في إطار حملة الاعتقالات الأخيرة التي شنتها الأجهزة الأمنية في مصر ضد العديد من كوادر جماعة الإخوان المسلمين هل يمكن القول بأن القوة والقدرة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر قد اهتزت؛ بسبب الخلافات العديدة على مستوى قيادة الجماعة ومكتب الإرشاد بين المحافظين والإصلاحيين التي أُشيع عنها الكثير منذ فترة قصيرة.. الأمر الذي جرَّأ الأجهزة الأمنية على شنّ مثل هذه الحملة القاسية ضد عدد من قادة وكوادر الجماعة.
د.محمود عزت وبعده د. محمد بديع هما أشهر من تناولتهم التقارير الصحفية وقصص الأخبار أيام الخلافات التي شهدتها قيادة جماعة الإخوان المسلمين، وخاصة انتخابات مجلس الإرشاد، وبعدها انتخاب ومبايعة المرشد الثامن للجماعة، ذلك المنصب الذي تولاه منذ فترة قصيرة د. محمد بديع, ولكن هل هذان الرجلان هما أبرز اللاعبين بين قادة الجماعة؟ أم أنهم مجرد رمزين لعدد أكبر من اللاعبين؟ وبصفة عامة هل ما تم إعلانه من خلافات تمثِّل الأبعاد الحقيقية للعبة القيادة داخل جماعة الإخوان المسلمين؟ أم أن هناك أبعادًا عديدة أخرى للعبة السياسية داخل الجماعة لم تتكشف أبعادها بعد؟
لقد تفجرت الخلافاتُ بشكل علني وبأسلوب يعتبر الأكثر حدَّة منذ أكثر من خمسين عامًا داخل جماعة الإخوان المسلمين, وقد تسببت قسوة وحدة هذه الخلافات في أكبر جماعة معارضة في مصر وأعرق وأكبر حركة إسلامية سياسية في العالم في إطلاق دخان كثيف صرف بصر أكثر المراقبين عن تحولات كبرى شهدتها جماعة الإخوان المسلمين في خِضَمّ هذه الخلافات.
ورغم الجدل الشديد الذي تشهده ساحات المراقبين السياسيين المهتمين بالحركات الإسلامية إلا أن منهجًا عميقًا ومناسبًا لفهم هذه الحركات الإسلامية لم يتبلورْ بعدُ، واكتفى أغلبية المراقبين بتحليل سطحي وتبسيطي من قبيل القسمة التقليدية إلى محافظين وإصلاحيين.
فهل فعلًا لا تعكس خلافات الإخوان الأخيرة سوى الصراع بين الإصلاح والمحافظة كما يردِّد الجميع؟ أم أن هناك مرحلة جديدة كما قال د. عصام العريان؟ وإذا كان الإخوان قد انتقلوا إلى مرحلة جديدة فما ملامح هذه المرحلة؟
إن نظرةً شاملةً لتطور أوضاع القيادة داخل جماعة الإخوان المسلمين منذ أعاد الأستاذ عمر التلمساني تأسيسها في منتصف السبعينيات، وحتى الآن تشير إلى مرورها بمرحلة واحدة منذئذٍ وحتى يوم انتخاب د. محمد بديع كمرشد ثامن لجماعة الإخوان مؤخرًا، هذه المرحلة تختص بمستوى وجيل مَن يحتل منصب المرشد العام، حيث كان منصب المرشد العام حكرًا على الباقين من مكتب الإرشاد القديم الذي كان متوليًا القيادة حتى تَمَّ حلّ الجماعة أثناء صدامها مع نظام عبد الناصر, فتولى التلمساني ثم حامد أبو النصر ثم مصطفى مشهور ثم مأمون الهضيبي ثم مهدي عاكف, وكل هؤلاء كانوا من الجيل الذي عاصر الإخوان في الأربعينيات من القرن العشرين وحتى وفاة كل منهم عدا الأستاذ عاكف الذي امتنع عن الترشح لمنصب المرشد لفترة تالية، واعتزل المنصب وهو على قيد الحياة (أطال الله عمره), إذن فالملمح الأول من ملامح المرحلة الجديدة هو انتقال منصب المرشد من جيل إخوان الأربعينيات إلى جيل إخوان الستينيات ممثَّلين في المرشد الثامن وهو الدكتور محمد بديع.
