عندما حكم الفساد مصر...

عندما يحكم الفساد فإنه يقتل بلا مبالاة كل من يقف في طريقه حتى لو كان هذا الواقف قد ألقاه حظه في طريقه مصادفة دون أي قصد منه.
و رغم أن ضحايا الفساد المذكورين يسقطون صرعى كل يوم بسيف الفساد و جنوده من المفسدين لكن أكثر الناس يهتمون بأنواع أخرى من القتلة دون أن يفطنوا للفساد القاتل ظنا منهم أن المفسدين يهتمون فقط بتحصيل شهواتهم من المال و السلطة دون ميل للقتل كهدف في حد ذاته.
و على كل فالفيصل في المسألة هو أحداث الواقع.
وكلنا نذكر في السبعينات ما تردد عن إستيراد توفيق عبد الحي و غيره من رجال الأعمال لآلاف الأطنان من اللحوم و الدواجن الفاسدة و تم بيعها بشكل كامل في السوق المصرية الأمر الذي أدى للعديد من الإصابات لدى المستهلكين و إذا كانت لم تسجل حالات من الموت بشكل مباشر إلا أنه لاشك قد سجلت حالات عديدة من التسمم مجهولة السبب و ربما توفى عدد من الفقراء الذين لا يدري أحد عنهم شيئا.
ثم جاء عقد الثمانيات و التسعينات لنرى العديد من ظواهر القتل الجماعي أو شبه الجماعي و الفاعل الوحيد فيها كان دئما هو الفساد و المفسدون.
و من الملاحظ أن معظم الفاعلين في هذه الأحداث هم من المرتبطين بالسلطة أو ببعض قوى السلطة.
ولذلك أمكنهم دائما الإفلات من العقاب.
في الثمانينات سقطت عدة عمارات على رؤس سكانها و تبين أن هناك فسادا في الدوائر التي أعطت تراخيص البناء و المكاتب الهندسية التي أشرفت على عمليات البناء, و رغم أن العديد من المواطنيين الأبرياء قد ماتوا تحت أنقاضها و رغم أن من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا كما جاء في القرآن الكريم, فإن من لقى مصرعه أو أصيب و شرد بعد ذلك في التسعينات من جراء انهيار العمارات السكنية أكثر ممن لقى حتفه لنفس السبب في الثمانينات و ذلك يشير إلى تزايد الفساد في المحليات مع تقادم العمارات السكنية نسبيا بالإضافة لزلزال 1991م الذي عرى هؤلاء المسئولين الفاسدين و إن ظلت هذه التعرية دون جدوى حتى الآن.
عشرات الألاف بين قتيل و جريح و مشرد بسبب الزلزال وحده , و الفاسد الذي أخذ الرشوة كي يجيز أو يسكت عن بنايات مخالفة للقواعد القانونية لم يكن يدور في خلده أنه سيقتل أحدا لكنه لم و لن يبالي أقتل أو لم يقتل ما دام يحصل على الجنيهات التى قررها كأجر محدد على مماراسته الفاسدة.
نفس الشئ بالنسبة للمسئولين عن حوادث القطارات حيث قتل في حوادث القطارات فقط أكثر من 6 ألاف قتيل بالإضافة إلى 21ألف مصاب في 59 حادث قطار في الفترة من سنة 2000م و حتى 2006 فقط بمعدل حادث واحد كل شهر تقريبا, حتى صدرت دراسة ألمانية تقول أن مصر هي الأولى عالميا في معدلات حوادث القطارات و معدلات قتلى القطارات, و الفاسدون الذين نهبوا عوائد و مداخيل قطاع السكة الحديد لم يدر في خلدهم أنهم بهذا النهب يقتلون الآلاف و يشردون و يعذبون الآلاف ولكنهم أيضا لم يبالوا أقتلوا و شردوا أم لا فكل ما ظل يهمهم حتى الآن هو نهب هذا القطاع ذا العائد الإقتصادى الضخم.
أما حوادث الطرق التي وصلت في مصر إلى 25 ضعفا زيادة عن المعدلات العالمية و التي حصدت حتى الآن 69 ألف قتيل و جريح سنويا فإن الفاسدين الذين يتحملون مسئوليتها هم أكثر خسة من غيرهم لأنهم يتكسبون من موت هؤلاء الآلاف جنيهات قليلة , صحيح أن مجموعها يقدر بالملايين لكنه موزع على ألاف المسئولين من أول جندي المرور الذي يقبض خمسة جنيهات فقط ليمرر صاحب المخالفة التي تؤدي لمزيد من حوادث الطرق و الحاصل أنه ثمن زهيد لقتل نفس أو عدة أنفس و الفاسد لا يبالي أي عدد قتله بفساده في حادثة طريق أو أكثر انما كل ما يهمه الخمسة حنيهات.
