بشأن المسلمين..تهافت الفكر الغربي المعاصر

دأب كثير من المفكرين الغربيين وتلامذتهم من العرب على نعت المفكرين والعلماء الملتزمين بتعاليم الإسلام بالسطحية وعدم التحلى بالروح العلمية والموضوعية والحياد المنهجى...... إلخ من الشعارات التى أصروا على رفعها فى مواجهة الكتابات الإسلامية مهما كانت رصينة لكن البحث الموضوعى المتعمق يثبت أن الملتزم حقيقة هو الأجدر بالتحلى بالعلمية والموضوعية لأن إلتزامه بالإسلام يعنى إلتزامه بتعليم القرآن الكريم ذلك القرآن الذى إختص العلم والقراءة والقلم بأول آياته نزولا قال تعالى: "إقرأ باسم ربك الذى خلق، خلق الانسان من علق، إقرأ وربك الأكرم، الذى علم بالقلم،علم الإنسان ما لم يعلم".
وهذا لا ينفى وجود كتابات إسلامية ضعيفة لكن هذا ليس الأصل ولا القاعدة المحتومة حتى لو كان هذا شائعا بسبب الضحالة والسطحية الفكرية السائدة فى واقعنا الحالى.
يضاف إلى ذلك أن البحث العلمى المتأنى يثبت ضعف المستوى العلمى لأغلب المستشرقين وتلامذتهم من العرب بشأن الدراسات الإسلامية و لا شك أن السطحية والسذاجة الفكرية بادية بوضوح فى أعمالهم بهذا الصدد.
ومن أخر ما يدل على ذلك ما حدث بعد زلزال 11 سبتمبر2001 م حيث إنهمكت مراكز البحوث الأوربية والأمريكية فى دراسة الشأن الإسلامى بعامة و شئون الحركات الإسلامية بخاصة ثم خرجت علينا هذه المراكز بألاف الدراسات لتسوق لنا الوصفة العلاجية الأكيدة حسب زعمهم لحل مشاكل العالم الإسلامى خاصة فيما يخص كراهية المسلمين للغرب.
ولأن المقام لايتسع لعرض وتقويم كل ما خرجوا به فإننا نركز هنا على نقطتين مشهورتين لنظهر بجلاء صحة ما ذكرناه.
النقطة الأولى: هى ما ذكروه من حتمية تشجيع ونشر المذهب الحنفى فى مواجهة المذهب الحنبلى وغيره من المذاهب، وذلك لأن المذهب الحنفى حسب زعمهم أقل تشددا ومن ثم سيسهل دمج المسلمين فى العقائد والقيم الغربية، ويمكننا دحض هذا الزعم بسهولة بأن نسوق عددا من المسائل الفقهية ونقارن فيها رأى المذهب الحنفى بالمذاهب الأخرى ليظهر بجلاء أن المذهب الحنفى أكثر حدة فى مواجهة من يعتبرهم أعداء المسلمين كما أن مسائل عدة تظهر أنه ليس الأيسر دائما فى إختياراته الفقهية لكننا لن نفعل ذلك لئلا نغرق القارئ غير المتخصص بالتفصيلات الفقهية وأدلتها وقواعدها.
ولكننا نكتفى هنا بالتذكير بحقيقة واحدة لايختلف أحد عليها ألا وهى أن الامبراطورية العثمانية التى زلزلت عروش أوروبا ودوخت جيوشها وإحتلت شطرها كانت تتبنى المذهب الحنفى منذ أسلمت قبيلة عثمان وحتى سقوطها كامبراطورية عثمانية بعد عدة قرون...... نعم لقد تبنت المذهب الحنفى بتعصب شديد حتى لم يكن مسموحا لأحد أن يتولى القضاء مهما علا كعبه علما وفقها إلا إذا كان حنفى المذهب وذالك فى جميع أرجاء الإمبراطورية العثمانية مترامية الأطراف وذلك بعكس كل التقاليد الإسلامية التى إتسمت دائما بالتسامح المذهبى خاصة فى مجال القضاء.
