المسجد للاقصى و تاريخ طويل من الانتهاكات الصهيونية

ازدادت الانتهاكات الصهيونية للمسجد الأقصى المبارك في الآونة الأخيرة، فوق الأرض وتحت الأرض، بشكل دعا أحد المسئولين عن المسجد المبارك للقول بأن أي هزة أرضية قادمة ستدفع المسجد للانهيار، سواء أكانت هزة طبيعية أو مفتعلة.
ولاشك أن الانتهاكات المتدرجة التي يمارسها الصهاينة ضد المسجد الأقصى، تسعى لتحقيق الهدف الذي سجله "تيودر هرتزل" في مذكراته بقوله: (إذا حصلنا على القدس، وكنت لا أزال حيًّا وقادرًا على القيام بأي عمل؛ فسوف أزيل كل شيء ليس مقدسًا لدى اليهود فيها، وسوف أحرق جميع الآثار التي مرت عليها قرون).
وهذا الهدف كرر "دافيد بن جوريون" تأكيده إثر تأسيس دولة "إسرائيل" عام 1948م، عندما قال: (لا معنى "لإسرائيل" دون القدس، ولا معنى للقدس دون الهيكل)، ويقصد به المعبد الذي يريد اليهود بناءه مكان المسجد الأقصى الشريف، وتسعى القوى الصهيونية منذئذ لتحقيق هذا الهدف بقدر من التدرج؛ خشية الوقوع في الفشل بسبب المكانة التي يحتلها المسجد الأقصى الشريف في نفوس أكثر من مليار مسلم، لكنهم يسيرون بخطى ثابتة في هذا المجال، يدعمها الصمت الذليل لحكام العرب والمسلمين إزاء هذه الخُطى.
لقد بدأت الانتهاكات الصهيونية لحرمة المسجد الأقصى المبارك مبكرًا في عام 1918م، عندما تأسست جامعة تل أبيب في جبل الزيتون شرق القدس، وباشرت الحفريات الصهيونية في المدينة المحتلة، خاصة فيما يُسمى "الحوض المقدس"، والذي يضم المسجد الأقصى المبارك؛ بزعم أنها حفريات أثرية، إلا أنها أدت في الحقيقة إلى إتلاف الأبنية التاريخية الإسلامية والعربية في المدينة المقدسة، في إطار مساعي نزع هويتها العربية والإسلامية.
وفي عام 1947م قامت العصابات الصهيونية بقصف المسجد الأقصى المبارك، وأثناء حرب 1948م أصابت قنابل العصابات الصهيونية قبة الصخرة في قلب المسجد الأقصى المبارك فأصابتها بأضرار، وفي 7 يونيو 1967م احتل الجنود الصهاينة شرقي القدس، واستولوا على حائط البراق؛ حيث حولوه إلى مزار لهم باسم حائط المبكى.
كما اقتحموا المسجد الأقصى المبارك خلف قائدهم "مردخاي جور"، الذي استولى على الأقصى وهو يركب سيارة نصف مجنزرة، وهم من خلفه يهتفون: "محمد مات ... خلف بنات"، يقصدون بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويصرخون "يا لثارات خيبر"، معلنين انتقامهم لهزيمة اليهود على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر سنة 629م (7هـ). واستولت سلطات الاحتلال منذ ذلك الحين على مفتاح باب المغاربة، القريب من حائط البراق، كما فرضت حصارًا على باقي الأبواب، ورغم أن المحتلين تركوا إدارة الشئون الداخلية للمسجد الأقصى لدائرة الأوقاف التابعة لوزارة الأوقاف الإسلامية الأردنية، إلا أنهم واصلوا مساعيهم لفرض سيطرة كاملة تدريجية عليه، بهدف إيجاد أمر واقع جديد يكرس هيمنتهم على الأرض المباركة كلها.
وفي اليوم التالي، عاث جنود الاحتلال فسادًا في المسجد الأقصى المبارك؛ حيث حرقوا المصاحف، واعتدوا على المصلين، وقتلوا عددًا منهم، ورفعوا العلم الصهيوني على قبة الصخرة القائمة في قلب الأقصى المبارك، وأغلقوا المسجد، وأخلوه من المصلين، ومنعوا فيه الصلاة والأذان لمدة أسبوع، وبذا تعطلت صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى المبارك "9 يونيو 1967م" لأول مرة منذ تحرير صلاح الدين للقدس من أيدي الصليبيين في عام 1187م، وتكرر منع صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى منذئذ عدة مرات.
