تعرض الاخوان المسلمون لحملة اعتقالات كبيرة في الأونة الأخيرة من حيث حجم و وزن الأشخاص الذين تم اعتقالهم إذ شملت الاعتقالات ثلاثة من أعضاء مكتب الارشاد البارزين لا سيما الدكتور محمود عزت الأمين العام للجماعة سابقا و الرجل القوي في الجماعة و الدكتور عصام العريان المتحدث الاعلامي البارز في الجماعة و بينما كان الاخوان المسلمون يلملمون أطرافهم و يضمدون جراحهم من تأثير هذه الحملة أعلن بعض رموز جماعة الاخوان المسلمين في صبر و جلد -اعتاده الشارع السياسي منهم- أنهم لا يستبعدون تحويل عدد من رموزهم المعتقلين إلى محاكمة عسكرية, كما أعلنوا أن هذا لن يفت في عضدهم و لن يوقف شيئا من نشاطهم, و لم يكد الاخوان المسلمون يلتقطون أنفاسهم من جراء هذه الاعتقالات حتى داهمتهم أجهزة الأمن باعتقالات ثانية ثم ثالثة ثم تسارعت وتيرة الاعتقالات ضد أعضاء و قادة جماعة الاخوان المسلمين في عدد كبير من محافظات مصر فقوات الأمن استهدفت زعماء الجماعة فى القاهرة والجيزة، منذ شهر فبراير الماضي وحتى اليوم، وكذلك زعماء المحافظات الأخرى، مثل الإسكندرية، وأسيوط، والشرقية، والغربية، و احتجزت رموزا إخوانية بارزة و هامة, و كان دائما هناك كثير من الزخم الذي صاحب أحداث الاعتقالات فمن تأييد الاخوان المسلمين للبرادعي إلى مظاهراتهم احتجاجا على التهويد الجاري حاليا لمدينة القدس المحتلة و المسجد الأقصى الأسير, لكن على كل حال كانت الاعتقالات متسارعة و منتظمة بشكل دائم في الشهور الأخيرة, و رغم أن اعتقالات الأجهزة الأمنية للاخوان المسلمين صارت شيئا معتادا و منتظما و مستمرا منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي, كما أنها اتسعت جدا منذ عام 2005 , لكن لاشك أن الحملة الأخيرة اتسمت بقدر جديد من الفجاجة و القسوة و اللامعقول, فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن أجهزة الأمن اجتاحت الجمعة الماضى ست محافظات، وألقت القبض على العديد من أعضاء الجماعة، مضاعفة بذلك أعداد الذين احتجزتهم في الشهور الماضية فقط، كي يبلغ عدد معتقلي الاخوان المسلمين في السجون المصرية حتى الآن نحو 350 معتقلا, و من هنا جاءت تعليقات الكثير من المراقبين التي ترددت بين الاستهجان و التعجب تارة و بين اعتبار هذه الاعتقالات بلا جدوى و لا معنى تارة أخرى.
وقد انتقدت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية فى تقرير لمراسلها فى القاهرة حملة الاعتقالات المستمرة التى شنتها الحكومة المصرية ضد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، و اعتبرت أن هذه الاعتقالات بدأت مبكرة هذا العام، لأن الانتخابات البرلمانية لن تجرى قبل عدة أشهر.
و رأى الكاتب الصحفي سلامة أحمد سلامة أن حملة الاعتقالات هذه هي نفس الحملة المستمرة التى تحاول منع الجماعة من الانخراط في الساحة السياسية قبل الانتخابات لمنعهم من ترشيح أعضائهم بكثافة في الانتخابات القادمة.
كما تعجب الدكتور ضياء رشوان الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية من هذه الاعتقالات و اعتبر أنه أمر نادر أن تحدث حملة اعتقالات كهذه بعد تعيين المرشد العام الجديد مباشرة، و الغرض منها على ما يبدو، هو تعطيل القيادة الجديدة قبل أن يتسنى لها الوقت حتى لتتنفس.
و أيا كانت الأهداف الحكومية من هذه الحملة فإن هناك آلافا من الأشخاص من مختلف الأنحاء في طول البلاد و عرضها صوتوا للإخوان المسلمين وساعدوهم في الانتخابات، وهناك آلاف آخرين من المؤيدين و المتعاطفين، و لا شك أن عملية التأييد و التعاطف هذه مع جماعة الاخوان المسلمين مستمرة و من الصعب جدا أن تتوقف الآن بسبب هذه الاعتقالات.
