مازال الاخوان و الدعوة السلفية يسيطران على شارع الإسلام السياسي و من يريد أن ينافسهما فالمظاهرات ليست هي الوسيلة الناجحة
الجهاديون أوقعوا بشركائهم عندما رفعوا صور بن لادن و أعلنوا رسالة سلبية هي "اختاروا بين القمع الأمني أو تنظيم القاعدة"
تظاهر آلاف الإسلاميين أمام مقر جهاز الأمن الوطني ليل الخميس الفائت و كثرت التحليلات السياسية المتفائلة من قبل كثير من الاسلاميين عن هذه المظاهرة و أنها تعقد حسابات الدولة العميقة و تعطي مؤشرات عن وجود لاعبين إسلاميين مستقلين عن جماعة الإخوان و الدعوة السلفية الى آخر هذه التحليلات المغرقة في التبسيط و الاستسهال (تعليقات الأخوين أحمد فهمي و ممدوح إسماعيل على هذا الحدث مجرد مثال) و لاشك أن هذا الإغراق في التفاؤل و التبرير السياسي أمر خطر على الموقف السياسي الإسلامي لأنه يعطي لشباب الإسلاميين تقديرات خاطئة .. فماذا يمثل خمسة آلاف في معادلة سياسية تضم أطرافا داخلية عملاقة و شرسة ( الجيش و الأجهزة الأمنية و الفلول و العلمانيين) و ظهرت شراسة معظم هذه الأطراف أيا كانت أعدادهم أو تسليحهم لدرجة أنه يمكن القول أنهم سحلوا الإسلاميين في كل واقعة اصطدموا فيها بهم (أحداث العباسية و الاتحادية و المقطم و حرق أكثر من 30 مقرا من مقرات الإخوان) كما تضم المعادلة أطرافا إقليمية عملاقة من حيث قدراتها السياسية و الإستراتيجية و الاقتصادية و الأمنية و على رأسها السعودية و الإمارات و الكويت و إسرائيل و إيران و يجب أن نتذكر أن السعودية و الخليج عندما رموا رئيس مصر الأسبق جمال عبد الناصر عن قوس لم تمر بضع سنوات حتى قضي عليه و على مشروعه رغم أنه كان الزعيم العربي المحبوب الأول و المؤيد من كافة الشعوب العربية (أيا كان تقديرنا لأخطائه بل خطاياه) كما أنهم فعلوا نفس الأمر في صدام حسين و حزب البعث العراقي و عاونهم في حالة ناصر الدور الاسرائيلي و في حالة صدام الدور الايراني (و الله أعلم باتفاق أم بغير اتفاق) و من هنا ندرك مدى تأثير السعودية و دول الخليج و قدراتهم في المنطقة و كذلك كل من ايران و اسرائيل, و بعد ذلك لابد أن نلاحظ بقية أطراف المعادلة السياسية التي تدور وفقها اللعبة السياسية في مصر و هي الأطراف الدولية و هي معروفة للجميع و هي الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي بأقطابه الثلاثة "فرنسا و بريطانيا و ألمانيا" بالاضافة طبعا لدول من خارج الاتحاد الأوروبي و هي روسيا الاتحادية و الصين...
و من هنا يجب علينا كإسلاميين أن نفكر سياسيا و استراتيجيا في كل أبعاد هذه المعادلة و أطرافها و أن ندرك الحجم و التأثير الحقيقي لمظاهرة لم ينضم لها أكثر من خمسة آلاف شخص بعد ان تم الحشد لها بكل قوة من قبل الفصيل الذي دعا لها و نظمها و رعاها.. ليس الهدف من كلامي هذا أن أدخل اليأس على قلوب الشباب المتحمسين لهذه المظاهرة (و نحوها من المظاهرات) فهؤلاء الشباب أحبهم جدا ليس فقط لتأييدي لمنهجهم الإسلامي ذي الطبيعة الثورية الذي نشأت عليه منذ 35 عاما و لكن أيضا لأنهم يذكروني بأيام شبابي , و انطلاقا من حبي هذا فإني أريد أنير لهم طريق العمل السياسي الثوري بتقديم تقدير سياسي و استراتيجي للموقف لا يفرط في التبسيط و التفاؤل كما أنه لا يفرط في اليأس و التشاؤم.. تقدير عادل للموقف..
