كتاب طارق الزمر "مراجعات لا تراجعات" قراءة نقدية

شارك عبود الزمر و طارق الزمر في مبادرة وقف العنف التى أطلقتها الجماعة الإسلامية بمصر عام 1997م و منذ 2002م و حتى الآن فإن أعضاء مجلس شورى الجماعة الإسلامية قد نشروا أكثر من عشرة كتب تشرح و تبرر هذه المبادرة, و مع ذلك فلم يظهر اسم عبود الزمر أو طارق الزمر على أى من هذه الكتب, لاسيما و أن مواقفهما قد تباعدت كثيرا عن موقف قادة الجماعة الإسلامية, و رغم التصريحات و المقالات العديدة التى صدرت عن كل من عبود و طارق إلا أن كتاب الدكتور طارق الزمر "مراجعات لا تراجعات" هو أول محاولة متكاملة للإعلان عن الموقف المتكامل من هذه المبادرة, و من هنا تأتي أحد أهم جوانب الأهمية لهذا الكتاب. و لا يغض من قيمة هذه الأهمية تلك المبالغة التى بدأ بها طارق في مقدمة كتابه عندما أشار إلى أن المبادرة فتحت الباب لأكبر عملية نفد ذاتى في تاريخ الحركة الإسلامية بما في ذلك مناقشة أشياءا كانت من المسلمات الغير قابلة للنقاش, ونعتبر هذا الطرح مبالغة لأن الإخوان المسلمين قاموا بعمليات نقد ذاتى واسعة المجال و عميقة الأثر من عشرات السنين لكن في صمت و تؤدة,نعم لو كان يقصد الحركة الإسلامية الجهادية فقط فإنه يقترب من الحقيقة. ومع ذلك فإن أبرز ما يلحظه القارئ لكتاب الدكتور طارق الزمر "مراجعات لا تراجعات" هو التناقض منذ بداية الكتاب, فطارق منذ صفحات الكتاب الأولى يربط نفسه بمبادرة الجماعة الإسلامية لوقف العنف التى أطلقتها فى عام 1997م و ينسبها لنفسه مع أخرين لم يسمهم (طبعا يقصد مجلس شورى الجماعة الإسلامية) ثم لا يدع مناسبة بعد ذلك فى سائر الكتاب إلا عبر فيها عن ذلك بل ويبنى كتابه أصلا على فكرة شرح و تبرير هذه المبادرة و مع ذلك نجد أن الموقف الذى يتخذه طارق الزمر بشأن ما أسماه بالمراجعات هو موقف مختلف تماما عن موقف الجماعة الإسلامية في مراجعاتها المشهورة.فطارق ينطلق من كون هذه المراجعات مجرد مراجعات أى إعادة تقييم في ظل المتغيرات الدولية و الإقليمية و المحلية و الخبرات التاريخية للحركة الإسلامية و ليست تراجعات عن ثوابت العمل الإسلامى و أهدافه العليا. فالمراجعات عند طارق الزمر هي "تغيير فى الأساليب و الوسائل التى ثبت عدم جدواها و التى تبين عدم ملاءمتها من خلال التجربة العملية" و ذلك مع ثبات المواقف الشرعية من قضايا مثل وجوب الحكم بالشريعة بما يتضمنه ذلك من اقامة العدل و القضاء على الفساد المستشرى في كافة المجالات السياسية و الإدارية و الإقتصادية و غيرها, وبذا فالمراجعات عند طارق الزمر جديرة أن تسمى "تطوير و تجديد" حسب تعبيره.ومن هنا يأتى التناقض الأكبر والأهم ليس في كتاب طارق الزمر فقط بل في مواقف طارق الزمر و أستاذه عبود الزمر بصفة عامة, فهم ربطوا أنفسهم بالجماعة الإسلامية منذ سنوات طويلة رغم اختلاف مواقفهم السياسية و الفقهية الأساسية مع الجماعة الإسلامية, و يتجلى هذا التناقض في أوضح صوره في موضوع المراجعات حيث نجد أن موقف الجماعة الإسلامية يؤيد الحكومة وواقعها تأييدا كاملا بل ربما يؤيد جميع الحكومات في العالم بما في ذلك تأييد موقف الحكومات بعدم تطبيق الشريعة الإسلامية في الحكم, بينما ما زال عبود الزمر و طارق الزمر معارضين للحكومة و متمسكين بثوابت العمل الإسلامى كما أعلنوا في كل تصريحاتهم المنشورة و أخرها كتاب "مراجعات لا تراجعات" لطارق الزمر الذى نتكلم عنه.