لكن هل هذا يعني سيطرة جيل الستينيات أو ما يُعرف بجيل سيد قطب (باعتبار سيد قطب كان أشهر رموز هذا الجيل) على مكتب الإرشاد ومن ثَمَّ على الجماعة لهذا السبب؟
في الواقع أن جيل الستينيات لا يوجد منه في عضوية مجلس الإرشاد الجديد (الثمانية عشر) سوى ثلاثة هم د. محمد بديع ود. محمود عزت والأستاذ جمعة أمين, بينما يوجد ثلاثة عشر عضوًا من جيل السبعينيات الذين هم جيل د. عبد المنعم أبو الفتوح (الذي لم يدخل مكتب الإرشاد هذه المرة) ود. عصام العريان, إذن فمن أبرز التحولات التي مرت بها جماعة الإخوان في خضم خلافاتها الأخيرة أيضًا هو نقل الثقل في مركز الإرشاد من جيل الأربعينيات والستينيات إلى جيل السبعينيات مع إدخال واحد من جيل الثمانينيات إلى مكتب الإرشاد ربما لأول مرة وهو الدكتور عبد الرحمن البرّ, هذا كله مع عدم وقوع أي قطيعة مع جيل الأربعينيات؛ إذ أن هناك عضوًا واحدًا من هذا الجيل في مكتب الإرشاد هو الدكتور رشاد البيومي، فضلًا عن أن مهندس كل هذه التغيرات هو الأستاذ مهدي عاكف الذي قاد هذا التحول هو من جيل الأربعينيات.
صحيح أن دخول جيل السبعينيات لمكتب الإرشاد بدأ بدخول د.عبد المنعم أبو الفتوح عام 1987، لكن مع ذلك احتاج الأمر نحو عشرين عامًا لتصير الغلبة المطلقة في مكتب الإرشاد لجيل السبعينيات، سواء في الانتخابات السابقة أم في آخر انتخابات.
ولكن كيف تكون الغلبة في مكتب الإرشاد لجيل السبعينيات بينما المرشد هو من جيل الستينيات؟
من الواضح أن الجماعة تسير بخطًى ثابتة نحو نقل القيادة في الجماعة لجيلي السبعينيات والثمانينيات, إذ سيصعب على قامة تالية لمهدي عاكف أن لا تترسم خطاه وتتأسى بخطته في ضخّ دماء جديدة في جسم قيادة الإخوان, وسيصعب على أي مرشد قادم أن يتشبث بالمنصب فترةً طويلة.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن انتقال القيادة من جيلي الأربعينيات والستينيات إلى جيلي السبعينيات والثمانينيات سيؤدي إلى درجة أكبر من شيوع أو توزع القوة المؤثرة في صناعة القرار داخل جماعة الإخوان المسلمين, لأن الرمزية التاريخية التي تمتع بها جيلا الأربعينيات والستينيات لا يمكن أن يدّعيها أي من جيل السبعينيات أو الثمانينيات, ولذلك نرى أن مكتب الإرشاد السابق تصدى بسهولة لرأي المرشد بتصعيد د. العريان رغم الرمزية التاريخية التي يمثلها مهدي عاكف، وذلك في أول إشارة واضحة لتحول الإخوان إلى المؤسسية في صنع القرار بغضّ النظر عن المكانات التاريخية لرموز الأربعينيات والستينيات التي كانت تحسم القرار في اتجاهٍ أو آخر, لقد انساق الكتَّابُ والمراقبون للتحليل في اتجاه صراع المحافظين والإصلاحيين دون أن يفطنوا لهذه النقطة، وهي أنه حدث المزيد من توزع القوة بين قادة الإخوان، إذ لم يعد يمكن لفرد أن يمسك بكل خيوط لعبة صنع القرار حتى لو كان المرشد السابع مهدي عاكف ذا الشرعية التاريخية وكاريزما التنظيم الخاص، ولا حتى نائبه الأول محمد حبيب رغم ثقافته السياسية, ومن المدهش في هذا التحول أن الذي غضب من بعض آثاره (في قضية تصعيد العريان بدون انتخاب) هو قائد هذا التحول أصلًا الأستاذ مهدي عاكف (أحد أعظم مرشدي الإخوان عبر تاريخهم) وذلك عندما أعفى كثيرًا من قادة الجماعة من بعض قيود السلطة المركزية الموكولة للمرشد، وأعطى للكثيرين حرية الحركة والكلام بل واتخاذ القرار في إطار "شفافية وانفتاح" منظم بدقة، وهذا نقل الجماعة لمرحلة جديدة هامة وواعدة، وليس كما يظن البعض أنها مرحلة انغلاق أو تفكُّك.
