هذا الأسبوع عاد الحديث من جديد عن مستقبل نظام حكم الرئيس مبارك و عن من سيخلف الرئيس في حكم البلاد لاسيما و أن صحفا أجنبية على رأسها مجلة الاكونوميست البريطانية و موقع cnn الأمريكية قد تكلموا عن شائعات تتعلق بصحة الرئيس, و أيا كان الأمر فالله تعالى جعل لكل حي نهاية طال عمر صاحبها أم قصر, و لكن أنظمة الحكم لا تتحدد وفق شخص واحد فقط, فكلنا لاحظنا أن رجال حُكْم الرئيس السادات هم رجال حُكْم الرئيس مبارك, بل إن الكثير من رجال حُكْم الرئيس عبدالناصر صاروا رجالا للسادات و من عاش منهم لعصر مبارك استمر كجزء من منظومة الحكم في عهده, و ايا من كان سيخلف الرئيس مبارك في الحكم فإن رجال حُكْم مبارك سيستمرون ضمن منظومة الحكم بشكل أو بآخر, لأن الرئيس الجديد لابد له من منظومة يعمل من خلالها و المنظومة الحالية موجودة و جاهزة و لا مبرر للتخلص منها اللهم إلا إذا كان القادم الجديد لديه مشروع تغييري و جاء مقتنعا بحتمية اجتثاث رجال الحكم الحالي و احلال آخرين من غيرهم, أما لو أراد تغييرهم لمجرد عدم ثقته بهم فقط من جهة مدى ولائهم له فهذا لن يؤدي للتغيير لأنهم جميعا سرعان ما سيغيرون جلدهم و يبذلون الولاء له لأن دينهم هو كرسي الحكم فهو مصدر ثروتهم و ولي نعمتهم, و حتى لو اجتث القادم الجديد رجال الحكم الحالي و أحل مكانهم آخرين فلا توجد أي ضمانة تضمن لنا أن الفساد لن يتسلل لقلوب و سلوك القادمين الجدد لمنظومة الحكم, صحيح أن طول المكث في الحكم دون رقابة و لا محاسبة يولد الفساد, لكن الفساد عندنا عشش في منظومة الحكم من اول البواب و حتى أعلى مستوى و مستحيل أن يغير القادم الجديد كل الموظفين من أول البواب و حتى الوزير مهما كانت نيته حسنة و مهما كان يريد التغيير, و الأهم من ذلك كله أن الأوضاع التي خلقت الفساد المالي و الاداري و الترهل و عدم الفاعلية الادارية و تقديم أهل الواسطة على أهل الخبرة و التخصص كل هذه الأوضاع ستظل سائدة و تفرخ الشياطين ما لم يتم الغائها و اقامة قواعد و اسس جديدة تقوم على العدل و الشفافية و تقديم و تقدير أهل العلم و الخبرة و إلغاء الوساطة و المحسوبية و تدعيم أليات الرقابة الشعبية و الادارية و المالية.
القادم الجديد مهما كان لديه الدافع القوى للتغيير إلى الأحسن فهو لن يتمكن من احداث هذا التغيير في الآليات مالم يكن له سند شعبي قوي لا ليسانده فقط ضد قوى الظلام و الفساد التي تعشش في أروقة الحكم و لكن أيضا كي تستفزه دائما للتغيير و لإتمام مشروع التغيير بكل آلياته بدلا من الركون لراحة ابقاء الوضع على ما هو عليه, التغيير بهذا المعنى هو تغيير دستوري يؤدى لدعم الحريات العامة و اتاحة و دعم انتخابات حرة لنواب الشعب على كل المستويات سواء في النقابات و النوادي المهنية و الجامعات و المجالس الجامعية و المحلية أو على مستوى مجلس النواب أو على مستوى الرئاسة, و كذلك لابد ان يتيح الدستور و القانون مراقبة و محاسبة كل السلطات سواء التنفيذية أو القضائية فلا أحد فوق المسائلة بما في ذلك الرئيس.
التغيير لا ينبغي فقط أن يكون في الآليات التي تحكم و تسير منظومة الحكم بل هناك تغيير الواقع الاقتصادي و الاجتماعي الذي صنعه الحكم الفاسد الآن, فاموال الدولة التي تم نهبها لابد أن تعود للدولة سواء كانت شركات أو مصانع أو أراض بيعت في صفقات مشبوهة أو سواء كانت تسهيلات بأشكال مختلفة تم تمريرها لرموز المنظومة الحاكمة الحالية ليبنون بها ثرواتهم المشبوهة و يعلون بها على رقاب العباد و يصيحون هل من مزيد, و تغيير الواقع الاجتماعي و الاقتصادي لابد أن يشمل اشباع حاجات الطبقات الفقيرة التي طحنها الجوع و المرض في ظل النظام الحالي كما لابد و أن يعوض الطبقة الوسطى التي كاد النظام الحالي أن يدفعها للتسول من شدة الحاجة بعدما اعتصرها حتى آخر قرش لديها.
بدون تغيير آليات الحكم و الرجال الذين يمثلون منظومة الحكم و الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية التي صنعها الحكم بدون ذلك كله فلا كلام عن أي تغيير الا من باب الخداع و تبييض وجه القادم الجديد أيا كان.
أما القوي الشعبية المعارضة الفاعلة فإن مسئوليتها تتلخص في الوعي بذلك و نشر هذا الوعي و تعميمه على كل طوائف الشعب و النضال من أجله, ففرصة التغيير لن تأتي من السماء على طبق من ذهب للحالمين و للكتاب السطحيين الذي يبسطون الأمور, لابد من الوعي بحقيقة التغيير المنشود و كذلك الوعي بحقيقة التغيير الذي ربما يحدث اليوم أو غدا.
لاشك انه لو تغير الحاكم غدا و سعى لتبييض وجهه في بداية حكمه ببعض التغييرات الشكلية فإن كوكبة الكتاب و السياسيين المعارضين سيدركون بعد وهلة بسيطة أن هذا مجرد دجل سياسي و لا يمثل تغييرا حقيقيا لكنه سيكون من المفيد جدا لحركة المعارضة و مشروعها التغييري أن تدرك حقيقة و مدى التغيير من أول دقيقة حتى تبني موقفا سياسيا جماهيريا سليما من القادم الجديد من أول لحظة يضيع عليه فرصة أن ينعم و لو لساعة بتبييض وجهه.
لو جاء جمال مبارك للحكم خلفا لأبيه أو حتى لو جاء غيره و استمرت منظومة الحكم بنفس الآليات الحالية لن يتغير شئ لكن على المعارضة أن تستخدم ذلك لتكتسب زخما جديدا و مصداقية أكبر و أرضية جماهيرية أوسع و هذا حديث يطول و من ثم فله مجال آخر ان شاء الله لأن المساحة انتهت الآن.
عبدالمنعم منيب
تم نشر هذا الموضوع في جريدة الدستور المصرية بتاريخ 20 يوليو 2010 كما تم نشره
على موقعها الالكتروني (الدستور الأصلي) و عدد من المواقع الالكترونية الأخرى خلال نفس الفترة.
موضوعات متعلقة
تعليقات
إرسال تعليق