علاقة مجموعة من المحامين بالاعتقال السياسي و التاريخ السري لمجموعة ممن أطلق علي كل منهم "محامي الإسلاميين" .. ىمن مشاهد أيام الإعتقال(8)


لا يمكن الكلام عن الإعتقال دون الكلام عن دور عدد من المحامين سلبا وإيجابا مع المعتقلين و أسرهم.ولعل أفضل نقطة نبدأ بها هى ما إبتدعه أحد المحاميين في قضية تنظيم الجهاد عام 1982م من أنه من الخطأ أن يسمح المعتقلون الإسلاميون لمحامين ليبراليين و يساريين بالدفاع عنهم لأنهم يستغلون القضايا الإسلامية للترويج للفكر العلمانى ومن غير اللائق أن يرجوا لفكرهم عبر قضايانا, ونجح هذا المحامى الذى كان شابا وقتها في إقناع معظم قادة وأعضاء الجهاد والجماعة الإسلامية بهذه الفكرة وانتشر الترويج لها, كان هذا المحامى وقتها محسوبا على الإخوان المسلمين و كان نجمه في سماء المحاماة يصعد بسرعة في ساحة المحاكمات في القضايا الإسلامية بسبب إرتباط إسمه بالنجاح في إسقاط التهم في قضية تنظيم الجهاد عام1979م. وكان تنفيذ فكرته هذه يعنى سحب صلاحيات الدفاع من المحاميين المذكورين وهم نخبة متميزة من كبار المحامين المصريين المتخصصين في القضايا السياسية و أكثرهم مشتغل بالعمل السياسي أيضا وتحوليها لمحاميين إسلاميين, صحيح أن المحاميين الإسلاميين كان منهم أساتذة لا يقلون كفاءة عن غيرهم لكن كان عددهم قليل جدا إذا قارناهم بغيرهم.لقد كان التطبيق العملي لهذه النظرية يعنى تحويل أغلب مهام الدفاع إلى المحامى الشاب صاحب هذه النظرية لأن بقية المحاميين الإسلاميين وقتها كانوا جميعا من كبار السن الذين لا تساعدهم صحتهم كثيرا على القيام بأعباء الدفاع عن عدد كبير من المتهمين أو المعتقلين.كما كان المحامون الكبار من الإسلاميين و غير الإسلاميين لا يتقاضون مالا نظير الدفاع في هذه القضايا لكن المحامى الشاب المذكور طلب أتعابا لأنه في بداية حياته وليس معه ما ينفقه على القضية لكنه وعد أن لا يأخذ إلا تكلفة العمل فقط دون أى تربح وكان إخلاص المعتقلين لفكرته التى أقنعهم بها بشأن أسلمة هيئة الدفاع وراء موافقتهم على دفع بعض المال له رغم أنهم كانوا لا يدفعون شيئا للمحامين غير الإسلاميين, كما دفع بعضهم أكثر من بعض بإعتبار الثراء وعدمه على إعتبار أن الرجل لا يأخذ شيئا لنفسه و إنما كل المال يذهب للدفاع عن جميع الأخوة المعتقلين والمحامى المذكور إنما يعمل لوجه الله ثم لوجه القضية الإسلامية بشكل عام.فماذا كانت نتائج ذلك كله؟كانت أولى النتائج و أسرعها حدوثا أن هذا المحامى الشاب بعد أن كان مكتبه يشغل غرفة صغيرة في شقة أبيه ولم يكن لديه تليفون سوى تليفون أبيه إشترى شقة تمليك في مكان مرموق بأحد أكبر وأهم شوارع القاهرة لتصبح مكتبا له, كما إشترى سيارة جيدة ذات ثمن مرتفع نسبيا, حدث هذا خلال شهور من بدء محاكمات قضية الجهاد التى بدأت أواخر عام 1982م.