في المرحلة الجديدة أغلب القادة من جيل واحد أو من جيلين متقاربين، ولا يفضل أحدهم على الآخر بأي رمزية أو شرعية تاريخية أو نحوها, فالقرار سيخضع لنقاش وأخذ ورد من الجميع على قدم المساواة.
ورغم كل هذا فلا يمكن اعتبار أن التحول الجديد في جماعة الإخوان هو مجرد صراع أجيال، بل بالعكس، فما أثاره الكثيرون من خلافات ذات طبيعة سياسية وفكرية له وجه من الصحة، لكنَّ فيه شيًا من التخبط, نعم هناك فريق له خبرات سياسية واسعة يرفع شعارات التغيير والإصلاح في الإخوان، ويدلي لوسائل الإعلام بأفكار راقت للكثيرين خارج الإخوان، ولم ترُقْ لكثيرين داخل الإخوان، لكن هذا الصراع هو صراع يعكس تعدُّد اتجاهات الاجتهاد السياسي داخل الإخوان، ولا يعكس صراعًا بين الأجيال؛ لأن مثلًا عبد المنعم أبو الفتوح ومحمد حبيب هما من جيل السبعينيات، بينما الأغلبية من مجلس الإرشاد الجديد هم أيضًا من نفس الجيل، بل هناك اسم ما زال البعض يشن عليه حربًا لا هوادة فيها، باعتباره من المحافظين والقطبين و....الخ هو د। محمود غزلان، ومع ذلك فمحمود غزلان من نفس جيل السبعينيات وزميل للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح, وهذا يعني أنه إذا كانت الجماعة نقلت قيادتها في مرحلتها الجديدة إلى جيل السبعينيات، فإن هذا الجيل ليس شيئًا واحدًا، بل إن هناك خلافات في الاجتهادات السياسية والفكرية لدى هذا الجيل، وإن توزع القوة في الجماعة واعتمادها على الآليات المؤسسية في صنع القرار سوف يثري روح الشورى، (بلغة الحركات الإسلامية) أو روح الديمقراطية (بلغة السياسة المعاصرة) داخل الجماعة, وما أزمة الانتخابات الأخيرة في الجماعة ومواقف وانتقادات د.عبد المنعم أبو الفتوح ود. محمد حبيب وتعليقات د. عصام العريان ود. محمود غزلان، ما كل هذا إلا المخاض العسير الذي ستولد على إثره آليات مناسبة داخل الجماعة؛ لإدارة اللعبة السياسية داخلها، وسيكون من أهم قواعد هذه الآليات الاحتكام لنتائج الانتخابات لحلّ الخلافات بعد تعديل اللوائح الداخلية والرضا برأي الأغلبية والالتزام به والاكتفاء في أغلب عمليات النقد والاعتراض على القنوات الداخلية للجماعة, أما مَن سيعاند هذه التحولات الجديدة فإنه لن يجد له مكانًا إلا في زوايا النسيان، مهما كان تاريخه؛ لأن عجلة التاريخ إذا دارت فإنها تدور للأمام نحو المستقبل، فلا تلتفت حينئذٍ لتاريخ أحد كائنًا من كان .
