أفلح البرادعي إن صدق

الدكتور محمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية و أبرز المعارضين الآن لنظام الرئيس حسني مبارك دعا جميع قوى المعارضة لمقاطعة الانتخابات النيابية و الرئاسية المقبلة و أسمى هذه الانتخابات بالديكورية, و أكد الدكتور البرادعي أنه في حالة نجاح الدعوة لمقاطعة الانتخابات لن يستطيع النظام أن يبقي يومًا واحدًا، و أضاف: هذا متوقف علي مدي نجاحنا في إقناع جميع الأحزاب المؤثرة والقوي السياسية المختلفة بمقاطعة الانتخابات الديكورية وتقديم المصالح الوطنية علي المصالح الشخصية الضيقة.

و قال البرادعي: إننا مطالبون حاليًا بتحكيم عقولنا وليست عواطفنا وأن نفكر في أساليب غير تقليدية من بينها اللجوء للشعب مباشرة، ففي ظل عدم وجود انتخابات نزيهة باعتراف النظام نفسه وفي ظل غياب الأحزاب الحقيقية والنقابات ليس من المطلوب أن نبدأ معركة التغيير بثورة الجياع والعنف ولكن علينا أن نبدأ بالأساليب السلمية للوصول إلي انتخابات نزيهة.

و تبدو هذه التصريحات للدكتور البرادعي منطقية و متوازنة لأول وهلة لكن التعمق في تحليل محتواها يظهر احتوائها على عدة ألغام, فأول هذه الألغام و أوضحها هو قوله إذا نجحنا في إقناع جميع الأحزاب المؤثرة ...الخ و اللغم هنا هو ماذا لو لم تنجح يا دكتور البرادعي في إقناعهم و خاض كثير منهم الانتخابات؟ ما هو خيارك السياسي في هذه الحالة؟ لا سيما و قد صرحت سابقا أنت و العديد من قادة حركتك التغيرية أن العصيان المدني هي ورقتكم الأخيرة, و في حالة فشل البرادعي في حمل أغلبية الشعب و قواه السياسية على مقاطعة الانتخابات فإن ذلك معناه أن حركة التغيير التي يقودها ستكون أعجز عن إقناع الأغلبية بالقيام بعملية العصيان المدني.

أما اللغم الثاني فقوله علينا اللجوء للأساليب السلمية للوصول لانتخابات نزيهة, فهذا الكلام رغم أنه صحيح فإنه متناقض مع دعوته لمقاطعة الانتخابات, إذ أن مقاطعة الانتخابات حتى لو نجحت فهي لن تهز شعرة في جسد النظام الديكتاتوري الحاكم, فمقاطعة الانتخابات لا تجدي في الدول التي تحكمها نظم استبدادية تزور الانتخابات لأنها ستزورها و ستزعم أن الإقبال على الانتخابات كان كبيرا بشكل غير مسبوق, كما إن نظم الحكم المستبدة جلدها سميك فلا تحس بأي وخز ضمير و لا بأي حرج سياسي حتى ولو لم يذهب للانتخابات أحد فنحن لسنا هنا في انجلترا أو السويد نحن في الشرق الأوسط حيث العراقة في الديكتاتورية و الاستبداد, و بالتالي فإن الأساليب السلمية للوصول إلى انتخابات نزيهة تقتضي دخول الانتخابات ليس لأنها لن يتم تزويرها و لكن لتعبئة الشعب و تدريبه على العمل الجماعي المنظم السياسي و السلمي تمهيدا لمزيد من الأعمال الجماعية السياسية الأخرى في مناسبات تالية.

و إذا كنا مطالبين حاليًا بتحكيم عقولنا وليست عواطفنا كما يقول البرادعي (و هنا لغم آخر) فإن ذلك يقتضي أن نفهم أن الأغلبية العظمى من الشعب المصري تتسم بقدر كبير من السلبية السياسية إما خوفا من القمع الحكومي و إما يأسا من حدوث أي نتيجة ايجابية للنضال من اجل التغيير و إما إعراضا عن العمل العام لحساب الشأن الخاص في ظل الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها أغلبية الشعب حيث يناضل الواحد منهم نضالا مريرا بشكل يومي لمجرد الحفاظ على اقل من الحد الأدنى لمتطلبات العيش له و لأسرته, و إذا فهمنا ذلك فعلينا أن نصوغ الحلول المناسبة لهذه المشكلات بشكل عقلاني و منطقي أي نقنع كل هؤلاء بحتمية المشاركة في النضال من أجل التغيير السياسي, و هذا يقتضي أعمالا جماهيرية لتثقيف و تعبئة الجماهير بشكل سلمى لا الانغماس في الأحلام الوردية التي عاشها قادة المعارضة المصرية منذ السبعينات و حتى الآن من انه يكفي الدعوة لمظاهرة أو مقاطعة الانتخابات أو مقاطعة جهة ما حتى يتغير الكون , فهذا كله حرق للمراحل و قفز فوق درجات السلم للوصول لأخره قبل المرور بأوله و هيهات أن ينجح أحد في ذلك حتى لو كان من الأنبياء.

عبد المنعم منيب

تعليقات