و في سياق متصل أثارت الاعتقالات المكثفة التي تعرض لها قادة و أعضاء الاخوان المسلمين في الشهور و الأيام الأخيرة العديد من التعليقات و ردود الأفعال فمن قائل إنها هجمة حكومية تستبق معركة الانتخابات البرلمانية القادمة و التي لم يتبق عليها إلا عدة شهور و من قائل أنها رسالة تحذير شديدة اللهجة ترسلها الحكومة عبر أجهزتها الأمنية الباطشة لتوقف الاندفاع الاخواني في اتجاه مساندة الدكتور محمد البرادعي في مساعيه لتعديل الدستور و تغيير وجه الحياة السياسية المصرية, و أيا كانت التحليلات و التعليقات فإن جماعة الاخوان المسلمين نفسها لم تسلم من الانتقادات في الفترة الأخيرة إن على مستوى موقفهم و رد فعلهم على هذه الاعتقالات و إن على مستوى موقفهم السياسي بصفة عامة في خضم الأحداث السياسية الهامة التي تشهدها الساحة السياسية المصرية حكومة و معارضة على حد سواء, الكثيرون اعتبروا موقف الاخوان من هذه الاعتقالات سلبيا هذا الموقف الذي اكتفى بتنظيم مجموعة من محامي جماعة الاخوان ليشكلوا هيئة الدفاع عن الاخوان المسلمين المعتقلين, بجانب تسهيل امداد معتقليهم بمستلزمات المعيشة في السجن من الطعام و الملابس و البطاطين, هذا الموقف الذي يعد هزيلا جدا إذا تمت مقارنته بموقف أنصار الدكتور أيمن نور عندما كان مسجونا, فعلى سبيل المثال كثيرا ما قام أنصار الدكتور أيمن نور بمظاهرات تأييد له و احتجاج على حبسه في مناسبات كثيرة و عديدة تزامن كثير منها مع عرض الدكتور أيمن على النيابة أو الطب الشرعي و نحو ذلك, هذا في الوقت الذي لا يمكن فيه مقارنة أنصار الدكتور نور بأنصار الاخوان المسلمين لا في العدد و لا في الانضباط التنظيمي و القدرات على التعبئة و نحو ذلك, فهل تخاذلت جماعة الاخوان المسلمون عن مناصرة أعضائها الذين ضحوا من أجلها و اعتقلوا بسببها؟ و هذا الموقف الذي اعتبره العديدون سلبيا أو على الأقل غير مناسب و غير كاف هل يؤثر على الانضباط التنظيمي لأعضاء الاخوان المسلمين أو على الأقل هل يؤثر على معنوياتهم؟ و ما هو وزن ذلك كله و تأثيره في معادلة الصراع السياسي على الساحة السياسية المصرية؟ هل تضعف هذه الاعتقالات و تلك الحملات الأمنية المكثفة جماعة الاخوان المسلمين أو على الأقل هل تدفع الكثير من أنصارها إلى الانفضاض عنها؟ أم هل يؤدي البطش الأمني إلى ارتعاش اليد أو الأيدي التي تمسك بزمام الأمور داخل جماعة الاخوان المسلمين فتكف عن التنافس السياسي مع الحزب الحاكم أو الأقل تخفف من حدة و ضراوة هذا التنافس؟
أسئلة كثيرة لا مناص من الاجابة عليها في ظل الحراك السياسي الجديد الذي طرأ على الشارع السياسي المصري الآن مع دخول الدكتور محمد البرادعي بقوة لحلبة الصراع السياسي المصري و قلبه للعديد من معادلات هذا الصراع التي استمرت راسخة منذ عقود.
