عندما تم انتخاب الدكتور محمد بديع مرشدا عاما للاخوان المسلمين خلفا للمرشد السابق الأستاذ مهدي عاكف ذهبت أغلب التقارير الصحفية إلى أن د. بديع جاء لقيادة الاخوان بصفته ممثلا لسيطرة القطبيين على الجماعة.
و جاء ذلك استمرارا للنغمة التي سارت عليها الصحافة في متابعتها للأزمة الأخيرة في انتخابات مجلس إرشاد الاخوان المسلمين حيث ذهبت حينها إلى أن ما يسمى بـ "القطبيين" قد سيطروا على قيادة الاخوان المسلمين بينما لم تحدد هذه التحليلات ماهية ما تقصده بمصطلح القطبيين, كما أن أكثر القراء لم ينتبهوا للدلالات العميقة التي ينطلي عليها هذا المصطلح و كان الوحيدون الذين أدركوا أبعاد كلمة "قطبيين" بكل أبعادها هم المتهمون بذلك من قادة "الاخوان المسلمين" كالدكتور محمود عزت و غيره, و لذلك اهتموا بتحديد علاقتهم بفكر الأستاذ سيد قطب رحمه الله, فصرحوا لوسائل الاعلام أنهم يعتزون بأفكاره و يحترمونها لكنهم لا يكفرون الحاكم و غير ذلك من تصريحاتهم التي أظهرت أنهم متمسكون بمنهج الاخوان المسلمين رغم احترامهم الشديد للأستاذ سيد قطب مما يعني في التحليل النهائي أنهم ملتزمون بالخط الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين, و نفس المنهج سار عليه المرشد الثامن للاخوان المسلمين د.محمد بديع حيث كان لزاما على الرجل في أول خطاب له كمرشد للاخوان ان يطمئن الحكومة و الغرب و الأقباط و القوى السياسية الوطنية المختلفة على أن المنهج الذي سيخطه هو نفس منهج الاخوان المسلمين المعروف و ليس منهج سيد قطب المشهور براديكاليته في قضايا عديدة و لكن دون التصريح باسم سيد أو منهجه.
و لكن لماذا اهتم قادة الاخوان بنفي تهمة القطبية عنهم؟ و قبل ذلك ما معني القطبية؟ و ما الفرق بينها و بين منهج الاخوان المسلمون؟ بل و لماذا و كيف افترق القطبيون عن الإخوان المسلمين رغم أن سيد قطب كان من قادة الاخوان المسلمين و مفكريها؟
في البداية لابد أن نلاحظ الأطوار الفكرية التي مر بها سيد قطب (رحمه الله), فبعدما ترك حياة الأدب و التي كان مصاحبا فيها لعملاق الأدب العربي عباس العقاد اتجه سيد قطب للكتابة في الأدب من منظور اسلامي بحت فكان أشهر ما كتبه في هذه المرحلة:
"التصوير الفني في القرآن": وهو أول كتاب له في موضوع إسلامي (ط 1945م).
"مشاهد القيامة في القرآن" : (ط 1947م).
"النقد الأدبي أصوله ومناهجه" : (ط 1948م)
"العدالة الإجتماعية في الإسلام" : (ط 1949م) قبل سفره لأمريكا. وهو أول من أطلق لفظ "العدالة الإجتماعية" بدل "الإشتراكية" التي كان يستخدمها الكُتّاب في عصره للدلالة على موافقة الإسلام للإشتراكية (في نظرهم).
و كانت هذه هي مرحلة سيد قطب الأولى مع التوجه الاسلامي, ثم جاءت المرحلة التالية بعد عودته من رحلته لأمريكا حيث توجه للانضمام لجماعة الاخوان المسلمين و كان لهذا الانضمام سببان:
السبب الأول: ما شاهده في الولايات المتحدة من فرح بمقتل الامام حسن البنا, حيث نشرت العديد من الصحف هناك, أن عدو الغرب الأول قد قتل.
السبب الثاني: مقابلة حدثت بين سيد قطب و ضابط مخابرات انجليزي اسمه "جون هيوورث دن" حيث حذّر "دن" سيّداً من الإخوان المسلمين ومن مغبة إمساكهم بزمام الأمور في مصر وقدّم له معلومات دقيقة عن التنظيم وأهاب به أن يقف وأمثاله من المثقفين المصريين في وجه الإخوان المسلمين !!
