يظن كثير من الناس أن كل الإسلاميين أو أغلبهم هم من الإخوان المسلمين, بينما الحقيقة أن هناك مئات الألوف من الإسلاميين لا ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين لا فكرا و لا منهجا و لا تنظيما, و هناك قوى إسلامية عديدة منظمة أو شبه منظمة تتحرك وتعمل في الشارع المصري بجدية و حيوية لا بأس بها, إلا إن صورة الإخوان المسلمين هي الماثلة أكثر في الأذهان بسبب ممارستهم لأشكال من العمل السياسي, والعمل السياسي لا تحتاجه الحركات الإسلامية من أجل الشهرة إنما تحتاجه من أجل تحصيل قدر من القوة و القدرة في مواجهة القمع الحكومي مما سوف يتيح لها مزيدا من العمل والنشاط الإسلامي الفعال والواسع في الواقع المصري, هناك جماعات تظن أن العمل السياسي سوف يعوق عملها عبر استثارة النظام الحاكم عليها الأمر الذي سيدفع أجهزة الأمن لمنع هذه الجماعات من النشاط, و أغلب جماعات الحركة الإسلامية تؤيد هذه الرؤية خاصة عدد من المجموعات السلفية و جماعة التبليغ و الدعوة و الجمعية الشرعية و جماعة أنصار السنة وغيرها, كما أن العديد من مشايخ جماعة الدعوة السلفية خاصة المشايخ ياسر برهاني و سعيد عبد العظيم و عبد المنعم الشحات يرون أن الدخول في مجال العمل السياسي سيدفع جماعتهم لتقديم تنازلات عقائدية وسياسية لا يرغبون في تقديمها, و ربط هذا الفريق بين تحريمهم للترشح للانتخابات النيابية و كذلك كراهتهم التحريمية للمظاهرات و بين اعتزالهم ومقاطعتهم للعمل السياسي.
والواقع أن الذين قاطعوا العمل السياسي خشية استثارة التضييق الأمني ضدهم لم يدركوا حقيقة النظام الحاكم جيدا فالنظام الحاكم لا يعطي للقوى المنافسة التي تهادنه سوى الفتات... هذا إذا كانت قوة سياسية علمانية أما إذا كانت هذه القوة السياسية إسلامية فإنه لا يعطيها سوى فتات الفتات, و لننظر إلى طريقة صناعة القرار في البلاد, و لنتأمل ما هي درجة مشاركة القوى المعارضة العلمانية المهادنة للنظام في صناعة هذا القرار سنجد أن النتيجة صفر.
حتى العلمانيين الذين اندمجوا في نظام الحكم لم يكن حظهم أحسن كثيرا في مجال صنع القرار, إذ القرار هو للقيادة العليا المطلقة فقط, إذن فالمهادنة لا توسع مساحة العمل الإسلامي للمدى المأمول بل تجعله دائما يسير في الإطار المرسوم له من قبل الحكومة و هذا الإطار مناقض لحقيقة و أهداف العمل الإسلامي الذي يسعى أصلا لمنع التخريب العقائدي و التحلل الأخلاقي و الاجتماعي الذي تروج له الحكومة, بينما الحكومة تحافظ بخطوطها المرسومة للحركة الإسلامية على منع فاعلية الإسلاميين في هذا المجال وعلى استمرار التدهور والتخريب العقائدي و الاجتماعي و الاقتصادي, فكما يقال دائما بأن الحرية لا توهب وإنما تنتزع انتزاعا فأيضا الدور الإصلاحي لا يوهب من قبل حكومة مخربة وإنما ينتزع منها انتزاعا.
أما الفريق الذي يتعلل بأن ممارسة السياسة تستدعي تقديم تنازلات لا يرغبون في تقديمها فلابد أن يلاحظوا أن السياسي المحنك لا يمكن لأحد أن يرغمه على تقديم تنازلات لا يريد هو أن يقدمها و من ناحية أخرى فإنه ينبغي تحديد الحكم الشرعي لهذه التنازلات فإذا كانت هذه التنازلات لا يجوز تقديمها فقطعا لا ينبغي تقديمها لكن لابد من ملاحظة أن فقه السياسة الشرعية يتيح تقديم بعض التنازلات السياسية في حالات محددة وفق قواعد شرعية محددة.
هذا فيما يتعلق بتبريرهم اعتزال العمل السياسي بحجة البعد عن الوقوع في شرك تقديم تنازلات مخالفة لرسالتهم و دعوتهم.
أما ما يتعلق بمسألة تحريم الاشتراك في المجالس التشريعية و المظاهرات و الاحتجاج بذلك على أنه ينبغي عدم مزاولة العمل السياسي فهذا اختزال للعمل السياسي في شئ واحد هو انتخابات مجلس الشعب بينما العمل السياسي أكبر و أوسع من هذا بكثير, فإقامة مؤتمرات جماهيرية كبيرة يتم تناول الأحوال السياسية فيها بالنقد والتقييم والمناقشة عمل سياسي هام, و إقامة تواصل سياسي مع قوى و أحزاب معارضة و جماعات حقوق إنسان في الداخل و الخارج هو عمل سياسي هام سيعود بفائدة كبيرة على الحركات الإسلامية التي ستقوم به, و إنشاء وإدارة بث إذاعي و قنوات فضائية سياسية و صحافة مطبوعة كلها أعمال سياسية هامة ومفيدة لكل الحركات الإسلامية, بل النضال السياسي السلمي من أجل توسيع حرية العمل الإسلامي الدعوي بكل مفرداته هو أيضا عمل سياسي مهم وممكن بل يجب استخدام كل الأساليب المذكورة من علاقات مع قوى معارضة ومنظمات حقوقية و إعلام فضائي و غيره و مؤتمرات جماهيرية احتجاجية من أجل تحقيق هذه الغاية, فاليوم لا يمكن للكثيرين مجرد الاعتكاف في المساجد في العشر الأخيرة من رمضان ناهيك عن المنع من إلقاء الخطب و الدروس في المساجد و التجمعات و ذلك كله بسبب القمع المستمر من الحكومة ضد الحركات الإسلامية فضلا عن وجود المئات من المعتقلين الإسلاميين السلفيين في السجون تتراوح مدد اعتقالهم حتى الآن بين عشرة شهور وعدة سنوات, و لا توجد ثمة أداة سياسية للتصدي لكل هذه المشكلات بيد الحركات الإسلامية (عدا الإخوان المسلمين) و لا حل سوى تحصيل أدوات العمل السياسي التي ضربنا أمثلة عليها في السطور السابقة, و إلا فإن ما تفعله هذه الحركات الإسلامية سيحسبه عليهم التاريخ أنه تهرب من ساحة العمل الإسلامي الجاد في زمن لا مناص فيه عن الجدية, صحيح أن لهذا العمل ثمن و ضريبة لكن هل يوجد شئ بلا ثمن؟... حتى الجنة ذكر النبي صلى الله عليه و آله و سلم أن لها ثمنا فقال: "ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة" وقال تعالى: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ" آل عمران142, و قال أيضا: "وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ" محمد38.
تعليقات
إرسال تعليق