مستقبل المعارضة المصرية

فى ظل تعالى صيحات المطالبة بالإصلاح السياسى فى عالمنا العربى والإسلامى فإن الأنظار تتجه صوب الأنظمة والأحزاب الحاكمة كرقم وحيد فى معادلة الإصلاح، ولكن مما لاشك فيه أن القوى المعارضة فى أى بلد هى رقم مهم فى معادلة الإصلاح بل ربما لا تقل أهميته عن الرقم الذى تمثله الحكومة في هذه المعادلة.ونظرا لهذه الأهمية فإن مستقبل هذه المعارضة نفسها يستثير إهتمامنا لاسيما فى كبرى الدول العربية وهى مصر؛ لأنه لايمكن إستشراف مستقبل الإصلاح السياسى دون أن نستشرف مستقبل المعارضة، فما هو مستقبل المعارضة فى مصر؟وقبل الإجابة على هذا السؤال لابد أن نتعرف أولا على خريطة المعارضة المصرية إجمالا.
أقسام المعارضة المصرية
تنقسم المعارضة المصرية إلى معارضة رسمية وتتمثل فى الأحزاب المسجلة رسميا أو التى تحت التأسيس ولم يتم رفضها حتى الآن، وإلى معارضة غير رسمية وهى إما التى لم تتمكن من إنتزاع إعتراف قانونى بها كالإخوان المسلمين والشيوعيين وبعض الفصائل الناصرية أو التى لاتسعى لاعتراف رسمى ولا ترخيص قانونى مثل الجهاد المصرى والجماعة الإسلامية والتيارات السلفية.ونظرا لأن الإعتراف الرسمى والقانونى ليس له تأثير كبير على مستقبل هذه القوى فإننا لن نقسمها حسب وضعها القانونى وإنما حسب تشابهها فى الخصائص ومؤشرات المستقبل كما إننا لن نتعرض بالتحليل لجماعات المصالح ولا الحركات الإجتماعية ولا منظمات المجتمع المدنى ولا الحركات الدينية التى ليس لها أى تأثيرفى المعادلة السياسة وسنلاحظ أنها كلها تنقسم لمجموعتين كبيرتين:
المعارضةالثانوية
المجموعة الأولى: تضم سائر الأحزاب الرسمية أوالتى تحت التأسيس فيما عدا الأحزاب التى سنذكرها فيما بعد، وكذلك تضم هذه المجموعة الأولى حزب الأحرار المجمد عمليا أيضا.وسنبدأ بهذه المجموعة الأولى، ويتلخص الكلام عليها كلها فى أنها جميعها ليس لها برامج حقيقية كما ليس لها توجه فكرى واضح أومتميز كما ليس لها قاعدة شعبية فضلا عن أنها لاتملك كوادر تنظيمية منضبطة ذات ولاء حزبى حقيقى، فكل ما تملكه هذه الأحزاب هى مجموعة من الشعارات البراقة والخطب الإنشائية الخلابة وجريدة هنا أومقر هناك وعدد من الأتباع القللين يمثلون جسم ورأس وقاعدة الحزب فى آن واحد بينما هم أقرب للشلة منهم لأى شئ أخر، ومن ثم فلا ينتظر أن يكون لهم أى مستقبل خارج عالم الشعارات والخطب والتصريحات النارية ليس لذلك فقط ولكن أيضا لأنهم لايحملون أى بذور للتطور وذلك لشيخوخة معظم قادتها وعدم إمتلاكهم أىخبرات تنظيمية أو نضالية أو سياسية لا على المستوى العملى ولا على المستوى التنظيرى.
المعارضة الأساسية
أما المجموعة الثانية: فتضم حزب الوفد، وجماعة الإخوان المسلمين، ومجموعة حزب الوسط تحت التأسيس وهوفصيل منشق عن الإخوان المسلمين بقيادة أبو العلا ماضى، والتيار الناصرى (ويدخل فيه الحزب العربى الناصرى وحزب الكرامة ومجموعة على عبد الحميد وغيرها من المجموعات)، والتيار الشيوعى (ويدخل فيه حزب التجمع التقدمى)، ثم جماعة الجهاد المصرية والجماعة الإسلامية، والتيارات السلفيةالمتعددة.
