في مصر ما الفرق بين قانون الطوارئ و تعذيب المواطنين و إهانتهم في السجون و المراكز الأمنية؟؟

تكلم الكثيرون عن قانون الطوارئ في مصر و تعارضه مع مزاعم الإصلاح السياسي و دوره في الإستبداد السياسي و البطش بالمعارضة و اعترضوا على استمراريته لمدة 29 عاما و غير ذلك من الإعتراضات, لكن هناك مساحة في قانون الطوارئ لم يسلط عليها الضوء بشكل جيد, ألا وهي دور قانون الطوارئ في عملية التعذيب و الإعتقال التعسفي و الإعتقال المتكرر, لاسيما و أن تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية و المحلية قد ذكرت أن التعذيب و الإعتقال التعسفي و سوء المعاملة في السجون أمور منتشرة في مصر كما ذكرت منظمة العفو الدولية في تقرير لها منذ أيام أن عدد من قتلوا تحت التعذيب في المراكز الأمنية زاد على عشرين شخصا في عام 2007م فقط.و في هذا التقرير نسلط الضوء على علاقة ذلك كله بقانون الطوارئ؟؟في الواقع فإن إدارة العملية الأمنية تجري بصلاحيات وسلطات واسعة جدا ربما تفوق خيال أي شخص لم تمسه هذه العملية, بل ربما تصدم من يطلع عليها لأول وهلة, فعلى سبيل المثال جاءت قوة من الشرطة لبيتي ذات مرة في الثمانينات و اعتقلتني و عندما سألتهم عن إذن النيابة بالقبض والتفتيش أو قرار الإعتقال الذي هو المعادل في قانون الطوارئ لإذن النيابة قال لي ضابط أمن الدولة كل شئ معنا. قلت له: أريد أن أراه.لكنه لم يرد علي.و انطلقوا بي إلى قسم الهرم و عندما ذهبت إلى هناك فوجئت أن كل القوة الكبيرة التي جاءت للقبض علي بقيت في القسم أو رجعت لبيوتها من هناك بينما تبين لي أن الذي نفذ هذا الأمر بالقبض علي ضابط واحد من أمن الدولة و ليس معه ورق ولا شئ إنما كل ما جرى أوامر شفهية لكني لاحظت أنه كتب ورقة بيده, و تركها لضابط القسم وانصرف قبل أن يدخلوني إلى حجز القسم حتى الصباح.و في الصباح تغيرت الوردية و جاء أحد ضباط القسم فأخذني من الحجز و صحبني إلى مبنى مباحث أمن الدولة, وفي الطريق تعارفت على الضابط و كان شابا عمره قريب من عمري و تعاطف معي بعدما تعرف علي لدرجة أنه لما وصل مباحث أمن الدولة كاد يتشاجر مع مكتب الإستقبال هناك, و في الطريق كنت حريصا على الإطلاع على الورقة التي تركها ضابط أمن الدولة و فعلا اطلعت عليها فوجدت المكتوب فيها على النحو التالي:"السطر الأول: اسمي الثلاثيالسطر الثاني: للعرض باكر على مباحث أمن الدولة فرع الجيزةالسطر الثالث: النقيب فلان الفلاني من أمن الدولة"و كان اسم نقيب أمن الدولة غير واضح فيبدو أنه كان مجرد توقيع و ليس اسما كاملا.فتعجبت من سير الأمورعلى هذا النحو من الأوامر الشفهية أو العرفية في أمور خطيرة تهدد الحرية الشخصية للمواطنين لا سيما أنني نقلت بعد ذلك بعدة أيام من أمن الدولة إلى السجن حيث اعتقلت ثلاثة شهور.و لكن هناك سؤال يتبادر للذهن الآن هل ما جرى هذا قانوني؟؟و يحزنني و يحزن كل حر أن الحقيقة تصرخ بأن هذا الذي حدث و يحدث هو بسبب ثغرة قانونية في نص المادة (3) من قانون الطوارئ و التي تنص على أن

"لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يتخذ بأمر كتابي أو شفوي التدابير الآتية:أولاً-وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور في أماكن أو أوقات معينة والقبض على المشتبه بهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم والترخيص في تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية وكذلك تكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال.ثانياً-الأمر بمراقبة الرسائل أيا كان نوعها ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكافة وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتهاثالثاً-تحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها, وكذلك الأمر بإغلاق هذه المحال كلها أو بعضهارابعاً-الاستيلاء على أي منقول أو عقار والأمر بفرض الحراسة على الشركات والمؤسسات وكذلك تأجيل أداء الديون والالتزامات المستحقة والتي تستحق على ما يستولى عليه أو على ما تفرض عليه الحراسةخامساً-سحب التراخيص بالأسلحة أو الذخائر أو المواد القابلة للانفجار أو المفرقعات على اختلاف أنواعها والأمر بتسليمها وضبطها وإغلاق مخازن الأسلحةسادساً-إخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية توسيع دائرة الحقوق المبينة في المادة السابقة ...إلخ"كما تنص المادة (4) على أن:"تتولى قوات الأمن أو القوات المسلحة تنفيذ الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه وإذا تولت القوات المسلحة هذا التنفيذ يكون لضباطها ولضباط الصف ابتداء من الرتبة التي يعينها وزير الحربية سلطة تنظيم المحاضر للمخالفات التي تقع لتلك الأوامر وعلى كل موظف أو مستخدم عام أن يعاونهم في دائرة وظيفته أو عمله على القيام بذلك ويعمل بالمحاضر المنظمة في استثبات مخالفات هذا القانون إلى أن يثبت عكسها"أما المادة (6) فتقول:
"يجوز القبض في الحال على المخالفين للأوامر التي تصدر طبقاً لأحكام هذا القانون والجرائم المحددة في هذه الأوامر"أ.هـو هكذا نجد كل هذه الصلاحيات بالقبض و التفتيش و تقييد الحريات العامة و الشخصية بل و إختراق الحريات الشخصية بدعوى أنه استثناء بسبب ظروف طارئة, مع أن هذا الإستثناء صار هو الأصل في تاريخنا الحديث والمعاصر منذ الإحتلال الإنجليزي لمصر و حتى 2010م و إلى ما شاء الله أي أن الحريات العامة و الخاصة ظلت و ستظل رهن إرادة ضابط شرطة أو جيش بتفويض من رئيس الجمهورية طوال هذه المدة التي تزيد عن مائة عام بدعوى الإستثناء و الظرف الطارئ, فهل رأى أحد ظرف طارئ أو استثناء يستمر أكثر من مائة عام منها 29 عاما متصلة بلا أي إنقطاع من 1981م و حتى 2010م؟؟ و إذا كانت هذه هي مدة الإستثناء فما هي مدة الأصل أو لنقل متى نرى الأصل؟؟؟و الأنكى من ذلك ليس فقط أنه يجوز لكل هذه الأوامر و الصلاحيات أن تملى شفاهة من الرئيس على ضباطه "وعلى كل موظف أو مستخدم عام أن يعاونهم في دائرة وظيفته أو عمله على القيام بذلك ويعمل بالمحاضر المنظمة في استثبات مخالفات هذا القانون إلى أن يثبت عكسها" كما هو نص المادة (4), بل تنص المادة (17) من قانون الطوارئ على أنه "لرئيس الجمهورية أن ينيب عنه من يقوم مقامه في اختصاصاته المنصوص عليها في هذا القانون كلها أو بعضها وفي كل أراضي الجمهورية أو في منطقة أو مناطق معينة فيها".