أجيال النت

عندما كنت فى المعتقل كنت اراقب بإهتمام التأثير السياسي للنت، وفى هذه الأثناء جرى نقلى إلى سجن استقبال طرة وهو سجن مخصص اساسا للمعتقلين تحت التحقيق والمعتقلين الجدد وقد سمح لى ذلك بالاطلاع على طبيعة وأفكار الأجيال الجديدة من نشطاء الحركات الاسلامية وهى الأجيال التى تتراوح أعمارها بين 18 إلى 35 عاما ولاحظت أن طريقة وطبيعة تفكير هذه الأجيال مختلف عن جيلى والأجيال الأكبر منى ولاشك أن لهذه الطبيعة الجديدة سلبياتها وإيجابياتها ولكن لاشك أن الايجابيات كثيرة منها: الحيوية والفاعلية فى مجالات عديدة ومنها التفتح وسرعة البديهة بشكل عام بقدر أكبر من الأجيال السابقة.
ومنها الحماس الشديد الذى يصل لدرجة التسرع والإندفاع فى حالات كثيرة.
وقد يرى البعض أن هذا الحماس هو من السلبيات، لكننى ارى أن هذا الحماس والغضب شئ طبيعى فلا يمكن لأى إنسان من أمتنا أن لا يشعر بهذا الغضب إلا إذا كان ليس لديه شعور بل ولا عقل له أصلآ، فحال الأمة لا يسر إلا الأعداء والحمقى.
ولا شك أن أمامنا تحديات كبرى لن يمكننا تخطيها إلا بحماس شديد فى أدائنا لعملنا النضالى ولكن هذا لا يعنى أن نتخلى عن العلم والخبرة اثناء النضال بحماس وغضب شديدين.
فالغضب والحماس لا يغنى عن العلم والخبرة وقد بوب الإمام البخارى "باب العلم قبل القول والعمل"، ولا شك أن من أهم أسباب إخفاقات نضال أمتنا السياسى من أجل الرقى والتقدم هو إنخفاض مستوى العلم والخبرة عن المستوى اللازم و المناسب لحجم التحديات.
ولذلك يجدر بنا أن نمزج بين غضبنا وحماسنا من ناحية وبين العلم والخبرة من ناحية أخرى كي يكون نضالنا نضالا ناجحا ومثمرا.
ولا ينبغى أن ننساق وراء الحماس والغضب حتى يصيران شهوة عارمة ننفذها بالصراخ والعويل أو الكلام الغاضب غير المنتج.إن الكلام جزء أساسى من الأساليب النضالية حتى لو كان كلاما صارخا أوغاضبا أو حتى باكيا لكن بشرط أن يكون له تأثير حقيقى فى الواقع.
وهذا التأثير إما بإحداث قدر ولو ضئيل من التغير الإجتماعى أوالسياسى أوالإقتصادى أو الثقافى أو الدينى والدينى، وإما بتعويق معدلات الظلم والتخريب الجاريين على قدم وساق فى ساحات أمتنا، وإما بإبطاء السرعة التى يجرى بها هذا الظلم والتخريب.
أما أى كلام لايؤدى لأى من هذه النتائج فإنه مجرد لغو ومضيعة للوقت بل إنه قد يمثل أحيانا معولا من معاول الهدم والتخريب دون أن يشعر صاحبه فيعطل بذلك الجهد النضالى و يخصم منه.
وقد نبه القرآن الكريم على ذلك فقال تعالى "لاخير فى كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقه أو معروف أو إصلاح بين الناس" والمعروف يشمل العدل ورفع الظلم بلا أدنى شك.
كما حضت السنة المطهرة على ذلك فقال النبى صلى الله عليه وسلم وآله "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فمن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم وغيره، ولا يخفى أن الظلم و أكل أموال الناس بالباطل وعدم إقامة العدل وعدم إعطاء كل ذى حق حقه وإهدار المال العام أونهبه ونحو ذلك كل ذلك من أنكر المنكرات، و قوله صلى الله عليه وآله وسلم "فليغيره" يشير إلى حقيقة أن الكلمة المطلوبة هى الكلمة التى تثمر تغييرا للواقع السئ.وقال صلى الله عليه وآله وسلم "افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" رواه أحمد وغيره.وقال صلى الله عليه وآله وسلم "ما شئ افضل من كلمة عدل تقال عند سلطان جائر فلا يمنعن أحدكم إتقاء الناس (وفى رواية: مهابة الناس) أن يتكلم بالحق إذا رآه أوشهده" رواه أحمد.
والله الموفق للصواب.
عبد المنعم منيب

تعليقات