أولويات النضال السياسي

تشهد الساحة السياسية فى مصر وفى سائر أنحاء العالم الإسلامى نضالا سياسيا يهدف إلى تحقيق الإصلاح والنهوض والتقدم ورغم النجاحات التى حققها هذا النضال فإن الإخفاقات والإنتكاسات التى أصابت الحركة السياسية المعارضة الداعية للاصلاح أكبر وأعمق من هذه النجاحات وهذا يدعونا للتأمل بعمق فى أسباب هذاالاخفاق.
وإذا أردنا أن نحدد جميع أسباب الإخفاق فإن ذلك سوف يتطلب بحثا طويلا لا يقوم به فرد واحد بل مجموعة كبيرة من الباحثين ولكن يمكننا أن نشير فى عجالة إلى أحد أبرز أسباب هذه الهزائم والإخفاقات ألا وهو عدم ترتيب الأولويات تارة أو الخطأ فى ترتيب الأولويات تارة أخرى.
وبعيدا عن الدخول فى تفصيلات كثيرة فيمكننا القول بإطمئنان أن النضال السياسى الإسلامى وغير الإسلامى (كالعلمانى أو القومى أو الماركسى مثلا) ينبغى أن يتركز على تحقيق الحريات السياسية وليبرالية الحكم إن جاز التعبير.
ولكن لماذا حددنا هذه الأولوية على رأس أولويات النضال السياسى فى العالم الاسلامى؟
فى الواقع إن لدينا أزمة فكرية وحضارية لها أسباب كثيرة أبرزها إنقطاع التطور الحضارى لأمتنا وذلك الإنقطاع له سببان:
الأول- مرحلة الجمود والتخلف الحضارى بالإضافة إلى التمزق السياسى الذى ساد مرحلة ما قبل الإحتلال الغربى الحديث للعالم الإسلامى.
الثانى- الإحتلال الغربى للعالم الإسلامى فى العصر الحديث ثم استمرار سيطرته الامبريالية بعد التحرر السياسى فيما سمى بالاستعمار الجديد أو الاستعمار الاقتصادى.
وقد أدى هذا أن السببان إلى تعويق التطور الفكرى فى معظم المجالات بدرجات متفاوتة ومن ثم إلى إنتكاسة حضارية نصطلى بنارها كما هو مشاهد فى الواقع الحالى ذلك الواقع الذى وصفه النبى صلى الله عليه وآله وسلم قبل 1400 عاما بقوله "يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها قيل امن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ قال: لابل أنتم يومئذ كثير ولكن غثاء كغثاء السيل".
وكلنا يدرك بجلاء حالة الغثائية التى نعيشها.
وبالتالى فإننا لنرتقى بهذا الواقع وننهض ونتقدم لابد من حل أزمتنا الفكرية فى كل المجالات وان نصل انقطاعنا الحضارى الذى حدث، ولن يتم هذا إلا فى اطار ادارة رشيدة للصراعات الاجتماعية والفكرية، ولا إدارة رشيدة إلا فى ظل حكم إسلامى رشيد أى حكم قائم على الشورى والاختيار الحر للحاكم والرقابة الشعبية والقضائية على الحاكم واعوانة والاستقلال التام للقضاء.......إلى اخر معالم الحكم الإسلامى الصحيح.
لكن نظرا للأزمة الفكرية الراهنة وتعدد التيارات الفكرية ما بين إسلامية وعلمانية فلا مجال الآن إلا للاختيار بين أحد بديلين الديكتاتورية أو الليبرالية فى الحكم.