و هكذا تنتشر الصلاحيات الواسعة في ضرب الحريات العامة و الخاصة من الرئيس إلى الوزير الذي هو في الأصل ضابط كبير و منه إلى الضباط الأصغر لتصل هذه الصلاحيات ألى نقيب أمن الدولة الذي كتب سطرين على ورقة ربما إلتقطها من الأرض و بموجبها قضيت أنا و آلاف غيري شهور و سنوات في السجن بدعوى قانون الطوارئ.نعم هناك لوائح و نظم و قوانين مكملة لقانون الطوارئ تلزم وزير الداخلية بإصدار قرار الإعتقال له رقم و مصحوبا بمبرراته و عليه توقيعه و ختمه و لا يقبض على أحد إلا بموجب ذلك و يعلمه بذلك كما يتحتم على الوزير أن ينشر قرار الإعتقال في الجريدة الرسمية باعتباره قرارا في قوة القانون, و لكن ذلك كله لا يحدث أبدا لأن الأمور تمشى شفاهة كما أشرنا, و يمكن لأي قارئ أن يرجع للجريدة الرسمية منذ اشتعال نار الإعتقالات الواسعة منذ بداية التسعينات وحتى الآن ليرى أن قرارات الإعتقال لم تعد تنشر في الجريدة الرسمية منذئذ.و حدث أنني تمكنت ذات مرة من الإطلاع على الأوراق التي أرسلتها أمن الدولة للسجن بشأني أنا و زملائي المعتقلين (و كنا نحو عشرة) أثناء نقلنا من مقر أمن الدولة إلى السجن بقرار اعتقال جديد, حيث كان ضابط الحراسة المصاحب لنا في منتهى الذوق و التعاطف معنا و أطلعني على الأوراق التي كانت معه, و فوجئت أن الأوراق كانت مجرد خطاب من أمن الدولة يخبر السجن الفلاني أن فلان و فلان وفلان ....ألخ قد صدر لهم قرار اعتقال من وزير الداخلية, و لا توقيع من الوزير و لا ختمه و لا شئ, ولا حتى قرار إعتقال و لا شئ.و هكذا نشر قانون الطوارئ السلطات و الصلاحيات الواسعة و الشفهية حتى صار القبض و التفتيش و الإعتقال كله بأوامر شفهية لا تعرف قيود و لا نظم.و من ذلك أنني لما تم اعتقالي في المرة الأخيرة التي استمرت أكثر من 14 عاما طلبت من ضابط أمن الدولة أن يطلعني على إذن قبض و تفتيش من النيابة أو قرار إعتقال من وزير الداخلية, لكن الضابط رفض مع اصراره أن معه إذن من النيابة لن يطلعني عليه, و ما عساني أن أفعل في هذه الحالة و هو معه جنوده و ضباطه بالسلاح و أنا رجل أعزل إلا من إيماني؟؟ و كان القبض علي يوم السبت مساءا.و لكن كانت المفاجأة أنني قدمت لنيابة أمن الدولة يوم الخميس التالي و كان مكتوبا في محضر الضبط و التفتيش أنني تم القبض علي و تفتيش مسكني يوم الأربعاء بناء على إذن النيابة بذلك الصادر يوم الثلاثاء, أي إنني تم تفتيش مسكني و القبض علي قبل إذن النيابة بذلك بثلاثة أيام حقيقة بعكس التلفيق الموجود بالمحضر, و لكن هل تم إخلاء سبيلي من النيابة بعد إثباتي لهذا الكلام؟؟طبعا لا, بل بالعكس عندما صارحني رئيس النيابة الذي كان يحقق معي أنه مقتنع ببرائتى, طلبت منه أن يصدر لي قرارا بإخلاء سبيلي من سراي النيابة فورا, فابتسم و نظر بعيدا ثم قال لي أي شئ تريده داخل جدران مكتبي أنفذه لك أما خارج باب المكتب فلا أملك شيئا, ثم نظر للمحامي الذي كان حاضرا معي و صمت, فقال لي المحامي: قانون الطوارئ جعل الصلاحيات كلها بيد السلطة التنفيذية, و أضعف السلطة القضائية جدا, و ظللت في السجن بعد هذه الواقعة لأكثر من 14 عاما رغم حصولي على عشرات القرارات القضائية النهائية بالإفراج عني, و لم يفرج عني في النهاية إلا بقرار من وزير الداخلية و ليس تنفيذا لأحكام القضاء.وربما وضح الآن سبب كثرة و سهولة الإعتقالات التعسفية التي جرت و تجري في مصر, و لكن ما هو دور قانون الطوارئ في تكرار الإعتقال بالمخالفة لقانون الطوارئ نفسه؟؟ و بعبارة أدق هل يساعد قانون الطوارئ على نفي نفسه؟؟للإجابة على هذا السؤال لابد أن نلاحظ أن تكرار الإعتقال بالمخالفة للقرارات القضائية النهائية بإنهاء الإعتقال هو مخالف لظاهر قانون الطوارئ لكنه لا يخالف جوهر و روح قانون الطوارئ, لماذا؟؟لأن قانون الطوارئ يعلي من شأن السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية و من ينيبه على حساب السلطة القضائية بدءا من تحديد شخصية القضاة و تعينهم أو تعيين ضباط كقضاة و مرورا بسير العملية القضائية نفسها و انتهاءا بطبيعة الأحكام الصادرة فبالإضافة للمواد السابق ذكرها فإن المادة (7) تقول: .....تفصل محاكم أمن الدولة الجزئية والعليا في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه .........ويجوز استثناء لرئيس الجمهورية أن يأمر بتشكيل دائرة أمن الدولة الجزئية من قاض واثنين من ضباط القوات المسلحة من رتبة نقيب أو ما يعادلها على الأقل وبتشكيل دائرة أمن الدولة العليا من ثلاثة مستشارين ومن ضابطين من الضباط القادةويعين رئيس الجمهورية أعضاء محاكم أمن الدولة بعد أخذ رأي وزير العدل بالنسبة للقضاة والمستشارين, ورأي وزير الحربية بالنسبة إلى الضباطأما المادة (8) فتقول:"يجوز لرئيس الجمهورية في المناطق التي تخضع لنظام قضائي خاص أو بالنسبة لقضايا معينة أن يأمر بتشكيل دوائر أمن الدولة المنصوص عليها في المادة السابقة من الضباط وتطبق المحكمة في هذه الحالة الإجراءات التي ينص عليها رئيس الجمهورية في أمر تشكيلهاوتشكل دائرة أمن الدولة العليا في هذه الحالة من ثلاثة من الضباط القادة ويقوم أحد الضباط أو أحد أعضاء النيابة بوظيفة النيابة العامة" و تعطي المادة (9) لرئيس الجمهوري مطلق الصلاحيات عندما تقول:"يجوز لرئيس الجمهورية أو لمن يقوم مقامه أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام" أي أي شخص ممكن يقدموه لمحاكمة أمن دولة دون إرهاب و لا مخدرات و لا غيره أن القانون يعطيهم صلاحية تحديد من يقدم لها و من لا يقدم حسب رغبة الرئيس و من ينبه دون قاعدة محددة.ثم تعطي المادة (13) للرئيس فرصة التدخل في الحكم القضائي فتنص على أنه:"يجوز لرئيس الجمهورية حفظ الدعوى قبل تقديمها إلى المحكمة، كما يجوز له الأمر بالإفراج المؤقت عن المتهمين المقبوض عليهم قبل إحالة الدعوى إلى محكمة أمن الدولةثم تستمرالمادة (14) في نفس الإتجاه:"يجوز لرئيس الجمهورية عند عرض الحكم عليه أن يخفف العقوبة المحكوم بها أو يبدل بها عقوبة أقل منهاأو أن يلغي كل العقوبات أو بعضها أيا كان نوعها أصلية أو تكميلية أو تبعية أو أن يوقف تنفيذ العقوبات كلها أو بعضها, كما يجوز له إلغاء الحكم مع حفظ الدعوى أو مع الأمر بإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى، وفي هذه الحالة الأخيرة يجب أن يكون القرار مسببا فإذا صدر الحكم بعد إعادة المحاكمة قاضيا بالبراءة وجب التصديق عليه في جميع الأحوال وإذا كان الحكم بالإدانة جاز لرئيس الجمهورية إلغاء العقوبة أو تخفيفها أو وقف تنفيذها وفق ما هو مبين في الفقرة الأولى أو إلغاء الحكم مع حفظ الدعوى"و تكرس المادة (15) نفس الإتجاه المؤثر على الحكم القضائي:"يجوز