بداية لابد من التذكير بتصريحات قادة و رموز الاخوان المسلمين التي أكدت على استمرار الإخوان المسلمين في ممارسة السياسة من خلال معارضة النظام الحاكم مثل قول د.محمد البلتاجي "نحن ليس لدينا طريق آخر سوى النضال السياسى والدستورى، فنحن نريد الإصلاح السياسى، لذا لا أستطيع أن أتخيل عدم المشاركة فى الحياة السياسية" و كذلك التصريحات التي أشارت إلى ما يشبه ترحيب الجماعة بالاعتقالات مثل تصريح المهندس سعد الحسيني عضو الكتلة البرلمانية للاخوان المسلمين الذي اعتبر فيه أن هذه الاعتقالات بمثابة وسام على صدر جماعة الاخوان المسلمين.
و بعد ذلك لابد لنا من تفحص طبيعة المعادلات السياسية الدقيقة و الصارمة التي تحكم العمل السياسي في ظل نظام الحكم الحالي منذ عقود حتى نعرف موقع هذه الاعتقالات منها و نعرف موضع الاخوان المسلمين و مواقفهم في هذه المعادلات. لقد نجحت الديكتاتورية القائمة في مصر منذ الاحتلال البريطاني 1882م في ترسيخ توازن قُوَىَ مجتمعي قائم على وجود نسبة محدودة من المتدينين (الذين بات يطلق علي نشطائهم اسم "الاسلاميون") لا تملك القيام بتأثير فعال في مجريات الأمور العامة مهما كان نشاطها و ارتفاع صوتها, مع وجود نخبة محدودة من العلمانيين المرتبطين بقوى غربية (صورة الاستعمار الجديد) و يملكون مقاليد السلطة و القوة, مع وجود كتل اخرى من القوميين و الليبرالين و الماركسيين كلها تعارض الحكم لكنها معزولة لسبب أو لأخر و بدعم مباشر من النظام لهذا العزل عن أمرين:
الأول- الامساك بزمام القوة السياسية في الدولة.
و الأمر الثاني- امكانيات تعبئة و تنظيم عامة الجماهير في البلاد.
أما بقية المجتمع فقد حافظ نظام الحكم على جعله كتلة صامتة و سلبية إزاء الشئون العامة خاصة شئون الحكم و السياسة.
و لقد أقام النظام الحاكم عدة توازنات أخرى داخل كل كيان أو تكتل سياسي فالاسلاميون بين جماعاتهم المختلفة توازن, فهناك توازن بين السلفيين و الاخوان و بعضهما البعض و بين الاثنين من جهة و بين الجهاديين من جهة اخرى توازن آخر و هناك توازن بين هؤلاء جميعا من جهة و بين جماعات التكفيريين, و نفس الشئ نجده داخل القوى السياسية العلمانية المعارضة فهناك توازن بين فصائل الناصريين و القوميين المتعددة و المختلفة و جميعهم من جهة يحكمهم توازن ما مع الماركسيين بكافة مجموعاتهم و الكل يتوازن بشكل أو بآخر مع المعارضة الليبرالية و جميع المعارضة غير الاسلامية يحكمها توازن مع كل الاسلاميين....... و هكذا سلسلة لا تكاد تنتهي من التوازنات يأكل بعضها بعضا لصالح النظام الحاكم إذ لا يمسك بمفاتيح هذه السلسلة من التوازنات غير النظام الحاكم و أجهزته الأمنية و السياسية وحدها, و كلما لاح في الأفق نذير اختلال لهذا التوازن فإن قوى الحكم الداخلية و كذلك القوى الخارجية المساندة لنظام الحكم و الساهرة علي سلامة هذا التوازن تقوم بإعادة التوازن إلى سابق عهده بالحيلة حينا و بالقوة و القمع في أغلب الأحيان, مع ملاحظة أن هذا القمع قد يتستر بغطاء من القوانين و القرارات الرسمية.
و هناك عملية سياسية اخرى تستخدم ورقة وجود هذه القوى المختلفة في معادلات اللعبة السياسية الدولية و الاقليمية, حيث يستخدم النظام وجود الاسلاميين السياسي و الدعوى للضغط على الغرب لكسب تأييد الأخير المطلق للنظام الحاكم تحت تهديد أن البديل هم الاسلاميون, و كذلك التذرع بالوجود القوي للاسلاميين بالشارع السياسي المصري لرفض العديد من الاملاءات الغربية في مجالات كبعض الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية المخالفة لثوابت المجتمع الشرقي أو الاسلامي, و من هنا فالنسبة التي حصل عليها الاخوان المسلمون في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة لم تكن مفاجأة للنظام بل مقصودة لتحقيق اهداف عديدة, و نفس الشئ بالنسبة لوجود المعارضة الليبرالية أو القومية أو اليسارية فهى موظفة من قبل النظام لمخاطبة الغرب بأن هناك حريات و ممارسات ديمقراطية و تقدم مطرد في الاصلاح السياسي.