و لهذين السببين رأى سيّد قطب أن دعوة الإخوان المسلمين صادقة و أن أعداء الأمة يكيدون لها، و قد قرر سيّد قطب حينها الإنضمام للإخوان المسلمين .. و إثر عودته من الولايات المتحدة بدأت علاقته بالاخوان المسلمين فانضم إليهم و تبحر في العلوم الشرعية و ألف سلسلة من الكتب حملت فكره الاسلامي لكن مرحلته الاسلامية هذه انقسمت لطورين متميزين:
الطور الأول- اهتم فيه بتبيين محاسن الاسلام و أفضليته سياسيا و اجتماعيا على غيره من المذاهب السياسية الأخرى و استمرت هذه المرحلة حتى 1960, و أصدر في هذا الطور الأول الكتب التالية:
"معركة الإسلام والرأسمالية" : (ط 1951م) و هو أول ما ألفه بعد رجوعه من الولايات المتحدة.
"السلام العالمي والإسلام" : (ط 1951م) وقد وكان في آخر هذا الكتاب في الطبعة الأولى فصل بعنوان "الآن" بيّن فيه زيف الإدعاءات الأمريكية ، مما جعل الحكومة الأمريكية تتدخل لدى مصر لحذف الفصل في طبعات الكتاب التالية.
"في ظلال القرآن" : طبع الجزء الأول سنة 1952م ، وطبع الجزء الأول من الطبعة المنقّحة سنة 1960م ، واستطاع سيد أن ينقّح الكتاب إلى الجزء الثالث عشر عند نهاية سورة إبراهيم ، ثم أُعدم بعدها رحمه الله, و الكتاب بطبعته النهائية جاء في ستة أجزاء من القطع الكبيرة حوت أكثر من (4000) صفحة.
"دراسات إسلامية" : هو عبارة عن (35) مقالة إسلامية في نقد مظاهر الفساد والظلم والإنحراف في المجتمع (ط 1953م) .
"هذا الدين" : أصدره وهو في السجن (ط 1960م) و قد كتبه لإخوانه السجناء ليثبت به قلوبهم ، وبيّن فيه عظمة الاسلام وخصائصه التي تفرّد بها .
"المستقبل لهذا الدين" : (ط 1960م).
الطور الثاني- ركز فيه على العقيدة الاسلامية و على الصراع العقائدي بين الاسلام و الآخر من وجهة نظره و كان قمة هذه المرحلة كتابه "معالم في الطريق" و استمرت هذه المرحلة الفكرية معه حتى اعدامه رحمه الله, و لقد أصدر في هذه المرحلة الكتب التالية:
"خصائص التصور الإسلامي ومقوماته" : وهو كتاب في العقيدة أراد به سيد قطب تعليم الأجيال حقيقة العقيدة وأهميتها ، (ط 1962م)
"الإسلام ومشكلات الحضارة" : (ط 1962م) ، دخل هذا الكتاب من باب التعريف بكتاب "الإنسان ذلك المجهول" لألكسس كارل ، ثم أتى بما لم يخطر على بال "ألكسس كارل" ولا غيره.
"مقومات التصور الإسلامي" : طبع بعد عشرين سنة من وفاته (ط 1986م). وقد كتبه سيد في آخر أيام حياته كما قال أخوه محمد في مقدمة الكتاب ، وقال بأن سيداً كتب آخر الكتاب على أوراق الإدعاء التي أعطيت له قبل المحاكمة !! وهناك فصلان مفقودان من الكتاب ، وهما بعنوان "حقيقة الحياة" و"حقيقة الإنسان" وهذا الكتاب يتحدّث عن حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية وحقيقة الكون والحياة والإنسان.
لكن أشهر كتب سيد قطب بجانب "ظلال القرآن" هو كتابه "معالم في الطريق" وهو آخر كتاب صدر في حياة سيد (ط 1964م). وهو من أكثر كتب سيد قطب إثارة للجدل حتى الآن ، و يقال أنه كان الذريعة الرئيسية لمحاكمة سيد والحكم عليه بالإعدام ، وقد كان بعض تلاميذ سيّد يرجونه ألّا يطبع الكتاب !! فكان يقول لهم "لا بد أن يتم البلاغ" ..