لرئيس الجمهورية بعد التصديق على الحكم بالإدانة أن يلغي الحكم مع حفظ الدعوى أو أن يخفف العقوبة أو أن يوقف تنفيذها وفق ما هو مبين في المادة السابقة, وذلك كله ما لم تكن الجريمة الصادرة فيها الحكم جناية قتل عمد أو اشتراك فيها"و ينبغي أن نتذكر أن كل مواد قانون الطوارئ لابد أن تفهم في ضوء المادة (17) من قانون الطوارئ نفسه و التي تنص على أنه "لرئيس الجمهورية أن ينيب عنه من يقوم مقامه في اختصاصاته المنصوص عليها في هذا القانون كلها أو بعضها وفي كل أراضي الجمهورية أو في منطقة أو مناطق معينة فيها".و إذا كانت هذه هي روح قانون الطوارئ فلماذا سيعلوا قرار السلطة القضائية في أمر التظلم من الإعتقال و يلزم وزير الداخلية بالإفراج عن المعتقل بعد إعطاء الوزير فرصة للرفض أليس هذا تناقضا مع سائر مواد قانون الطوارئ؟؟و لكن كيف تتم عمليا وواقعيا عملية تكرار الإعتقال لأكثر من عشر سنوات رغم القرارات القضائية النهائية بإلغاء الإعتقال؟؟الإجابة أظن أن سائر القراء قد أدركوها الآن, إنها الأوامر الشفهية, أمر لقائد فرق الأمن في مكان ما أو لمدير الأمن أو لمأمور قسم أو مركز أو قائد معسكر أمن مركزي بأن يستضيف بعض المحتجزين التابعين لأمن الدولة كعهدة عنده بدون ورق سواء في السجون العسكرية التابعة لهذا الجهات أو في غرف خاصة يتم تفريغها لهذا الغرض و ذلك لعدة أيام, و طبعا هذه الأماكن لا تتردد عليها النيابة العامة لتفتيشها, و في هذه الأيام المعدودة يتم التدوين في الورق الرسمي الذي من الممكن أن يخضع للرقابة القضائية أنه تم الإفراج عن المعتقلين المعنيين, و بعد عدة أيام يتم إعداد ورق جديد بأنه تم اعتقال المذكورين من بيوتهم للممارستهم نشاطا جديدا مناهضا لأمن الدولة. و هنا تتضح الصورة أكثر و أكثر عن كيفية حماية قانون الطوارئ لعمليات التعذيب الواسعة التي تجري في كثير من الأماكن التابعة لوزرة الداخلية و ذلك عبرهذه الروح التي يبثها و ينشرها قانون الطوارئ, فالأوامر الشفهية و الإحساس بالحصانة إزاء أي رقابة أو محاسبة قضائية, وحصانة هذه الأماكن ضد أي تدخل قضائي إما عبر إخفاء هذه الأماكن, أو عبر منع الجهات الرقابية من دخولها إما بالمجاملات أو بالضغوط من جهات أعلى, كل هذا يفسر لنا دور قانون الطوارئ في دعم التعذيب, بل و خلق البيئة الحاضنة المناسبة لتنميته و زيادته كما و نوعا.و أسرتي لها تجارب عديدة مع النيابة العامة بهذا الصدد, ففي عدد من المرات كانوا يبلغون النيابة التابع لها السجن الذي كنت فيه في وقت ما عن سوء معاملتي في هذا السجن و عن اضرابي عن الطعام احتجاجا على ذلك أو على التعذيب و نحو ذلك, و كانت دائما هذه البلاغات دون جدوى, و في إحدى المرات كان بلاغهم لنيابة مدينة الخارجة التابع لها سجن الواحات الجديد (الوادي الجديد) و كان رئيس النيابة متعاطف جدا و يسمع عما يجري في السجن من تعذيب, و ظنت أختي و زوجتي أنه سيفعل شيئا مفيدا لي من شدة تعاطفه, و لكن عندما طالبتاه بانفعال أن يتحرك على الفور و يثبت ما يحدث في السجن و يحيل المسئولين عن ذلك إلى القضاء, قال لهم اهدأوا قليلا قانون الطوارئ يحكم البلد, أنا نفسي ممكن أعتقل و أنا ماشي في الشارع, لابد أن تتفهموا الموقف.
عبد المنعم منيب

تعليقات