الاخوان المسلمون في مصر طوال القرن الأخير تحركوا في أغلب الأوقات في إطار لم يهدد هذا التوازن القائم و هذه المعادلات السياسية المكرسة, فعمل الاخوان المسلمين لم ينجح في إختراق المنظومة المسيطرة على مقدرات القوة السياسية في البلاد اللهم الا في حالات نادرة و حتى في الحالات النادرة التي نجح الاخوان المسلمون في ذلك فإنهم لم يستعملوا هذه القوة السياسية بالشكل المناسب, حتى أطلق البعض على جماعة الاخوان المسلمين جماعة الفرص الضائعة.
و كذلك فجماعة الاخوان المسلمين لم تنجح في تحقيق اختراق واسع و فعال للكتلة الصامتة من أغلبية الشعب, و ربما كاد هذا الاختراق أن يحدث مرة واحدة في تاريخنا المعاصر في نهاية السبعينات من القرن الميلادي الماضي بفعل الحركة الدعوية التي قامت بها كل من "جماعة التبليغ و الدعوة" و مجموعات اسلامية عديدة استخدمت التكتيكات الدعوية لـ "جماعة التبليغ و الدعوة", لكن سرعان ما أدت أحداث صدام الجهاديين مع النظام الحاكم بجانب عوامل عديدة إلى ترسيخ سياسات حكومية تقيد حركة الدعوة بصفة عامة و تمنع هذه التكتيكات بصفة خاصة, و ذلك كله في إطار استراتيجية حكومية ضد الحركة الاسلامية مستمرة بشكل واضح منذ عام 1986 و حتى الآن و هي أشبه ما تكون بمزيج من استراتيجيتي "الاحتواء" و "الردع المرن" المعروفتان في الصراع الدولي.
و بسبب التزام الاخوان المسلمين اختيارا أو اكراها بمقتضيات هذه المعادلات السياسية التي رسخها النظام الحاكم فإنهم لا يستطيعون دفع صراعهم مع الحكم إلى أبعد من هذه المعادلات بانشاء معادلات جديدة أو الاخلال بتوازن القُوَىَ القائم, و هذه الحالة من التفكير السياسي و الاستراتيجي لدى الاخوان المسلمين دفع البعض لاعتبارجماعة الاخوان المسلمين جماعة كبيرة ذات عقل صغير رغم ما في هذا التعبير من مبالغة.
و مما لا شك فيه أيضا أن هذا الالتزام الاخواني بالمعادلات السياسية التي كرسها و يكرسها النظام لا يأتي فقط خوفا من زيادة جرعة البطش من قبل النظام بقدر ما هو تعبير عن طبيعة التفكير السياسي و الاستراتيجي داخل المطبخ السياسي لجماعة الاخوان المسلمين فالعقليات التي تحكم هؤلاء القادة اعتادت على عدم الاكتراث بآثار القمع الحكومي فقد اعتادوا ادارة الجماعة تحت القصف القمعي للنظام بكل درجات هذا القصف الذي شهدوه منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي كما أن القسوة التي تم قمع جماعة الاخوان المسلمين بها منذ ثورة يوليو 1952 و حتى عهد الرئيس السادات خلقت لدى قادة الجماعة السياسيين حذرا ربما نراه زائدا عن الحد المناسب لمثل هذا العمل السياسي الذي يتصدى له الاخوان المسلمون الآن و في مثل هذه الظروف من الحراك السياسي و فرص التغيير و الفشل و التردي الذريع الذي وصل له النظام السياسي المصري, فهل مازالت عقول قادة جماعة الاخوان المسلمين مسجونة في التجربة المريرة للجماعة مع عبدالناصر أم أن الجماعة تعايشت مع القصف الحكومي بقدر تعايشها مع وجود نظام الحكم نفسه و استمراره؟
هذا السؤال يحتاج اجابة واضحة من قيادة الاخوان المسلمين ليس بالقول و لكن بالفعل, فلا أحد يطالبهم بما وراء الممكن لكن الجميع يطالبونهم باستغلال أقصى ما يمكن لا سيما و أن السياسة هي فن الممكن.
