيل يعدان فيه لضربة عسكرية ما ضد ايران أو ضد منشئات إيران النووية فقط على الأقل, فهل يأتى اغتيال عماد مغنية في إطار الإعداد لضرب إيران لإضعاف قدرات حزب الله على الرد على تلك الضربة لا سيما و أن حسن نصر الله نفسه كان قد هدد أمريكا مؤخرا من عواقب توجيه ضربة لإيران؟؟كما نلاحظ وقوع هذا الإغتيال قبيل القمة العربية المزمعة في الشهر القادم ليوجه رسالة قوية لسوريا خاصة و العرب عامة قبيل انعقاد تلك القمة التى من المفترض أن تعقد في دمشق برئاسة سورية, و هذه الرسالة رسالة تحذير ووعيد بأن التحالف الأمريكى الصهيونى ما زال له يد طويلة بالمنطقة.كما حملت العملية رسالة أخرى لدعم و تشجيع لحلفاء اسرائيل و أمريكا بالمنطقة لئلا ينتابهم اليأس بسبب ما يشاهدونه من تراجع النفوذ الأمريكى و الإسرائيلى تحت وطأة ضربات معارضيه في فلسطين و العراق و أفغانستان. و إزاء ذلك كله يمكننا أن نأخذ بمحمل الجد ما ذكره بيان حزب الله الذى أعقب عملية اغتيال عماد مغنية و التى قال فيه "إن حربنا مع اسرائيل طويلة جدا".ترى ما هى المعركة القادمة في هذه الحرب؟؟ و ماذا تكون نتيجتها؟؟ و ما هو تأثيرها على نتيجة هذه الحرب بأكملها؟؟
عبدالمنعم منيب
هذا الموضوع فى المدونة القديمة , 2008-02-14 17:36

تعليقات