مرسي لن يصادق اسرائيل و لن يحاربها و سيخطب ود الخليج و امريكا و ‏أوروبا



زار مرسي في أيام حكمه الأولى كل من أثيوبيا و السعودية و الصين و إيران على الترتيب و أثارت تحركاته الخارجية هذه الكثير من الجدل و التكهنات حول توجهات السياسة الخارجية لدي الزعيم الاخواني و جماعته لا سيما أن زيارة مرسي لايران و طبيعة خطابه هناك أثارا الكثير من التعليقات لا حول علاقة مصر بايران في عصر مرسي و لا حول دور مصر الاقليمي فقط و لكن ايضا حول دور مصر الدولي و علاقاتها بالقوى الرئيسية في العالم في ضوء أن مصر دخلت عصر جديد بعد ثورة 25 يناير و في ضوء ان جماعة الإخوان المسلمين ذات التوجهات الإسلامية هي القوة المسيطرة على مقاليد الحكم الآن.
البعض ظن أن زيارة مرسي لايران في مقتبل ولايته هو تعبير عن ميل الرئيس الإخواني للتحالف مع إيران الإسلامية في إطار محور أصولي في منطقة الشرق الأوسط , و عندما ترضى الرئيس مرسي على الخلفاء الراشدين في مركز العالم الشيعي و أمام أكبر زعيم سياسي للشيعة في العالم كله ظن البعض أن مصر تسير في اتجاه قيادة العالم السني للصدام الطائفي مع إيران الشيعية كما استدل البعض بانتقاد رئيس جمهورية الثورة المصرية للنظام السوري على انه بداية مصرية لمناهضة المحور الايراني في المنطقة لمغازلة الولايات المتحدة التي سيزورها الرئيس المصري هذا الشهر, و في نفس الوقت اعتبر البعض أن زيارته للصين تشير لاتجاهه للاستقواء بالصين واقامة تحالف معها من أجل التصدي للنفوذ الأمريكي في المنطقة .. و في الواقع فإن كل هذه التحليلات تتسم بالتبسيط الشديد لطبيعة و أبعاد الدور الذي ستلعبه مصر الثورة في ظل سيادة تأثير الاخوان المسلمين على صناعة القرار السياسي في البلاد و معهم طبعا (و ان بدرجة اقل) كافة القوى السياسية الاسلامية و الثورية.
إن فهم مستقبل علاقات مصر بمحيطها الاقليمي و خاصة علاقاتها بكل من ايران و الخليج يحتاج قدر من الفهم الدقيق لطبيعة التفكير السياسي و الاستراتيجي و الديني لكل من الدكتور محمد مرسي و جماعة الاخوان المسلمين بالاضافة لفهم طبيعة هذا التفكير لدى نخبة النشطاء و القوي السياسية الاسلامية و الثورية التي باتت ذات ثقل في مصر بعد الثورة فطبيعة فكر كل هذه الأطراف و كيفية تفاعله مع مواقف كل من ايران و حلفاءها و المملكة السعودية و حلفاءها و اسرائيل و مسانديها هي التي ستحدد العوامل التي ستنبني عليها علاقات مصر الاقليمية في أول جمهورية لثورة 25 يناير 2011م.
الذين يظنون أن الرئيس مرسي سيتبنى خطا شعبويا في سياسة مصر الخارجية من أجل استعادة أمجاد الزعيم جمال عبد الناصر في المحيط العربي و الاسلامي و الافريقي مخطئين لأنهم لم يراعوا في تحليلهم أن مرسي معني بتطبيق جزء من برنامج النهضة الذي تتبناه جماعة الاخوان المسلمين و تعتبر أن تاريخها و مستقبلها على المحك ازاء فشل او نجاح هذا البرنامج و هذا يجعل مرسي و الاخوان يهتمون بالانجاز العملي قبل اهتمامهم بمردود الخطاب الشعبوي لأنهم يدركون أن السياسات الخارجية المتشبهة بناصر كما قد تجر لهم شعبية عبد الناصر لكنها ستجر لهم أيضا المتاعب الاقتصادية و السياسية التي تواصلت لتقصم ظهر ناصر نفسه عام 1967 رغم أن ظروف مصر و زعيم القومية العربية كانت أحسن حالا من الظروف الآن, نعم مرسي و الاخوان مهتمين بالتسويق لأنفسهم شعبيا و لكن بعيدا عن المخاطر و بعيدا عما يعوق انعاش اقتصاد مصر و يفاقم مشاكلها المزمنة. 