و تبقى أسئلة تتعلق بتأثير هذه الاعتقالات على جماعة الاخوان المسلمين من قبيل هل يتفلت الأعضاء تاركين كيان الاخوان المسلمين بسبب القمع؟ و من قبيل هل تتمكن الجماعة من القيام بنفس أدوارها التي كانت تقوم بها قبل الاعتقالات؟ و هل تتصاعد الاعتقالات أم تنحسر؟
في الواقع ربما يتفلت القليل من أعضاء الجماعة الحديثي عهد بها و لكن الجماعة سرعان ما ستعوض هذه التفلت بمزيد من الأعضاء الجدد الأكثر التزاما و انضباطا تنظيميا .
و ستظل جماعة الاخوان المسلمين تقوم بأدوارها المحصورة في المعادلات السياسية الراسخة و المكرسة في مصر منذ عقود.
أما تصاعد الاعتقالات أو انحسارها فهو محصور في القرار الحكومي الملتزم بحفظ توازن القُوَىَ القائم على ألا تخرج كل قوة سياسية في مصر عن الدور المرسوم لها بعناية داخل أروقة الحكم المصري.
وقد انتقدت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية فى تقرير لمراسلها فى القاهرة حملة الاعتقالات المستمرة التى شنتها الحكومة المصرية ضد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، و اعتبرت أن هذه الاعتقالات بدأت مبكرة هذا العام، لأن الانتخابات البرلمانية لن تجرى قبل عدة أشهر.
و رأى الكاتب الصحفي سلامة أحمد سلامة أن حملة الاعتقالات هذه هي نفس الحملة المستمرة التى تحاول منع الجماعة من الانخراط في الساحة السياسية قبل الانتخابات لمنعهم من ترشيح أعضائهم بكثافة في الانتخابات القادمة.
كما تعجب الدكتور ضياء رشوان الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية من هذه الاعتقالات و اعتبر أنه أمر نادر أن تحدث حملة اعتقالات كهذه بعد تعيين المرشد العام الجديد مباشرة، و الغرض منها على ما يبدو، هو تعطيل القيادة الجديدة قبل أن يتسنى لها الوقت حتى لتتنفس.
و أيا كانت الأهداف الحكومية من هذه الحملة فإن هناك آلافا من الأشخاص من مختلف الأنحاء في طول البلاد و عرضها صوتوا للإخوان المسلمين وساعدوهم في الانتخابات، وهناك آلاف آخرين من المؤيدين و المتعاطفين، و لا شك أن عملية التأييد و التعاطف هذه مع جماعة الاخوان المسلمين مستمرة و من الصعب جدا أن تتوقف الآن بسبب هذه الاعتقالات.
و في سياق متصل أثارت الاعتقالات المكثفة التي تعرض لها قادة و أعضاء الاخوان المسلمين في الشهور و الأيام الأخيرة العديد من التعليقات و ردود الأفعال فمن قائل إنها هجمة حكومية تستبق معركة الانتخابات البرلمانية القادمة و التي لم يتبق عليها إلا عدة شهور و من قائل أنها رسالة تحذير شديدة اللهجة ترسلها الحكومة عبر أجهزتها الأمنية الباطشة لتوقف الاندفاع الاخواني في اتجاه مساندة الدكتور محمد البرادعي في مساعيه لتعديل الدستور و تغيير وجه الحياة السياسية المصرية, و أيا كانت التحليلات و التعليقات فإن جماعة الاخوان المسلمين نفسها لم تسلم من الانتقادات في الفترة الأخيرة إن على مستوى موقفهم و رد فعلهم على هذه الاعتقالات و إن على مستوى موقفهم السياسي بصفة عامة في خضم الأحداث السياسية الهامة التي تشهدها الساحة السياسية المصرية حكومة و معارضة على حد سواء, الكثيرون اعتبروا موقف الاخوان من هذه الاعتقالات سلبيا هذا الموقف الذي اكتفى بتنظيم مجموعة من محامي جماعة الاخوان ليشكلوا هيئة الدفاع عن الاخوان المسلمين