هل كان رمضان في عصر النبي صلى الله عليه و آله وسلم كما هو حال رمضان في عصرنا وتحديدا هل كان سلوك النبي صلى الله عليه و آله وسلم مع رمضان هو نفس سلوكنا الحالي؟ وما هو السلوك الذي حبذه النبي صلى الله عليه و آله وسلم للمسلمين أن يسلكوه في رمضان؟
يقول الله تعالى: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{183} أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{184} شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{185}" البقرة
فرمضان والصيام هدفهما تزويدنا بصفة التقوى, لذا فالصيام خير لنا, و ما أراد الله لنا بهذا الصيام سوى اليسر.
و يقول النبي صلى الله عليه و آله وسلم: "قال الله عز و جل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي و أنا أجزي به, والصيام جنة (أي وقاية) , فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب , فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم , و الذي نفس محمد بيده لخلوف (أي رائحة) فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك للصائم فرحتان يفرحهما ,إذا أفطر فرح وإذا لقي الله فرح بصومه" متفق عليه, و في رواية لمسلم "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي و أنا أجزي به , يدع شهوته و طعامه من أجلي..."
و قال صلى الله عليه و آله وسلم إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال: أين الصائمون ؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد" متفق عليه.
كما ورد أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال "ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا" متفق عليه.
و فضل صوم رمضان ورد صريحا في قوله صلى الله عليه و آله وسلم "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه, و لاشك أن الصوم الذي سيغفر الله به كل ما تقدم من الذنوب ليس مجرد امتناع عن طعام و شراب فقط, فالنبي صلى الله عليه و آله و سلم قال"من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به فليس لله حاجة في ترك طعامه و شرابه" و قال صلى الله عليه و آله و سلم أيضا "كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع و العطش" أي لا أجر له.
و ورد أيضا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ قَامَ (أي من قضى معظم ليله أو فترة طويلة من ليله مصليا لله) رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" رواه البخاري و غيره.
فهذه النصوص كلها توضح ماهية السلوك الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم في رمضان من صيام حقيقي قائم على تقوى حقيقية من ترك لكافة المحرمات ليلا و نهارا ثم قيام لليل بالصلاة و الذكر و الدعاء و تلاوة القرآن.
أما عن سلوك النبي صلى الله عليه و آله وسلم في رمضان فيقول الإمام ابن القيم:
"و كان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادة، وكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان، وكان يكثر فيه من الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن، والصلاة، والذكر، والاعتكاف. و كان يخصه من العبادات بما لا يخص به غيره، حتى أنه ليواصل فيه أحيانا ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة" (أي يواصل الصيام فلا يفطر وهذا غير جائز لغير النبي)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ." رواه البخاري وغيره.
وسلوك النبي صلى الله عليه و آله و سلم ليس خاصا به لأننا مأمورون بالتأسي به قال تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً" الأحزاب21.
فأفعال النبي نبراس ومنار لنا ينبغي أن نستنير بها في كل حياتنا لا أن نعرض عنها وكأنها لم تكن.
وهكذا كان رمضان و كان الصيام في هدي النبي و سلوكه صلى الله عليه و آله و سلم.
أما رمضان الآن ومنذ عقود طويلة فهو ذا سمات أخرى تختلف كل الاختلاف عن رمضان في زمن و هدي النبي , فرمضان عصرنا هو رمضان التقصير في العمل وعدم إتقانه بحجة الصيام وهو الجهالة و سوء الخلق في التعامل مع الآخرين بحجة ضيق الصدر بسبب الصيام و بسبب الامتناع عن التدخين, و رمضان في عصرنا هو شهر الانغماس من القدم و حتى الأذن في ألوان التسالي من برامج تليفزيونية و أفلام و مسلسلات و مسابقات, و رمضان في عصرنا هو النهم و إفساح المجال لأقصى مدى لشهوات الطعام و الشراب و الولع بها حتى الثمالة مما يثقل عن أي ذكر أو دعاء أو صلاة ليل أو تلاوة للقرآن.
فشتان شتان بين رمضان محمد صلى الله عليه و آله و سلم و بين رمضاننا اليوم.
عبدالمنعم منيب
نشرت في جريدة الدستور المصرية 31أغسطس 2010م
تعليقات
إرسال تعليق