المقدمة:
ما هو التقييم الصحيح لتجربة أردوغان في
تركيا ؟
لا شك أن التقييم ليكون صحيحا يجب أن يرتكز
على عدة محاور هي ..
الأول –هو واقع تركيا قبل تولي أردوغان و حزبه الحكم.
الثاني –فهم ما حدث فعلا في الواقع العملي لتجربة
أردوغان في الحكم.
الثالث –تقييم هذا الواقع وفقا لفقه و قواعد
السياسة الشرعية .
هذا إذا كنا نريد أن نقول عن تقيمنا أنه
وجهة نظر إسلامية.. إذ لا يعقل أن نقول أننا نتكلم وفقا للإسلام و نحن نتكلم كلاما
لم يراع فقه السياسة الشرعية و قواعدها أو دون أن ندرك الواقع الحقيقي للتجربة.
و كثير من الأخوة كلما ذكروا تجربة رجب طيب
أردوغان في تركيا يستدعون ما يعتبرونه علاقة هذه التجربة أو تبعيتها لجماعة
الإخوان المسلمون و لذلك فإننا مضطرون لتناول هذه النقطة بالتحليل في محور رابع.
و سوف ننشر كل محور من هذه المحاور الأربعة في
مقال مستقل (ان شاء الله) ليسهل قراءته و لئلا نطيل على القارئ فيشعر بالملل.
(1)
عندما ألغى أتاتورك الخلافة الإسلامية أقام دولة علمانية شديدة
العداء للإسلام و منع كافة المظاهر الإسلامية و حول مسجد أيا صوفيا الى متحف و فرض
العلمنة و الإنسلاخ من الاسلام بالحديد و النار و في سبيل ذلك حاصر و ضيق على أي
مظاهر أو شعائر اسلامية و منع أي أنشطة اسلامية حتى لو كانت لا تمت للعمل السياسي
بأي صلة .. و دور و أفاعيل كمال أتاتورك في إزالة ليس الجانب السياسي للاسلام في
تركيا فقط بل و كل ما يمت للاسلام بصلة أمر مشهور و يطول وصفه و يمكن لمن شاء
التوسع في قراءتها أن يرجع الى عدد من المراجع الموثوقة (مثل: محمد قطب ، واقعنا
المعاصر. محمد محمد حسين ، الاتجاهات الوطنية في الأدب العربي المعاصر. عبد الله
عبد الرحمن "مترجم" ، الرجل الصنم .. و غيرها) لكننا هنا نود أن ننظر
الى ما آلت اليه الأوضاع في تركيا عشية تولي أردوغان للحكم..
تحولت دولة الخلافة الى دولة علمانية متعصبة تحظر أي نشاط
إسلامي سياسي و تضيق و تحاصر أي نشاط إسلامي أخلاقي بعيدا عن السياسة و أصبح منتشرا فيها الانحلال الفكري و الأخلاقي و باتت تعادي المسلمين و قضاياهم و توالي اليهود
و الأمريكيين و الأوروبيين على الساحة الدولية و الاقليمة.. أمسى فيها ممنوع رفع
الآذان بغير اللغة التركية و أحيانا يمنع اعلان الآذان أصلا و منعت الدولة اللحية
و الحجاب في مؤسسات الدولة بما في ذلك الجامعات فلا يدخلها ملتحي و لا محجبة حتى
لو كان داخلا لمرة واحدة لقضاء شئ عابر كما يجري منع أي شخص لديه ميول إسلامية من
دخول أجهزة الدولة المؤثرة كالجيش و الأجهزة الأمنية و القضائية و نحوها و كل من
يظهر عليه أي ميول إسلامي في هذه الأجهزة يتم فصله منها ، و كل ذلك مقنن بالقانون
و الدستور و لا يمكن لأحد تغييره و في نفس الوقت فإن أشكال الفسق و الفجور و الانحلال
و الانحرافات الخلقية و الفكرية مباحة بالقانون و الدستور وفوق ذلك كله فإن
الدستور يوجب وضع مؤسسة الجيش فوق كل مؤسسات الدولة بما في ذلك فوق رئيس الجمهورية
و رئيس الوزراء المنتخب بدعوى حماية تراث أتاتورك و تقاليد و أسس الدولة العلمانية
فيمكن لقائد الجيش أن يوجه انذارا علنيا الى رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء
المنتخب في أي وقت لدفعه للتراجع عن قرار ما أو توجه ما ، و استعمل العلمانيون