و بالتالي فأي حديث عن مواجهة طائفية صريحة مع ايران غير وارد الآن ليس لأن الاخوان ممكن أن يتسامحوا مع نشر المذهب الشيعي أو النفوذ الايراني في المنطقة و لكن لأن مثل هذه المواجهة هي أمر لا يمكن لحكم الاخوان في مصر أن يتحمل تكلفته .. نعم الباب مفتوح بدرجة ما في حالة ما إذا تحملت دول الخليج مثلا التكلفة كاملة لكن الاخوان ليس لديهم ترف الانفاق السياسي أو الاقتصادي على مقتضيات انفاذ رغباتهم الأيديولوجية و لمدة عشر سنوات قادمة (هذا ان استمروا في الحكم لهذه المدة) و مع هذا فان مرسي ينوي التصدي بشكل أو بآخر للنفوذ الايراني في العالم السني لاعتباره ان ذلك يهدد الأمن القومي المصري بمفهومه الاسلامي و لا سيما ان القيام بمثل هذا الدور غير مكلف اقتصاديا كما أن التحالف مع ايران حسبما تحلم قيادتها لن يفيد مرسي لا سياسيا و لا اقتصاديا بل سيجر عليه المتاعب.. لكن مرسي و الاخوان مستعدون لعلاقات تعاونية مع ايران بالشروط المصرية و هذا من المستحيل أن تقبله ايران فايران حلمت أن يكون مرسي نسخة اسلامية من مبارك فيسير في الفلك الايراني كبديل لسير مبارك في الفلك الأمريكي , لأن ايران حققت ذلك مع كل من حكام سوريا و العراق و غزة و حزب الله بدرجات متعددة و لكن أخطات القيادة الايرانية كثيرا في توقعاتها ليس فقط في مجال فهم مصر كأكبر دولة عربية أو الاخوان المسلمون كأكبر حركة اسلامية سنية في العصر الحديث و لكن ايضا لفهم طبيعة و عمق التغيرات السياسية و الاجتماعية التي أحدثتها ثورة 25 يناير في مصر و هو أمر يذكرنا بخطأ الولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع الثورة الايرانية 1979 ذلك الخطأ الذي أفقدها حليفتها الاستراتيجية منذئذ و حتى الآن . 
اما بالنسبة لعلاقة مرسي بكل من الولايات المتحدة و أوروبا و اسرائيل فالرئيس الاخواني مهموم بالنهوض بمصر و حل مشكلاتها من اجل انجاح برنامج جماعة الاخوان المسلمين و التمكين للجماعة في كل انتخابات قادمة و بالتالي فالكلام عن مواجهة ساخنة أو باردة مع اسرائيل و ما يتبعه من فقدان الدعم الأمريكي و الأوروبي أمر يعتبر من قبيل التهور في فكر الجماعة السياسي خلال هذه المرحلة. 
و هنا سؤال يطرح نفسه بشدة هو هل الاخوان المسلمون لن تفرق سياستهم الخارجية و دورهم الدولي و الاقليمي عن ما كان يفعله الرئيس المخلوع مبارك طوال حكمه؟ 
و الاجابة : لا ... لكن التمايز لن يكون في كون المخلوع لم يصطدم بأحد بينما الاخوان سيخوضون الحروب هنا و هناك و لكن التمايز سيكون في أمرين :
الأول- ان المخلوع كان يتجنب الصراعات كي يستتب الحكم له و لذريته من بعده هم و حاشيتهم المنتفعة بينما الاخوان سيتجنبون الصراعات كي يتمكنون من انجاز البرنامج الذي وعدوا به ناخبيهم من حل مشاكل مصر و النهوض بها  و من ثم اثبات ان منهج الاخوان المسلمين عقيدة و فقها و تنظيما هو الأصلح لقيادة الأمة الاسلامية في كل بقاعها و أن نظرية الامام البنا رحمه الله أحيت الأمة الاسلامية من جديد و أعادت لها مجدها.
