مكانة المرأة في الإسلام

دار حوار بينى و بين بعض الباحثين بشأن دور المرأة فى تصورات الحركات الإسلامية المعاصرة و قد حفزنى ذلك لكتابة هذا المقال عن مكانة المرأة في الإسلام.... فما هى مكانة المرأة في الإسلام لاسيما في ضوء النقاش الذى عادة ما يثار بهذا الصدد؟؟!
بداية لا بد أن نفرق بين العادات و التقاليد وأحكام الإسلام لاسيما و أن الأمة الإسلامية قد مرت بعصور ساد فيها التخلف والجمود الفكرى والفقهى والظلم السياسى و الإجتماعى و الإقتصادى.
ولو لم تمر الأمة بهذه العصور للزم عرض كل عادة أو تقليد على الشرع الحنيف لتبين مقدار قربه أو بعده من الشرع الحنيف فمابالنا والأمة مرت و تمر بهذه الظروف؟!؟!
و لاشك أن هناك فرقا بين أفعال و سلوكيات المسلمين و بين أحكام الإسلام, فأفعال و سلوكيات المسلمين محكوم عليها أما أحكام الإسلام فهى حاكمة لا محكومة.
كما أن الركائز المنهجية للبحث في الدراسات الإسلامية (علم أصول الفقه, وعلوم الحديث) عند أهل السنة واضحة في التفريق بين ماهو مقدس كالكتاب وصحيح السنة والإجماع الثابت والقياس الصحيح و ما هو غير مقدس من أراء شخصية أو عادات إجتماعية أو أعراف مجتمعية أو سلوكيات فردية(بشروط في ذلك كله).
وهذه المنطلقات كلها يلزم مراعاتها عند التطرق لهذا الموضوع وما يشبهه من موضوعات لأنه قد يؤدى التطرق إليها من غير هذا المدخل إلى معالجة غير علمية و غير موضوعية للموضوع محل البحث.
و إنطلاقا من ذلك كله يتحتم عدم الخلط بين أحكام الإسلام المقدسة وبين أفعال المسلمين غير المقدسة.
أما الموضوعات المتفرعة عن موضوع مكانة المرأة في الإسلام فتشمل التالى:
أولا:عمل المرأة:
أثار الكثيرون لغطا طويلا بشأن عمل المرأة في الإسلام مع أن الإسلام عبر تاريخه شهد دورا فعالا للمرأة في المجتمع من خلال عملها, و أول مسلمة في تاريخ البعثة المحمدية المباركة السيدة خديجة (رضى الله عنها) كانت سيدة أعمال صاحبة تجارة و كانت توظف عندها الرجال ليديروا تجارتها والنبى (صلى الله عليه و آله وسلم) نفسه أدار تجارتها لفترة, كما أن هذا النموذج كان معروفا عبر التاريخ الإسلامى بطوله دون نكيرمن أحد من العلماء, و من المعروف أن الإسلام تقدم على كل الحضارات التى عاصرته أو سبقته في مجال الحفاظ على الذمة المالية المستقلة للمرأة و الحفاظ على أموالها المتحصلة من الميراث أو العمل أو غيره, بل ظل سابقا لقرون طويلة لحضارات لاحقة عليه في هذا المجال, فمن أين يأتى من يقول بتحريم الإسلام لعمل المرأة؟!؟!؟!
و لاشك فقهيا أن ما قد يحرم عمل ما للمرأة هو ذاته ما يحرم عمل ما للرجل, فأى عمل محرم هو محرم على الرجال والنساء على حد سواء, فالله تعالى يقول:"من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة" و قال أيضا "أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض", فحساب الرجل و المرأة عند الله قائم على نسق واحد يحدد الحلال و الحرام من واجب و مستحب و محرم و مكروه و مباح.
ثانيا:مشاركة المرأة في السياسة وفي العمل العام:
لقد كتب الكثيرون عن دور المرأة السياسي في الإسلام و تناولت العديد من أطروحات الماجستير و الدكتوراه هذا الموضوع من منظور إسلامي, كما تناول الكثيرون هذه الأطروحات بالتعليق أو الرد, ونحن الآن لسنا بصدد تأييد رأى ما أو معارضته في هذا الصدد لكننا نريد أن نكتفى بإثارة التأملات و التساؤلات و بعث النقاش الإيجابى حول هذه النقطة كخطوة نحو بلورة موقف إسلامى أصيل و معاصر حولها.