حزب الوفد المصرى
أما حزب الوفد وهو قطب القوى الليبرالية فى مصر فرغم ثراءه الفكرى بحكم إنتمائه للتيار الليبرالى وتراثه الفكرى العريض إلا إنه من الصعب الجزم بأن أفة الجمود الفكرى والسياسى التى عمت مجتمعاتنا العربية لم تصبه وتوقف نموه الفكرى وتقطع تطوره البرامجى، وأيا كانت حالته الفكرية فهومفلس فى حجم كوادره خاصة الشابة منها، و فى حجم قاعدته الشعبية، ولكن الذى أخرجة من خندق الأحزاب القزمية شيئان:تاريخه العريق.و قدرته على أستخدام العصبيات العائلية فى التعبئة للإنتخابات البرلمانية لا سيما فى الريف، وبطريقة تنافس فى فعاليتها ما يفعلة الحزب الحالى مما يكسبه أصواتا أنتخابية كثيرة.وحزب الوفد رغم تاريخه فهو لا يملك خبرات تنظيمية حزبية فى مجال العمل الشعبى فى غير وقت الإنتخابات ولا فى مجال التعبئة و التجنيد للحزب؛ لإن حزب الوفد طوال تاريخه مثل معظم الأحزاب المصرية هو حزب آشخاص لا حزب برامج، و بالتالى فهو بدون ثورة حقيقية داخل الحزب سيظل حزب أشخاص بارز إذا ثبتت بقية المتغيرات فى الساحة السياسية المصرية على حالها أما إذا تغيرت المعادلة السياسية فلن يكون له ذكر إلى جانب أحزاب عقائدية أو أحزاب برامج ذات فعالية و حيوية فى حركتها.
جماعة الأخوان المسلمين
وأما الإخوان المسلمون فرغم تاريخهم السياسى الطويل وخبراتهم التنظيمية والسياسية والنضالية الثرية فإن عقبتين رئيستين تعرقلهم حتى الآن:الأولى: جمودهم الفكرى والسياسى على نفس أطروحات الإمام حسن البنا دون أى مرونة رغم أن حسن البنا نفسه لو كان حيا لغير كثيرا من أطروحاته التكتيكية لتغير الأحوال، ويشهد لذلك تاريخ الإمام البنا نفسه وتغييره العديد من أطروحاته التكتيكية بعدإختباره لها فى الواقع العملى.العقبة الثانية: فهى المطاردات الأمنية للجماعة وإصرار الحكومة على إستبعادهم من المعادلة السياسية.العقبة الأولى تضيع عليهم فرصا كثيرة، والعقبة الثانية تضعهم أمام مخاطر كثيرة، ولن تنطلق جماعة الإخوان المسلمين لتستحوذ على معظم الساحة السياسية المصرية كما يتناسب مع حجمها الحقيقى وتاريخها ما لم تعبر هاتين العقبتين.
حزب الوسط
و مجموعة حزب الوسط بقيادة المهندس أبو العلا ماضى أحد الكوادر الشابة فى جماعة الإخوان المسلمين سابقا، هى مجموعة منشقة عن الإخوان المسلمين وعددها ليس ضخما مثل الأخوان لكن لديها خبرات تنظيمية وسياسية واسعة إكتسبتها من نشأتها داخل الإخوان المسلمين، ومن ثم يتيح لها ذلك فرصا مشابهة لفرص الإخوان فى التوسع والنمو والإنجاز لكن سيعيقها معارضة الإخوان لها وكذلك معارضة سائر الفصائل الإسلامية المناوءة للإخوان لها لإن مجموعة الوسط لاتفترق عن الإخوان فكريا وعقائديا فمن يعارض الإخوان في هذين المجالين سيعارضهم بنفس القوة. وتحتاج مجموعة الوسط وقف الصراع مع الإخوان و تحييد الجماعات الأخرى كى لايبقى أمامها سوى المعوقات الحكومية.