الثاني- أن المخلوع لم يكن لديه حدود في انحناءه أمام الضغوط و الصراعات الدولية, اما الرئيس مرسي و من ورائه الاخوان المسلمين فلهم اولويات استراتيجية كما ان هناك خطوطا حمراء لن يسمحوا لأنفسهم ان يتغاضوا عنها بشأن قضايا الأمن القومي و الشئون الاستراتيجية و السياسية و الاقتصادية (و حتى الثقافية و الاجتماعية) , و على سبيل المثال لن يسمح مرسي و لا الاخوان المسلمين بتهجير الفلسطينين خارج اراضي فلسطين "ترانسفير" أو هدم المسجد الأقصى أو تغيير واسع لجغرافية الضفة الغربية حتى لو ادى الأمر لدخول مصر في حرب مباشرة مع اسرائيل كما لن يسكتوا على أي احتلال اسرائيلي او حتى ايراني لأي أراض عربية, كما انهم قد يدخلون في شكل من اشكال "الصراع -مادون الحرب المباشرة" مع اسرائيل اذا تصاعدت ضغوطها الحربية بشكل واسع ضد الفلسطينين او سوريا أو لبنان او أي دولة عربية و نفس الشئ سيكون ضد ايران لو حاولت فرض نفوذها بشدة في أي دولة عربية أو ربما أي دولة من الدول الاسلامية بشكل يهدد وضع السنة الحالي في أي من هذه الدول. 
و من هنا فالرئيس مرسي و جماعة الاخوان المسلمين لديهم تصورهم السياسي و الاستراتيجي مؤداه ان مصر رغم اهتمامها بالخروج من أزمتها الاقتصادية لكنها مصرة على أن تقوم بدور اقليمي و دولي بارز تحقيقا لعدة أهداف لعل أبرزها:
- الحصول على دعم اقتصادي و تكنولوجي يساهم في حل مشكلات مصر
- حفظ مصالح مصر الاقتصادية (منابع النيل و تجارة مصر الخارجية و العمالة المصرية بالخارج)
- حفظ أمن مصر القومي بمفهومه الذي بدا انه تطور و اتسع مع مساهمة الإخوان و كافة الإسلاميين و القوى الثورية في التأثير في تحديد آفاقه.
- لعب دور مؤثر في زعامة الدول العربية و العالم الإسلامي باعتبار أن الإسلاميين (و غيرهم) يعتبرون أن الأوضاع في العالمين الاسلامي و العربي متدهورة و تفتقر للتضامن و التعاون و ان العرب و المسلمين ليس لهم تأثير حقيقي في الشئون السياسية و الاقتصادية الدولية يتناسب مع تاريخهم و ثقلهم الديمغرافي و الرقعة الجغرافية التي ينتشرون فيها.
- اقامة تحالفات عربية و اسلامية استراتيجية و اقتصادية تدعم تحقيق مصر لكل الأهداف السابقة.
و رغم ذلك فإن مرسي و الاخوان ليس لديهم أي نية للدخول في مغامرات أو صراعات غير محسوبة كما أنهم لن يدخلوا صراعا مكلفا الا إذا تم فرضه عليهم فرضا و لم يكن لديهم أي بديل عنه.  
