المعتقلون السياسيون تم عزلهم عن كل ما هو خارج جدران الزنزانة لكنهم تمكنوا من كسر هذه العزلة رغما عن " أمن الدولة " .. من مشاهد أيام الإعتقال(2)
و أذكر أيامها أننى عندما جرى تقديمى لمحاكمة عسكرية جديدة عام 1999م بعد قضائى في السجن ست سنوات بعد محاكمتى العسكرية الأولى سنة 1993م كان أبى قد أصر أن يوكل لى محاميا عسكريا وكان بعض المحامين الذين إعتادوا على إحتكار الدفاع في قضايا الإسلاميين غاضبين من ذلك, وقاطعونى بسبب ذلك, لاسيما و أن أبى رحمه الله كان قد تعاقد مع هذا المحامى بعد دفع مبلغ مالى كبير نسبيا, وحينها تدخل الأخ(.....) وكان معى في القضية لإصلاح العلاقة بينى وبين هؤلاء المحامين, وعندما قالوا له وقتها لماذا يدفع كل هذا المبلغ لهذا المحامي الغريب و نحن أحق به, فرد عليهم قائلا يا رجل أنت عايزه يحكم على أبيه ده الواحد فينا اليوم لا يستطيع أن يحكم على زوجته أو أبناءه فكيف يحكم على أبيه.
كما أذكر أن أحد الأخوة المعتقلين كان قادما من سجن الوادى الجديد ولما أقام عدة شهور في مستشفى ليمان طرة بدأ يعمل أعمالا تجارية بسيطة كانت متاحة حينئذ في هذا السجن فقط و كان أبرزها نسج الخرز في صور أقلام أو إكسسوارات حريمى أو محافظ أو شنط كلها حريمى بجانب بيع بعض الأشياء الأخرى البسيطة بناء على ذلك أستطاع أن يوفر دخلا صغيرا جدا لكنه مناسب لأسرته الصغيرة التى يعولها وحده والمكونة من زوجته و أمه لكن سرعان ما دارت الأيام على غير آماله و هواه فتم ترحيله فجأة إلى سجن الوادى الجديد(الواحات), ونظرا لشدة المفاجأة من ناحية ومن ناحية أخرى نظرا للمشكلات التى يعلم يقينا أنها ستضغط على أسرته إذا غاب عنهم الدخل البسيط الذى لم يكن يستطيع توفيره لهم إلا بالقعود في مستشفى ليمان طرة, ونظرا لهذا كله فإن المعتقل المذكور أصيب بعد عدة أيام بصدمة عصبية فظل مجنونا لعدة أيام ثم توفى.
و قد ذكر لى الأخ (......) قصة أخرى وهى قصته شخصيا حيث أنه كان معروفا لى من قبل, وتربطنى به صداقة خفيفة سابقا, وقد إشتهر منذ 1994م أو بعدها بقليل أنه صار متعاونا مع الأجهزة الأمنية تعاونا مؤذيا جدا لكل زملائه بل لكل المعتقلين السياسيين من جميع الأطياف الفكرية, فلما قابلته مؤخرا أخذ في سرد قصته بالتفصيل دون أن أسأله وبدا لى و كأنه يذكر هذه القصة ليعتذر بها عن موقفه فقال لى أنا أعرف أخوة كثيرين كانوا معى في تنظيم الجهاد وهم بالخارج الآن ولم يدخلوا السجن وصاروا من أصحاب الملايين و كانوا أصدقاءا لى, ومع ذلك طرد صاحب البيت أمى و زوجها المشلول و أشقائى من أمى وهم صغار طردهم إلى الشارع ليهدم البيت القديم المتهالك ويبنى مكانه برجا ليبيع شققه تمليك و كانت أسرتى تنام على الرصيف في العراء, وفي نفس الوقت هؤلاء الزملاء يتعاملون في الأموال بالملايين ولم يقدموا لأسرتي قرشا لذلك لو قابلت أحدهم وقال لى أنت أول من عملت توبة أو تعملت بالإرشاد مع الأمن فإنى سأضع أصابعي في عينه.
و إذا كان هذا جانبا من الجوانب الإجتماعية للإتصال بين المعتقل و أسرته فهناك جوانب أخرى سواء ما يتعلق منها بالأسرة أو بوسائل أخرى للإتصال غير الزيارة وذلك ما سنعرض له فيما بعد إن شاء الله.
