الإسلاميون و النظام الحاكم

من الملاحظ أن قطاعا واسعا من الإسلاميين إما مؤيدون للنظام الحاكم أو يسلكون سلوكا مؤيدا لهذا النظام, و هذا القطاع الواسع يمكن رصد سلوكه المؤيد للنظام الحاكم في عدة قضايا على النحو التالي:

§ تكاد تعتبر هذه التيارات الإسلامية أن هذا النظام الحاكم هو نظام و إن لم يكن مثاليا فهو نظام مقبول بالمعايير الإسلامية حسب رأيهم و فقههم هم , ذلك الفقه الذي يعتبرونه هو المرجعية الإسلامية الثابتة و الصحيحة دون سواها.

§ دائما ما تتخذ هذه التيارات مواقف حادة بشكل مجاني من قوى المعارضة الإسلامية و العلمانية على حد سواء, و ربما كانت عينهم على سماح النظام لهم بالوجود مقابل هذه المواقف المعارضة لكل من يعارض النظام, و لكن لاشك أن هذا ثمن بخس لسبب بسيط هو أن وجود هذه التيارات حتمي لكل من المجتمع و الدولة و نظام الحكم فالنظام الحاكم لا يسمح لهم بالوجود كمجرد إحسان منه إنما هي ضرورة سياسية و مجتمعية بل و أمنية أيضا هو مضطر لها و محتاج إليها.

§ كثيرا ما تقوم هذه التيارات بانتقاد أساليب قوى المعارضة المختلفة تلك الأساليب التي تكون بالطبع موجهة للنظام الحاكم و أحيانا نلاحظ أن أشد هذه الأساليب تأثيرا ضد الحكومة هي الأكثر تعرضا للانتقاد من قبل هذه التيارات أو بعضها, و كأن هذه التيارات لم تقرأ قولة أبي سفيان بن حرب (قبل إسلامه) في غزوة أحد عندما قال للنبي صلى الله عليه و آله و سلم " ...... وتجدون مُثلة لم آمر بها ولم تسؤني"رواه البخاري, فهكذا يتبرأ أبو سفيان من سلوكيات فعلها ناس من جيشه أو من فريقه تختلف مع قيمه و مبادئه لكنه يعلن أنها لم تسوؤه لأنها ضد عدوه فما يضيره إن تضرر عدوه, و على كل حال فربما لا يروق للبعض تفهم هذه القضية من خلال مثال لسلوك أبي سفيان أيام كفره لكننا نسوق هنا مثالا أمرنا الله بتأسيه و هو سلوك النبي صلى الله عليه و آله و سلم في واقعة أبي بصير, إذ لما جاء أبو بصير مسلما للنبي صلى الله عليه و آله و سلم و هاربا من تعذيب قريش له بعد صلح الحديبية و رده النبي صلى الله عليه و آله و سلم لقريش حسب معاهدة الحديبية و قتل أبو بصير القريشي الذي تسلمه من النبي صلى الله عليه و آله و سلم و رجع أبو بصير للنبي صلى الله عليه و آله و سلم فجاءه فقال: يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم.فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ويل أمه ! مسعر حرب لو كان له أحد !" فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر, وانفلت من قريش أبو جندل بن سهيل بن عمرو فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة، فو الله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم"أ.هـ (من سيرة ابن كثير), و كان العهد حينئذ بين النبي صلى الله عليه و آله و سلم و قريش وفق صلح الحديبية بألا يتعرض النبي لقريش بحرب و لا تتعرض قريش للنبي بحرب.

فماذا يضير هؤلاء الإسلاميون أن تنال معارضة إسلامية أو غير إسلامية من النظام الحاكم نيلا بضغط أو إحراج سياسي أو نحو ذلك؟! أليس معارض خصمي هو بالضرورة مجتمعا معي على هدف واحد؟!

§ كما من الملاحظ أن هؤلاء الإسلاميون الذين نتكلم عنهم لا يثقفون أتباعهم على أساسيات حقيقة الصراع بين الحق و الباطل و لذلك فكثير منهم يرتعدون من مجرد فكرة معارضة النظام معارضة جدية و حاسمة كما أن كثيرا منهم لا يمكن أن يصمدوا في حالة تعرضهم لضغط جدي من النظام الحاكم, و المحصلة النهائية لذلك كله ضعف سياسي عام يعاني منه هذا التيار, الأمر الذي يحدد مدى سقف معارضة هذا التيار للنظام الحاكم ما لو قرر قادة هذا التيار في يوم من الأيام أن يقولوا "لا" قاطعة لهذا النظام.

و السؤال الذي يطرح نفسه بشدة الآن هو ما هو سبب هذا السلوك المؤيد للنظام الحاكم الذي يسلكه هؤلاء الإسلاميون؟

في الواقع هناك أسباب كثيرة اجتماعية و نفسية و سياسية ودينية و طبعا أمنية لكننا سنركز هنا على سببين:

الأول- أن هؤلاء الإسلاميون في غمرة معارضتهم الحادة و التامة للفكر الجهادي الذي يطعن في شرعية النظام الحاكم بشكل كامل و تام قاموا بإسباغ شرعية شبه كاملة على النظام متناسين أن هناك درجات مختلفة من الشرعية و متناسين أنه قد توجد مطاعن شتى على أي نظام حكم بعيدا عن الجدل الجهادي/ السلفي, أو الجدل السلفي / الإخواني, فمستحيل أن يكون النظام الحاكم مرفوض و مكروه و موصوم بكل العيوب و النقائص في كافة المجالات و من كافة قوى الشعب و رموزه الواعية و العليمة ثم يظل هؤلاء الإسلاميون أسرى الفكر التقليدي الذي يرى أن الحاكم دائما على حق مهما فعل, و يعتبرونه و كأنه أمير المؤمنين رغم أننا في دولة علمانية لا تعترف بهذه الأطروحات أصلا و فصلا, و رغم معارضة ذلك للعديد من الأحاديث النبوية الشريفة مثل قوله صلى الله عليه و آله و سلم "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" و قوله صلى الله عليه و آله و سلم "إنما الطاعة في المعروف" و قوله صلى الله عليه و آله و سلم "أن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا" إلى غير ذلك من الأحاديث و الآيات القرآنية الكثيرة التي تعري هذا النظام تماما.

الثاني- أن هؤلاء الإسلاميون عزلوا أنفسهم عن الواقع السياسي بشكل كامل الأمر الذي جعل صورة هذا الواقع الكاملة بما فيها من تفصيلات هامة مشوشة جدا أمامهم الأمر الذي أخفى عليهم فرص و مخاطر هذا الواقع.

عبد المنعم منيب

moneep@gmail.com

تعليقات