د.محمود عزت وبعده د. محمد بديع هما أشهر من تناولتهم التقارير الصحفية وقصص الأخبار أيام الخلافات التي شهدتها قيادة جماعة الإخوان المسلمين، وخاصة انتخابات مجلس الإرشاد، وبعدها انتخاب ومبايعة المرشد الثامن للجماعة، ذلك المنصب الذي تولاه منذ فترة قصيرة د. محمد بديع, ولكن هل هذان الرجلان هما أبرز اللاعبين بين قادة الجماعة؟ أم أنهم مجرد رمزين لعدد أكبر من اللاعبين؟ وبصفة عامة هل ما تم إعلانه من خلافات تمثِّل الأبعاد الحقيقية للعبة القيادة داخل جماعة الإخوان المسلمين؟ أم أن هناك أبعادًا عديدة أخرى للعبة السياسية داخل الجماعة لم تتكشف أبعادها بعد؟
لقد تفجرت الخلافاتُ بشكل علني وبأسلوب يعتبر الأكثر حدَّة منذ أكثر من خمسين عامًا داخل جماعة الإخوان المسلمين, وقد تسببت قسوة وحدة هذه الخلافات في أكبر جماعة معارضة في مصر وأعرق وأكبر حركة إسلامية سياسية في العالم في إطلاق دخان كثيف صرف بصر أكثر المراقبين عن تحولات كبرى شهدتها جماعة الإخوان المسلمين في خِضَمّ هذه الخلافات.
ورغم الجدل الشديد الذي تشهده ساحات المراقبين السياسيين المهتمين بالحركات الإسلامية إلا أن منهجًا عميقًا ومناسبًا لفهم هذه الحركات الإسلامية لم يتبلورْ بعدُ، واكتفى أغلبية المراقبين بتحليل سطحي وتبسيطي من قبيل القسمة التقليدية إلى محافظين وإصلاحيين.
فهل فعلًا لا تعكس خلافات الإخوان الأخيرة سوى الصراع بين الإصلاح والمحافظة كما يردِّد الجميع؟ أم أن هناك مرحلة جديدة كما قال د. عصام العريان؟ وإذا كان الإخوان قد انتقلوا إلى مرحلة جديدة فما ملامح هذه المرحلة؟
إن نظرةً شاملةً لتطور أوضاع القيادة داخل جماعة الإخوان المسلمين منذ أعاد الأستاذ عمر التلمساني تأسيسها في منتصف السبعينيات، وحتى الآن تشير إلى مرورها بمرحلة واحدة منذئذٍ وحتى يوم انتخاب د. محمد بديع كمرشد ثامن لجماعة الإخوان مؤخرًا، هذه المرحلة تختص بمستوى وجيل مَن يحتل منصب المرشد العام، حيث كان منصب المرشد العام حكرًا على الباقين من مكتب الإرشاد القديم الذي كان متوليًا القيادة حتى تَمَّ حلّ الجماعة أثناء صدامها مع نظام عبد الناصر, فتولى التلمساني ثم حامد أبو النصر ثم مصطفى مشهور ثم مأمون الهضيبي ثم مهدي عاكف, وكل هؤلاء كانوا من الجيل الذي عاصر الإخوان في الأربعينيات من القرن العشرين وحتى وفاة كل منهم عدا الأستاذ عاكف الذي امتنع عن الترشح لمنصب المرشد لفترة تالية، واعتزل المنصب وهو على قيد الحياة (أطال الله عمره), إذن فالملمح الأول من ملامح المرحلة الجديدة هو انتقال منصب المرشد من جيل إخوان الأربعينيات إلى جيل إخوان الستينيات ممثَّلين في المرشد الثامن وهو الدكتور محمد بديع.
