عندما كشفت أجهزة الأمن المصرية عن ما أسمته بـ "خلية حزب الله" كان ذلك ايذانا بالكشف عن الأهداف الحقيقة و المهام العديدة التي يقوم بها حزب الله في المنطقة العربية بل و على مستوى العالم كله. فحزب الله عندما تأسس في لبنان أيام الحرب الأهلية و بعد الثورة الايرانية التي أقامت الجمهورية الاسلامية في ايران, نشأ وثيق الصلة بالحرس الثوري الايراني الذي كان و مازال الذراع الرئيس للثورة الايرانية في المجال الأمني و العسكري, و ظل حزب الله ذراع ايران في لبنان أيام كان الفرقاء في لبنان لا يخفون ولاءاتهم و صلاتهم الخارجية بما في ذلك صلة بعض الأحزاب اللبنانية باسرائيل و فرنسا, فلماذا حينئذ كان الحزب أو ميلشيا أمل الشيعية (التي كان الحزب قد انشق عنها أصلا) سيخفون صلاتهم بايران.. لقد كان الأمر عاديا حينئذ.و لكن مع اقتراب الأقطاب الدولية (فرنسا و أمريكا مع تهاوى الاتحاد السوفيتي حينئذ) و الاقليمية (مصر و السعودية و سوريا و اسرائيل) من الاتفاق على حل للأزمة اللبنانية في نهاية الثمانينات أدركت ايران و ذراعها اللبناني حزب الله أن هناك قواعد أخرى ستحكم اللعبة السياسية في لبنان و أنه لن يكون مسموحا بوجود ميليشيا مسلحة لها جيشها و أجهزتها الأمنية و مخازن و مصادر تسليحها, فكانت عملية اعادة رسم صورة حزب الله و تكييف دوره على أنه حركة مقاومة موجودة في الجنوب المحتل لتحريره و لعبت السيطرة السورية دورها في فرض هذا الدور و تلك الصورة على جميع الفرقاء و لم يكن الفرقاء اللبنانيين بعيدو النظر ليدركوا أبعاد هذا الموقف كما لم يكونوا بالقوة التي تمكنهم من رفض الدور الجديد الذي تم اعداده لحزب الله ليظل محتفظا بسلاحه و كامل أجهزته الأمنية و العسكرية و خطوط إمداده اللوجيستي مع ايران عبر سوريا مرورا بالمواني الجوية و البحرية اللبنانية, قد تم اطلاق يد سوريا في لبنان نظير موقفها من نظام صدام حسين و كان اطلاق يد سوريا هذا معناه لبنانيا اطلاق يد حزب الله الذي استطاع بخبراء ايرانيين عسكريين و امنيين و بأموال البترول الايراني بناء دولة قوية في لبنان لها مؤسساتها العسكرية و الأمنية و السياسية و الاقتصادية القوية.و السؤال الهام الذي يطرح نفسه هنا هو: هل كان يمكن لحزب الله (و من ورائه ايران و سوريا بآلاتهما العسكرية و الأمنية و الاعلامية و الاقتصادية) أن يفعل ذلك لو لم يتدثر بغطاء المقاومة ضد العدو الصهيوني صدقا أو زورا؟ هل لو أن حزب الله اعلن أنه مجرد فرع من دولة ولاية الفقيه فقط و أنه ذراعها بين شيعة لبنان هل كان سيجد غطاءا سياسيا يسمح لها بمواصلة تسلحه الثقيل و مواصلة بناء دولته الخاصة بأجهزتها الأمنية و العسكرية التي صارت أقوى من الاجهزة المناظرة لها في العديد من الدول العربية الصغيرة و المتوسطة؟و هكذا تحت مسمى و دعوى مقاومة اسرائيل صار لحزب الله دولته في لبنان, و صارت مقاومته المزعومة محكومة بايقاع العلاقات الايرانية الاسرائيلية و الايرانية الأمريكية و الايرانية الغربية, فإذا صعدت الدول الغربية و أمريكا أو اسرائيل في تهديداتها و حصارها إزاء ايران قام حزب الله بضربة ضد اسرائيل محسوبة بدقة لتذكيرها بأن ذراع ايران على حدودها و تطالها بسهولة فيهدأ حينئذ ايقاع الضغط الغربي و الأمريكي ازاء ايران.