وبعد ذلك يعرض طارق في كتابه للأدلة الشرعية التى تؤيد تصوره للمراجعات, و نجد أن هذه الأدلة تتوافق مع بعض ما ساقه د. سيد إمام في وثيقة "ترشيد العمل الإسلامى" لكنه مجرد توافق أفكار لأن طارق الزمر لم ينقلها من الوثيقة لسبب بسيط و هو أن طارق كتب هذا الكتاب عام 2006م أي قبل تأليف الوثيقة كما أن سيد إمام لم ينقل من طارق الزمر لأن هذا الكتاب لم يجد فرصة النشر إلا في عام 2008م ولم يطلع عليه سيد إمام بل ربما لم يصله حتى بعد نشره بسبب ظروف السجن, و هذا يثبت أن للمراجعات بهذه الصورة أصلا فقهيا في مراجع الفقه الأصلية استقى منها كلا الرجلين.وبعد الاستدلال الفقهى على صحة و أهمية المراجعات يسوق طارق تحليله السياسي الذى يحتم ذلك من وجهة نظره و الذى نجده يضعه تحت عنوان "تحولات فرضها الواقع الجديد" و أول ما يمكن ملاحظته في هذا الموضوع أنه ركز على متغيرات كلها دولية و إقليمية و هى الأحادية القطبية المتمثلة في "الإنفراد الأمريكى بقيادة النظام الأمريكى" ثم "الحرب الدولية على الإرهاب و التطرف" ثم "العولمة" ثم "تطورات الصراع العربى الإسرائيلى" كل ذلك حسب نص كلامه.ونلاحظ تداخلا كبيرا بين العناصر الأربعة بسبب ترابطها في الفكر السياسى لدى طارق الزمر بل هو يكاد يدمج بين العنصرين الأولين بحيث يصعب على القارئ التفريق بينهما, و في رأينا فإن هذا ناتج عن أحد الأفكار الشائعة في الفكر السياسى للحركات الإسلامية المعاصرة وهو أن العالم غير الإسلامي كله متحد في مواقفه كلها ضد المسلمين وقضاياهم. ثم وهو بصدد إقتراح المحاور الإستراتيجية للعمل الإسلامي المعاصر نلاحظ التعميم و البعد عن تقديم برنامج تفصيلى مع ملاحظة أن التعميم رغم أهميته و تقديرنا له فهو سهل لاسيما أن سوق الأفكار العربية و الإسلامية ملئ بهذا النمط من الأفكار أما تقديم برنامج عملى و تفصيلى فهو أحد أهم جوانب العجز لدى العديد من المفكرين الإسلاميين ومحاولة سد العجز في هذا المجال هو المجال الذى أحجم الكاتب عن اقتحامه. وفي الفصل الثانى تحت عنوان "دراسة ظاهرة العولمة من خلال مفهوم الاستكبار...إشارات من سورة غافر" نلاحظ أن نظرة د.طارق الزمر تجاه العولمة نظرة سلبية خالصة سواء عندما أشار إليها في الفصل الأول أو عندما أصل للموقف الشرعى منها في هذا الفصل حيث لم يدع مجالا للقارئ ليشعر أن في العولمة فرصا بقدر ما فيها من مخاطر بل بالعكس هو يجعلها شرا خالصا و يطابق بينها و بين أساليب المستكبرين عبر التاريخ و الذين ذمهم القرآن خاصة في سورة غافر و أبرز مثال على هؤلاء في التاريخ و في هذه السورة أيضا هو فرعون مع موسى(عليه السلام).و هنا نلمح ملمحا أخر من ملامح التناقض في الفكر السياسى عند د.طارق الزمر و هو أنه كان قد أشار في الفصل الأول من الكتاب تحت عنوان "الاستجابات على مستوى التطبيق" لحتمية "الإستفادة من ثورة الإتصالات الكبرى في إطار تبليغ القول و مكافحة الإلحاد و الفساد و الرذيلة" حسب نص كلامه ولا يخفى على القارئ أن وسائل الإتصالات هذه هى أحد أهم مكونات العولمة ليس فقط حسب الفهم العالمى السائد للعولمة ولكن أيضا بحسب تعريف طارق الزمر نفسه للعولمة في كتابه هذا."في عام 1975م ظهر فيلم (الأحد الأسود) حيث يقوم فيه ارهابيون عرب بالتآمر لقتل المتفرجين على مباراة لكرة القدم, و من بينهم الرئيس الأمريكى, و لكن يحبط المؤامرة ضابط إسرائيلي, و في عام 1982م ظهر فيلم (الخطأ هو الصحيح) يقوم فيه ملك عربى بتسليم قنبلتين نوويتين لتفجيرهما في اسرائيل ونيويورك إذا لم يستقل الرئيس الأمريكى, و في عام1985م و 1988م ظهر فيلم النسر الحديدى على جزأين وهو .....