المعتقلين, بجانب تسهيل امداد معتقليهم بمستلزمات المعيشة في السجن من الطعام و الملابس و البطاطين, هذا الموقف الذي يعد هزيلا جدا إذا تمت مقارنته بموقف أنصار الدكتور أيمن نور عندما كان مسجونا, فعلى سبيل المثال كثيرا ما قام أنصار الدكتور أيمن نور بمظاهرات تأييد له و احتجاج على حبسه في مناسبات كثيرة و عديدة تزامن كثير منها مع عرض الدكتور أيمن على النيابة أو الطب الشرعي و نحو ذلك, هذا في الوقت الذي لا يمكن فيه مقارنة أنصار الدكتور نور بأنصار الاخوان المسلمين لا في العدد و لا في الانضباط التنظيمي و القدرات على التعبئة و نحو ذلك, فهل تخاذلت جماعة الاخوان المسلمون عن مناصرة أعضائها الذين ضحوا من أجلها و اعتقلوا بسببها؟ و هذا الموقف الذي اعتبره العديدون سلبيا أو على الأقل غير مناسب و غير كاف هل يؤثر على الانضباط التنظيمي لأعضاء الاخوان المسلمين أو على الأقل هل يؤثر على معنوياتهم؟ و ما هو وزن ذلك كله و تأثيره في معادلة الصراع السياسي على الساحة السياسية المصرية؟ هل تضعف هذه الاعتقالات و تلك الحملات الأمنية المكثفة جماعة الاخوان المسلمين أو على الأقل هل تدفع الكثير من أنصارها إلى الانفضاض عنها؟ أم هل يؤدي البطش الأمني إلى ارتعاش اليد أو الأيدي التي تمسك بزمام الأمور داخل جماعة الاخوان المسلمين فتكف عن التنافس السياسي مع الحزب الحاكم أو الأقل تخفف من حدة و ضراوة هذا التنافس؟
أسئلة كثيرة لا مناص من الاجابة عليها في ظل الحراك السياسي الجديد الذي طرأ على الشارع السياسي المصري الآن مع دخول الدكتور محمد البرادعي بقوة لحلبة الصراع السياسي المصري و قلبه للعديد من معادلات هذا الصراع التي استمرت راسخة منذ عقود.
بداية لابد من التذكير بتصريحات قادة و رموز الاخوان المسلمين التي أكدت على استمرار الإخوان المسلمين في ممارسة السياسة من خلال معارضة النظام الحاكم مثل قول د.محمد البلتاجي "نحن ليس لدينا طريق آخر سوى النضال السياسى والدستورى، فنحن نريد الإصلاح السياسى، لذا لا أستطيع أن أتخيل عدم المشاركة فى الحياة السياسية" و كذلك التصريحات التي أشارت إلى ما يشبه ترحيب الجماعة بالاعتقالات مثل تصريح المهندس سعد الحسيني عضو الكتلة البرلمانية للاخوان المسلمين الذي اعتبر فيه أن هذه الاعتقالات بمثابة وسام على صدر جماعة الاخوان المسلمين.
و بعد ذلك لابد لنا من تفحص طبيعة المعادلات السياسية الدقيقة و الصارمة التي تحكم العمل السياسي في ظل نظام الحكم الحالي منذ عقود حتى نعرف موقع هذه الاعتقالات منها و نعرف موضع الاخوان المسلمين و مواقفهم في هذه المعادلات. لقد نجحت الديكتاتورية القائمة في مصر منذ الاحتلال البريطاني 1882م في ترسيخ توازن قُوَىَ مجتمعي قائم على وجود نسبة محدودة من المتدينين (الذين بات يطلق علي نشطائهم اسم "الاسلاميون") لا تملك القيام بتأثير فعال في مجريات الأمور العامة مهما كان نشاطها و ارتفاع صوتها, مع وجود نخبة محدودة من العلمانيين المرتبطين بقوى غربية (صورة الاستعمار الجديد) و يملكون مقاليد السلطة و القوة, مع وجود كتل اخرى من القوميين و الليبرالين و الماركسيين كلها تعارض الحكم لكنها معزولة لسبب أو لأخر و بدعم مباشر من النظام لهذا العزل عن أمرين:
الأول- الامساك بزمام القوة السياسية في الدولة.
