الخطاب الاسلامي الجديد ....في مواجهة خطاب أمريكا الجديد

كتب- د.طارق الزمر:
بغض النظر عن المضمون الحقيقي لخطاب " أوباما " بجامعة القاهرة....و بغض النظر عن مصداقيتة و امكانيات ترجمته إلي سياسة و خطة أمريكية جديدة تقيم غلاقات متوازنة مع العالم الاسلامي، علي أساس الاحترام المتبادل . فإن الخطاب يفرض علي التيار الاسلامي صياغة خطاب جديد يتوجه إلي الولايات المتحدة و إلي الغرب جملة، علي أساس أن الولايات المتحدة هي رأس الغرب المعاصر . فليس من المنطقي أن يقول الرجل:تعالوا إلي علاقة جديدة ، بعيدا عن العداوات و القهر الذي اكتوينا بناره ، ثم نقول له : لا ، دعك من هذا الكلام المعسول !! و ليس من المعقول أن نواجه خطاب " أوباما " المغلف و المنمق و المزين ، بذات الخطاب الذي واجهنا به خطاب " بوش " العدواني الفج الغليظ !! كما أننا بحاجه لأن نسابق الغرب في مجال لنا فيه كل السبق ، و أن نركز في هذه الأونة علي المفاضلة بين قيم الأسلام في العدل و الرحمة و التسامح مع غير المسلمين ( و الذي يفضل فيه الاسلام كل الثقافات بلا استثناء ) و بين قيم الغرب و ممارساته العدوانية مع المسلمين علي طول تاريخ العلاقة بينهما .
إن خطاب " أوباما " فرصة تاريخية لإبراز قدرة الاسلام علي التعايش مع العقائد الأخري ، و كيف أن نموذج الدولة الاسلامية هو النموذج الأول ، الذي أسس للتعايش مع الديانات الأخري داخل المجتمع الواجد ، بل و اعتبر أن كل عدوان علي غير المسلمين داخل المجتمع الاسلامي ، هو عدوان علي الدولة و المجتمع . * * إن التعامل الإيجابي مع " خطاب أمريكا الجديد " أولي بكثير من تجاهله و الاستعلاء عليه بدافع الشعور بالمرارة تجاه الولايات المتحدة ، أو معاناة ظلمها الذي لا يزال مستمرا ، فالتعامل الإيجابي له أسباب هامة :
أولها : أن الخطاب الأمريكي الموجه للعالم الاسلامي ، يهدف إلي إبراز وجه جديد للولايات المتحدة ، يتضمن بالضرورة إحساسا بتصاعد موجات الغضب و الكراهية تجاهها في جميع أنجاء العالم الاسلامي .... و هو هدف يمكن توظيفه لصالح العالم الاسلامي و قضاياه ٠
ثانيها : أن هذا الخطاب المتجمل . ليس حبا في المسلمين ، و لا عشقا في سواد عيونهم ، بل حرصا حقيقيا علي مصالح أمريكا في المنطقة ، و سعيا حثيثا لتمكين مشاريعها بها .... وهو ما يقتضي أن تطرح مصالحنا بالمقابلة و التبادل . فطريق المصالح طريق له اتجهان ٠
ثالثها : لأن الخطاب يتضمن اعتذارا و لو ضمنيا عن السياسات العدوانية الفجة علي العالم الاسلامي ، و التي شهدتها حقبة بوش الابن ....أو علي أقل تقدير اعترافا بخطأ
تلك السياسات ، و هي وضعية أمريكية يجب التأكيد عليها . و بناء سياسات اسلامية وفقها
رابعها : أن الولايات المتحدة بصدد صياغة سياسة جديدة ، و نمط جديد من الجركة ، و سواء كان هذا الجديد يعبر عن تغييرحقيقي أو شكلي فإن التجاوب الاسلامي واجب لتدعيم إيجابياته و محاصرة سلبياته .
خامسها : أن التجاوب الاسلامي مع الطرح الأمريكي الجديد ، هو في جانب منه تقرير لهزيمة العدوان ، أمام صمود الأمة في جبهات المقاومة المختلفة ، و هو ما يجب ألا يفوت المخططين لمستقبل المقاومة.
سادسها : أن الخطاب يستهدف عزل التيار الاسلامي عن مجريات الأمور و هو ما يجب ألا نسلم به ، لأن الولايات المتحدة لم تأت إلي جامعة القاهرة إلا خوفا من تنامي هذا التيار . و تحت ضغط صموده ، لهذا يجب ان يكون شريكا في جدل اليوم الدائر بين الاسلام و الغرب ، و هو ما يستوجب أن يدلي بدلوه ، و يطرح رؤيته في شكل هذه العلاقة و مساواتها و مستقبلها * *
أما عن مضمون التجاوب الاسلامي مع الخطاب الأمريكي الجديد ، فيجب أن يتجاوز الخطاب الاسلامي السابق ، و أن يهتم بالآتي :
أولا : إبراز القيم الاسلامية الراسخة في التعامل مع غير المسلمين ، و التي تتعرض لعمليات تشويه متواصلة من جانب خصوم الاسلام حينا ، و من جانب أبنائه حينا آخر . و في هذا المجال فإننا نمتلك رصيدا هائلا يجب أن نبرزه وأن نتحدي به.
ثانيا ....التأكيد علي أن الخطاب الأمريكي الجديد لم يتجاوز بعد الكلام والوعود ، فلا توجد مؤشرات جادة حتي الآن لفك حالة الاشتباك القائمة بين الولايات المتحدة و العالم الاسلامي ، سواء في أفغانستان و العراق أو في فلسطين أو لبنان . أو بتدخلها غير المباشر في السودان و الصومال ٠
ثالثا ....ضرورة ابراز كل مظاهر اضطهاد المسلمين داخل الولايات المتحدة و المجتمعات الاوربية ، و التأكيد علي أنه لا يمكن تصور دعوة" أوباما " للحوار و نحن نري أبناء الاسلام يتعرضون للقمع بأشكاله المختلفة داخل المجتمعات الغربية ٠
رابعا ....التأكيد علي ترشيد حركات المقاومة الاسلامية ، حتي لا تطال نيرانها المدنين أو المستأمنين الغربين. فلقد أصبح ذلك من أهم ذرائع بعض الغربيين المستفيدين من استمرار العدء للإسلام داخل المجتمعات الغربية ٠
و هكذا نرجوا أن نضع خطاب " أوباما " الجديد في موقعة المناسب . دون افراط في التفاؤل ، أو التفريط بالحذر الزائد . و أن نتعامل مع إيجابياته بإيجابية ، و أن نوظف هذه المرحلة بمعطياتها الجديدة ، لصالح الاسلام و المسلمين٠

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تأملات في الآفاق السياسية والاستراتيجية لحرب غزة وإسرائيل طوفان الأقصى

عبود الزمر الزعيم الجهادي لم يخرج من السجن منذ تولى مبارك الحكم

هجمة حزب الله على إسرائيل وتل أبيب.. تعليق لا مناص منه حول مقالي مؤخرا