لذلك نرى أنه لعله هو الكتاب الذي أعدم صاحبه .. ويبدو أنه قد مُنع من التداول والطباعة في وقتنا هذا ، ولكنه موجود على شبكة الانترنت، وهذا الكتاب يمكن أن يقال بأنه خلاصة كتب سيّد قطب الإسلامية وقد أحدث دوياً هائلاً منذ صدوره و حتى الآن كما أنه يمثل البلورة النهائية لأفكار سيد قطب السياسية و التي فهمتها العديد من القوى الاسلامية كل على طريقته, فالبعض أخذ منها إشارة بتكفير المجتمعات الاسلامية و البعض أخذ منها إشارة أهمية التركيز على التربية الاسلامية للشعوب قبل الدخول في صراع مع الحكومات التي يرون أنها بعيدة عن الاسلام و البعض أخذ منها حتمية المفاصلة مع هذه الحكومات و خوض الصراع بكل أنواعه ضدها و بمختلف أدوات الصراع بما فيها الأساليب المسلحة, و لعل الايحاءات المتعددة التي أطلقها كتاب معالم في الطريق هي التي فجرت الخلافات بين الاخوان المسلمين في السجن بين أغلبية تؤيد القيادة الشرعية للاخوان و أقلية تؤيد أفكار سيد قطب في صورتها النهائية, و ألفت قيادة الاخوان وقتها الكتاب المشهور و المنسوب للاستاذ حسن الهضيبي (المرشد الثاني للاخوان) "دعاة لا قضاة" لا لترد على الفكر القطبي فقط بل أيضا لتحصن الاخوان ضد فكر التكفير الذي كان قد بدأ في إطلاقه شكري مصطفى و رفاقه في السجن.
و كان سيد حاضرا في السجن بين الاخوان قبل إعدامه إذ كان أول اعتقال له مطلع سنة (1954) ، ثم اعتقل بعدها في نفس السنة ، ثم حكمت عليه محكمة الثورة (سنة 1955) بالسجن خمسة عشر سنة ، وقال سيّد مستهزئاً بعد صدور الحكم "إنها مدّة قليلة ، فأين حكم الإعدام" !! ، وقضى معظم هذه الفترة في مستشفى سجن "ليمان طُرّة" لإصابته بأمراض كثيرة حتى أُفرج عنه بعفو صحي بعد تدخل الرئيس العراقي "عبد السلام عارف" سنة 1964، ثم أعيد مرة أخرى للسجن سنة 1965 بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم ، ولاقى أصناف التعذيب والتنكيل مع شدة المرض وكبر السنّ حتى صدر الحكم بإعدامه في 21 أغسطس 1966 ، وهنا أطلق سيد ابتسامة التقطتها عدسات المصورين.. و أُعدم – رحمه الله – فجر يوم الاثنين الثالث عشر من جمادى الأولى سنة 1386هـ الموافق 29أغسطس1966م ، أي بعد أسبوع من صدور الحكم عليه!!
و رغم وجود سيد قطب في السجن مع إخوانه حتى إعدامه إلا أن جماعة القطبيين لم تتبلور إلا في السجن بعد انتهاء محاكمات الإخوان المسلمين في عام 1966م و التي تعرف عند البعض بتنظيم سيد قطب, و قد تكونت من مجموعة صغيرة من قادة و أعضاء الإخوان المسلمين و كان على رأسهم الأستاذ محمد قطب شقيق سيد قطب, و كان من ضمنهم كل من الشيخ عبدالمجيد الشاذلي و الأستاذ مصطفى الخضيري و الدكتور محمد مأمون , و قد اختلفوا مع الإخوان في عدة قضايا و أهمها استراتيجية العمل الإسلامي.