وفي 15 يونيو 1967م أقام الحاخام الأكبر للجيش الصهيوني، وخمسون من أتباعه "صلاة يهودية" في ساحة المسجد الأقصى المبارك.
وفي 15 أغسطس 1967م، اقتحم الحاخام الأكبر لجيش الاحتلال ساحة المسجد الأقصى، وأقام صلوات مع أتباعه وجنوده هناك، وأعلن أنه سوف يبني كنيسًا في المكان.
وفي 21 أغسطس 1969م أحرق الصهيوني "دينيس روهان" المسجد الأقصى المبارك، بدعم من سلطات الاحتلال التي حاصرت أبواب المسجد وأعاقت دخول سيارات الإطفاء، وقطعت المياه عن المنطقة، حيث اقتحم ساحات المسجد، ووصل إلى المحراب داخل الجامع القبلي ـ المصلى الرئيسي في المسجد الأقصى المبارك ـ وأضرم فيه النار في محاولة لتدميره، وأتت النيران على مساحة كبيرة من الجامع، من ضمنها منبر نور الدين الأثري، إلا أن تدخل المواطنين المسلمين حال دون امتداد النار أكثر من ذلك.
وفي 24 يونيو 1969م استولت سلطات الاحتلال على المدرسة التنكزية التي تعرف بالمحكمة، والتي تعد جزءًا من المسجد الأقصى المبارك، وتقع عند باب السلسلة أحد أبواب سوره الغربي، ومنذ ذلك الحين، وجنود الاحتلال يستخدمونها كثكنة لما يعرف بحرس الحدود، ويراقبون منها حركة المصلين داخل المسجد الأقصى المبارك، كما ينطلقون منها للاعتداء على المصلين داخل الأقصى.
وفي 1972م اعتبرت اليونسكو البلدة القديمة من القدس ضمن قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، وكانت اليونسكو قد أدانت قبل ذلك الحفريات التي يقوم بها الصهاينة بعد أن سببت انهيارًا جزئيًّا لرباط الكرد "جزء من الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك".
وفي 30 يناير 1976م، قررت محكمة إسرائيلية حق اليهود في "الصلاة" في المسجد الأقصى المبارك في أي وقت يشاءون من النهار، وتوالت بعد ذلك القرار عمليات اقتحام وانتهاك حرمة المسجد المبارك، ضمن خطة مرسومة لبسط السيادة الصهيونية عليه.
وفي أغسطس 1981م أعلن اليهود افتتاح نفق كان قد اكتشف سنة 1867م، يبدأ من حائط البراق، ويمتد حتى قبة الصخرة، في قلب المسجد الأقصى المبارك، بعد أن عمل ما يُسمى حاخام "المبكى" على حفره بسرية تامة، وبدعم مما تُسمى وزارة الأديان، وأعلن الصهاينة أن لذلك علاقة بما يُسمى "الهيكل" الثاني، وبدءوا عمليات حفر هددت الجدار الغربي للمسجد الأقصى بالانهيار، واحتجت دائرة الأوقاف الإسلامية، وسارعت إلى إغلاق النفق بالخرسانة المسلحة، ولكن بعد أن تسبب في إحداث تشققات في الرواق الغربي للمسجد الأقصى المبارك، وإلى تصدع خطير في الأبنية الأثرية الإسلامية الملاصقة للسور الغربي للمسجد المبارك.
وكانت الحفريات الصهيونية حول المسجد الأقصى المبارك وتحته، والتي بدأت مع بدء الاحتلال بدعوى البحث عن آثار يهودية، قد اتخذت طابع شق الأنفاق منذ عام 1970م؛ بهدف زعزعة أساسات المسجد المبارك من جهة، والسيطرة على ما تحته من جهة أخرى.
ومنذ عام 1981م، تكرر فتح أنفاق وسراديب تحت المسجد المبارك، وتكرر تصدي المقدسيين لها؛ ما تسبب في مواجهات عنيفة عام 1986م، و1989م، و1995م، وبانتفاضة عام 1996م، عُرفت باسم انتفاضة النفق.