كان من المنتظر أن يتربع المحامى المذكور على عرش الشهرة في التخصص في الدفاع عن قضايا الجماعة الإسلامية والجهاد في ذلك الحين بسبب نجاحه في الترويج لفكرته الإحتكارية هذه, كما كان متوقعا أن يزداد نفوذه في هذا المجال أيضا بسبب موت أو تقاعد أغلب المحاميين الإسلاميين الكبار كالمسمارى وعبدالله رشوان وعبدالله سليم وغيرهم, لكن الرياح جاءت بما لا تشتهى نفسه إذ تخرج عدد من أعضاء الجهاد من كليات الحقوق بعيد إنتهاء قضية الجهاد أواخر 1984م, وبدأوا يطبقون نفس نظريته عليه لكن بتعديل بسيط وهو أن قضايا الجهاد لا ينبغى أن نتركها لهذا المحامى الإخوان لأنه يستغلها لصالح الإخوان المسلمين ولصالح نفسه وذكروا وقتها معلومات تؤكد ذلك من وجهة نظرهم, ولايمكننى ذكرها الآن لكن الذى أؤكده أننى تحققت منها بنفسى فوجدت ما يخص إتهام الإخوان المسلمين غير صحيح أما ما يخص هذا المحامى من إتهامات فكان صحيحا.وساعد هؤلاء الأشخاص في الولوج لسلك المحاماة محامى شاب من جيل المحامى المذكور لكنه لم يكن محسوبا على أى من التيارات الإسلامية لكنه كان ملتحيا و محسوبا على الإسلاميين بشكل عام وعندما بدأت قضايا الجهاد في 1982م أظهر تعاطفه التام مع الجهاد وقضاياه ولم يتقاض حتى نهاية هذه القضايا في 1984م قرشا واحدا من أسر المعتقلين, وبذا أصبح هذا المحامى رائدا لهذا الجيل الذى عمل بنجاح على الإنفراد بقضايا تنظيم الجهاد المصرى والجماعة الإسلامية المصرية, كما كان رائدهم أيضا في إمساك العصا من الوسط إزاء كل من الجماعة الإسلامية والجهاد إذ تجد قادة الجهاد يحسبونهم أعضاءا في تنظيمهم و نفس الشئ إزاء نفس المحامين تجده من قادة الجماعة الإسلامية, و كل ذلك بشأن قادة الداخل والخارج مع كل المعانى التى تعنيها الكلمة خاصة بشأن قادة الخارج والذين يعنى رضاهم الكثير.و النجومية والمنافع التى حصل عليها هؤلاء أغرت طائفة من شباب الجماعة الإسلامية من خريجى كلية الحقوق بعد عام 1987م بإقتحام نفس مجال العمل, ووجدوا الأمر سهلا فكل ما عليهم عمله هو التقدم بتظلم من إعتقال أحد الأخوة أو عمل تصريح زيارة لأسرته والتحدث لوسائل الإعلام بشأن المعتقلين والتعذيب ومقابلة مندوبى المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان و نحو ذلك، بالإضافة للتقدم بقضايا التعويض عن تعذيب معتقل ما وتقاضى ربع التعويض المحكوم به أو ثلثه كأتعاب محاماة, وكلها أمور سهلة يقوم بها في الظروف الصحية وكيل محامى وليس محاميا, فقد كانت صيغة التظلم مكتوبة وما كان عليهم إلا تصويرها مع تغيير الإسم ونفس الشئ بشأن تصريح الزيارة و أنا شخصيا كان أبى رحمه الله يعمل لى التظلم وتصريح الزيارة قبل أن يتقدم في السن ولكن الأسر غير المتعلمة وكذا من هم من خارج القاهرة كان يصعب عليهم ذلك.أما قضايا التعويض فأيضا كانت العريضة الخاصة بها لها صيغة موحدة يتم نسخها من قضية لأخرى مع تغيير الأسماء, ورفع بعضهم مئات من قضايا التعويض بسبب كثافة الإعتقال الذى كان بالألوف.إن المحامى العادى في الظروف العادية يتدرب لدى محامى كبير لعدة سنوات بعيد تخرجه قبل أن يتمكن من تحمل مسؤلية الإضطلاع لوحده بمهام قضية جنايات واحدة, كما أنه يمر عليه أكثر من عشر سنوات بعد إضطلاعه بقضايا الجنايات حتى يصبح مشهورا شهرة واسعة, كما إنه ربما يشتهر ويعمل حتى سن التقاعد دون أن يجرى معه لقاء واحد في صحيفة أو أى وسيلة إعلام, أما بالنسبة لأصحابنا الذين نتكلم عنهم فكان الواحد منهم يتخرج ويجد نفسه محاميا في أشهر القضايا السياسية ويجد أضواء وسائل الإعلام المحلية والدولية تطارده في كل مكان لتسجل معه كل هذا قبل أن يأخذ القدر اللازم من الخبرة أوالتدريب, فكان العمل سهلا ومغريا, لاسيما أنه لم يكن هناك متاعب أمنية ذات بال كعواقب لهذا العمل.