نشره moneep يوم خمي, 2007-10-25 20:13.
من أهم وأعقد القضايا الإسلامية قضية تجديد الفقه الإسلامى, وتأتى أهميتها من عدة أسباب:
1) أن التحرك الإسلامى بكل أنواعه مرتبط بأحكام الفقه الإسلامي لأنه محكوم به وبالتالى فكل وعى وتجديد فقهى سينعكس وعيا وتجديدا في التحرك الإسلامي.
2) أن تجديد أمر الدين أمر ممدوح شرعا, كما ووعد الحديث النبوى النبوى الشريف بأن يبعث الله على رأس كل مائة عام لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها (رواه أبو داود والحاكم ورواه البيهقى في المعرفة وصححه الألبانى في الصحيحة برقم 599).
3) أن رواسب الجمود والتخلف التى أخرت أمتنا وقضت على نهضتها وتقدمها ما زالت جاثمة على صدر الأمة منذ تم الحجر على الإجتهاد والتعلق والولع بالجمود والتقليد ونبذ البحث العلمى القائم على النقد و التحقيق.
4) أن هذه الرواسب أدت لما يشبه العداء ليس للتجديد فقط بل ولمعظم لوازمه مثل النقد والتحقيق وعمق التفقه في مخالفة صريحة لأرسخ التقاليد الإسلامية عند سلفنا الصالح الذين إعتادوا عندما يريدون مدح عالم أن يصفوه بالناقد المحقق.
5) أن حالة الجهل شبه العام بالدين, وحالة السطحية المنتشرة في الفترات الأخيرة بين الكثيرين بما في ذلك المتدنين تقف عائقا صلدا ضد التفقه في الدين وهذا أخطر عوائق التجديد, لأن التجديد لابد أن ينطلق من فقه عميق وليس من جهل أو سطحية أو تفاهة, ففي الحديث المقبول ذكر النبى صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّ أَمَام الدَّجَّال سُنُونَ خَدَّاعَات يُكَذَّب فِيهَا الصَّادِق وَيُصَدَّق فِيهَا الْكَاذِب وَيُخَوَّن فِيهَا الْأَمِين وَيُؤْتَمَن فِيهَا الْخَائِن وَيَتَكَلَّم فِيهَا الرُّوَيْبِضَة " الْحَدِيث أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّار وَسَنَده جَيِّد ، وَمِثْله لِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَفِيهِ " قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَة ؟ قَالَ الرَّجُل التَّافِه يَتَكَلَّم فِي أَمْر الْعَامَّة " إنتهى(من فتح البارى في شرحه الحديث رقم 6588) (والحديث مروى عن عدد من الصحابة في عدد من الكتب وصححه الألبانى في عدد من كتبه منها تحقيقه لسنن ابن ماجه برقم4036).
و إنطلاقا من هذه الأهمية تأتى صعوبة الكتابة بشكل متعمق في إشكاليات التجديد في الفقه الإسلامي, ولكن ما لايدرك كله لايترك جله؛ ولذا سنكتب إن شاء الله تعالى قدرا من التعليقات المتصلة بهذه القضية كلما سمحت لنا الظروف بذلك والله تعالى المستعان وعليه التكلان.
وأول هذه التعليقات بشأن ما رأيته في أحد مواقع النت الإسلامية المحترمة من فتاوى لبعض العلماء الأجلاء حول علاقة المسلمين بمظمات حقوق الإنسان الدولية, وهذه الصياغة هى صياغتى تعبيرا عن الموضوع المشار إليه, وهى الصياغة الأكثر دقة وموضوعية للتعبير عن المسألة, ولكن الفتوى المذكورة عبرت تعبيرا مختلفا عن الموضوع فصاغته كالتالى: ما حكم التحاكم لمنظمات حقوق الإنسان؟
ومعلوم أن منظمات حقوق الإنسان ليست جهة قضائية فهى ليست محاكم ولاتملك أى أداة للعمل ذات قيمة سوى العمل الإعلامى، فأخطأ المفتى والمستفتى في تصور الواقع فشاب الفتوى قصور وخطأ, وهذا مخالف لتقاليد البحث العلمى الإسلامى؛ لإن الحكم على الشئ فرع من تصوره كما قال السلف الصالح.