التيار الناصرى بمصر
وأما التيار الناصرى فهو أوسع التيارات السياسية فى مصر عددا بعد التيارات الإسلامية، ولديه خبرات تنظيمية وسياسية واسعة لكن تعرقله معوقات كثيرة:منها جموده الفكرى والسياسى على أطروحات مرحلة الحكم الناصرى.ومنها التشرذم والفرقة بل الإحتراب القائم بين فصائل هذا التيار العديدة.ومن التحديات البارزة التى تواجه وجوده ذاته وكينونته هو أن الإتجاه العام للشارع المصرى الآن هو الإتجاه الإسلامي بسبب ما آلت إليه تجارب الشارع العربى مع أنظمة الحكم القومية والبعثية ونحوها؛ وبسبب ما تعتبره الجماهير إنجازات في مجال الحرب مع إسرائيل والولايات المتحدة حققتها التيارات الإسلامية.ولن يتمكن الناصريون من القيام بدور فعال وملموس في الشارع السياسي المصرى إلا بتجاوز كل هذه العقبات والتحديات، وعلى رأسها حل خلافاتهم التنظيمية و إيجاد صيغة تجمعهم جميعا.وكذا حل إشكالية الدين والدولة فى الفكر الناصرى بعدها ستكون نقلة إستراتيجية عظمى لو أنهم عقدوا تحالفا علنيا وقويا مع الإخوان المسلمين فى الإنتخابات المقبلة مثلا.
جماعة الجهاد الإسلامى المصرية
وأما جماعة الجهاد الإسلامى المصرية فقد خرجت من المعادلة السياسية فى مصر بعد نجاح الأجهزة المصرية فى تصفيتها تماما بالمعالجات الأمنية فى الداخل والخارج، بينما لجأ أكثر قادة الخارج للإنضمام إلى القاعدة تحت قيادة أسامة بن لادن و أيمن الظواهرى، ثم لقى أكثرهم مصرعهم فى معارك تورابورا.وربما تظهر مجموعات أخرى تحمل نفس الفكر لكن لن يكون لها تأثير بسبب القبضة الأمنية الحديدية التى تبديها الحكومة، وبسبب الجمود الفكرى والسطحية عند هذه النوعية من المجموعات. ولا ينتظر ظهور مجموعات ناضجة فكريا وسياسيا من هذا الإتجاه على المدى القصير ربما على المدى المتوسط وأكيد على المدى البعيد.
الجماعة الإسلامية بمصر
وأما الجماعة الإسلامية المصرية فقد خرجت من المعادلة السياسية بعدما نجحت فى الجنوح إلى الإعتدال الفكرى، لكنها بعد ذلك إتخذت خطوات متصادة ومتسارعة نحو حل نفسها ونحو تأييد الحكومة بلا قيد أوشرط، وبالتالى فلا ينتظر أن يكون لها دور سياسي فى المستقبل اللهم إلا كجماعة دينية تقليدية مساندة للحزب الحاكم.وقد يسمح لها الحزب الحاكم بتكوين حزب سياسي لتحقيق أهداف سياسية محددة مساندة أيضا للنظام القائم ولكن سيكون ذلك في وقت محدد لم يأت موعده بعد.وعلى هذا الرأى الذى نتبناه فإن الجماعة الإسلامية المصرية أصبحت ورقة فى يد النظام لا أكثر ولا أقل.والبعض يراهن على ظهور جماعتين جديدتين على المدى المتوسط تخرجان من عباءة الجماعة الإسلامية، واحدة متشددة تحمل الفكر القديم للجماعة، والثانية تحمل الفكر المعتدل الموجود فى كتب المراجعات الأربعة الأولى وترفض بقية الكتب كما ترفض أى صلة بالقادة الذين أطلقوا المراجعات وكذا سترفض أى تأييد للحزب الحاكم، لكن أظن أن جماعة أو مجموعة بهذه الصفات لابد من أنها ستنضم مع مرورالوقت لجماعة الإخوان المسلمين أو لحزب الوسط.
التيارات الإسلامية السلفية
و أما الفصائل الإسلامية السلفية وهى متعددة جدا، فهى لاتمارس العمل السياسى بل تبتعد عنه لعدم رغبتها فى الصدام مع الحكومة، وكذا لإعتبار أكثرها أن مجرد متابعة الأحداث السياسية هو مضيعة للوقت، لكن رغم ذلك فإن لها تأثير سياسى بالغ لأنها تمثل عامل كبح ضد الإمتداد الجماهيرى لجماعة الإخوان المسلمين وتيار الجهاد والقاعدة ونحوهم ممن يتبنى عملا سياسيا سلميا كان أوعنيفا ولاشك أن لهذا تأثيره الكبير على الواقع السياسي.وقد لاحظنا فى الفترة الأخيرة (تاريخ كتابة هذا المقال عام 2004م) تحركات للأجهزة الحكومية لتوجيه التيارات السلفية لعمل سياسى يمثل عرقلة لحركة الإخوان السياسية أولغيرهم من القوى الدينية المناوءة للحكومة ولكن هذا الفعل الحكومى يجرى من طرف خفى وبطريقة غير مباشرة لأن أغلب السلفيين يرفضون التعاون مع الحكومة.
