عماد مغنية.. حياة الغموض و الجدل

عاش حياة غامضة ثم مات موتة أكثر غموضا, و بينما يؤدى الموت للكشف عن جوانب خفية كثيرة في حياة كثير من المشاهير فإن موته أدى لمزيد من الغموض و الإلتباس الذي لف حياته كلها.و كما أن حياته كانت مثيرة للجدل فإن موته ما زال يثير مزيدا من الجدل في مختلف أنحاء العالم.ذلك هو "الثعلب" كما تسميه إيران, أو "بن لادن الشيعة" كما تسميه اسرائيل, أو "الحاج القاتل" كما تسميه الولايات المتحدة, أو "الحاج عماد" كما يسميه حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبنانى, أو "الحاج رضوان" كما هو اسمه الحركى في كثير من الأوقات.هو مناضل لبناني ذو أصل فلسطينى عند المتعاطفين معه, و هو شيعى متشدد من أصل ايرانى عند فريق من السنة المناوئين له.إنه عماد مغنية الذى دوخ مخابرات 42 دولة لمدة ربع قرن من الزمن إلى أن لقى حتفه بانفجار سيارته على بعد أمتار من أحد مقار المخابرات السورية و بالقرب من مدرسة إيرانية بأحد الأحياء الراقية بدمشق منذ أيام.ولد عماد مغنية في 12 يوليو 1962م في ضاحية النبعة الشرقية لأسرة لبنانية شيعية يقال أنها من أصل فلسطينى و تفيد بعض المصادر إلى أن عائلة مغنية يعود أصلها إلى قرية "طير دبا" في قضاء صور الجنوبي، ثم انتقلت أسرته للعيش بالضاحية الجنوبية و لم يعرف لوالده أى نشاط سياسي بينما كان لوالدته دور في العمل النسائى الإسلامى.أتم عماد مغنية تعليمه الإعدادي و الثانوي بالمدارس اللبنانية ثم التحق بالجامعة الأمريكية ببيروت لكنه لم يقض بها سوى عاما دراسيا و احدا ثم غادرها ولم يعد لها.في السبعينات من القرن الماضي إلتحق عماد مغنية بحركة فتح الفلسطينية تحت قيادة الراحل ياسر عرفات لكن لم يبدأ نجم عماد مغنية في الظهور إلا بعدما صار ضابطا في "القوة 17" و هي أقوى جهاز أمنى و عسكرى في حركة فتح و كانت مكلفة بحماية الأمن الشخصى لكل من ياسر عرفات و أبو جهاد خليل الوزير و أبو إياد صلاح خلف.و كان عام 1982م عاما فاصلا في حياة مغنية و ملئ بالأحداث, فعندما خرجت فتح من بيروت لم يخرج عماد مغنية معها بل بقى و انضم على الفور إلى منظمة أمل الشيعية, لكنه في نفس العام ترك أمل و انضم لحزب الله الذى كان حينئذ في طور الإنشاء و صاحبه حينئذ في هذا الانتقال من أمل لحزب الله حسن نصر الله الذى سيصير فيما بعد أمينا عاما و زعيما للحزب. و في نفس العام سافر عماد مغنية إلى إيران و هناك اشترك لمدة أربعين يوما في الحرب الإيرانية العراقية انطلاقا من الجبهة الإيرانية ضد العراق, و مازالت هذه المشاركة محل غموض و جدل. هل شارك مغنية في الحرب كجزء من دورة تدريبية معينة أهلته لبناء القوة العسكرية و الأمنية لحزب الله بعد عودته إلى لبنان؟؟ أم أن هذه المشاركة كانت بهدف نقل خبراته العسكرية و الأمنية للحرس الثوري الإيرانى الذى كان قد تكون حديثا لحماية الثورة الإيرانية و دولتها الوليدة؟؟أم أن هذه المشاركة كانت تعبيرا عن روح الحماس الدافق الذى كان يكنه مغنية للثورة الإيرانية و قائدها الروحى الإمام الخمينى؟؟