الخ "بهذه الطريقة السابقة لم يكتف طارق الزمر بإثبات رأيه بشأن الحملة الأمريكية على ما يسمى بالإرهاب عبر التحليل السياسى التقليدى و المعتاد في مثل هذه البحوث لكنه أضاف للتحليل السياسي التقليدي قائمة كبيرة من الأفلام الأمريكية التي تؤيد تحليله السياسى بكون هذه الحملة الأمريكية العالمية ضد الحركات الإسلامية ليست وليدة اليوم و ليست بسبب أحداث 11 سبتمبر 2001م ولكنها اتجاه قديم موجود لدى الولايات المتحدة والغرب يهدف للقضاء على الإسلام أو على الأقل تطويعه ليصير دينا يتبنى كل القيم و المعايير الغربية وتحديدا الأمريكية ليصير "إسلاما أمريكيا" (حسب تعبير طارق الزمر) ينقاد و يذعن لكل ما هو أمريكى أو غربي, و ذلك عبر سلسلة كبيرة من التصورات الإستراتيجية في مجالات الإعلام و التعليم و المجتمع و الأمن و السياسة مع تغيير المفاهيم الإسلامية الأصيلة و إذكاء الصراعات الطائفية الإسلامية-الإسلامية و تحجيم دور المسجد و نحو ذلك, و هذا كله هو موضوع الفصل الثالث الذى حمل عنوان"الحملة الأمريكية على ما سمى بالإرهاب و التطرف".أما في الفصل الرابع فإن طارق الزمر يعود فيناقض نفسه بسبب الواقعية التى يحتمها الدخول الجدى في التفصيلات السياسية و الإستراتيجية فنجده يخرج عن جموده السابق على الإجماليات التى تحافظ عليها معظم أدبيات الفكر الإسلامى المعاصر, فيدخل في تفصيلات عديدة و إن كانت محدودة, فيراهن على الإختلافات بين الحزبين الجمهورى و الديمقراطى في أمريكا بل نلمح أحيانا أنه يراهن على الخلافات بين المحافظين أنفسهم ما بين المحافظين العاديين و المحافظين الجدد و ذلك كله في إطار وضعه لتصوراته لإفشال المشروع الأمريكى في العالم الإسلامي,كما أنه يشير لأهمية التعامل مع الشعوب عبر الإهتمام بالرأى العام العالمى عامة و الأمريكى خاصة, كما يدعو لمد الجسور مع القوى الدولية المناهضة أو المتضررة من الهيمنة الأمريكية, بل إن طارق الزمر فى هذا الفصل يخطو خطوات جريئة في التحليل السياسي البعيد عن الأكلشيهات المعتادة لدى كثير من الحركات الإسلامية في التحليل السياسي, فهو يطرح أهمية عدم قيام الجهاديين بعمليات مسلحة داخل الولايات المتحدة كى يتمكن الحزب الديمقراطى من التغلب على الحزب الجمهورى في الإنتخابات الأمريكية القادمة لأن طارق يعتبر أن الديمقراطيين سيتخلون عن مشروع الهيمنة الأمريكى على العالم الإسلامى الذى يكرسه و يدعو إليه بوش و المحافظون الجدد.كما يطرح طارق الزمر طرحا جريئا أخر عندما يقلل من قدرة اللوبى الصهيونى في الولايات المتحدة على دفع الإدارة الأمريكية للاستمرار في مشروع المحافظين الجدد, و هذا الطرح مخالف في جوهره لما هو سائد لدى أغلب الإسلاميين من اعتقادهم بأن اللوبى الصهيونى مسيطر تماما على الإدارة الأمريكية سواء كانت جمهورية أو ديموقراطية.وفي الفصل الخامس يقدم طارق الزمر من وجهة نظره تحليلا شاملا لكنه قصير جدا لخريطة القوى الدولية و أهدافها و سياساتها الدولية لاسيما ما يخص منها المسلمين أو المشروع الأمريكى للهيمنة على العالم الإسلامى مع تركيز خاص على الولايات المتحدة الأمريكية.