أما ما يتصل بالأسرة لم تلقى بمشاكلها كلها في حجر المعتقل كما قد يبدوا من السطور السابقة بل إن السطور السابقة توضح جانبا من الموضوع وهو أثر طبيعة الزيارة على مشاكل المعتقل وعلى معرفته بها فطول إنقطاعها يراكم المشاكل لكنه يغيبه عنها بما لذلك من إيجابيات وسلبيات, و إنفتاح الزيارة يؤدى لما سبق وذكرناه, ولكن أغلب عائلات المعتقلين تحملوا وبجلد كثير من المشاكل و ناءت أكتافهم بالكثير من الأعباء, ولا يمكن هنا أن نحصر هذا السلوك في أحد أطراف الأسرة لأن الطرف الذى تحمل العبء في الأسرة اختلف من معتقل لأخر فأنا سمعت أحد الأخوة يحكى عن دخول أحد أشقائه غرفة العناية المركزة بأحد المستشفيات الكبرى لخطورة حلته الصحية ثم قال إثر ذلك لو مات شقيقى هذا فهنا فقط ستبدأ حبستى (أى إعتقالى).
وسمعت ثانيا وقد ماتت شقيقته يقول: لو لم تمت لما شعرت أنى محبوس.
و هذا ثالث كانت زوجته تعمل بالحقول كعاملة بأجرة يوما بيوم لتنفق على نفسها وعلى زوجها وعلى إبنها.
وهذا رابع يقول: إنه لم يشعر فى المعتقل إلا بعد موت أبيه.
وكل هؤلاء لهم زوجات و أشقاء و أبناء لكن إختلف الفعال من أسرة لأسرة.وفي حالات أخرى رأيت المعتقل له عدة أشقاء كلهم يشاركون في القيام بأعباء أخيهم المالية والإجتماعية.
كما رأيت معتقلا أخر وهو رجل وحيد ومعه شقيقات عديدات وكلهن يشاركن زوجته في تحمل الأعباء ويدفعن أبناءهن للمشاركة في تحمل عبء إعتقال خالهم.
وهكذا اختلفت وتعددت الأطراف ذات المسئولية من أسرة لأخرى.
وقد لاحظت أن هؤلاء الأطراف كانوا مخلصين و أوفياء وذوى إيثار في تحمل الأعباء حتى إننى رأيت كثيرا من المعتقلين يعيشون عيشة مريحة كأنهم من ذوى اليسار وعلمت بعد ذلك أن أسرهم فقيرة لكنها أسر ذات إيثار تخرج القمة من فيها لتقدمها لإبنها المعتقل ليس عن طيب خاطر فقط بل بفرح و سعادة أيضا.
و أذكر أن أحد الأخوة المعتقلين يلبس ملابس فاخرة نسبيا و كان بعض الأخوة من قريته يقولون لى أمامه إن أمه تدلله لأنه وحيدها, وظننت حينئذ أن أمه من ذوى اليسار ثم علمت بالمصادفة بعد ذلك أنها تبيع بعض السلع البسيطة بالسوق كى تستطيع أن تنفق على إبنها الشاب المتعلم المعتقل.
ولم تكن معاناة أهلى المعتقلين منحصرة في الأعباء المالية بل كانت الأعباء البدنية لا تقل عن ذلك بل تزيد حيث قطع المسافة من البيت إلى سجون لم يكن بينها وبين البيت أقل من مائة كيلوا في أحسن الأحوال و كثيرا ما كانت تزيد عن ذلك وتصل لأكثر من خمسمائة.....الخ.و أذكر عام 1999م أثناء محاكمتى عسكريا أن الجلسات كانت يومية ونظرا لأن الزيارة كانت ممنوعة في السجن بما في ذلك دخول أى طعام من أهالينا فقد كانت أسرنا تأتى كل يوم للمحكمة وتعطينا وجبة طعام تكفى ليوم واحد و كان مقر المحكمة بالهايكستب, ولم تكن المحكمة تسمح لهم بمغادرة القاعة إلا بعد مغادرتنا وكنا نحضر في السابعة صباحا ونغادر في العاشرة مساءا ورأيت أكثر الأسر ينامون وهم جالسون في قاعة المحكمة من الإرهاق وقلة النوم فهم يغادرون بعد العاشرة مساء للبيت ثم يجهزون الطعام لليوم التالى ثم ينانون ثلاث ساعات ثم يعودون مع الفجر للسفر إلى مقر المحكمة و هكذا لمدة أسبوع متواصل.