و الإستراتيجية التي اعتمدها القطبيون للتغييرالإسلامي قد دونها بشكل متكامل الأستاذ محمد قطب في كتابه "واقعنا المعاصر" و تتلخص في أنه يتحتم تربية أغلبية الشعب على العقيدة الإسلامية الصحيحة حتى إذا قامت الدولة الإسلامية الحقيقية (من وجهة نظرهم) أيدها الشعب و تحمل الصعاب التي ستترتب على قيامها من قبل القوى الغربية التي ستقاوم أي نهضة اسلامية حقيقية في مصر و ستضرب حصارا ظالما (حسب رأيهم) على الدولة الإسلامية الناشئة يطال كل شئ من اول منع استيراد القمح و المواد الغذائية إلى منع استيراد أي مواد صناعية, بل و منع تدفق ماء النيل بطريقة أو أخرى حتى لو وصل الأمر إلى ضرب السد العالي بقنبلة نووية, و انطلاقا من هذه الرؤية فالقطبيون يرون أنه بجانب تربية الشعب قبل إقامة الدولة الإسلامية على الأفكار الاسلامية فإنه يتحتم أن يهتم أبناء الحركة الإسلامية بالتفوق في تعلم العلوم و التكنولوجيا الغربية الحديثة حتى تتوافر لهم فرص إيجاد الحلول العلمية و العملية الحديثة للتغلب على هذه الصعاب المترتبة على إقامة الدولة الإسلامية في مصر.
و رغم أن استراتيجية القطبيين في التغيير لها رونقها و وجاهتها عند البعض إلا أنهم لم يضعوا تكتيكات (أساليب) واضحة و مناسبة لتحقيقها مما جعلها تبدو و كأنها نوع من الترف الفكري.
كما أن القطبيين لا يؤيدون الدخول في إنتخابات مجلس الشعب أو الشورى أو المحليات.
و بصفة عامة فإن القطبين عددهم صغير و معدل التجنيد عندهم بطئ جدا و ذلك كله يعكس الخلل في تكتيكات جماعة القطبيين, و لذلك فرغم أنهم بدأوا مسيرتهم الدعوية في نفس الوقت الذي بدأ فيه الإخوان المسلمون في منتصف السبعينات فإن عدد القطبيين الآن لا يزيد عن عدة آلاف بينما ربما يصل عدد الإخوان المسلمين إلى مئات الآلاف.
كما يُلاحظ أن القطبين ليس لهم نشاط في الجامعات و لا النقابات بعكس كل من الاخوان و السلفيين الآن و الجهاد و الجماعة الاسلامية سابقا, و هذا أيضا يعد مظهر من مظاهر الخلل في أساليب عمل جماعة القطبيين.
و رغم ذلك كله فإن التيار القطبي مازال تيارا موجودا في معظم دول العالم خاصة أقطار العالم العربي, لكنهم في كل مكان لهم نفس الخصائص الموجودة فيهم في مصر من حيث البطء و عدم الفاعلية و التركيز على تكوين نخبة عقائدية صلبة, و قد أدى ذلك في بعض الحالات إلى تململ عناصر فاعلة داخل جماعة القطبيين و من ثم الانشقاق عليها مللا من جمود منهجها الحركي.
و بذلك كله نعلم أن الفكر القطبي هو فكر جماعة أخرى ليس لها صلة بجماعة الاخوان المسلمين بل إنها تنافس الاخوان المسلمين فكريا و تنظيميا, و لذلك رد الاخوان المسلمون عليها بكتاب "دعاة لا قضاة" في الستينات ثم ردوا مرة ثانية عبر الدكتور يوسف القرضاوي الذي رد على عدد من أطروحات سيد قطب في سلسلة مقالات نشرتها جريدة حزب العمل (الشعب) في الثمانينات أيام تحالف الاخوان مع الحزب.
و ذلك يشير إلى أن قادة الاخوان المسلمين الذين عاصروا نشأة جماعة القطبين في السجن مثل د.محمد بديع و د. محمود عزت أبعد الناس عن أن يكونوا قطبيين لأنهم رفضوا الانضمام لجماعة القطبيين لما تأسست و انحازوا لجماعة الاخوان المسلمين بقيادة الأستاذ حسن الهضيبي وقتها ثم استمروا على ذلك حتى اليوم.
و لكن على كل حال فإن التقارير الصحفية التي نعتت محمود عزت و محمد بديع و من على شاكلتهم بأنهم قطبيون ربما قدمت فائدة لهم في انتخابات مكتب الارشاد, لأن الانتساب لقامة كقامة سيد قطب قطعا أمر له رونقه بين التيارات الاسلامية بكافة اتجاهاتها الفكرية بما في ذلك الاخوان المسلمين و ان اختلفوا مع سيد رحمه الله في العديد من القضايا.