فأنا بصفتى أنتمى للحركة الاسلامية ومؤمن بنظام الحكم الاسلامى وأعتقد أن الاسلام يشمل شئون الدين وشئون الدنيا إجمالا فأنا أرى أن الحكم الاسلامى وفق التشريع السياسى الاسلامى الصحيح هو الحل، ولكن نحن الأن بصدد الكلام عن المتاح مع الكلام عن أولوية تتجمع عليها كل التيارات العقائدية والفكرية وليس الاسلامية فقط، وبناء على ذلك فالواضح أن تركيز كل القوى الاسلامية والوطنية على ترسيخ ليبرالية الحكم وديموقراطيتة سيفيد الأمة كلها بكل اتجاهاتها الفكرية والعقائدية لأن الديمقراطية رغم تحفظنا الإسلامى علي بعض جوانبها إلا أنها تفرز حكما اقرب للرشد.
فهى تساعد على مكافحة الفساد المالى والادارى ومكافحة سوء الإدارة وتطرد ذوى الكفاءة الاقل من مواقع القيادة ليحل محلهم الاكفأ، وهذا هو ما تحتاجة كل التيارات الإسلامية والوطنية ليس فقط لإصلاح حال الإقتصاد والمجتمع والإدارة ولكن ايضا ليتوفر المناخ المناسب لكل تيار على حدة كى يراجع افكارة لنصل إلى المستوى المناسب من التطور المطلوب.
كما أن نظام حكم بهذه الصفات سيتيح اجواءا تساعد على المناقشة والنقد والحوار ليس داخل كل تيار على حدة بل بين كل التيارات وبعضها البعض مما يؤدى إلى مزيد من النضج والتجديد والتطور الذى سيصب فى النهاية لمصلحة الأمة كلها بكل تياراتها.
وهذا الطرح لا يمثل خروجا عن الخط الإسلامى الملتزم بكون الإسلام ينظم شئون الدين والدنيا بل هو يمثل اجتهادا فى اطار السياسة الشرعية، فقد طرح هذا الرأى بصيغة أخرى وبمضمون مشابه العلامه الدكتوريوسف القرضاوى فى بعض كتبه.
وإذا راجعنا فروع السياسة الشرعية فى مراجعها المعتمدة سنجد تأصيلا ضافيا لقواعد فقهية معتمدة تؤيد هذا الطرح، ولعلنا نفصلها فى مناسبة أخرى بمراجعها إن شاء الله ليرجع إليها من شاء.
وبناء على ذلك كله فإننا نقترح ترتيب الأولويات لدى كل التيارات وفقا وفقا لهذه الرؤية والكف عن التنازع فيما بينها لأن الخطر الأول ـإن لم يكن الأوحدـ هو الإستبداد والديكتاتورية.
أما الليبراليون الذين يوجهون طاقاتهم لمهاجمة التيار الإسلامى بدعوى أنه سبب تخلف الأمة الإسلامية والأمة العربية وأنه خطر عليها وكذا وكذا، فهذا خطأ فحتى على مذهبهم لو سلمنا جدلا بهذه الاتهامات (ونحن لا نسلم بها أصلا ولنا ردود عليها) فلابد أن يفهموا أنه فى ظل حكم ديمقراطى حقيقى وحياة ديمقراطية سيمكنهم إدارة صراعهم العقائدى مع الحركة الإسلامية بشكل أنسب وأكثر نفعا لهم وللإسلاميين وللأمة كلها.
وهذا ينطبق على كل التيارات سواء الإسلامية أو الإشتراكية أو القومية.
لابد أن نعى جميعا أيا كانت مرجعياتنا العقائدية أو الفكرية أن إدارة صراعاتنا بشكل صحى لن يتم إلا فى ظل ليبرالية وديمقراطية قد ندخل عليها تعديلات لتوائم الواقع الحضارى والخصائص التاريخية لامتنا.
أما غير ذلك من الصرعات بين المعارضة وبعضها البعض فهى لا تؤدى الإ إلى إجهاض جهود النضال من اجل الإصلاح.
وأخيرا نشير إلى أن هذا الطرح لايمنع إستمرار الحوار والنقاش بين كل التيارات بما لا يقدح فى الأولوية الأولى أو يؤثر عليها سلبا.
عبد المنعم منيب

تعليقات