و كما أن لكل قاعدة إستثناءات فقد كان هناك أسر من ذوى اليسار تهمل أبناءها أو حتى تتجاهلهم تماما و لا تزورهم ولا تحضر لهم شيئا ولكن هذه كانت حالات محدودة وقليل.
كيف يتصل المعتقل بخارج السجن وكيف يطلع على العالم ما خارج السجن؟!
ذكرنا من قبل أن الزيارة أحد أهم وأبرز وسائل اتصال المعتقل بخارج السجن لكن هناك وسائل أخرى للاتصال أقل شأنا ولكنها مهمة بقدر كبير وأحيانا تصبح أهم من الزيارة لسبب أو لأخر.
وعلى سبيل المثال عندما جرى نقلى من سجن الفيوم 9/2002 الى سجن ابى زعبل الجديد كان أحد المخبرين له علاقة حسنة بالعديد من المعتقلين فكلمته ان يتصل بأبى رحمة الله ليعرف أسرتى اننى جرى نقلى إلى السجن أبى زعبل لئلا يأتوا لزيارتى بسجن الفيوم ولا يجونى وفعلا قام المخبر بالاتصال وأنا موجود على بوابة السجن تمهيدا لنقلي وتأكدت بعد ذلك من أسرتى ولم يتقاض هذا المخبر أى مبلغ مالى على هذه الخدمة الخطرة التى لو إنكشف أمرها لتم تنزيل رتبة المخبر إلى الادنى .
وأحيانا كنا نتصل بأسرنا بإلقاء ورقة مكتوبة فيها الرسالة التى نريد توصيلها وبجانبها رقم التليفون ونقوم بإلقاء هذه الورقة من شباك سيارة الترحيلات أمام احد المارة وكان عادة ما يتصل وقد فعلتها أنا كثيرا وأعتاد كل المعتقلين على ممارسة هذا السلوك عند الحاجة فكلما تم نقل احد المعتقلين أو حتى مجموعة معتقلين ألقوا بمثل هذه الرسائل ما لم تتسن طريقة أخرى للاتصال بعائلتهم وبعدما لاحظ المعتقلون إرتفاع اسعار الاتصالات من خلال المعلومات التى تصلهم من عائلاتهم فإن كثيرا من المعتقلين أعتادوا منذئذ على وضع مبلغ مالى صغير عبارة عن جنيه أو جنيهين داخل الرسالة الملقاه من شباك سيارة الترحيلات كى تكون تمنا للاتصال ويوجد أسلوب أخر للاتصال حيث يرسل المعتقل رسالة إما شفهيه او مكتوبه مع أسرة معتقل أخر يتلقونها أثناء الزيارة ثم يوصلونها إما بالتليفون وهذا هو الاكثر وإما بالمقابلة الشخصية المباشرة وذلك في حالة ما إذا كانت العائلتان على صلة ببعضهم
لقيت ورقة من سيارة الترحيلات وأغتاظ جدا وظل يكرر على مسمعى بأن هناك معتقلين أغبياء مازالوا يفكرون بالاسلوب القديم ويلقون أوراقا من سيارة الترحيلات وعليهم ان يمتنعوا عن ذلك 0000 إلخ وعندما رجعت إلى السجن في هذه المرة دخلت من بوابة السجن وكان يمكن للقاعد في الزيارة أن يرى بسهولة الداخل من هذه البوابة دون أن يسمعه لآن المسافة كانت بعيه وحاولت جاهدا دون جدوى أن أقنع ضابط السجن بأن يسمح لى بإبلاغ أحد الاخوة بالزيارة بأنى رجعت للسجن لكنه رفض وكان هذا المعتقل الذى أريد إبلاغه هو الشيخ / سيد الحجار وكانت علاقة زوجته بزوجتى علاقة وطيده ولدى كل منهما تليفون الاخرى وظل الضابط مصرا على منعى من التوجه إلى الشيخ سيد في الزيارة إلى أن خرجت جميع الاسر الزائرة من بوابه السجن إلى الشارع وعندما دخلت للعنبر وقابلت الشيخ / سيد فى الزنزانه سلم على وقال لى خلاص خبر رجوعك للبيت وصل لأهلك قلت له رأيتنى فأبلغتهم قال نعم لقد رأيتك من اول ما فتحوا بوابة السجن لتدخل وأبلغتهم وسيتصلون بأهلك الان .