و جاء ذلك استمرارا للنغمة التي سارت عليها الصحافة في متابعتها للأزمة الأخيرة في انتخابات مجلس إرشاد الاخوان المسلمين حيث ذهبت حينها إلى أن ما يسمى بـ "القطبيين" قد سيطروا على قيادة الاخوان المسلمين بينما لم تحدد هذه التحليلات ماهية ما تقصده بمصطلح القطبيين, كما أن أكثر القراء لم ينتبهوا للدلالات العميقة التي ينطلي عليها هذا المصطلح و كان الوحيدون الذين أدركوا أبعاد كلمة "قطبيين" بكل أبعادها هم المتهمون بذلك من قادة "الاخوان المسلمين" كالدكتور محمود عزت و غيره, و لذلك اهتموا بتحديد علاقتهم بفكر الأستاذ سيد قطب رحمه الله, فصرحوا لوسائل الاعلام أنهم يعتزون بأفكاره و يحترمونها لكنهم لا يكفرون الحاكم و غير ذلك من تصريحاتهم التي أظهرت أنهم متمسكون بمنهج الاخوان المسلمين رغم احترامهم الشديد للأستاذ سيد قطب مما يعني في التحليل النهائي أنهم ملتزمون بالخط الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين, و نفس المنهج سار عليه المرشد الثامن للاخوان المسلمين د.محمد بديع حيث كان لزاما على الرجل في أول خطاب له كمرشد للاخوان ان يطمئن الحكومة و الغرب و الأقباط و القوى السياسية الوطنية المختلفة على أن المنهج الذي سيخطه هو نفس منهج الاخوان المسلمين المعروف و ليس منهج سيد قطب المشهور براديكاليته في قضايا عديدة و لكن دون التصريح باسم سيد أو منهجه.
و لكن لماذا اهتم قادة الاخوان بنفي تهمة القطبية عنهم؟ و قبل ذلك ما معني القطبية؟ و ما الفرق بينها و بين منهج الاخوان المسلمون؟ بل و لماذا و كيف افترق القطبيون عن الإخوان المسلمين رغم أن سيد قطب كان من قادة الاخوان المسلمين و مفكريها؟
في البداية لابد أن نلاحظ الأطوار الفكرية التي مر بها سيد قطب (رحمه الله), فبعدما ترك حياة الأدب و التي كان مصاحبا فيها لعملاق الأدب العربي عباس العقاد اتجه سيد قطب للكتابة في الأدب من منظور اسلامي بحت فكان أشهر ما كتبه في هذه المرحلة:
"التصوير الفني في القرآن": وهو أول كتاب له في موضوع إسلامي (ط 1945م).
"مشاهد القيامة في القرآن" : (ط 1947م).
"النقد الأدبي أصوله ومناهجه" : (ط 1948م)
"العدالة الإجتماعية في الإسلام" : (ط 1949م) قبل سفره لأمريكا. وهو أول من أطلق لفظ "العدالة الإجتماعية" بدل "الإشتراكية" التي كان يستخدمها الكُتّاب في عصره للدلالة على موافقة الإسلام للإشتراكية (في نظرهم).
و كانت هذه هي مرحلة سيد قطب الأولى مع التوجه الاسلامي, ثم جاءت المرحلة التالية بعد عودته من رحلته لأمريكا حيث توجه للانضمام لجماعة الاخوان المسلمين و كان لهذا الانضمام سببان:
السبب الأول: ما شاهده في الولايات المتحدة من فرح بمقتل الامام حسن البنا, حيث نشرت العديد من الصحف هناك, أن عدو الغرب الأول قد قتل.
السبب الثاني: مقابلة حدثت بين سيد قطب و ضابط مخابرات انجليزي اسمه "جون هيوورث دن" حيث حذّر "دن" سيّداً من الإخوان المسلمين ومن مغبة إمساكهم بزمام الأمور في مصر وقدّم له معلومات دقيقة عن التنظيم وأهاب به أن يقف وأمثاله من المثقفين المصريين في وجه الإخوان المسلمين !!
و لهذين السببين رأى سيّد قطب أن دعوة الإخوان المسلمين صادقة و أن أعداء الأمة يكيدون لها، و قد قرر سيّد قطب حينها الإنضمام للإخوان المسلمين .. و إثر عودته من الولايات المتحدة بدأت علاقته بالاخوان المسلمين فانضم إليهم و تبحر في العلوم الشرعية و ألف سلسلة من الكتب حملت فكره الاسلامي لكن مرحلته الاسلامية هذه انقسمت لطورين متميزين:
الطور الأول- اهتم فيه بتبيين محاسن الاسلام و أفضليته سياسيا و اجتماعيا على غيره من المذاهب السياسية الأخرى و استمرت هذه المرحلة حتى 1960, و أصدر في هذا الطور الأول الكتب التالية:
"معركة الإسلام والرأسمالية" : (ط 1951م) و هو أول ما ألفه بعد رجوعه من الولايات المتحدة.