و على كل حال فإن علاقات عماد مغنية بإيران كانت و مازالت طى الخفاء و الغموض, فتارة تصفه المصادر بأنه المسئول الأول عن علاقة حزب الله بالحرس الثورى الإيرانى و أنه المسئول عن التنسيق مع الحرس الثورى للقيام بعمليات تدريب وتسليح حزب الله, و تارة تصفه مصادر أخرى بأنه الذراع الطولى للحرس الثورى في العمليات الخارجية و أنه المسئول الأول عن جماعة الجهاد الإسلامى اللبنانية التى نفذت العديد من عمليات الإغتيال و التفجير و خطف الرهائن بما اعتبره البعض يصب في صالح السياسة الإيرانية في المنطقة, بينما دافع عنها البعض بأنها أعمال نضالية تصب في صالح مقاومة المشروع الأمريكى و الصهيونى في المنطقة.و في أحيان كثيرة تم وصف عماد مغنية بأنه المسئول الأمنى و العسكرى الأعلى في حزب الله و بالتالى هو الذى أعد قوات الحزب و قادها في حرب يوليو 2006م ضد اسرائيل تلك الحرب التى مرغ فيها الحزب سمعة الجيش الإسرائيلى في الوحل بما مثل اعجازا عسكريا بكل المقايس حسب رأى كبار المحللين العسكريين المنصفين.و كما اكتنف الغموض مكانة و دور عماد مغنية التنظيمى و السياسي فإن الغموض كان و مازال يلف كل المعلومات المتاحة عن العديد من العمليات التى نسبت لعماد مغنية...هل قام فعلا عماد مغنية بتنفيذها أو قيادتها أو توجيهها أم لا؟؟؟فمن العمليات المشهور نسبتها لعماد مغنية عملية تفجير السفارة الأمريكية في بيروت في إبريل (نيسان) 1983 والتي أسفرت عن مقتل 63 أمريكياً، وتفجير مقر قوات "المارينز" الأمريكية في بيروت، الذي أودى بحياة 241 أمريكياً، وتفجير معسكر الجنود الفرنسيين في البقاع، والذي أسفر عن مقتل 58 فرنسياً, و كذلك خطف طائرة "تى دبليو ايه" الأمريكية التى تم اختطافها بمطار بيروت، وتم فيها قتل أحد الركاب، الذي كان عسكرياً في قوات "المارينز" الأمريكية, كما نسب له عملية تفجير سفارة إسرائيل في الأرجنتين عام 1992 مما أسفرعن مقتل 29 شخصا و كذلك تفجير مركز يهودي عام 1994 في "بوينس آيرس" بالأرجنتين، أودى بحياة 85 شخصاً، كما قيل أنه شارك في تفجير الخُبر بالسعودية 1996، حيث قتل 19 عسكرياً أمريكياً كما جرى اتهامه بالوقوف وراء اختفاء الطيار الاسرئيلي رون اراد الذي يقول حزب الله انه فقد اية معرفة بمصيره منذ معركة ميدون عام 1989 ، وهي المعركة التى حصلت في البقاع الغربي بين مجموعات من حزب الله والقوات الاسرائيلية.كما نسبت له بعض المصادر الوقوف وراء محاولة لإغتيال أمير دولة الكويت أيام الحرب العراقية الإيرانية, و كذلك خطف طائرة كويتية تعرف باسم الجابرية في أوائل ابريل 1988م من فوق عمان و التوجه بها لإيران حيث قيل أن هناك انضم سته للخاطفين الثلاثة كما شحنت الطائرة بالسلاح و الذخيرة حسب هذه الرواية ثم توجهت إلى مطار الجزائر حيث تم التفاوض هناك لعدة أيام بعدها تم اطلاق سراح الرهائن و طاقم الطائرة بينما اختفى المختطفون بقيادة مغنية.و أيا كانت الإتهامات أو الحقائق التى انتشرت حول العمليات التى خاضها أو وقف خلفها مغنية فإن الغموض ظل هو سيد الموقف بشأن هذا الرجل الذى حرص دائما على العيش في الظل بعيدا عن ضجيج الأضواء حتى أنه أجرى عمليتي تجميل غير فيهما شكله كانت الأولى عام 1990م في إيران و بعدها صار يتحرك بجواز سفر دبلوماسى إيرانى بجانب جوازات السفر الأخرى السورية و اللبنانية و الباكستانية العديدة التى كان يتحرك بها.