و لعل أبرز معالم مثل هذا التقدير أن هذه المظاهرة سوف تجرئ قوى عديدة على الإسلاميين الثوريين لأنها أظهرت أن هذه الفصائل و المجموعات الإسلامية التي لها خط سياسي مخالف لكل من الإخوان المسلمين و سلفي حزب النور لا يقدرون على حشد أكثر من خمسة آلاف شخص في مظاهرة طالب من نظمها بأن ينضم لها خمسون ألف شخص.
كما أن قلة العدد هذه رسخت حقيقة أن اللاعب الأكبر من بين الإسلاميين السياسيين هو جماعة الإخوان المسلمين و جماعة الدعوة السلفية بحزبها "حزب النور".. و هذه الحقيقة سيترتب عليها أثار سلبية كثيرة بالنسبة لمسيرة العملية السياسية نظرا لفهم كافة أطراف المعادلة للطبيعة الرخوة و المترهلة التي يمارس بها كل من الإخوان المسلمين و "النور" للعمل السياسي بجانب تخبطهما في المجالين الاقتصادي و الإداري.
كما أن الجهاديين (كعادتهم) أوقعوا سياسيا بشركائهم في المظاهرة بسبب سوء تقديرهم لأن رفعهم لصور بن لادن أوصلت للعالم كله رسالة مفادها أن بديل القمع و التعذيب الذي تخصص بهما جهاز أمن الدولة هو منظمة القاعدة و كأنه لا يمكن أن ننعم بدولة العدالة و الحرية بعيدا عن ثنائية "القمع الأمني- منظمة القاعدة"
ليس من المفيد هنا الاسترسال في النقد لئلا يظن أحد أنه نوع من جلد الذات كما لا يهم هنا سرد النتائج الايجابية التي ربما تنتج عن هذا العمل لأن الآلة الإعلامية التي أتاحتها مواقع التواصل الاجتماعي و المواقع الالكترونية الاسلامية لم تترك شيئا من هذه الايجابيات إلا و ذكرته و زادت عليها إنما أهم شئ يمكننا أن نختم به هذا التقدير المختصر للموقف هو ثلاثة أمور:
- واقع العملية السياسية المصرية يفتقر لظهور لاعبين سياسيين آخرين من بين أبناء الحركة الإسلامية ليشكلوا فصيلا جديدا له منهج سياسي و اقتصادي و إداري و حركي يتلافى أخطاء الإخوان المسلمين و السلفيين التي أوقعت مصر في الورطة التي نعيشها جميعا.
- الفصيل الجديد سيقوم على الشباب الذين صاغت الثورة بناءهم النفسي الذي يتسم بالشجاعة و الحماس و العزة لكنه لا غنى له عن خبرة ذوي الخبرة من الإسلاميين الذي عركتهم التجربة السياسية و الحركية لعشرات السنين بشرط توافق منهجهم مع الفصيل الجديد و بشرط ألا يبغون بذلك سوى وجه الله ثم مصلحة مصر فلا يبغون ظهورا و لا شهرة و لا منصبا و زعامة و بروزا في الفضائيات كما ينبغي أن يظلوا كتفا بكتف مع الشباب فلا يجلسون في الغرف المكيفة و يلقون بالشباب في آتون الصراعات.
- لن ينجح هذا الفصيل في التكون و القدرة على ممارسة تأثير كبير في المعادلة السياسية المصرية عبر المظاهرات و الصدامات انما سيتمكن من التكون و لعب دوره عبر العمل الجماهيري المبدع و المنظم بجانب النشاط الحركي و التنظيمي الذي يحقق له بناء تنظيميا قويا و اتساعا كبيرا في رقعة الأنصار و المؤيدين و المتعاطفين في الشارع المصري بشكل يضاهي (إن لم يفوق) جماعة الإخوان المسلمين و جماعة الدعوة السلفية و حزب كل منهما.
بغير هذا فسيظل الشباب يتخبطون في محاولات قد تبدو ذات نوايا حسنة لكنها في جوهرها عبثية و تضر بأكثر مما تنفع.
عبد المنعم منيب
تم نشر أصل هذا الموضوع في جريدة اليوم السابع عدد 705 (5مايو 2013) و كذلك على موقعها الالكتروني بنفس التاريخ كما نشره موقع ياهو (على قسم الأخبار) نقلا عن اليوم السابع.
تعليقات
إرسال تعليق