"السلام العالمي والإسلام" : (ط 1951م) وقد وكان في آخر هذا الكتاب في الطبعة الأولى فصل بعنوان "الآن" بيّن فيه زيف الإدعاءات الأمريكية ، مما جعل الحكومة الأمريكية تتدخل لدى مصر لحذف الفصل في طبعات الكتاب التالية.
"في ظلال القرآن" : طبع الجزء الأول سنة 1952م ، وطبع الجزء الأول من الطبعة المنقّحة سنة 1960م ، واستطاع سيد أن ينقّح الكتاب إلى الجزء الثالث عشر عند نهاية سورة إبراهيم ، ثم أُعدم بعدها رحمه الله, و الكتاب بطبعته النهائية جاء في ستة أجزاء من القطع الكبيرة حوت أكثر من (4000) صفحة.
"دراسات إسلامية" : هو عبارة عن (35) مقالة إسلامية في نقد مظاهر الفساد والظلم والإنحراف في المجتمع (ط 1953م) .
"هذا الدين" : أصدره وهو في السجن (ط 1960م) و قد كتبه لإخوانه السجناء ليثبت به قلوبهم ، وبيّن فيه عظمة الاسلام وخصائصه التي تفرّد بها .
"المستقبل لهذا الدين" : (ط 1960م).
الطور الثاني- ركز فيه على العقيدة الاسلامية و على الصراع العقائدي بين الاسلام و الآخر من وجهة نظره و كان قمة هذه المرحلة كتابه "معالم في الطريق" و استمرت هذه المرحلة الفكرية معه حتى اعدامه رحمه الله, و لقد أصدر في هذه المرحلة الكتب التالية:
"خصائص التصور الإسلامي ومقوماته" : وهو كتاب في العقيدة أراد به سيد قطب تعليم الأجيال حقيقة العقيدة وأهميتها ، (ط 1962م)
"الإسلام ومشكلات الحضارة" : (ط 1962م) ، دخل هذا الكتاب من باب التعريف بكتاب "الإنسان ذلك المجهول" لألكسس كارل ، ثم أتى بما لم يخطر على بال "ألكسس كارل" ولا غيره.
"مقومات التصور الإسلامي" : طبع بعد عشرين سنة من وفاته (ط 1986م). وقد كتبه سيد في آخر أيام حياته كما قال أخوه محمد في مقدمة الكتاب ، وقال بأن سيداً كتب آخر الكتاب على أوراق الإدعاء التي أعطيت له قبل المحاكمة !! وهناك فصلان مفقودان من الكتاب ، وهما بعنوان "حقيقة الحياة" و"حقيقة الإنسان" وهذا الكتاب يتحدّث عن حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية وحقيقة الكون والحياة والإنسان.
لكن أشهر كتب سيد قطب بجانب "ظلال القرآن" هو كتابه "معالم في الطريق" وهو آخر كتاب صدر في حياة سيد (ط 1964م). وهو من أكثر كتب سيد قطب إثارة للجدل حتى الآن ، و يقال أنه كان الذريعة الرئيسية لمحاكمة سيد والحكم عليه بالإعدام ، وقد كان بعض تلاميذ سيّد يرجونه ألّا يطبع الكتاب !! فكان يقول لهم "لا بد أن يتم البلاغ" ..