و في عام 1997م شعر عماد مغنية أنه ربما عرف شكله عدد أكثر من اللازم لذلك أجرى عملية تجميل أخرى غيرت ملامحه تماما.و رغم كل هذا الغموض و التخفى الذى أحاط به عماد مغنية نفسه إلا أنه جرت له محاولات إغتيال كثيرة فشلت كلها لكن أخيه فؤاد قتل في أحدها عندما انفجرت قنبلة كان مقصودا بها عماد مغنية لكنه نجى منها بأعجوبة و مات فؤاد مغنية و كان الموساد يقف ورائها.و في عام 2005م شن صحفى اسرائيلى في صحيفة "يدعوت أحرنوت" هجوما على رئيس الموساد الحالى لأنه فشل في إغتيال عماد مغنية المطلوب الأول لإسرائيل.لكن في النهاية أخطأ الثعلب و ربما كان هذا هو خطأه الأول لكنه لا شك أنه كان خطأه الأخير, لقد حضر لأول مرة احتفالية و طنية علنية بالسفارة الإيرانية بدمشق, و ربما من هنا تم معرفة صورة الثعلب الحقيقية , وربما من حينها تم رصده.و كما أثارت حياة عماد مغنية الكثير من النقاش و الجدل و الغموض فإن وفاته أثارت نفس الحجم من الغموض و الجدل, فبينما مال حزب الله في بيانه الرسمى لإتهام الموساد بتنفيذ العملية فإن العديد من المصادر الصحفية شككت في سوريا و ألمحت لإمكانية أن تكون حيلة سورية ما للعودة لعلاقات أمنية ما مع أمريكا و اسرائيل تمهيدا لصفقة ما معهما, كما تلقفت المنتديات على شبكة النت هذه الفرضية و روج لها الكثيرون بل ذهبوا بها لمداها الأبعد بالإشارة للخطر الذى يحدق الآن بقادة حماس و الجهاد في دمشق في إطار إتمام هذه الصفقة.كما ثارت المناقشات بين فريق من الفتحاويين الذين يريدون ان يتشرفوا بنسبة عماد مغنية لهم بإعتباره نشأ في فتح و بين الحمساويين الذين يستدلون بترك مغنية لفتح على أنه اكتشف أن فتح مجموعة من العملاء.و قال عدد من الشيعة أن مغنية كان همه إسلامى بعيدا عن التعصب المذهبى ونسبوا له الدور الأوحد في نقل قادة القاعدة من أفغانستان لإيران لإنقاذهم من الغزو الأمريكى ثم نقل مقاتلى القاعدة و بعض قادتهم من إيران للعراق لتنظيم المقاومة هناك كما نسبوا لمغنية علاقات تعاون و تنسيق كبير جدا مع تنظيم القاعدة في العراق و تحديدا مع الزرقاوى كما نسبوا له إصدار الأوامر إلى جيش المهدى في العراق للتحرك لإنقاذ مقاتلى القاعدة إبان حصار الفالوجا. و أثار ذلك حفيظة فريق من السنة لم يؤيد هذه المعلومات و هاجمها و نفاها بالكلية و نعت مغنية بالشيعى الرافضى.كما أثار موت مغنية الجدل في الكويت إذ اعتبر فريق من الشيعة أنه بطل من أيطال المقاومة و أقاموا له حفلات تأبين تقبلوا فيها العزاء فيه, بينما هاجمهم العديد من الصحفيين و الكتاب بل و رجال الحكومة بإعتباره إرهابى حاول قتل أمير الكويت كما إختطف طائرة كويتية.و هكذا كما كان عماد مغنية غامضا و مثيرا للجدل في حياته جاء إغتياله المفاجئ و الغامض ليثير مزيدا من الجدل الذى لا يعرف أحد متى سينتهى.
عبدالمنعم منيب
هذا الموضوع فى المدونة القديمة , 2008-02-21 17:25

تعليقات