مشكلة دارفور فرصة للنظر في أنفسنا بعمق


يقال إن مؤامرة غربية صهيونية لتفتيت السودان كخطوة نحو تفتيت وإضعاف العالم العربي هى التى تجرى فى دارفور، فبغض النظر عن تفصيل هذه المؤامرة لوصدقناها، وبغض النظر عن نفيها لونفيناها، فإن المشكلة الحقيقية واقعة فعلا وإستغلها من إستغلها لتحقيق أهدافه وأجندته الخاصة، ولكن لابد قبل أن نقذف بكل سلبياتنا نحو غيرنا أو نعلقها على شماعة غيرنا أن ننظر بعمق فى أنفسنا أولا.
وإننا نلاحظ حول مشكلة دارفور وغيرها ما يلى:
الملاحظةالأولى: إهمال الحكومات المركزية العربية لتنمية ورعاية المناطق الريفية و الأطراف رغم أننا ننتمى للحضارة الإسلامية وتعاليم الفقه الإسلامى تقضى بأن تصرف الزكاة فى البلد الذى خرجت منه.
الملاحظة الثانية: كما نلاحظ أن الدولة العربية المعاصرة رغم أن أمد إستقلالها قارب على النصف قرن، ورغم حديثها وحديث مثقفيها المتواصل عن التقدم والتنوير والحداثة.....الخ فإنها ما زالت عاجزة عن حماية أمنها الوطنى فى معناه الشامل سياسيا وإقتصاديا وعسكريا وأمنيا وإجتماعيا(ولن أقول القومى لأن الحال ما نرى) حتى رأينا زوال دولة عربية كبرى قديمة الإستقلال كالعراق وتآكل دولة شاسعة كالسودان التى إستقلت من نصف قرن، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
الملاحظة الثالثة: هل التنسيق العربى أو التعاون العربى فى أوقات الخطر الداهم هو أمر ميئوس منه، ففى الماضى إعتقد المحللون السياسيون والإستراتيجيون العرب أن حالة الخطر ستوحد العرب أو على الأقل ستدفعهم لتعاون واسع يشبه تدريجيا الإتحاد الأوروبى أو حلف الناتو، لكن أحداث السنوات العشر الأخيرة أثبتت أن ذلك لن يحدث أبدا فى ظل الأوضاع الراهنة.
الملاحظة الرابعة: أن المجتمع العربى والشعوب العربية رغم أنها مازالت تنبض بالحياة لكنها ضعيفة الوعى وضعيفة الحركة فقد راينا فى تاريخنا العربى البعيد والقريب حركات شعبية تمنع قادتها من التعاون مع الأعداء وتقف حائطا صلدا ضد إختراق الأعداء لجسد المجتمع، وبينما تجتر ذاكرتنا هذا التاريخ المجيد فإننا نرى اليوم قوى إجتماعية وحركات سياسية ذات شعبية تنادى بالتدخل الأجنبى أو تهلل وتصفق له بل وتحض عليه.
الملاحظة الخامسة: نلاحظ أيضا عقم العقل العربى وجموده فالأزمات غير النمطية تحتاج لحلول غير نمطية تتولد من تفكير خلاق وغير نمطى.و مشكلتنا السياسية لاحل لها إلا بالإنفتاح والعدل فى توزيع جميع الموارد السياسية و الإقتصادية والإستراتجية، ورغم أن الحالة ستؤل إلى الأحسن حينئذ إلا ان ذلك كله يحتاج حلولا غير نمطية أيضا.وهذه الجملة هى مفتاح الحل لكل المشاكل، ومفتاح كل الأبواب المغلقة لكن بالأفعال وليس بالأقوال.
عبدالمنعم منيب
هذا المقال كنت قد كتبته فى السجن تعليقا على أحداث دارفورعام 2004 م وتم نشره فى جريدة القدس العربى فى لندن بالعدد4781 بتاريخ 6 أكتوبر2004م، لكن مازالت مناسبة المقال سارية حتى الآن.

موضوعات متعلقة



تعليقات