وفي 1986م افتتح "مناحيم بيجن" رئيس وزراء دولة الاحتلال كنيسًا/معبدًا يهوديًّا صغيرًا في نفق ملاصق للمسجد الأقصى المبارك، وفي أكتوبر 1989م وضعت جماعة أمناء "الهيكل" اليهودية حجر الأساس لبناء "الهيكل" الثالث قرب أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك، بعدما فشلت في اقتحام المسجد لوضع حجر الأساس بداخله، وارتكبت قوات الاحتلال مذبحة فظيعة في حق الفلسطينيين الذين تصدوا لهذه العملية.
وفي عام 1997م صادر المحتلون رباط الكرد، الواقع قرب باب الحديد في السور الغربي للمسجد الأقصى المبارك، وأقاموا نقطة مراقبة بجواره، حيث حولوه إلى موضع للصلاة، مثل حائط البراق، وأطلقوا عليه اسم "هاكوتل هاكاتان"؛ أي "حائط المبكى الصغير".
وفي 3 أكتوبر 1999م، افتتح رئيس الوزراء الصهيوني "إيهود باراك" ساحة جنوب المسجد الأقصى المبارك، ليقوم اليهود بأداء الطقوس "الدينية" فيها.
وفي 1 ديسمبر 1999م، أمر رئيس بلدية القدس "إيهود أولمرت"، بمنع إدارة الأوقاف الإسلامية من مواصلة أعمال الترميم في المصلى المرواني ـ جزء من المسجد الأقصى المبارك ـ مهددًا بقطع المياه عن الأوقاف الإسلامية إذا لم تتوقف أعمال الترميم في المسجد الأقصى المبارك.
وفي 25 يناير 2000م منعت شرطة الاحتلال شاحنتين محملتين بمواد أولية تحتاجهما أعمال الترميم الجارية في المسجد الأقصى المبارك من دخول المسجد.
وفي 15 فبراير 2004م، انهار جزء بمساحة 100 متر من الطريق المؤدي إلى باب المغاربة، أحد الأبواب الرئيسية للمسجد الأقصى؛ بسبب الحفريات التي تقوم بها سلطات الاحتلال.
وفي 13 يونيو 2006م، افتتح رئيس دولة "إسرائيل" كنيسًا يهوديًّا آخر تحت المدرسة التنكزية، المعروفة بمبنى المحكمة، والتي تعد جزءًا من الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك بجوار حائط البراق.
كما دشن الاحتلال موقعًا يُعتبر الأول من نوعه في الفضاء التحتي للمسجد الأقصى، ضمن ما يُسمى نفق "الحشمونائيم" الذي افتُتح عام 1996م، ويمتد بطول حائط البراق كاملًا، أُطلق عليه متحف "أنت وأنا في قافلة الأجيال"، ويضم سبع غرف تحكي التاريخ اليهودي المزور، وتربطه بوجود هيكل مزعوم مكان المسجد الأقصى المبارك، باستخدام عروض الصوت والضوء، وقد تم الإعلان عنه في 18 يونيو 2006م، ثم افتُتح رسميًّا أمام الزوار في 22 سبتمبر 2006م.
هذا كله فضلًا عن الاعتداء بالرصاص من حين إلى آخر على المصلين بالمسجد، سواء من قبل قوات الاحتلال أو مستوطنين صهاينة، كما تم إفشال العديد من محاولات نسف المسجد أو أجزاء منه بالمتفجرات، وأيضًا جرى ضد المسجد العديد من الاقتحامات من قبل أفراد وزعماء صهاينة، وتم أداء شعائر يهودية به.
وفي كل مرة كانت القوى الشعبية تتصدى لهذه الانتهاكات بما يُتاح لها من إمكانات، هي في التحليل الأخير مجرد إمكانات شعبية، أي غير حكومية؛ وبالتالي فهي لا قبل لها بإمكانات الصهيونية العالمية ومن يساندونها عبر العالم.
عبدالمنعم منيب
هذا المقال كتبته لموقع لواء الشريعة و نشر به.

تعليقات