لذلك نرى أنه لعله هو الكتاب الذي أعدم صاحبه .. ويبدو أنه قد مُنع من التداول والطباعة في وقتنا هذا ، ولكنه موجود على شبكة الانترنت، وهذا الكتاب يمكن أن يقال بأنه خلاصة كتب سيّد قطب الإسلامية وقد أحدث دوياً هائلاً منذ صدوره و حتى الآن كما أنه يمثل البلورة النهائية لأفكار سيد قطب السياسية و التي فهمتها العديد من القوى الاسلامية كل على طريقته, فالبعض أخذ منها إشارة بتكفير المجتمعات الاسلامية و البعض أخذ منها إشارة أهمية التركيز على التربية الاسلامية للشعوب قبل الدخول في صراع مع الحكومات التي يرون أنها بعيدة عن الاسلام و البعض أخذ منها حتمية المفاصلة مع هذه الحكومات و خوض الصراع بكل أنواعه ضدها و بمختلف أدوات الصراع بما فيها الأساليب المسلحة, و لعل الايحاءات المتعددة التي أطلقها كتاب معالم في الطريق هي التي فجرت الخلافات بين الاخوان المسلمين في السجن بين أغلبية تؤيد القيادة الشرعية للاخوان و أقلية تؤيد أفكار سيد قطب في صورتها النهائية, و ألفت قيادة الاخوان وقتها الكتاب المشهور و المنسوب للاستاذ حسن الهضيبي (المرشد الثاني للاخوان) "دعاة لا قضاة" لا لترد على الفكر القطبي فقط بل أيضا لتحصن الاخوان ضد فكر التكفير الذي كان قد بدأ في إطلاقه شكري مصطفى و رفاقه في السجن.
و كان سيد حاضرا في السجن بين الاخوان قبل إعدامه إذ كان أول اعتقال له مطلع سنة (1954) ، ثم اعتقل بعدها في نفس السنة ، ثم حكمت عليه محكمة الثورة (سنة 1955) بالسجن خمسة عشر سنة ، وقال سيّد مستهزئاً بعد صدور الحكم "إنها مدّة قليلة ، فأين حكم الإعدام" !! ، وقضى معظم هذه الفترة في مستشفى سجن "ليمان طُرّة" لإصابته بأمراض كثيرة حتى أُفرج عنه بعفو صحي بعد تدخل الرئيس العراقي "عبد السلام عارف" سنة 1964، ثم أعيد مرة أخرى للسجن سنة 1965 بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم ، ولاقى أصناف التعذيب والتنكيل مع شدة المرض وكبر السنّ حتى صدر الحكم بإعدامه في 21 أغسطس 1966 ، وهنا أطلق سيد ابتسامة التقطتها عدسات المصورين.. و أُعدم – رحمه الله – فجر يوم الاثنين الثالث عشر من جمادى الأولى سنة 1386هـ الموافق 29أغسطس1966م ، أي بعد أسبوع من صدور الحكم عليه!!
و رغم وجود سيد قطب في السجن مع إخوانه حتى إعدامه إلا أن جماعة القطبيين لم تتبلور إلا في السجن بعد انتهاء محاكمات الإخوان المسلمين في عام 1966م و التي تعرف عند البعض بتنظيم سيد قطب, و قد تكونت من مجموعة صغيرة من قادة و أعضاء الإخوان المسلمين و كان على رأسهم الأستاذ محمد قطب شقيق سيد قطب, و كان من ضمنهم كل من الشيخ عبدالمجيد الشاذلي و الأستاذ مصطفى الخضيري و الدكتور محمد مأمون , و قد اختلفوا مع الإخوان في عدة قضايا و أهمها استراتيجية العمل الإسلامي.
و الإستراتيجية التي اعتمدها القطبيون للتغييرالإسلامي قد دونها بشكل متكامل الأستاذ محمد قطب في كتابه "واقعنا المعاصر" و تتلخص في أنه يتحتم تربية أغلبية الشعب على العقيدة الإسلامية الصحيحة حتى إذا قامت الدولة الإسلامية الحقيقية (من وجهة نظرهم) أيدها الشعب و تحمل الصعاب التي ستترتب على قيامها من قبل القوى الغربية التي ستقاوم أي نهضة اسلامية حقيقية في مصر و ستضرب حصارا ظالما (حسب رأيهم) على الدولة الإسلامية الناشئة يطال كل شئ من اول منع استيراد القمح و المواد الغذائية إلى منع استيراد أي مواد صناعية, بل و منع تدفق ماء النيل بطريقة أو أخرى حتى لو وصل الأمر إلى ضرب السد العالي بقنبلة نووية, و انطلاقا من هذه الرؤية فالقطبيون يرون أنه بجانب تربية الشعب قبل إقامة الدولة الإسلامية على الأفكار الاسلامية فإنه يتحتم أن يهتم أبناء الحركة الإسلامية بالتفوق في تعلم العلوم و التكنولوجيا الغربية الحديثة حتى تتوافر لهم فرص إيجاد الحلول العلمية و العملية الحديثة للتغلب على هذه الصعاب المترتبة على إقامة الدولة الإسلامية في مصر.