وفي الفصل السادس يخطو طارق الزمر خطوات أخرى بعيدا عن فكره الجهادى القديم عندما يدعو لتبرير عمليات المقاومة الإسلامية في المناطق الإسلامية المحتلة بالقانون الدولى ومواثيق و قرارات الأمم المتحدة, كما يدعو في نفس الفصل للقبول بعملية حوار الحضارات لأنها في مصلحة المسلمين. و عندما نصل للفصل السابع و الأخير نجد طارق الزمر يقدم تقريرا عن الأطوار التى مرت بها الحركة الإسلامية من وجهة نظره و هو جزء تقريرى في بدايته و لا يقدم جديدا ذا بال, لكنه يتبعه بتقييمه الخاص بشأن إخفاقات و إنجازات الحركة الإسلامية و هنا نلحظ الرجوع للتعميمات و الإنشائية و التبريرالتى تحمل في طياتها كثير من وجهات نظره التى سبق و ساقها في الفصول السابقة كمهادنة الحكومة أو التعايش معها لتحقيق المصالح العليا للأمة و مواجهة المخططات الخارجية الأمريكية و الصهيونية و ايجاد صيغة لتعاون الحركات الإسلامية وبناء استراتيجية جديدة و مناسبة للعمل الإسلامى.و كما بدأ طارق الكتاب ملتصقا بالجماعة الإسلامية ينهى الكتاب ملتصقا ومشيدا بها. لكن برغم كل التناقضات السابقة التى وقع فيها طارق الزمر في كتابه فهناك تناقضان بارزان و جوهريان وقع فيهما لابد أن يجد لهما طارق حل حقيقى:الأول- التهادن مع الحكومات و الصراع مع العلمانيين: إذ حافظ طارق طوال الكتاب على تمسكه بفكرة التخلى عن الدخول في صراع مع الحكومات لأن الصراع معها ليس في مصلحة التصدى للتحدي الأمريكى و الصهيونى, و مع ذلك هاجم بشدة العلمانيين ووصفهم بأبواق الإستعمار و...إلخ, و السؤال الذى يفرض نفسه هنا هو ما الفرق بين الحكومات العلمانية و المفكرين العلمانيين؟؟ أليس كلاهما علمانى ؟؟ و أليس كلاهما وثيق الصلة بالقوى الدولية الغربية, المفكرون وثيقو الصلة فكريا, و الحكومات وثيقو الصلة فكريا و عضويا؟؟و إذا كان طارق بحث و دعا لإيجاد صيغة للتعايش مع الحكومات العلمانية لدوافع معينة فما المانع من بحث نفس الموضوع بشأن المفكريين العلمانيين بسبب نفس الدوافع؟؟التناقض الثانى- الجهاد الخارجى مع الهدنة الداخلية و مع مطالبته بعدم القيام بعمليات في داخل أمريكا أو المدن الأوروبية: و السؤال هنا هو ما دام طارق قد رجح الصراع السلمى و سعى للتأثير في القرار الأمريكى و الأوروبى عبر كسب الرأى العام هناك فلماذا يصر على الصدام المسلح في المناطق التى أسماها بمناطق الإحتكاك, و كيف سيوفق بين هذا و ذاك؟؟؟ و على كل حال فرغم الإستثناءات العديدة التى ذكرناها فالدكتور طارق الزمر بهذا الكتاب لا يختلف في مجمل أفكاره عن كثير من الإتجاهات السائدة في الفكر السياسي للحركات الإسلامية المعاصرة, لكنه ربما تميز بصيغة عرض مشوقة لتنوع حججه بين ما هو سياسى و تاريخى و ما هو فنى و ثقافى وما هو شرعى إسلامى, بالإضافة لخوضه في الجوانب السياسية التفصيلية في بعض فصول الكتاب وهو ما قد يميزه عن فريق المفكرين الإسلاميين المعروفين و يضمه لفريق الباحثين السياسيين الإسلاميين الذين يخوضون في تفصيلات الشئون السياسية الإسلامية و هم قلة, و هو ما قد يعلن عن ميلاد مفكر إسلامي جديد, يتميز بتفكير منظم و أسلوب عرض جذاب مع تخصص واضح في الشئون السياسية بغض النظر عن مساحات الإتفاق و الخلاف بيننا وبينه.

عبدالمنعم منيب

هذا الموضوع فى المدونة القديمة , 2008-03-05 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اقوم الآن بنقل هذه المدونة الى موقعي الجديد " الأمة اليوم " على الرابط التالي

http://moneep.alummah.today/

نقلت حتى الآن ثلث المحتوى الموجود هنا و مستمر في النقل حتى أنقل جميع المحتوى ان شاء الله تعالى .. و كل جديد سأكتبه سأنشره هناك و ليس هنا..
حول مستقبل القاعدة في العراق

تعليقات