حول دور المسلمين في الغرب


أثارت تصريحات الأمين العام للمجلس الإسلامى في بريطانيا محمد عبدالبارى للصحافة البريطانية في الأونة الأخيرة العديد من التعليقات وردود الأفعال, بما في ذلك تعليقات مسلمين يعيشون في الغرب ومسلمين يعيشون في العالم العربى، و تناولت كلها قضايا عدة أحيت بها النقاش القديم و المتجدد حول الوجود الإسلامى في الغرب مما دفعنى لأن أكتب التعليق التالى بشأن الوجود الإسلامى بالغرب.

 أولا: شرعية الوجود الإسلامى بالغرب: في البداية نجد أنفسنا مضطرين للحديث عن شرعية الوجود الإسلامى في الغرب لأن بعض المشايخ الأجلاء دأبوا على تحريم إقامة المسلم هناك, و دعوا المسلمين للعودة لبلادهم, لكن كلامنا في هذا الصدد لن يتجاوز القول بأن بلاد المسلمين لا تختلف كثيرا عن بلاد الغرب من الناحية الدينية بل إن بلاد الغرب أحسن حالا في بعض الحالات لاسيما في الحرية الدينية والسياسية والإقتصادية فضلا عن النواحى العلمية والتعليمية, وبالتالى فعلى هؤلاء المشايخ الأجلاء تدبر الواقع جيدا فالمقارنة ليست بين دولة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وبين دولة كسرى أو قيصر, والأمر في منتهى الوضوح.
 ثانيا: واجبات المسلم في الغرب: من أول و أولى واجبات المسلم في الغرب القيام بواجباته التربوية ثم المعيشية تجاه أسرته ويشمل ذلك الغذاء و السكن و الصحة والتعليم لقول النبى صلى الله عليه و آله وسلم "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول" وهذا أمر حتمى لا خلاف عليه, كما عليه الإلتزام بتعاليم الإسلام إلتزاما تاما دون أى تقصير متعمد, وذلك فرض متيقن لا يمكن التغافل عنه.
ثم تأتى بعد ذلك أولويات العمل الإسلامى التى ينبغى على كل مسلم القيام بما يستطيعه منها, و أبرزها تحصيل جوانب القوة الحقيقية ومنها العلم في فرع من فروع العلم النافع سواء كان دينيا أو دنيويا, و لكن مادمنا نتكلم عن الغرب فالمتاح بل المتميز هناك هو العلم الدنيوى سواء كان علوما إجتماعية أو طبيعية, وهما موطن ضعف المسلمين وأحد أسباب تخلفهم في العصر الحديث.
كما أن من جوانب القوة الحقيقية المال, فعلى المسلم تحصيل المال الحلال بأقصى ما يمكن وإنفاقه في أوجه الخير المعروفة في الفقه الإسلامى.
كما أن من جوانب القوة الحصول على المناصب المؤثرة إذا كانت لا تؤدى لإرتكاب معصية, وكذا العمل بالمهن التى لها تأثير إيجابى بالنسبة لواقع المسلمين أو الدعوة الإسلامية أو التى تفيد في رفع الظلم عن المسلمين أو التوسعة عليهم.
 و المسلم في أى مكان مطالب بهذه الواجبات لكن هذا يتأكد أكثر في بلاد الغرب لأن بعض هذه الأمور غير متاح أصلا في غيرها, والبعض الأخر متاح بصعوبة أو في إطار عوائق كثيرة.
 ثالثا: السلوك السياسى للمسلمين في الغرب: ينبغى أن يهدف النشاط السياسى للمسلمين في الغرب إلى تدعيم و مساندة أولويات العمل الإسلامي في الغرب وذلك بعد مساندة الوجود الإسلامى في الغرب أصلا و تحسين طبيعة و خصائص هذا الوجود, وهما أمران متداخلان, ولا مانع مع ذلك من المساعدة في رفع الظلم عن المسلمين في شتى البقاع ولكن في ضوء أولويات العمل الإسلامى المذكورة و في ضوء تعاليم الفقه السياسى الإسلامى.
و من أخطاء السلوك السياسى الاسلامى في الغرب مساندة قضايا خاسرة في العالم الإسلامى على حساب القضايا الحيوية للمسلمين في الغرب, و مثال ذلك ما فعله ذات مرة مسلمو فرنسا من مساندة اليمين ضد اليسار في الإنتخابات مما ساعد في ترجيح كفة اليمين على اليسار لمجرد أن موقف اليمين من مساندة الحكومات العربية في مسألة المفاوضات مع إسرائيل أفضل من اليسار المتعاطف مع إسرائيل أكثر, في حين أن اليسار كان مساندا للمسلمين في موقفه من القضايا الإسلامية الداخلية كالحجاب و العمل و الإقامة بعكس اليمين الذى كان يزايد في ذلك على التيار اليمينى المتطرف مما يؤذى المسلمين في فرنسا, ومع ذلك ساندوه بسبب ما أسموه بمواقفه الإيجابية من القضايا العربية، وتناسوا أن هذه الحكومات العربية لم تستطع أن تحسم مشاكلها مع إسرائيل لاسلما ولا حربا في ظل مساندة من هو أقوى من فرنسا وهو الكتلة الشرقية بقيادة الإتحاد السوفيتى السابق, فلا جدوى من مساندة هؤلاء لاسيما في ظل مصالح أشد أهمية و تأكيدا وهى ما ذكرناه من واجبات المسلمين في الغرب.
و إذا كان الأوربيون في أسبانيا وصقلية في العصور الوسطى لعبوا دورهم كمعبر للحضارة الإسلامية إلى الغرب, فعلى المسلمين في الغرب أن يلعبوا نفس الدور لكن في الإتجاه العكسى أى نقل الجوانب النافعة من الحضارة الأوربية للعالم الإسلامى اليوم.


عبدالمنعم منيب
هذا الموضوع فى المدونة القديمة, 2007-12-13 12:20

تعليقات