كما لم يكن مسموحا لأى مسئول عثمانى كبير أن يدين بغير المذهب الحنفى ولسنا بحاجة للتذكير بأن أشرس دول الإسلام فى مواجهة الغرب الأوربى كانت الدولة العثمانية.
وهذا كافى للرد على سذاجة مفكرى الغرب ومن سار فى ركبهم من العرب الذين يزعمون أن المذهب الحنفى سيكون لطيفا إزاء الغرب بعكس المذهب الحنبلى وغيره من المذاهب الإسلامية على حد زعمهم.
وبذا لن نكون محتاجين للتذكير بأن الأفغان الذين حاربوا الإحتلال الانجليزى وهزموه عدة مرات ودحروه عن أفغانستان فى مطلع القرن العشرين كانوا أحنافا كما أن حركة طالبان الأفغانية هم "أحناف" و "صوفية" أيضا على "الطريقة الديوباندية" ولايخفى على أحد أن حركة طالبان هذه هى التى تأوى أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهرى وكثير من قادة القاعدة وتناصرهم.
وعلى ذكر الصوفية ننتقل إلى النقطة الثانية:
النقطة الثانية: وهى الزعم بأن الصوفية ستكون لطيفة إزاء العقائد والتقاليد الغربية بعكس الوهابية وهنا يكفينا التذكير بالتالى:
أولا: العثمانيون كانوا صوفية وكانت الدولة تتبنى رسميا الطريقة النقشبندية وكان لزاما على كبار كبار رجال الدولة والجيش بما فى ذلك الجنود خاصة الإنكشارية أن يعطوا العهد على الطريقة النقشباندية (وأخذ العهد هو تقليد صوفى هام فى شعائر الطرق الصوفية).
ثانيا: طالبان والجماعات المناصرة لها فى أفغانستان وباكستان والهند هم صوفية معادون للوهابية وينعتون الإمام محمد بن عبدالوهاب بالبدوى تنقيصا من قدره حسب زعمهم بل ذكرت التقارير الغربية أن الأفغان بنوا مزارات على مقابر مقاتلى القاعدة العرب، وهذا تقليد صوفى بارز هو فى نفس الوقت مذموم جدا بل موصوف بكونه من ألوان الشرك عند السلفين المشهورين بالوهابيين.
ثالثا: الإمام محمد أحمد المهدى والذى أسس الحركة المهدية فى السودان فى نهايات القرن التاسع عشر وقاتل الانجليز وغزا مصر لتحريرها من الإنجليز وضمها لدولته فى إطار آماله بعمل حركة فتوحات إسلامية تحرر العالم الإسلامى وتؤسس لخلافة إسلامية جديدة..... هذا الإمام محمد المهدى كان صوفيا وتلقى علم الصوفية على من مشايخ الصوفية بالسودان.
رابعا: الحركة السنوسية التى قاومت الإحتلال الإيطالى فى ليبيا كانت حركة سياسية إسلامية وفى نفس الوقت كانت طريقة صوفية معروفة ومشهورة وهى الطريقة السنوسية، بل إن الإمام محمد بن على السنوسى الملقب بالسنوسى الكبير وهو مؤسسها كان قد أخذ علم التصوف على شيخ الطريقة الإدريسية الإمام العباس بن إدريس وذلك في مكة المكرمة قبل أن تسيطر على مكة الحركة الوهابية.
ولسنا بحاجة للتذكير بأن معظم حركات التحرر الإسلامى من الإستعمار فى أفريقيا فى القرن التاسع عشر كانت صوفية وعلى المذهب المالكى أو الشافعى وليس الحنبلى.
وهكذا يتضح لنا أن الأمر ليس صوفية ولا وهابية ولاحنفية ولا حنبلية ولا أى مذهبية كما زعم مفكرو الغرب وأتباعهم من العرب بل الأمر شئ أو أشياء أخرى، وهذا له مقال أومقالات أخرى إن شاء الله.
عبدالمنعم منيب
موضوعات متعلقة




تعليقات