أيام رمضان في المعتقلات السياسية حيث " الخوف و الجوع و البرد و التعذيب"

سجن (صورة أرشيفية)

ترددت كثيرا في كتابة حكاياتي مع أيام رمضان لسبب بسيط هو أنني عندما بلغ عمري 42 عاما كنت قد قضيت أكثر من 42 % منه في المعتقلات السياسية حيث اعتقلت منذ تولي حسني مبارك الحكم عام 1981 و حتى 2007 ست مرات قضيت فيها فترات اعتقال سياسي متفاوتة دون محاكمة كان أقصرها وقتا 3 أسابيع و أطولها وقتا 14عاما و نصف العام و بالتالي فالـ 18 عاما التي قضيتها في المعتقل سمحت لي بقضاء رمضان في العديد من السجون المنتشرة في ربوع مصر من أول سجون طرة و على رأسها سجن "العقرب" طبعا و حتى سجون الواحات في قلب صحراء واحة الخارجة و المعروف باسم سجن الوادي الجديد.
عندما يقترب رمضان نتمنى أن تتاح لنا فرصة أن ننشط فيه في العبادة و خاصة في مجال قيام الليل بالتهجد و تلاوة القرآن و الدعاء و دراسة كتب تفسير القرآن لكن عندما يدخل رمضان و اجد نفسي في المعتقل فإن كل الحسابات تختل, فالكتب تحرم علينا في أغلب الأحوال فلا كتب تفسير و لا غيرها, و قد نتعرض التعذيب و الاستجواب تحت صعقات الكهرباء و صفعات و ركلات ضباط مباحث أمن الدولة في ليالي الشهر الكريم و هذا ما حدث لي في رمضان (عام 1987) و كنت معتقلا في سجن استقبال طرة حينئذ و كان التعذيب يتم في مبنى بمعهد أمناء الشرطة المقابل للسجن, كما كان هناك لون آخر من أيام رمضان قضيتها في سجن العقرب ففي سنة 1994 قضيت رمضان كاملا هناك كما قضيت العشرين يوما الأولى من رمضان في السنة التالية أيضا بالعقرب و كان كل معتقلي سجن العقرب وقتها محبوسين حبسا انفراديا (السجن به 320 زنزانة كلها انفرادية) و كانت الكتب و أغلب الأغطية و الملابس ممنوعة و كان التعذيب يتم على فترات متباعدة و كان مع كل منا مصحفه مما أعطاني الأمل أنني سيكون لدي  فرصة كبيرة في تلاوة القرآن و ختمه ختمات كثيرة و الاكثار من قيام الليل و الذكر و الدعاء , لكنني لا أذكر الآن هل فعلت ذلك فعلا أم لم أتمكن من فعله و كل الذي أتذكره أن أغلب المعتقلين بالسجن أضربوا عن الطعام في محاولة منا للضغط على وزارة الداخلية لتحسين المعاملة و السماح لنا برؤية أسرنا و الاتصال بهم و السماح لنا بشراء طعام من أموالنا الخاصة لأن طعام السجن كان رديئا و قليلا و كذلك اتاحة العلاج للمرضى منا ,  و طبعا لم تستجب وزارة الداخلية لأي من طلباتنا رغم استمرار الاضراب 50 يوما متواصلة, و في رمضان التالي قضيت عشرين يوما الأولى منه في "العقرب" أيضا و لا أذكر ماذا فعلت فيه من العبادة لكني أذكر أن صحتي أنا و أغلب المعتقلين كانت قد تدهورت لأننا كان قد مضي 15 شهرا على منعنا من رؤية أسرنا و فرض سياسة التجويع و المنع من العلاج علينا كما كان رمضان حينها في شهر  فبراير حيث كان الجو باردا و يزيده برودة حالة الجوع و العري التي كنا فيها حيث كانوا سلبونا ملابسنا و أغطيتنا و اعطونا بجامة واحدة خفيفة مصنوعة من الخيش بدعوى أن هذه هي قوانين السجن كما لم يسمحوا لنا بحيازة ملابس داخلية.. رمضان هذا كان عنوانه "البرد و الجوع" ثم جاءنا "الخوف" عندما نقلونا مساء يوم 20رمضان (وافق 20 فبراير 1995) لسجن الواحات و هذه حكاية أخرى دامية لا يمكنني حكايتها الآن.
عبد المنعم منيب
كتبت هذا الموضوع لجريدة اليوم السابع و سينشر في عدد غد 16 أغسطس  2012

موضوعات متعلقة:
سلسلة من مشاهد أيام الإعتقال
المعتقلون السياسيون تم عزلهم عن كل ما هو خارج جدران الزنزانة لكنهم تمكنوا من كسر هذه العزلة رغما عن " أمن الدولة "
كيف واجه المعتفلون السياسيون سياسة التعرية و التجويع في سجون مبارك
مبارك حرم المعتقلين السياسيين من الطعام و الهواء و الماء و الدواء الا قليلا
التجارة في المعتقلات السياسية وصل حجمها في بعض الأحيان إلى عدة ملايين لكنها كانت غالبا بمباركة " أمن الدولة "
" الداخلية " منعت العلاج و الرعاية الطبية عن المعتقلين السياسيين أيام مبارك
كيف كان المعتقل السياسي يقضى وقته في سجون الرئيس المخلوع " مبارك " ؟
في مصر ما الفرق بين قانون الطوارئ و تعذيب المواطنين و إهانتهم في السجون و المراكز الأمنية؟؟
خالد سعيد و أمريكا و الاتحاد الأوروبي
المنتحرون في المعتقلات السياسية ... إغتيال أم انتحار؟؟
فلسفة التعذيب .. حراسة الديكتاتورية
الضربات الأمنية أحد أدوات اللعبة السياسية مع الاسلاميين في مصر
التعذيب في مصر قبل و بعد ثورة 25 يناير
عودة زوار الفجر .. أمن الدولة لم يتم حله و لا حاجة
أكثر من ألف معتقل في أحداث الثورة معزولون عن العالم بسجن الوادي الجديد.. وتلميحات بالإفراج عن عبود الزمر خلال ساعات
لماذا انهارت منظومة الدفاع عن حقوق الانسان في مصر؟!
مشاهدات المعتقلين للمجتمع المصرى(1)

تعليقات