وكانت الاتصالات عبر أسر بعضنا البعض تزيد فرصنا في الاتصال بأهلنا فبدل أن أعرف أخبارهم ويعرفوا أخبارى في موعد زيارتى فقط تتواصل العلاقة والاخبار في مواعيد زيارات الاخرين .
ولم يكن ذلك صعبا لأن عائلات المعتقلين عادة ما تتوثق علاقاتهم ببعضهم البعض نتيجة أشتراكهم في معاناه واحده معاناه أعتقال أقاربهم ومعاناة القيام بزيارتهم أيضا وقد أوضحنا أنواع هذه المعاناة في المقال السابق بالتفصيل وقد أدى توثق العلاقات بين اهالى المعتقلين إلى نشوء شبكة قوية نسبيا من الاتصالات سواء شفهيا أو بكتابة الرسائل فأنا مثلا علمت بوفاة والدى رحمة الله عبر رسالة شفهية وصلتنى من زوجتى بعد موته بيومين بينما لم يكن مقررا لى زيارة إلا بعد موته بأسبوع .
وبينما كانت علاقات عائلات المعتقلين تيسر عملية الاتصالات فإن هناك علاقات نشأت أصلا بغرض تيسير الاتصال ثم تواصلت هذه العلاقات بعد ذلك وتطورت إلى علاقات وثيقه وطيبه جدا .
ومثال ذلك أننى عندما جرى نقلي إلى سجن استقبال طره عام 2004 لم يكن أهلى على صلة بأهل أحد من معتقلى الاستقبال بطره لأننى قضيت سنوات طويلة في سجون أخرى وكنت حديث عهد بسجن الاستقبال وأثناء جلوسى مع الاخ محمد نديم وهو من أصدقائى القلائل بالسجن شكوت له من هذه المشكلة فقال لى لماذا ؟!
عندك ياسرعبد السلام موجود بزنزانه رقم كذا وزوجته جارة لزوجتك ومنه ستعرف من هم جيران زوجتك الأخرين من أهالى المعتقلين وبالفعل تعرفت على ياسر وعن طريقه عرفت كلا من عيد ثم مصطفى وكانت زوجة كل منهما تسكن بالقرب من زوجتى وعن طريق هؤلاء ظللت أرسل الرسائل المكتوبه لزوجتى وأتلقى منها الرد وكذا ترسل لى معهم أحيانا الكتب التى كنت أحتاجها بسرعة قبل موعد زيارتى وبعض الاشياء الخفيفة كالقهوة أو الشاى أو الدواء ونحو ذلك.
كما أننا تمكنا عن طريق هؤلاء المعارف من توفير قدر من المال الذى ندفعه كأجر للسيارة التى تنقل أسرتى من البيت للسجن ذهابا وعودة حيث كانت الأسر الأربع يشتركن في سيارة واحدة أحيانا ومن ثم يشتركن في دفع الأجرة ولكن هذا لم يكن دائما معى. لكن كانت في حالات أخرى مع أسر معتقلين أخرين مسألة وسيلة الانتقال للسجن و العودة منه أمر حتمى وثابت أن يكون بالاشتراك فى أجرة السيارة للتوفير ولأنه أكثر راحة من ركوب المواصلات العادية العامة.