و الأمر الثاني- امكانيات تعبئة و تنظيم عامة الجماهير في البلاد.
أما بقية المجتمع فقد حافظ نظام الحكم على جعله كتلة صامتة و سلبية إزاء الشئون العامة خاصة شئون الحكم و السياسة.
و لقد أقام النظام الحاكم عدة توازنات أخرى داخل كل كيان أو تكتل سياسي فالاسلاميون بين جماعاتهم المختلفة توازن, فهناك توازن بين السلفيين و الاخوان و بعضهما البعض و بين الاثنين من جهة و بين الجهاديين من جهة اخرى توازن آخر و هناك توازن بين هؤلاء جميعا من جهة و بين جماعات التكفيريين, و نفس الشئ نجده داخل القوى السياسية العلمانية المعارضة فهناك توازن بين فصائل الناصريين و القوميين المتعددة و المختلفة و جميعهم من جهة يحكمهم توازن ما مع الماركسيين بكافة مجموعاتهم و الكل يتوازن بشكل أو بآخر مع المعارضة الليبرالية و جميع المعارضة غير الاسلامية يحكمها توازن مع كل الاسلاميين....... و هكذا سلسلة لا تكاد تنتهي من التوازنات يأكل بعضها بعضا لصالح النظام الحاكم إذ لا يمسك بمفاتيح هذه السلسلة من التوازنات غير النظام الحاكم و أجهزته الأمنية و السياسية وحدها, و كلما لاح في الأفق نذير اختلال لهذا التوازن فإن قوى الحكم الداخلية و كذلك القوى الخارجية المساندة لنظام الحكم و الساهرة علي سلامة هذا التوازن تقوم بإعادة التوازن إلى سابق عهده بالحيلة حينا و بالقوة و القمع في أغلب الأحيان, مع ملاحظة أن هذا القمع قد يتستر بغطاء من القوانين و القرارات الرسمية.
و هناك عملية سياسية اخرى تستخدم ورقة وجود هذه القوى المختلفة في معادلات اللعبة السياسية الدولية و الاقليمية, حيث يستخدم النظام وجود الاسلاميين السياسي و الدعوى للضغط على الغرب لكسب تأييد الأخير المطلق للنظام الحاكم تحت تهديد أن البديل هم الاسلاميون, و كذلك التذرع بالوجود القوي للاسلاميين بالشارع السياسي المصري لرفض العديد من الاملاءات الغربية في مجالات كبعض الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية المخالفة لثوابت المجتمع الشرقي أو الاسلامي, و من هنا فالنسبة التي حصل عليها الاخوان المسلمون في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة لم تكن مفاجأة للنظام بل مقصودة لتحقيق اهداف عديدة, و نفس الشئ بالنسبة لوجود المعارضة الليبرالية أو القومية أو اليسارية فهى موظفة من قبل النظام لمخاطبة الغرب بأن هناك حريات و ممارسات ديمقراطية و تقدم مطرد في الاصلاح السياسي.
الاخوان المسلمون في مصر طوال القرن الأخير تحركوا في أغلب الأوقات في إطار لم يهدد هذا التوازن القائم و هذه المعادلات السياسية المكرسة, فعمل الاخوان المسلمين لم ينجح في إختراق المنظومة المسيطرة على مقدرات القوة السياسية في البلاد اللهم الا في حالات نادرة و حتى في الحالات النادرة التي نجح الاخوان المسلمون في ذلك فإنهم لم يستعملوا هذه القوة السياسية بالشكل المناسب, حتى أطلق البعض على جماعة الاخوان المسلمين جماعة الفرص الضائعة.