و رغم أن استراتيجية القطبيين في التغيير لها رونقها و وجاهتها عند البعض إلا أنهم لم يضعوا تكتيكات (أساليب) واضحة و مناسبة لتحقيقها مما جعلها تبدو و كأنها نوع من الترف الفكري.
كما أن القطبيين لا يؤيدون الدخول في إنتخابات مجلس الشعب أو الشورى أو المحليات.
و بصفة عامة فإن القطبين عددهم صغير و معدل التجنيد عندهم بطئ جدا و ذلك كله يعكس الخلل في تكتيكات جماعة القطبيين, و لذلك فرغم أنهم بدأوا مسيرتهم الدعوية في نفس الوقت الذي بدأ فيه الإخوان المسلمون في منتصف السبعينات فإن عدد القطبيين الآن لا يزيد عن عدة آلاف بينما ربما يصل عدد الإخوان المسلمين إلى مئات الآلاف.
كما يُلاحظ أن القطبين ليس لهم نشاط في الجامعات و لا النقابات بعكس كل من الاخوان و السلفيين الآن و الجهاد و الجماعة الاسلامية سابقا, و هذا أيضا يعد مظهر من مظاهر الخلل في أساليب عمل جماعة القطبيين.
و رغم ذلك كله فإن التيار القطبي مازال تيارا موجودا في معظم دول العالم خاصة أقطار العالم العربي, لكنهم في كل مكان لهم نفس الخصائص الموجودة فيهم في مصر من حيث البطء و عدم الفاعلية و التركيز على تكوين نخبة عقائدية صلبة, و قد أدى ذلك في بعض الحالات إلى تململ عناصر فاعلة داخل جماعة القطبيين و من ثم الانشقاق عليها مللا من جمود منهجها الحركي.
و بذلك كله نعلم أن الفكر القطبي هو فكر جماعة أخرى ليس لها صلة بجماعة الاخوان المسلمين بل إنها تنافس الاخوان المسلمين فكريا و تنظيميا, و لذلك رد الاخوان المسلمون عليها بكتاب "دعاة لا قضاة" في الستينات ثم ردوا مرة ثانية عبر الدكتور يوسف القرضاوي الذي رد على عدد من أطروحات سيد قطب في سلسلة مقالات نشرتها جريدة حزب العمل (الشعب) في الثمانينات أيام تحالف الاخوان مع الحزب.
و ذلك يشير إلى أن قادة الاخوان المسلمين الذين عاصروا نشأة جماعة القطبين في السجن مثل د.محمد بديع و د. محمود عزت أبعد الناس عن أن يكونوا قطبيين لأنهم رفضوا الانضمام لجماعة القطبيين لما تأسست و انحازوا لجماعة الاخوان المسلمين بقيادة الأستاذ حسن الهضيبي وقتها ثم استمروا على ذلك حتى اليوم.
و لكن على كل حال فإن التقارير الصحفية التي نعتت محمود عزت و محمد بديع و من على شاكلتهم بأنهم قطبيون ربما قدمت فائدة لهم في انتخابات مكتب الارشاد, لأن الانتساب لقامة كقامة سيد قطب قطعا أمر له رونقه بين التيارات الاسلامية بكافة اتجاهاتها الفكرية بما في ذلك الاخوان المسلمين و ان اختلفوا مع سيد رحمه الله في العديد من القضايا.
عبدالمنعم منيب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اقوم الآن بنقل هذه المدونة الى موقعي الجديد " الأمة اليوم " على الرابط التالي
http://moneep.alummah.today/
نقلت حتى الآن ثلث المحتوى الموجود هنا و مستمر في النقل حتى أنقل جميع المحتوى ان شاء الله تعالى .. و كل جديد سأكتبه سأنشره هناك و ليس هنا..
http://moneep.alummah.today/
نقلت حتى الآن ثلث المحتوى الموجود هنا و مستمر في النقل حتى أنقل جميع المحتوى ان شاء الله تعالى .. و كل جديد سأكتبه سأنشره هناك و ليس هنا..
تعليقات
إرسال تعليق