في حالات أخرى كانت الزيارة ممنوعه والاتصال بالأهل أو المحامى ممنوع واستمر ذلك لسنوات طويلة فما كان لحل؟ ! لقد كان الحل باستقطاب بعض أمناء الشرطة أو حراس السجن أو الجنود أو الموظفين أو الممرضين بمستشفى السجن وكان هذا الاستقطاب يبدأ فكريا بمحاولة استمالة الهدف وكسب تعاطفه مع ظروفنا ثم يتطور لإقناعه بأنه لو ساعدنا في توصيل رسائل شفهيه بالتليفون أو كتابية باليد لعائلاتنا فإنه سيكون له أجر وثواب كبير عند الله وأننا سندفع له تكاليف مثل هذا الاتصال وزيادة، والآن وبعد إتمام الألاف من مثل هذه الاتصالات عبر مئات من الحراس أو الجنود أو غيرهم لا يجدى كثيرا تحديد ما إذا كان هذا تم بناء على قناعة فكرية بوجوب القيام بمثل هذا العمل الانسانى أم بناء على رغبة في تحقيق مكسب مادى أو بمزيج من الاثنين لكن على كل حال يمكننى الآن الجزم بأن كل هذه الدوافع كانت حاضرة وأختلفت درجات كل منها من شخص لأخر ورغم أننى لم أنغمس بشكل واسع في مثل هذه العمليات وإنما نفذت بعضا منها لحسابى الخاص فقط لأننى على معرفة شبة كاملة بعمليات واسعة تم تنفيذها لحساب مئات المعتقلين خاصة ما جرى في سجن الوادى الجديد في الفترة من 1998 وحتى نهاية 1999 وكان ثمن الرسالة المكتوبه وقتها سبعين جنيها مقابل ذهاب الرسالة باليد للبيت والعودة برد مكتوب عليها بخط معروف للمعتقل ومسموح بأن يصحب الرد مبالغ مالية وذلك وفقا للآتفاق الذى صار مشهورا وثابتا وكان كل شخص من الاشخاص الذين يخرجون بالرسائل يخرج في كل نوباتجيه بأكثر من مائة رسالة مكتوبه ثم يعود فى النوباتجية الاخرى بالرد وما معه من مال .
وفى أحدى المرات عاد ممرض بالردود وكانت أكثر من مائة ودخل المستشفى فنام فلم يستيقظ إلا بعد غلق العنابر فتركها في ملابسه وفى اليوم التالى عندما أنهى النوباتجية نسى وخرج بها مرة أخرى من السجن دون أن يحتاط من التفتيش الروتينى الذى يتعرض له كل داخل أو خارج من السجن ما دام من رتبه دون الضابط وبالفعل تم ضبط الرسائل وجرى التحقيق معه بالطريقة التى يعرفها الجميع فجر الخيط وظلت التحقيقات تجر الخيط من حلقة لأخرى حتى أنكشفت شبكة ضخمة نسبيا تضم معتقلين من جهه وتضم من جهه أخرى ممرضين وموظفين وحراس وجنود وأمناء شرطة كانوا جميعا متعاونين في توصيل الرسائل وتلقى ردودها بين جميع معتقلى السجن وعائلاتهم وقد تم عمل تحقيق رسمى وقضية لعدد من الممرضين والموظفين وجاء الممرضون ليقضوا أعتقالهم في عنبر مجاور لمستشفى سجن ليمان طره التى كنت مقيما فيها وقتها وسمعتهم وسمعت ما جرى لهم .......... لم يكن الاتصال بخارج السجن قاصرا على الاتصال بالاهل بل يحتاج كثير من المعتقلين لمعرفة ومتابعة الاخبار السياسية والاقتصادية المحلية والدولية وكانت الصحف ممنوعة لسنوات طويلة وكذا امتلاك المذياع أو التلفاز وحتى عندما سمحوا بالصحف فإنهم كانوا يمنعون صحف المعارضة والمستقلة والاجنبية ، وإزاء ذلك كان يتحتم علينا أن نتصرف فكنا نشترى الصحف من المسجونين الجنائين والتى كانوا عادة يسرقونها من مكاتب الضباط أو غيرها كما كنا ندفع نقودا للمسئولين عن التفتيش أثناء إدخال الطعام الوارد لنا من عائلاتنا أو أثناء رجوع بعض المعتقلين من المحكمة أو النيابة كى يغض هؤلاء المفتشون الطرف عن دخول صحف او مذياع أو اقلام أو كتب ولقد حقق المعتقلون كثيرا من النجاحات في هذا المجال