لكن ما مردود هذا على المعتقلين وعلى أسرهم؟عندما كانت أمور الإعتقال تسير بشكل روتينى حيث كانت أحكام القضاء بالإفراج عن المعتقلين تنفذ بشكل طبيعي كان الأمر عاديا بالنسبة للمعتقلين وكان أكثر من 97% من قرارت القضاة تأمر بالإفراج عن المعتقلين, لكن عندما تعقدت الأمور و صارت قرارات القضاء بالإفراج عن المعتقلين لا تنفذ كما صار عدد من القرارات القضائية يصدر بإستمرار الحبس لا الإفراج كما جرى التوسع في الإحالة للمحاكم العسكرية و محاكم أمن الدولة طوارئ, وأيضا تم منع زيارات أسر المعتقلين لأبنائهم في السجون بالمخالفة للقانون و تم منع المعتقلين من مواصلة دراستهم الجامعية...... إلى غير ذلك من الإجراءات التى سببت متاعب للمعتقلين وأسرهم, لما حدث ذلك كله صار المعتقلون وأسرهم بحاجة إلى مساندة قانونية حقيقية وفعالة من محاميين ذوى خبرة حقيقية وحينئذ إصطدم الجميع بالواقع المرير الذى ترسخ فى السنوات العشر السابقة على هذا التاريخ الذى نتكلم عنه. لقد كنت مقتنعا ومازلت أن محنة المعتقلين التى إستمرت أكثر من 15 عاما كان أحد أسبابها غياب أى مساندة قانونية حقيقية، لقد غاب كبار المحاميين اليساريين والليبراليين عن التطوع لهذه المهمة أو لنقل أنه غاب جيل الكبار من المحاميين من كل الإتجاهات الفكرية ولم يبق إلا الأجيال الجديدة الذين تكلمنا عنهم, ولم يمتلك المعتقلون وأسرهم الموارد الكافية لإستئجار محاميين كبار للدفاع عنهم وتخفيف وطأة التعذيب والتضييق والإضطهاد عنهم وعن أسرهم, وحتى الذين إمتلكوا الموارد اللازمة لإستئجار محاميين كبار وجدوا صدودا من أكثرهم بسبب تعقد مشكلة المعتقلين الإسلاميين وشدة القبضة الأمنية, وكما أن المحاميين الكبار الذين تدخلوا وجدوا أن المشكلة أكبر من مجهود فرد واحد بل تحتاج فريقا متكاملا يبذل جهدا مضاعفا, مما جعلهم ييأسون ويكتفون بالقيام بأدوار محدودة, و مما ساعد على يأسهم إستمرار المحاميين إياهم في محاولة ممارسة دورهم الإحتكارى بشأن قضايا الإسلاميين (من غير الإخوان طبعا) مما شكل عامل طرد لأى وافد جديد.لكن هل كانت أجور هذه المجموعة الإحتكارية متدنية؟؟طبعا لا, ولدى قصص حقيقة بالأسماء والشهود يندى لها الجبين بشأن الإستغلال و إمتصاص أخر قرش من أيدى أسر معتقلين فقراء فقرا مدقعا, ولكن لو ذكرنا هذه القصص لطال المقال جدا.لكن هل إقتصر الأمر على ذلك؟؟لو إقتصر الأمر على ذلك لهان الأمر, ولكن الأمر وصل لحالة من الإحتكار والعشوائة والفوضى غريب جدا حيث صار تقليد راسخ معاداة كل من يحاول كسر هذا الإحتكار سواء كان من المعتقلين وأسرهم أو من المحاميين, كما صار الإنضمام لهذه المجموعة الإحتكارية له باب مفتوح عبر بعض المحاميين الأساسيين في هذه المجموعة فزاد التكالب على المعتقلين و أسرهم لإمتصاص كل ما يمكن إمتصاصه, وكان أخر المتاح هو قضايا التعويض والقصص التالية تعطى مؤشرا عما حدث:زار أحد المحامين الأخ المعتقل صابر توفيق (من قليوب) في سجن الفيوم عام 2001م وطلب منه عمل توكيل عام في القضايا له وأوهمه أنه موفد من أهله وكان معه الموثق فعمل له التوكيل بإعتبار أنه سيعمل له قضايا تعويض, ولم يكن صابر يعرفه لكنه وافق بإعتبار أن أهله هم الذين أرسلوه له, لكنه عندما سأل أهله عنه في الزيارة فوجئ أنهم لا يعرفوه و لم يرسلوه, ونظرا لأن الورق و الأقلام كانت ممنوعة بالسجن في ذلك الوقت فإن صابر لم يسجل ولم يحفظ إسم المحامى و لا رقم التوكيل ولا تاريخه.