ولسنا هنا بصدد تبيين حقيقة منظمات حقوق الإنسان ما لها وما عليها, وما ينبغى أن تكون عليه علاقة المسلمين بها فلهذا مناسبة أخرى إن شاء الله, ولكننا هنا نركز على جانب واحد من الموضوع وهو مخالفة هؤلاء الأفاضل أصحاب الفتوى لهدى النبى صلى الله عليه و آله وسلم في مثل هذه الأمور, فالنبى صلى الله عليه آله وسلم دخل في جوار المطعم إبن عدي والمطعم من أئمة كفار قريش و مات وهو كذلك ولم يكن موافقا على عقيدة الإسلام وكثير من الصحابة فعلوا نحو ذلك من الإحتماء بكفار من تعذيب وإضطهاد قادة كفار قريش و ذلك بإقرار النبى صلى الله عليه وآله وسلم, بل إن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أمر عددا من الصحابة بالهجرة للحبشة قائلا لهم إن فيها ملكا لا يظلم أحدا, والنبى صلى الله عليه وآله وسلم هو الذى مدح حلف الفضول وقال لو دعيت إليه لأجبت رغم أنه حلف عقده كفار في العصر الجاهلى وذلك لأنه هدف لرفع الظلم عن المظلومين ونصر الضعفاء, فالعبرة ليست بدين الناصر ولكن العبرة بهدف النصر فإن نصر كافر حقا فما السوء في ذلك, كما أنه ليس العبرة بدوافع هذا الكافر للعدل إنما يلوذ المستضعفون والمظلومون بمواطن العدل والأمن ليعبدوا الله بحريتهم فرارا من الفتنة في الدين, يلجأ المعذبون والمظلومون لهذه المنظمات لرفع الظلم عنهم ألا تشبه هذه المنظمات في جانب منها حلف الفضول و جوار المطعم بن عدي وغيره من كفار قريش الذين دخل المسلمون في جوارهم وكالنجاشى قبل أن يسلم عندما لجأ المسلمون إلى دولته, إن هذه المنظمات لا تفصل في المنازعات بين المسلمين وحكوماتهم إنما تدافع عن المسلمين وغيرهم ضد حكوماتهم العاتية.
إن الأدلة التى ذكرناها من هدى النبى صلى الله عليه وآله وسلم تدل بوضوح على أن من سعى لرفع ظلم عنا لا يتحتم علينا أن نفتش عن عقائده و مبادئه بل يكفينا أن نتعاون معه في رفع الظلم وإقامة العدل.
ولا شك أن وضع المسألة في إطار التحاكم لغير المسلمين هو وضع في غير موضعه لأن إطارها هو التعاون معهم لرفع ظلم أو تخفيفه و إقامة عدل أو قدر من العدل بحسب الطاقة ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
ونخلص من هذا التعليق السريع على هذه الفتاوى إلى أن من متطلبات التجديد في الفقه الإسلامى المعاصر أمران:
الأول: فهم الواقع فهما صحيحا على ماهو عليه حقيقة في الواقع.
الثانى: وضع الأحداث في سياقها الشرعى الصحيح وعدم وضعها في سياق أخر لا يتناسب مع حقيقتها الواقعية.
وهذان الأمران من قواعد أصول الفقه (مناهج البحث في الفقه وشرح السنة والقرآن) ولكن التنبيه عليهما هنا في سياق الكلام على موضوع محدد يقرب الصورة أكثر للأذهان ويلفت النظر لأهميتها.
والله من وراء القصد ويهدي السبيل.
عبدالمنعم منيب
تعليقات
إرسال تعليق