لدرجة أننا كنا نتابع صحفا بعينها بشكل منتظم لكن هذا كان يتكلف كثيرا من المال حتى إننا كنا نشترى الجريده التى ثمنها جنيها واحد بـ 15 جنيها وقد أدى ذلك لتوقيع عقوبات كثيرة على حراس وضباط السجن خاصة من كان منهم في مباحث السجن وكان ذلك يحدث عندما كان يتم ضبط كميات متسلسة الارقام من الصحف والمجلات فى الزنازين حيث أن ذلك كان يعنى أنها تدخل بإنتظام وبشكل مستقر اما المعركة التى كانت أكثر صعوبة وخطورة وأكثر تكلفة فهى الحصول على مذياع صغير ووصل الامر بنا أننا أشترينا من مسجون جنائى ذات مرة مذياعا بثمانين جنيها بينما ثمنه الاصلى الذى يستحقه لم يكن يزيد على عشرة جنيهات لكن شده حاجتنا له دفعتنا لعدم التفكير في حجم المال المدفوع فيه ، والمذياع بهذا السعر أوفر وأفضل من شراء جريدة بـ 15 أو 20 جنيها ولكن المذياع معرض لأن يعثروا عليه ويصادروه ويعاقبوا الزنزانه التى وجدوه فيها في أى لحظة فكان شراء مذياع يستلزم إيجاد مكان يصلح لأخفائة من التفتيش الدورى الذى تجريه مباحث السجن وهذا كان تحديا أخر يواجهنا وأختلفت طريقة الأخفاء من سجن لأخر بل من زنزانه لأخرى وكانت السجون القديمة المبنية بالطوب العادى وأرضيتها من البلاط العادى كانت سهلة حيث يجرى خلع بلاطة والحفر تحت البلاطة المجاورة لها ودس المذياع الملفوف جيدا في عدة أكياس بلاستيك لحمايته من أى رطوبه وكذا كان من السهل عمل مكان سرى في الحائط الذى يسهل حفره لكن مع تطور خبرات الجهاز الامنى ومعرفته بأساليب المعتقلين جرى بناء جميع السجون الجديدة من الخرسانه المسلحة سواء الحوائط أو الارضية أو السقف كما جرى دهانها بدهان براق يتيح لأى مفتش الاطلاع على أى خدش يطرأ عليه ليفحصه ويدرك ما إذا كان تحته مخبأ أم لا .
ولكن المعتقلين لم يستكينوا لهذا التحدي الجديد فقاموا بإبتداع طرق عديده للأخفاء في هذه الخرسانه فقاموا بتحديد الاماكن الضعيفة منها وكذا الاماكن التى يعقبها تجويف ما ثم حفروا هذه الخرسانة بأدوات بدائية وبطرق مختلفه وعملوا بها تجاويف للمذياع أو الاقلام والاوراق أو حتى الكتب وأختلف ذلك من سجن لسجن ومن وقت لوقت وكان دائما من المهم لنجاح العملية أن يتم لصق قشرة مماثلة لطلاء الغرفة تماما فوق فوهة التجويف الذي تحتم دائما سد حلقها بطريقة تجعلها صماء بحيث حتى لو نقرها لمفتش بيده أو بأى أله تعطى صوتا مصمتا عاديا لا يشير لوجود أى تجويف في هذا المكان .
وأختلفت فلسفات المعتقلين في أختيار المكان الذى يجرى عمل المخبأ به فالبعض أختار مكانا بعيدا عن العيون مثل أعلى قمة السور الفاصل بين دورة المياه والزنزانه في سجن الوادى الجديد مثل عتبه الشباك الداخلية في سجون الفيوم علما أن الشباك ملتصق بسقف الغرفة بينما أختار البعض مكانا ظاهرا تحت العيون أعتمادا على أن المفتش عادة مايبحث فى الاماكن البعيدة والخفية ولم يخطر ببالة أن أحدا سيخفى شيئا تحت عينه مباشرة فكان هذا الفريق يعمل المخبأ في وسط الغرفة أو أى مكان ظاهر فيها .
وكان المخبأ يطلقون عليه تأمين ولكن لا يجرى التلفظ بهذه الكلمة بصوت مرتفع أبدا بل كان له أسم حركى يجرى التلفظ به بشكل عادى وهذا الاسم هو ابو أمين فلو طلب شخص المذياع أو القلم أو الورق فأن الرد لو كان في المخبأ أن يقال أنه عند أبى امين فيفهم جميع المعتقلين أنه في التأمين وأن موعد خروجه من التأمين لم يحن بعد .