الحركة الشيوعية فى مصر
وأخيرا نأتى للحركة الشيوعية المصرية وهى حركة قديمة فى مصر ترجع لعام 1918، ورغم أنهم الأكثر خبرة فى الشارع السياسى فى مجالات التنظيم والتجنيد والتعبئة والعمل السياسى لكنهم الأقل عددا والأكثر تفرقا و تشرذما إلى جماعات ومجموعات وحلقات وخلايا كثيرة، وهم الأكثر نبذا من قبل رجل الشارع العادى، فأكبر عائق أمامهم هو تدين الشعب المصرى الفطرى ورفضه لفكرة الإلحاد الذى تمثل الشيوعية بالنسبة له أبرز صوره، ويزيد من تفاقم هذه المشكلة العداء الدائم والحرب الإعلامية والسياسية الشعواء التى يشنها كثير من الشيوعيين ضد الحركات الإسلامية بل وضد الثوابت والبديهيات الإسلامية الدينية نفسها مما يؤجج مقاومة الحركات الإسلامية إعلاميا ضدهم وذلك بدوره يزيد المواقف الشعبية ضدهم حدة وإشتعالا، هذا فضلا عن تأجيج الحكومة لنفس الإتجاهات ضدهم.والشيوعيون المصريون لديهم جمود عقائدى عجيب حتى أن البعض يتندر عليهم بأن أى تطور فى الفكر الماركسى فى أى مكان فى العالم لايصل للشيوعيين المصريين إلا بعد خمسين عاما من حدوثه، ورغم ما فى هذه المقولة من مبالغة إلا أنها تعكس شيئا من الحقيقة.و على كل حال فالشيوعية لا مستقبل لها فى مصر بسبب تدين الشعب المصرى وفاعلية وتأثير الحركات الدينية الإسلامية والمسيحية على حد سواء إلا إذا طور الشيوعون المصريون أنفسهم بما يتلائم مع هذا الواقع المصرى.ومع ذلك لاحظنا في الأونة الأخيرة أن للشيوعيين تأثيرا سياسيا ملحوظا بنشاطهم البارز من خلال العديد من منظمات المجتمع المدنى الناجحة و النشيطة والمؤثرة وبعضها يقودها شيوعيون بصفتهم الشخصية.لكن القدرة عل تحديد مستقبل هذا التأثير مرهونة بالقدرة على تحديد حجم هذا التأثير حاليا وإتجاهه.ويمكن القول بشكل سريع أن عمل معظم النشطاء المؤثرين من الشيوعيين أيا كانت أدواتهم وصفاتهم التى يعملون بها تهدف للتأثير المرحلى على مجريات الأحداث مثل السعى لتوسيع هامش الحريات و الدفاع عن حقوق الإنسان وفق المفهوم الغربى الذى تتضمنه المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، كما يسعون لدعم الإصلاح السياسى على أسس ديموقراطية، ونحو ذلك من الأهداف، وقد نجحوا فى التأثير فى ذلك بشكل محدود، لكنهم مع ذلك باتوا رقما صعبا بالنسبة للحزب الحاكم بشأن هذه المجالات؛ بسبب نشاطهم الدؤب بالداخل، وبسبب روابطهم القوية مع منظمات دولية قوية منها منظمة الأمم المتحدة نفسها.
عبدالمنعم منيب
ملحوظة مهمة: هذا المقال كنت قد كتبته في السجن عام2004م قبل أن يبرز فى الواقع حزب الغد بقيادة أيمن نور و حزب الجبهة الديمقراطية بقيادة أسامة الغزالى حرب وكذا جماعة التوحيد والجهاد التى نفذت تفجيرات سيناء سنوات 2004 و2005 و2006م، كما لم يتعرض المقال لدور القاعدة ومستقبلها..........عبدالمنعم

تعليقات