لماذا مازالت عشرات من دول العالم الإسلامى ترزح تحت نير التخلف فى كل أو فى معظم المجالات؟لاشك أن لحكامها الدور الأكبر فى إستمرار وترسيخ و توطين هذه المشكلة.ولا شك أن لشعوبها دور كبير جدا فى هذه المشكلة.ولاشك أن لقوى خارجية دور فى هذه المشكلة.ولكن ما هى حقيقة هذه الأدوار؟ ولنبدأ بالمسألة الأكثر إثارة للإهتمام...... مسألة الحكام................هل الحاكم أى حاكم لا يشتهى أن تكون دولته هى الأقوى أو الأغنى فى العالم أو على الأقل فى الإقليم......... أو على الأقل تكون فى مكانة لاتحتاج فيها لأحد أو لا يمكن لأحد أن يضغط عليه ويهينه بصفته رئيسا لها؟أظن أن الإجابة واضحة فأى حاكم إن لم يأمل فى تحقيق إحدى هذه المكانات فإنه على الأقل لن يمانع إن دعاه أحد لتحقيقها.إذن فلما لم يحقق أحدهم ذلك بل لم يسع أحدهم له بصدق؟الإجابة كلمة واحدة هى "ضعف العزيمة أمام الشهوات" قال تعالى: "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب"، فكل إنسان مجبول على إشتهاء هذه الشهوات بعضها أو كلها ولكن هناك قيود تمنع أوتقيد ممارسة هذه الشهوات بدرجة أو بأخرى، وهذه القيود أنواع:فمنها تعاليم الأديان سواء كان دين سماوى أودين وضعى.وقد أشارت الأية الكريمة التالية للأية المذكورة لهذا القيد بقوله تعالى: "قل أؤنبئكم بخير من ذالكم، للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهارخالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله، والله بصير بالعباد".فالتقوى بمفهومها الإسلامى المعروف هى القيد الذى يضعه الإسلام لترشيد الشهوات وتنظيمها وليس إلغائها بالكلية كما هو فى أديان أوتقاليد أخرى. ومن القيود الهامة جدا القيود التى يفرضها الواقع الإجتماعى والواقع السياسى وتلك القيود هى التى أشارإليها قوله تعالى "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين"، وهذا القيد هو ما قد يعبر عنه البعض بالتوازن بين القوى المختلفة سواء القوى السياسية أو الإجتماعية أو الإقتصادية، وهو نفسه الذي يشمل فيما يشمل القيود التى تفرضها النظم الديمقراطية الحقيقية على قواها السياسية والإقتصادية، وذلك التوازن موجود أيضا فى النظام السياسى والإقتصادى والإجتماعى الإسلامى وذلك هو ما أشارت إليه الأحاديث النبوية التى أمرت بتغيير المنكرفعلى المستوى السياسى وغيره نجد قول النبى صلى الله عليه وآله وسلم "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" وقوله صلى الله عليه وآله وسلم "سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله" وقوله صلى الله عليه وآله وسلم"من رأى منكم منكرا فليغيره..........." الحديث كما ضرب صلى الله عليه وآله وسلم مثلا لهذا التدافع وماينتج عنه من توازن فى قوله "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم إستهموا على سفينة فكان بعضهم فى أعلاها وبعضهم فى أسفلها فكان الذين فى أسفلها إذا إستقوا مروا على من فى أعلاها فقال الذين فى أسفلها لو خرقنا فى نصيبنا خرقا نستقى منه لئلا نمرعلى من فوقنا، فإن تركوهم هلكوا وهلكوا جميعا وإن أخذوا على أيدهم نجوا ونجوا جميعا". وعندما تنعدم التقوى وينعدم التوازن بين القوى المختلفة فما الذى يمنع أى شخص....... حاكما كان أو محكوما....... من ممارسة شهواته بكل الطرق وعلى حساب أى شئ أو أى شخص، وإذا مارس الإنسان شهوته بلا قيد أو شرط فهذا سيتعارض لاشك مع أى إنجاز سياسى أو إجتماعى أو إقتصادى أوثقافى عام؛ لأن رغبته فى الإستحواذ على المال من كل وجه وإسترضاء بنيه ونسائه بكل شئ بلا قيد أو شرط فى ذلك كله سيمنعه من القيام بأى إنجازعام؛ لأن المجالين لابد وأن يتعارضا؛ لأن الإنجاز العام لا يتطلب فقط تحمل مشاق العمل بل يتطلب أيضا التضحية بالجهد والوقت والمال الحلال فما بالنا بالمال الحرام، ولذلك نجد الشاعر العربى يقول:لاتحسبن المجد تمرا أنت آكله..........لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبراوقال المتنبى:لولا المشقة لساد الناس كلهم..........الجود يفقر والإقدام قتال فالحاصل أن التقدم وتحقيق مكانة لأى دولة يتطلب من قيادتها أن تتحمل المشاق و تفطم نفسها عن الشهوات فإما تفعل ذلك تدينا وإما تفعله بفعل ضغوط التوازنات داخل الدولة.ولاشك أنه لا ينبغى الركون للتدين فقط لتحقيق التقوى التى ينتج عنها التقدم، بل لابد من تحقيق التوازنات التى تدفع للتقوى،وذلك لأسباب كثيرة:منها أن التدين نفسه يحتم إقامة التوازنات كما سبق فى أحاديث الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.ومنها أن التدين أمر نسبى يختلف بإختلاف الأشخاص من وقت لأخركما ويختلف بإختلاف الشخص الواحد نفسه من وقت لأخر أيضا؛ فكيف نكل الناس لتدينهم في امور هامة كانت أو عامة؛ ولذلك نجد سيدنا عمر بن الخطاب يقول "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".وبذا يمكننا القول بإطمئنان ان الحكام غير قادرين على الإنفطام عن الشهوات ومن ثم فهم لايمكنهم تحقيق أى تقدم لبلادهم.لكن فى نفس الوقت فهناك مسئولية تقع على عاتق الشعوب بسبب عدم تحقيقها التوازنات السياسية والإقتصادية و الإجتماعية داخل دولها ومجتمعاتها.
عبدالمنعم منيب
تعليقات
إرسال تعليق