لكن هل هذا يعني سيطرة جيل الستينيات أو ما يُعرف بجيل سيد قطب (باعتبار سيد قطب كان أشهر رموز هذا الجيل) على مكتب الإرشاد ومن ثَمَّ على الجماعة لهذا السبب؟
في الواقع أن جيل الستينيات لا يوجد منه في عضوية مجلس الإرشاد الجديد (الثمانية عشر) سوى ثلاثة هم د. محمد بديع ود. محمود عزت والأستاذ جمعة أمين, بينما يوجد ثلاثة عشر عضوًا من جيل السبعينيات الذين هم جيل د. عبد المنعم أبو الفتوح (الذي لم يدخل مكتب الإرشاد هذه المرة) ود. عصام العريان, إذن فمن أبرز التحولات التي مرت بها جماعة الإخوان في خضم خلافاتها الأخيرة أيضًا هو نقل الثقل في مركز الإرشاد من جيل الأربعينيات والستينيات إلى جيل السبعينيات مع إدخال واحد من جيل الثمانينيات إلى مكتب الإرشاد ربما لأول مرة وهو الدكتور عبد الرحمن البرّ, هذا كله مع عدم وقوع أي قطيعة مع جيل الأربعينيات؛ إذ أن هناك عضوًا واحدًا من هذا الجيل في مكتب الإرشاد هو الدكتور رشاد البيومي، فضلًا عن أن مهندس كل هذه التغيرات هو الأستاذ مهدي عاكف الذي قاد هذا التحول هو من جيل الأربعينيات.
صحيح أن دخول جيل السبعينيات لمكتب الإرشاد بدأ بدخول د.عبد المنعم أبو الفتوح عام 1987، لكن مع ذلك احتاج الأمر نحو عشرين عامًا لتصير الغلبة المطلقة في مكتب الإرشاد لجيل السبعينيات، سواء في الانتخابات السابقة أم في آخر انتخابات.
ولكن كيف تكون الغلبة في مكتب الإرشاد لجيل السبعينيات بينما المرشد هو من جيل الستينيات؟
من الواضح أن الجماعة تسير بخطًى ثابتة نحو نقل القيادة في الجماعة لجيلي السبعينيات والثمانينيات, إذ سيصعب على قامة تالية لمهدي عاكف أن لا تترسم خطاه وتتأسى بخطته في ضخّ دماء جديدة في جسم قيادة الإخوان, وسيصعب على أي مرشد قادم أن يتشبث بالمنصب فترةً طويلة.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن انتقال القيادة من جيلي الأربعينيات والستينيات إلى جيلي السبعينيات والثمانينيات سيؤدي إلى درجة أكبر من شيوع أو توزع القوة المؤثرة في صناعة القرار داخل جماعة الإخوان المسلمين, لأن الرمزية التاريخية التي تمتع بها جيلا الأربعينيات والستينيات لا يمكن أن يدّعيها أي من جيل السبعينيات أو الثمانينيات, ولذلك نرى أن مكتب الإرشاد السابق تصدى بسهولة لرأي المرشد بتصعيد د. العريان رغم الرمزية التاريخية التي يمثلها مهدي عاكف، وذلك في أول إشارة واضحة لتحول الإخوان إلى المؤسسية في صنع القرار بغضّ النظر عن المكانات التاريخية لرموز الأربعينيات والستينيات التي كانت تحسم القرار في اتجاهٍ أو آخر, لقد انساق الكتَّابُ والمراقبون للتحليل في اتجاه صراع المحافظين والإصلاحيين دون أن يفطنوا لهذه النقطة، وهي أنه حدث المزيد من توزع القوة بين قادة الإخوان، إذ لم يعد يمكن لفرد أن يمسك بكل خيوط لعبة صنع القرار حتى لو كان المرشد السابع مهدي عاكف ذا الشرعية التاريخية وكاريزما التنظيم الخاص، ولا حتى نائبه الأول محمد حبيب رغم ثقافته السياسية, ومن المدهش في هذا التحول أن الذي غضب من بعض آثاره (في قضية تصعيد العريان بدون انتخاب) هو قائد هذا التحول أصلًا الأستاذ مهدي عاكف (أحد أعظم مرشدي الإخوان عبر تاريخهم) وذلك عندما أعفى كثيرًا من قادة الجماعة من بعض قيود السلطة المركزية الموكولة للمرشد، وأعطى للكثيرين حرية الحركة والكلام بل واتخاذ القرار في إطار "شفافية وانفتاح" منظم بدقة، وهذا نقل الجماعة لمرحلة جديدة هامة وواعدة، وليس كما يظن البعض أنها مرحلة انغلاق أو تفكُّك.