أما عبدالحميد أحمد عبدالله (من الشرقية) فقد فوجئ بمحامى يزوره في السجن ومعه موثق الشهر العقاري ويطلب منه عمل توكيل لصرف مبلغ تعويض يخص عبدالحميد قدره عشرين ألف جنيه تم الحكم به حكما قضائيا نهائيا لصالح عبدالحميد دون أن يعرف عنه شيئا علما بأن مثل هذه القضية تستغرق ثلاث سنوات على الأقل قبل أن يصدر فيها حكم كهذا, فسأله عيدالحميد كيف عملت ذلك دون علم أو توكيل منى وحفظ عبدالحميد رقم القضية ورفض التوقيع على التوكيل.وهذا هو الشيخ محمد شرف صدر ضده حكم قضائى غيابى من المحكمة العسكرية بالسجن 15 عاما, فلما سلمته دولة الإمارات لمصر صار من حقه التقدم بإلتماس لرئيس الجمهورية لإلغاء الحكم ومعلوم لدى أى شخص في سنة أولى حقوق أن أى إلتماس كهذا لم يقبل حتى الآن, كما أنه معلوم أن المحاكم العسكرية لم يكن فيها لا إستئناف ولا نقض بل هو هذا الإلتماس فقط, لكن محاميا مرموقا من هذه الطائفة و مشهور أن صفحته ناصعة إزاء المعتقلين و أسرهم أوهم أسرة الشيخ محمد شرف أنه قادر على عمل إستئناف له بل و إلغاء الحكم تماما نظير أتعاب 15 ألف جنيه تدفع مقدما, وإقترضت أسرة الشيخ المبلغ وسارعت بدفعه للأستاذ الكاذب, وما زال الشيخ محمد شرف يقضى حكم السجن 15 عاما حتى الآن, بعد أن تم رفض الإلتماس.وماذا بعد؟؟؟ لقد دخل الأمن على الخط ومنذ 1993م لم يعد يسمح بأن يمسك واحد من هذه الطائفة العصا من منتصفها فيقف في مسافة متساوية بين الأمن وبين التيارات الإسلامية, لقد تقرر أن يختار الواحد منهم بين أن يسوى أموره تماما مع الأمن أو أن يدخل السجن في إعتقال لايعرف نهايته إلا الله, إختار نحو 25 محاميا السجن بينما إختار أخرون التسوية دون أن يمسهم السجن أو بعد سجن قصير نسبيا, وصرنا نجد ظواهر غريبة من هؤلاء الذين سوا أمورهم مع الأمن, فأحدهم ذكر لى أنه أصبح يراجع بنفسه كشوف الإفراج الوزارى ليعترض على خروج البعض ويقر خروج الأخرين, و أخر أصبح يتيح الزيارة لمدة ساعة للمعتقلين الممنوعين من الزيارة نظير 350 جنيه في المرة الواحدة, و أخر يتوسط للإفراج عن معتقلين بأتعاب تقدر بالألاف, و أخر يأتى للسجن موفدا من فلان باشا للتفاوض مع معتقل مهم بشأن مسألة مهمة جدا ومعه تفويض كامل بهذا لدرجة أن ضباط الأمن أنفسهم يخافون منه, و هكذا دواليك.و هكذا كان وما زال حال المعتقلين الإسلاميين من غير الإخوان المسلمين بشأن المساعدة القانونية.
عبدالمنعم منيب

 تم نشر هذا المقال في المدونة القديمة و في جريدة" الدستور"المصرية 9 يناير 2008 و كان هو الحلقة الثامنة من 16 حلقة نشرت تباعا بشكل أسبوعي منذئذ شرحت مشاهداتي للأوضاع الاجتماعية و النفسية و الاقتصادية للمعتقلين السياسيين في سجون مبارك طوال فترة اعتقالي التي استمرت من 21 فبراير 1993م و حتى 1 أغسطس 2007م.


موضوعات متعلقة:

تعليقات