و اذا كانت هذه هي المحددات الإجمالية  لتوجهات السياسة الخارجية لمرسي و الجماعة فإن علاقات مصر مع دول الخليج جديرة بمزيد من التأمل لأنه قد يبدو للبعض أن الخليج أقل أهمية لمصر اقتصاديا من أمريكا و أوروبا كما قد يظن البعض أن الخليج بالنسبة لمصر هو أقل أهمية استراتيجيا من فلسطين .. و هذا غير صحيح فأمن مصر الشرقي لم يبدأ طوال تاريخها الوسيط و الحديث إلا من الشاطئ الغربي للخليج العربي و الشواطئ الجنوبية لشبه الجزيرة العربية, و إذا أضيف لذلك اعتبارات التضامن العربي و الاسلامي و اعتبارات المصالح الاقتصادية المصرية في الخليج  و الحاجة لخلق تحالفات قوية لتعظيم تأثير مصر الاقليمي و الاسلامي و الدولي سيظهر لنا مدى أهمية دول الخليج لمصر, بينما الخليج نفسه بحاجة ماسة للتحالف السياسي و الاستراتيجي مع مصر التي تتمتع بأحد أقوي و أكبر الجيوش بمنطقة تتعاظم فيها المخاطر الأمنية و الاستراتيجية لكن بعض دوائر صنع القرار في الخليج لم تدرك طبيعة التحولات السياسية في مصر بعد الثورة كما لم تدرك حجم و عمق التغيرات السياسية و النفسية و المجتمعية التي أحدثتها الثورة في مصر و من ثم انساقت وراء عواطفها و ميولها النفسي لتساند فلول النظام المخلوع سياسيا و ماليا بشكل فج متجاهلة ان مصالحها الأمنية و الاستراتيجية الحقيقية لن تتحقق إلا مع من يختاره الشعب المصري و ليس مع من يختارونه هم و من هنا فقادة الخليج العربي يواجههم تحدي الانحياز لمصالح دولهم الأمنية و الاستراتيجية رغم أن ذلك قد يبدو صعبا عليهم لأنه يؤدي لقطيعة حتمية مع فلول النظام المخلوع الذين يلوذون بالخليج طلبا للمساعدة على العودة للحكم رغم أن الواقع الحقيقي يؤكد أن سرعة الأحداث في مصر الثورة و حدة انعطافاتها بلغت درجة جعلت من الصعب على الكثيرين استيعاب ما حدث و ما يستجد كل ساعة في الشارع السياسي المصري اللهم الا شيئا واحدا يفهمه الجميع و هو ان عقارب الساعة لن تعود للوراء.
أما مرسي فرغم أنه لا يحمل خلافات أيديولوجية ذات بال مع حكام الخليج (بعكس حاله مع ايران مثلا) إلا انه يواجه تحدي ان بعضهم مازال يحلم بعودة مبارك او رجال مبارك للحكم و من ثم فإنهم يتلكئون في التعاون مع مرسي بينما مازال بعضهم يساند رجال الرئيس المخلوع و يدافع عنهم و ينتقد مرسي و الإخوان و يوسع المجال لكل متآمر عليهم, فماذا عساه ان يفعله مرسي؟ هل يبادلهم المعاملة بالمثل و يفتح أبواب مصر لمعارضيهم و المتآمرين عليهم؟ أم يتعاون مع إيران ضدهم رغم ان تصوره السياسي قائم على تقليص نفوذ ايران في المنطقة لحساب نفوذ مصر الثورة؟ الخيارات عديدة و صعبة لكن رغم ذلك فمن الصعب جدا ان يظل مرسي صامتا تجاه سلوك بعض الدوائر الخليجية التي مازلت تتجاهل الواقع الجديد الذي فرضته الثورة في مصر.
و بصفة عامة فإن من سيفهم أن مصر بعد الثورة ليست هي مبارك قبل الثورة هو من سينجح في التفاعل و الاستفادة من دور مصر الجديد في المنطقة و العالم لأن الرئيس مرسي و أي رئيس لـ"مصر الثورة" لن يمكنه أن يسير في فلك دولة اجنبية و لا تحقيق مصالح أي طرف أجنبي إذا كان ذلك ضد مصالح مصر و أهدافها و أمنها القومي.. زمن دور مصر الخارجي الباهت أو السلبي أو التابع قد انتهي و الى غير رجعة.          

عبد المنعم منيب     
تم نشر هذا التحليل في جريدة اليوم السابع الورقية عدد أمس الجمعة 14 سبتمبر 2012 كما تم نشره في موقع
"مفكرة الاسلام" و موقع "العلامة عبد المجيد الشاذلي"


موضوعات متعلقة

تعليقات