في المرحلة الجديدة أغلب القادة من جيل واحد أو من جيلين متقاربين، ولا يفضل أحدهم على الآخر بأي رمزية أو شرعية تاريخية أو نحوها, فالقرار سيخضع لنقاش وأخذ ورد من الجميع على قدم المساواة.
ورغم كل هذا فلا يمكن اعتبار أن التحول الجديد في جماعة الإخوان هو مجرد صراع أجيال، بل بالعكس، فما أثاره الكثيرون من خلافات ذات طبيعة سياسية وفكرية له وجه من الصحة، لكنَّ فيه شيًا من التخبط, نعم هناك فريق له خبرات سياسية واسعة يرفع شعارات التغيير والإصلاح في الإخوان، ويدلي لوسائل الإعلام بأفكار راقت للكثيرين خارج الإخوان، ولم ترُقْ لكثيرين داخل الإخوان، لكن هذا الصراع هو صراع يعكس تعدُّد اتجاهات الاجتهاد السياسي داخل الإخوان، ولا يعكس صراعًا بين الأجيال؛ لأن مثلًا عبد المنعم أبو الفتوح ومحمد حبيب هما من جيل السبعينيات، بينما الأغلبية من مجلس الإرشاد الجديد هم أيضًا من نفس الجيل، بل هناك اسم ما زال البعض يشن عليه حربًا لا هوادة فيها، باعتباره من المحافظين والقطبين و....الخ هو د। محمود غزلان، ومع ذلك فمحمود غزلان من نفس جيل السبعينيات وزميل للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح, وهذا يعني أنه إذا كانت الجماعة نقلت قيادتها في مرحلتها الجديدة إلى جيل السبعينيات، فإن هذا الجيل ليس شيئًا واحدًا، بل إن هناك خلافات في الاجتهادات السياسية والفكرية لدى هذا الجيل، وإن توزع القوة في الجماعة واعتمادها على الآليات المؤسسية في صنع القرار سوف يثري روح الشورى، (بلغة الحركات الإسلامية) أو روح الديمقراطية (بلغة السياسة المعاصرة) داخل الجماعة, وما أزمة الانتخابات الأخيرة في الجماعة ومواقف وانتقادات د.عبد المنعم أبو الفتوح ود. محمد حبيب وتعليقات د. عصام العريان ود. محمود غزلان، ما كل هذا إلا المخاض العسير الذي ستولد على إثره آليات مناسبة داخل الجماعة؛ لإدارة اللعبة السياسية داخلها، وسيكون من أهم قواعد هذه الآليات الاحتكام لنتائج الانتخابات لحلّ الخلافات بعد تعديل اللوائح الداخلية والرضا برأي الأغلبية والالتزام به والاكتفاء في أغلب عمليات النقد والاعتراض على القنوات الداخلية للجماعة, أما مَن سيعاند هذه التحولات الجديدة فإنه لن يجد له مكانًا إلا في زوايا النسيان، مهما كان تاريخه؛ لأن عجلة التاريخ إذا دارت فإنها تدور للأمام نحو المستقبل، فلا تلتفت حينئذٍ لتاريخ أحد كائنًا من كان .
عبد المنعم منيب
- كتبت هذا الموضوع لموقع اسلام تودي و تم نشره به اليوم.
تعليقات
إرسال تعليق