و كذلك فجماعة الاخوان المسلمين لم تنجح في تحقيق اختراق واسع و فعال للكتلة الصامتة من أغلبية الشعب, و ربما كاد هذا الاختراق أن يحدث مرة واحدة في تاريخنا المعاصر في نهاية السبعينات من القرن الميلادي الماضي بفعل الحركة الدعوية التي قامت بها كل من "جماعة التبليغ و الدعوة" و مجموعات اسلامية عديدة استخدمت التكتيكات الدعوية لـ "جماعة التبليغ و الدعوة", لكن سرعان ما أدت أحداث صدام الجهاديين مع النظام الحاكم بجانب عوامل عديدة إلى ترسيخ سياسات حكومية تقيد حركة الدعوة بصفة عامة و تمنع هذه التكتيكات بصفة خاصة, و ذلك كله في إطار استراتيجية حكومية ضد الحركة الاسلامية مستمرة بشكل واضح منذ عام 1986 و حتى الآن و هي أشبه ما تكون بمزيج من استراتيجيتي "الاحتواء" و "الردع المرن" المعروفتان في الصراع الدولي.
و بسبب التزام الاخوان المسلمين اختيارا أو اكراها بمقتضيات هذه المعادلات السياسية التي رسخها النظام الحاكم فإنهم لا يستطيعون دفع صراعهم مع الحكم إلى أبعد من هذه المعادلات بانشاء معادلات جديدة أو الاخلال بتوازن القُوَىَ القائم, و هذه الحالة من التفكير السياسي و الاستراتيجي لدى الاخوان المسلمين دفع البعض لاعتبارجماعة الاخوان المسلمين جماعة كبيرة ذات عقل صغير رغم ما في هذا التعبير من مبالغة.
و مما لا شك فيه أيضا أن هذا الالتزام الاخواني بالمعادلات السياسية التي كرسها و يكرسها النظام لا يأتي فقط خوفا من زيادة جرعة البطش من قبل النظام بقدر ما هو تعبير عن طبيعة التفكير السياسي و الاستراتيجي داخل المطبخ السياسي لجماعة الاخوان المسلمين فالعقليات التي تحكم هؤلاء القادة اعتادت على عدم الاكتراث بآثار القمع الحكومي فقد اعتادوا ادارة الجماعة تحت القصف القمعي للنظام بكل درجات هذا القصف الذي شهدوه منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي كما أن القسوة التي تم قمع جماعة الاخوان المسلمين بها منذ ثورة يوليو 1952 و حتى عهد الرئيس السادات خلقت لدى قادة الجماعة السياسيين حذرا ربما نراه زائدا عن الحد المناسب لمثل هذا العمل السياسي الذي يتصدى له الاخوان المسلمون الآن و في مثل هذه الظروف من الحراك السياسي و فرص التغيير و الفشل و التردي الذريع الذي وصل له النظام السياسي المصري, فهل مازالت عقول قادة جماعة الاخوان المسلمين مسجونة في التجربة المريرة للجماعة مع عبدالناصر أم أن الجماعة تعايشت مع القصف الحكومي بقدر تعايشها مع وجود نظام الحكم نفسه و استمراره؟
هذا السؤال يحتاج اجابة واضحة من قيادة الاخوان المسلمين ليس بالقول و لكن بالفعل, فلا أحد يطالبهم بما وراء الممكن لكن الجميع يطالبونهم باستغلال أقصى ما يمكن لا سيما و أن السياسة هي فن الممكن.
و تبقى أسئلة تتعلق بتأثير هذه الاعتقالات على جماعة الاخوان المسلمين من قبيل هل يتفلت الأعضاء تاركين كيان الاخوان المسلمين بسبب القمع؟ و من قبيل هل تتمكن الجماعة من القيام بنفس أدوارها التي كانت تقوم بها قبل الاعتقالات؟ و هل تتصاعد الاعتقالات أم تنحسر؟
في الواقع ربما يتفلت القليل من أعضاء الجماعة الحديثي عهد بها و لكن الجماعة سرعان ما ستعوض هذه التفلت بمزيد من الأعضاء الجدد الأكثر التزاما و انضباطا تنظيميا .
و ستظل جماعة الاخوان المسلمين تقوم بأدوارها المحصورة في المعادلات السياسية الراسخة و المكرسة في مصر منذ عقود.
أما تصاعد الاعتقالات أو انحسارها فهو محصور في القرار الحكومي الملتزم بحفظ توازن القُوَىَ القائم على ألا تخرج كل قوة سياسية في مصر عن الدور المرسوم لها بعناية داخل أروقة الحكم المصري.
عبدالمنعم منيب
هذا الموضوع تم نشره في موقع اسلام تودي و في جريدة المستور المصرية اليومية.
تعليقات
إرسال تعليق