ومما لا شك فيه أن المرأة كان لها مشاركات سياسية بشكل أو بأخر طوال التاريخ الإسلامى سواء بمشورة الحكام أو بالتأثير المباشر أو غير المباشر في إتخاذ القرار سواء على مستوى الإمارة العامة (الخلافة العظمى) أو الإمارة الخاصة و كذلك تولين القضاء في بعض الحالات و مارسن السياسة كثيرا بأشكال مختلفة وكل ذلك حدث في عصورمختلفة بأشكال متعددة, و بمرأى من كبار علماء السلف الصالح و قد كانت لهم تعليقاتهم المتعددة على ذلك الواقع ما بين مجيز لبعضه أو لكله أو مانع لبعضه و لم نر أن أحدا منع ذلك كله بكل صوره التى حدثت سوى في عصور الجمود و التخلف الفكرى و منه العصر الحالى الذى مازال يحتاج لنهضة فكرية و فقهية تحدثنا و سنتحدث عنها في سلسلة مقالات هنا بعنوان "حول إشكاليات تجديد الفقه الإسلامى".
و إذا كان الأمر كذلك فعلى هؤلاء المانعين لكل شئ أن يقدموا الأدلة الشرعية و معها أراء الفقهاء التى تفسر هذه الأدلة على النحو الذى يستدلون به.
و مما أثار عجبى أن بعض المانعين لكل نشاط عام للنساء تجرأ على إدخال تخصيصات و قيود على مشاركة النساء في جيوش (النبى صلى الله عليه و آله وسلم) و هو في ذلك لم يسق لا حديث و لا آية و لا إجماع ولا قياس ولا حتى قول عالم (مع كون قول العالم وحده ليس دليلا شرعيا حسبما هو مفصل في علم أصول الفقه), و الأعجب من ذلك أنه أدخل تخصيصا يكفي لمنع النساء من المشاركة في الجيوش بالسقاية و التمريض فكأنه ألغى سيرة النبى (صلى الله عليه وآله و سلم) في هذا المجال بدعاوى فقهية ليس عليها دليل.
و إذا كان النساء مارسن أدوارا متعددة في الحياة العامة والحياة السياسية منذ عهد النبى (صلى الله عليه و آله وسلم) و حتى بدايات العصر الإسلامى الحديث بقدر يرد كل دعاوى تجميد المرأة في دور واحد محدود هو دور الزوجة و الأم في أضعف صوره, فإن تحديد ماهية دورها المعاصر لن يكون قطعا بالذوبان في تصور الحضارة الغربية المعاصر لدور المرأة في السياسة و المجتمع, بل إن الأمر يحتاج لإجتهاد إسلامى منضبط يلتزم بموضوعية بمعايير البحث الفقهى الصحيح في ضوء المتغيرات الإسلامية المعاصرة, لأن الإستجابة لمتطلبات النهضة المعاصرة لا يعنى إذابة الإسلام في معاييرأى حضارة أخرى معاصرة مهما كان حجم نجاحها لأن للدين معاييره و ثوابته ولو ألغيناها لضاع الدين و تحول لشئ أخر.
ثالثا:الدور العلمى والفكرى للمرأة أو ما يطلق عليه البعض تعليم المرأة:
لا شك أن النساء لعبن دورا بارزا في مجال تعلم العلم وتعليمه طوال التاريخ الإسلامى من لدن السيدة عائشة (رضى الله عنها) وحتى العصور المتأخرة إذا إستثنينا مراحل الجمود و الركود العلمى, و هذا ابن حجر و ابن عساكر و البخارى والشافعى وغيرهم قد تلقوا العلم عن العديد من النساء العالمات, بل إن الإمام ابن عساكر (الملقب بحافظ الأمة) وحده قد تلقى العلم عن ثمانين عالمة حديث في عصره و هؤلاء هن من تلقى عنهن فقط فما بالنا بمن لم يتلق عنهن, الباقيات كم عددهن؟!؟!
والكلام عن تفاصيل عالمات الإسلام في التاريخ الإسلامى يطول بل يحتاج لمجلدات.
لكن الذى يعنينا الآن أن نتسائل إذا كانت النساء عالمات فمن أين جاء القول الذى يحاول البعض ترويجه عن عدم تعليم المرأة أو عن إختصاصها بالتدريس لمدارس الإبتدائى فقط أو للبنات فقط.
رابعا:حجاب المرأة خاصة أن البعض يعتبره يعطلها عن القيام بدور إيجابى بالمجتمع:
إذا كان التاريخ الإسلامى منذ عصر النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) قد حفل بأدوار مجيدة للمرأة في ميادين عديدة رغم أنها كانت محجبة بل و منتقبة حتى ثمانين عاما سابقة, فإن أى دعاوى بأن الحجاب سيمنع المرأة المسلمة المعاصرة من النهوض و التقدم هى دعاوى ليس لها أى أساس علمى أو موضوعى, فهى مجرد شعارات كاذبة لها أغراض أخرى باطنة غير التى تظهرها.

عبدالمنعم منيب
هذا الموضوع فى المدونة القديمة, 2007-12-27 

تعليقات