وكانت بقية الاشياء الممنوعه لها أسماء حركية خشية أن يسترق أحد من الحراس السمع ويبلغ عن وجود شيء ممنوع بالزنزانه فكان القلم نطق عليه عبد الحميد نسبة إلى عبد الحميد الكاتب وكان المذياع يطلق عليه ماجد سرحان نسبة للمذيع الراحل في الـ BBC وهكذا كان يطلق على الصحفـة ( هيكل ) نسبة للصحفى الشهير وبهذه الاساليب تغلب المعتقلون على عوائق الاتصال والحصول على المعلومات في السابق ولكن في السنوات الاخيرة تم السماح لأكثر المعتقلين بالحصول على المذياع التلفاز والصحف الحكومية بشكل رسمى كما جرى السماح بشكل غير رسمى بالصحف المستقلة والمعارضة والاجنبية وأهتم كثير من المعتقلين بالصحف المستقلة وعلى رأسها الدستور وصوت الامة والمصري اليوم بالاضافة لجريدة الاهرام شبة الرسمية التى ما يزال يهتم بها كثير من المعتقلين السياسيين أما الصحف العربية التى تصدر في الخارج فلم يهتموا ألا بصحيفة الشرق الاوسط وصحيفة الحياه الصادرتان في لندن وكان فريق كبير يهتم بالحياة من أجل ما بها من مقالات وتحليلات سياسية بينما كان فريق أكبر يهتم بالشرق الاوسط بسبب متابعتها المميزة بشأن الحركات الاسلامية ودأب المعتقلون على شراء عدد من الصحف بمال عام مجموع من جميع المعتقلين أو نحو ذلك بحيث تتاح هذه الصحف للمعتقلين جميعا مثلها مثل الطعام العام الذى يأكل منه الجميع وهذا تقليد يعمل به المعتقلون بكل السجون غالبا .
كما أنشأت مجموعات من المعتقلين أتحادات خاصة يدفع أعضاؤها أشتراكا أسبوعيا مقابل شراء صحف ومجلات معفية تتاح لجميع أعضاء الاتحاد وهذا شيء أضافي يضاف ويتكامل مع الجرائد العامة المذكورة من قبل .
وكان قلة من المعتقلين يتابعون صحفا ومجلات بريطانية وأمريكية وسبب قلة عددهم أمران الاول غلاء ثمن هذه المجلات والثانى حاجز اللغة الاجنبية حيث لم يكن متمكنا منها سوى قلة وكان عدد أقل يتابع دير شبيجل الالمانية لندرة من يعرف هذه اللغة من المعتقلين وبعد ما أصبح التليفون المحمول متاحا في مصر بدأ عدد من المعتقلين يهربونه للسجن ويستخدمونه خفيه وكثرت حالات ضبط تليفونات محمولة في السجون في الفترة الاخيرة ولا يتعرض حاملة لعقوبات قانونية لعدم وجود قانون يحرم ذلك لكنه يتعرض لعقوبات إدارية في أغلب الحالات مثل أن يتم تغريب المعتقل أى نقله إلى سجن بعيد جدا وعادة ما يكون سجن الوادى الجديد حتى صار في سجن الوادى الجديد عنبر أسمه عنبر المحمول لكن المشكلة جاءت من أنه جرى ضبط أجهزة تليفون محمول في سجن الوادى الجديد نفسه.
عبدالمنعم منيب
تم نشر هذا المقال في المدونة القديمة و في جريدة" الدستور"المصرية بتاريخ
28 نوفمبر2007م. و كان هو الحلقة الثانية من 16 حلقة نشرت تباعا بشكل أسبوعي منذئذ شرحت مشاهداتي للأوضاع الاجتماعية و النفسية و الاقتصادية للمعتقلين السياسيين في سجون مبارك طوال فترة اعتقالي التي استمرت من 21 فبراير 1993م و حتى 1 أغسطس 2007م.
موضوعات متعلقة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقوم الآن بنقل هذه المدونة الى موقعي الجديد " الأمة اليوم " على الرابط التالي
http://moneep.alummah.today/
نقلت حتى الآن أغلب المحتوى الموجود هنا و مستمر في النقل حتى أنقل جميع المحتوى ان شاء الله تعالى .. و كل جديد سأكتبه سأنشره هناك و ليس هنا..
http://moneep.alummah.today/
نقلت حتى الآن أغلب المحتوى الموجود هنا و مستمر في النقل حتى أنقل جميع المحتوى ان شاء الله تعالى .. و كل جديد سأكتبه سأنشره هناك و ليس هنا..
موضوعات متعلقة:
تعليقات
إرسال تعليق