أيضا مؤسسة القضاء لضرب أي أحزاب إسلامية عبر أحكام قضائية تصدر بحلها كلما قامت و حاولت
العمل في ظل النظام الحزبي الذي يدعي الليبرالية ، إذن فنحن أمام وضع علماني متطرف
جدا في معاداته للاسلام و متحالف مع الولايات المتحدة و إسرائيل و عضو بحلف
الأطلنطي (لاحظ كانت سماء تركيا هي ساحة تدريب دائمة للقوات الجوية الإسرائيلية
بسبب ضيق مساحة الكيان الصهيويني و حاجتها لمساحة اوسع للتدريب) و يسهر في النظام
التركي على حفظ استمرار الحكم العلماني كل من الجيش و القضاء و أغلب وسائل الإعلام
، و لم يكن هذا الوضع يتم الحفاظ عليه ضد رغبة ذوي التوجه الإسلامي فقط بل كان يتم
الحفاظ عليه ضد ارادة الشعب في الكثير من المواقف التي لا يقبلها عامة الشعب
لمصادمتها لبعض توجهاته الإسلامية او لمصادمتها للحرية الحقيقية ، كان الوضع مفروضا
بالحديد و النار ، فانقلب الجيش على رئيس علماني ليبرالي هو عدنان مندريس عام
1960 بسبب أنه خاض حملته الانتخابية على أساس وعود بإلغاء الإجراءات العلمانية
الصارمة بالبلاد و كان من بين هذه الاجراءات التى تعهد بالغائها : الأذان بالتركية و قراءة القرآن وإغلاق
المدارس الدينية، وحينما فاز قام مندريس بإلغاء هذه الإجراءات حيث أعاد الآذان
إلى العربية وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس العامة وفتح أول معهد ديني عال إلى
جانب افتتاحه مراكز تعليم القرآن الكريم و لكن الجيش اطاح به و أعدمه هو و اثنين من وزراءه
و سجن آخرين.
و في عام 1980 استعرض نجم
الدين أربكان قوة الاسلاميين بحشد مظاهرة مليونية في قلب استانبول ضد اسرائيل و كان
قبلها قد حصل على نسبة لا بأس بها من مقاعد البرلمان التركي مما أرعب عسكر تركيا
العلمانيين فقاموا بانقلاب بقيادة الجنرال كنعان إيفرين و حلوا حزب
أربكان و اعتقلوا العديد من الزعماء السياسيين، وحلوا البرلمان والأحزاب السياسية
والنقابات العمالية، وفرضوا دستورا منح قادة الجيش سلطات غير محدودة.
و بعد ذلك شكل أربكان حزبه باسم آخر ليتحايل على قرار حل حزبه الأول
و حصد نسبة كبيرة من مقاعد البرلمان أهلته لتولي رئاسة الحكومة لكن الجيش
التركي تدخل مرة أخرى عام 1997 ليطيح بحكومة نجم الدين أربكان و يحل حزبه
"حزب الفضيل" .. و من هنا بدأ رجب طيب أردوغان و عبد الله جول (و هما من
أبرز القادة الصاعدين وقتها الذين تربوا في أحزاب أربكان منذ 1972) يفكران تفكيرا
آخر لمواجهة الوضع فشكلا حزب العدالة و التنمية عام 2001 ، و خاضا به أول انتخابات
قابلتهم بعد تشكله و هي انتخابات نوفمبر 2002 حيث اكتسح الحزب الانتخابات بنسبة
أهلته لتولي الحكم و هنا بدأ العمل الضخم الذي قام به أردوغان و حزبه...
و هو ما سنتناوله في الحلقة التالية ان شاء الله.
و إقرأ أيضا:
تجربة " أردوغان ".. إسلامية أم علمانية ؟و ما علاقتها بـ"الإخوان"؟ (2)
تجربة " أردوغان ".. إسلامية أم علمانية ؟و ما علاقتها بـ"الإخوان"؟ (3)
وجود و استمرار "الاخوان المسلمون" في مصر ضرورة إستراتيجية إسلامية
لماذا أصر على تقييم العمل الاسلامي و قادته و نقدهم ؟؟ و ما هدفي من ذلك ؟
أربعة عوامل تمكن المقاومة في غزة من تحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدو
ثلاث ملاحظات على خلافة " البغدادي " و أداء الدولة الاسلامية في سوريا
لماذا تنتصر المقاومة الفلسطينية في غزة على الاحتلال الصهيوني ؟؟
تعليقات
إرسال تعليق