و لذلك أحكمت أجهزة حزب الله الأمنية سيطرتها على جنوب لبنان و الحدود مع اسرائيل فلا تسمح بذبابة أن تمر تجاه اسرائيل , و بذا فإنها تمنع المنظمات الفلسطينية و اللبنانية و الاسلامية من القيام بأي عمليات مسلحة ضد اسرائيل عبر الحدود اللبنانية حتى أطلق مناوئو حزب الله عليه لقب "حرس حدود اسرائيل" بل ذكرت مصادر عدة ان الأجهزة الأمنية لحزب الله قتلت مناضلين اسلاميين و عرب و لبنانيين حاولوا في مناسبات مختلفة شن هجمات على اسرائيل عبر حدود لبنان التي يسيطر عليها الجهاز الأمني و العسكري للحزب, و هدف الحزب من ذلك كله هو الحفاظ على قواعد اللعبة السياسية و العسكرية التي يمسك فيها اللاعب الايراني ببيدق حزب الله في مواجهة اسرائيل و الغرب, فلا حركة إلا في إطار القواعد التي أرستها ايران للعبة, و لقد حاولت اسرائيل بدعم غربي و عربي تغيير قواعد اللعبة و تكسير البيدق التابع لايران (حزب الله) في حرب عام 2006م لكن ايران عبر بيدقها الذي دربته جيدا صمد أمام اسرائيل و أرغمها على القبول بقواعد اللعبة و تعلمت كل من اسرائيل و ايران الدرس و لذلك فمن يومها و الحدود هادئة بين حزب الله و اسرائيل و لم يطلق الحزب رصاصة تجاه اسرائيل للعام الثالث على التوالي و رغم أن حسن نصر الله هاجم الحكومات العربية و حكومة مصر بشكل خاص لعدم مساعدتها لغزة في حربها مع اسرائيل لكن نصر الله نفسه لم يحرك ساكنا نصرة لغزة و هو يملك المال و السلاح و الجيش و الحدود مع اسرائيل, لقد اكتفى فقط بالنضال عبر الميكرفون.و من هنا يحق لكل ذي لب أن يتسائل عن الدور المقاوم لحزب الله في لبنان إن كانت حدوده هادئة و مسالمة مع اسرائيل طوال الثلاث سنوات الأخيرة حتى و غزة في أحلك ظروفها حيث كان أي ضغط عسكري على شمال اسرائيل من جنوب لبنان كفيل بتخفيف الضغط عن غزة ابان العدوان الاسرائيلي الأخير عليها, و حتى لو انحصر هذا الضغط في غض حزب الله الطرف عن تسلل المناضلين الفلسطينيين و العرب إلى الجنوب اللبناني و توجيه صواريخهم من هناك, لكن سيد المقاومة (كما يحلو لأبواق حزب الله أن تسمي حسن نصر الله) حمى بكل بسالة جنوب لبنان من أن يتسلل إليه أحد يمكنه تهديد أمن اسرائيل.و هكذا سيطر حزب الله على الساحة اللبنانية و ألغى صلاحيات الدولة اللبنانية و صادرها لصالح حزب الله تحت ذريعة مقاومة اسرائيل و كما كانت ديكتاتورية عبد الناصر تردد لا صوت يعلو فوق صوت المعركة فقد صارت أبواق حزب الله و ايران (و ما أكثرها) تردد و ان بصيغ أخرى لا صوت يعلو فوق صوت المقاومة لا سيما و ان المقاومة تمت بمعجزات آل البيت كما رددت بعض وسائل الاعلام شبه الرسمية الايرانية.و أراد اللاعب الايراني أن يحرك البيدق اللبناني (حزب الله) صوب مصر لعله يستحوذ عليها أو على نفوذ سياسي واسع فيها أو حتى يضعف مناوءتها لسياساته في المنطقة أو على الأقل يشغلها عنه, و ظن أن نفس الذريعة التي استعملها حزب الله في لبنان لينشئ بها دولته الأمنية و العسكرية تصلح للقيام بنفس الأمر و ان بتكتيكات مختلفة في مصر, و لكنه نسى أنه بدأ في انشاء دولته في لبنان في وقت كانت الدولة اللبنانية متفككة و تحت سيطرة حليف ايران الأساسي سوريا, بينما هو يريد أن ينشئ دولته في مصر بينما أجهزتها الأمنية في أوج قوتها و سيطرتها فضلا عن رسوخ تقاليد الدولة المركزية في مصر منذ أيام الفراعنة, كما أن حزب الله و إن قامر على أنه قد اكتسب شعبية من مقاومته اسرائيل و أنه في سعيه لضرب اسرائيل عبر غزة من حدود مصر سيكسب مزيدا من الشعبية و سيجد محيطا شعبيا متعاطفا يتحرك خلاله مناوءا الحكومة المصرية فهذه كلها مقامرات خاسرة لأسباب كثيرة أبرزها أن الوجه الطائفي لايران و حزب الله قد برز بشكل واضح لغالبية أهل السنة في العالم كله بعد موقف ايران و حلفائها من احتلال أفغانستان و العراق و دور الشيعة في التعاون مع الاحتلال في هذين البلدين فضلا عن كشف حزب الله لوجهه الطائفي أثناء احتلاله بيروت العام الفائت.و في ضوء ذلك كله فهل ينكسر البيدق الشيعي اللبناني على عتبات القاهرة؟ أم أن للأيام قول آخر لم تقله بعد؟
عبدالمنعم منيب
عبدالمنعم منيب
تعليقات
إرسال تعليق