و حريق مسرح بني سويف و نتيجة التحقيق في سبب التسيب و الإهمال الذي أدى لهذا الحريق و العدد الكبير من القتلى الذين تفحمت جثثهم بفعل التسيب و الأهمال الجسيم مثال واضح على هذا الفساد الذي لا يبالي بالمواطنين مهما قتل منهم بالعشرات أو بالآلاف بالحرق أو بالغرق أو بالفرم عل الأسفلت المهم الحصول على عائد الفساد من جنيهات مهما كانت ضئيلة أو كبيرة و تأتي نتيجة التحقيق في سبب التسيب و الإهمال الذي أدى لهذا الحريق المروع كبرهان واضح على دور الدولة الرسمي في مساندة الفساد و المفسدين مهما كانت النتيجة , لذلك اتهم الكثيرون نظام الحكم بأنه أول نظام يحكم مصر يستهدف المصريين بالقتل و التعذيب و الحرق و الغرق و السرطان و الفيروسات و ذلك منذ الفراعنة مرورا بالمماليك و العثمانيين و حتى الآن.
لقد وصل حجم الإصابة بفيروس الكبد الوبائي (c) إلى 25 % من المصريين.
كما وصلت الإصابة بالفيروس الكبدي (b) في مصر إلى 15 % علما بأنه أخطر من (c) لأن المصاب به يلقى مصرعه في غضون سنوات قليلة بينما المصاب بـفيروس (c) ربما يعيش أكثر من عشرين سنة قبل أن يلقى حتفه, و إن كان الظلم قد لعب دورا كبيرا في تدهور الرعاية الصحية عن طريق تخفيض مخصصات الصحة في الميزانية لصالح أشياء أخرى أقل أهمية و أقل نفعا للشعب مثل وزارة الداخلية و جلاديها, لكن الفساد المستشري في حكومات الحزب الوطني المتعاقبة كان له نصيب الأسد من الإستفادة من تخفيض مخصصات وزارة الصحة في الميزانية, فمن زيادة المصروفات النثرية المخصصة لكل وزير ينفقها كما يشاء بدون رقيب و قدرها البعض بنحو مليار جنيه في الشهر, إلى توريد أكياس الدم الملوثة إلى وزارة الصحة حتى زعم البعض أن كل من غسل كليته في المستشفيات العامة فقد أصيب بفيروس (c).
يضاف ذلك استئثار قادة الحزب الوطني و محاسيبهم بمعظم أموال العلاج على نفقة الدولة.
و الدستور تتحدى الحكومة أن تنشر قائمة بجميع أسماء المنتفعين بالعلاج على نفقة الدولة من المستفدين بمائة ألف جنيه أو أكثر كي يعرف الشعب أين تذهب أموال الصحة التي هي قليلة أصلا, و كذلك نتحداهم أن ينشروا مفردات المصروفات النثرية الخاصة بكل وزير.
و القتل لا يقتصر على الفيروسات بل هناك القتل بالسرطان عبر المبيدات المسرطنة التي سمح يوسف والي لورد الحزب الوطني المعروف باستيراد ألاف الأطنان منها من أجل سواد عيون يوسف عبد الرحمن سكرتيره الحميم حتى وصل معدل الإصابة بالسرطان 100 ألف حالة سنويا.
و إذا كان نظام حكم الحزب الوطني قد قتل بفساده المصريين هدما ومرضا و حرقا فإنه قتلهم أيضا غرقا في مرات عديدة, و لا نقصد بذلك المهاجرين غرقا في البحر المتوسط هربا من فساد السلطة في مصر فقط بل نقصد أيضا العبارة سالم اكسبرس التي غرقت عام 1991م و كانت فرق الإنقاذ قد اتصلت بالعديد من ركاب السفينة و هي تغرق و علمت أنهم أحياء ووضعت خطتها لشق العبارة و استنقاذ الركاب قبل أن يختنقوا لكن مالك العبارة أصر على عدم شقها و قال إما تعوموها سليمة أو تتركوها و كان مالك العبارة على علاقة بمسئول كبير و اتصل به ليمنع شق العبارة و تعويمها لأن ذلك سيمنع عنه نسبة كبيرة من التأمين الذي ستصرفه له شركة التأمين, و أعطى المسئول أوامره بعدم الشق وقد كان ما أراد فتركوها تغرق و على متنها 1600 راكب اختنقوا داخل كبائنها و ما زالت السفينة حتى اليوم رابضة في قاع البحر الأحمر.
وبعد ذلك جاء عام 2006م عندما غرقت العبارة السلام 98 لمالكها صديق المسئول الكبير و ترك الناس تغرق كي يخفي المخالفات الجسيمة التى كان انقاذ العبارة سيفضحها ومنها على سبيل المثال لا الحصر أنها كانت سفينة ايطالية متهالكة خرجت من الخدمة لسوء حالتها لكن ممدوح اسماعيل اشتراها و ضاعف من حجمها ثلاث مرات إذ أضاف لها ثلاثة طوابق بالمخالفة لأية معايير للسلامة و قام بتسجيلها في بنما لسهولة الإجراءات هناك كما قام هنا باجازتها بسبب منصبه و علاقاته بالمسئول الكبير.
و هكذا يقتل الفساد إذا حكم.
عبدالمنعم منيب


تعليقات